|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() المسكرات والمخدرات: حقيقتها وأسبابها وأضرارها (1) أحمد عماري الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. ثم أما بعد: إخوتي الكرام؛ نواصل حديثنا في التحذير من مساوئ الأخلاق وقبيح الخصال. وحديثنا اليوم عن خصلة عظيمة الأخطار، جسيمة المضار، وخيمة العواقب، على الصحة والعِرْض والمال والدين، تغضِبُ الربّ، وتذهِبُ العقل، وتوقِعُ العداوة والبغضاء بين الناس، وتدعو إلى كبائر الذنوب والآثام، وتجرّ إلى أبشع الجرائم والمنكرات... إنها آفة المسكرات والمخدرات؛ مرض خطير، وشر مستطير، كم أفقرت من غني، وكم أذلت من عزيز، وكم وَضعت من شريف، وكم سلبت من نعمة، وكم جلبت من نقمة، وكم أوقعت في بلية، وكم أورثت من حسرة... كم من جرائمَ ارْتكبتْ، وفواحشَ وآثام اقترفتْ، ونفوسٍ أتلفت، وصحة تدهورتْ، تحت تأثير الخمر والمخدرات!!، وكم أعراض انتهكتْ، وأموال سُرقت، وحوادثِ سَيْر وَقعتْ، حين غيِّبَتِ العقولُ والإرادات!!، وكم من أسَر تشتتت، وأولاد يُتمت، ونساءٍ رُمّلت، وأرحام قطعت، ومجتمعات صُدّعَتْ، بسبب إدمان المسكرات والمخدرات!!. • حقيقة المسكرات والمخدرات: المسكرات؛ اسم لكل ما يُغطي العقلَ ويُخرجه عن طبيعته المميزة الواعية. سواء كان هذا المسكر جامدا أو مائعا، وسواء كان مطعوما أو مشروبا، وسواء كان من حَبّ أو تمر أو عنب أو لبَنٍ أو غير ذلك. والمخدرات؛ اسم لكل ما يورّث الكسل والضعف والفتور والاسترخاء.. سواء كانت نباتا؛ كالحشيش والقات ونحو ذلك. أو كانت عقاقيرَ مصنعة؛ كالحبوب والحُقن.. والخمر؛ اسم لكل ما خامَرَ العقل؛ أي غطاه. سواء كان رطبا أو يابسا أو مأكولا أو مشروبا.. ولا فرق في هذه المسكِرَات والمخدرات بين القليل والكثير، مادام أصلها مخدّرا مسكرا.. فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مُسكر حرام، وما أسكرَ منه الفرَقُ فمِلْءُ الكفّ منه حرام". أخرجه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع. وعن عامر بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنهاكم عن قليل ما أسكرَ كثيرُه". أخرجه الدارمي والنسائي والدارقطني، وصححه الألباني في صحيح الجامع. وعن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أسكر كثيرُه فقليله حَرام". أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع. فقليل الخمر يدعو إلى كثيرها، والكأس منه تنادي على أختها، وتغري بغيرها، وهكذا حتى يصل صاحبها إلى حدّ الإدمان. ولا عبرة بتغيرّ الأسماء وكثرتها، فتغيير المسمَّيَات لا يُغيرُ الحقائق، وستبقى الخمر خمراً ولو سماها شاربُها عسلاً.. فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليشرَبَنّ ناسٌ من أمتي الخمرَ يُسمّونها بغير اسمها". أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الجامع. فلقد تنوعت الخمور الآن وأصبحت تسمى بأسماء مختلفة، كالمشروبات الروحية والمنشّطات والمنبهات.. وغير ذلك من الأسماء التي يُحسّنونها بها، فظهرَ في هذا الزمن ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تذهب الليالي والأيام حتى تشربَ طائفة من أمتي الخمرَ، يسمونها بغير اسمها". أخرجه ابن ماجة وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة. ولكن الشريعة الغرّاء التي أنزلها الله لكل زمان ومكان سَدّتْ الطريقَ على أولئك، فعرّفتِ الخمرَ بتعربف جامع يُحَرّمُ جميعَ أنواع المسكرات، طبيعية كانت أو صناعية، قليلة كانت أم كثيرة، ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام". وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذ بنَ جبل، قال لهما: "يَسّرَا ولا تعسّرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوَعا". قال أبو موسى: يا رسول الله، إنا بأرْض يُصنع فيها شراب من العسل، يقال له البِتْع، وشراب من الشعير، يقال له المِزْر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر حرام". فكلّ مسكر حرام، كيفما كان لونه، وكيفما كان نوعه، وكيفما كان شكله... دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، لا خلاف في ذلك بين العلماء ولا نزاع ولا إشكال.. أما الخمر؛ فقد قال الله تعالى عنه في آية مُحكَمة واضحة حاسِمة: ﴿ يأيهَا الذِينَ آمَنُوا إنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فاجْتَنِبُوهُ لعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطانُ أنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَة وَالبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾. (سورة المائدة: الآية 91). أما ما سوى ذلك من المسكرات والمخدرات؛ فيدل على تحريمها عموم الكتاب، وكذا السنة والإجماع والقياس. فالمخدرات والمسكرات من الخبائث التي حرّمها الله تعالى ونهى عنها، فقال عز وجل في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾. وقال عز وجل: ﴿ قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾. فالله تعالى لم يُحلّ إلا الطيب النافع، ولم يُحرّمْ إلا الخبيث الضارّ، ومن رحمة الله بعبده أنه يَصُونه مما يضرّه، ويحميَه مما يُتلِفه، ولذا حرّم عليه ما يعود بالضرر على بدنه أو نفسه أو عقله أو ماله، كالخمر وسائر المسكرات والمخدرات.. ولم يُضيّق الله تعالى على عباده واسعاً، ولم يَحْرمْهم طيّباً، وإنما أباح لهم من طيبات الحياة وخيْرَاتها ما يزيد عن حاجتهم ورَغباتهم.. وكم في الأرض من خيرات وكنوز وزروع... وقد قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيّهَا النَّاسُ كُلوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾. وقال عز وجل: ﴿ يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾. وقال سبحانه: ﴿ يَسْأَلونَكَ مَاذا أحِلَّ لَهُمْ قلْ أحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَات ﴾... وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن رجلا من اليمن قدِمَ فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شراب يَشرَبونه بأرضهم من الذرة، يُقال له المِزْرُ . فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أوَمُسكِرٌ هو؟". قال نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر حرام..". وقاعدة التحريم في الكتاب والسّنة، أن ما ثبت ضررُه فهو حرام، والمخدرات والمسكرات تشتمل على ضرر في الدين والعقل والخلق والطبع والجسم، وضرَرُها على الفرد والأسرة والمجتمع واضح لا نزاع فيه ولا مِراء. • أسباب انتشار المخدرات: المسكرات والمخدرات داءٌ انتشرَ في المجتمعات كالنار في الهشيم؛ لأسباب فرْدية وأسَرية واجتماعية. فمن الأسباب الفرْدية التي ترجع إلى الفرْد المُدمِن للمسكرات والمخدرات: ضعفُ الإيمان ورِقة الدّين، والفراغُ والبطالة، ورُفقة السوء، وحبُّ الاستطلاع والتجربةِ والتقليد، والهروبُ من مواجهة المشكلات وعدمُ القدرة على حلها... ومن الأسباب التي ترجع إلى أسرة المُدمِن: انشغالُ الوالدين، أو إدمانُ أحدِهما، وسوءُ التربية والرعاية، وشدةُ الضغطِ والقسوةِ على الأبناء... ومن الأسباب التي ترجع إلى المجتمع: انتشارُ المسكرات والمخدرات في الأسواق والمحلات التجارية، وكثرة المروّجين والمهرّبين، وتقصيرُ المؤسسات التربوية والدينية في مجال التربية والتعليم، مع سوء ما تقدّمُه وسائلُ الإعلام من صُحُفٍ وقنوات ومَواقع... • أضرارُ المسكراتِ والمخدراتِ ومخاطرُها: إخوتي الكرام؛ لتعاطي المسكرات والمخدرات أضرارٌ كثيرة، وعواقبُ وخيمة، ومخاطرُ جسيمة؛ فهو علة للخراب والدّمار، ومَجلبَة لسَخطِ الجبّار، وسبيلٌ مظلمٌ يهدي إلى النار.. إنها أمّ الخبائث ومفتاح كل شر؛ فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم: "لا تشرَب الخمرَ فإنها مفتاح كل شر". أخرجه ابن ماجة، وصححه الألباني في صحيح الجامع. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخمرُ أم الخبائث". أخرجه الطبراني في الأوسط، والطبراني في سننه، وصححه الألباني في صحيح الجامع. وصدقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فالمسكرات طريق إلى كل شرّ وسوء قد لا يخطر ببال. فهي مفتاحُ الزنا والقتلِ والسرقةِ... وهي الطريقُ إلى الانتحار، وسَبَبُ العقوقِ والحوادثِ المروريةِ وإهمالِ الزوجةِ والأولادِ والوظيفةِ، وغير ذلك من الشرور التي لا يُحيط بها إلا الله... فالمسكرات أمّ الخبائث، ورأسُ الشرور، وكبيرة من كبائر الذنوب، متعاطيها مُعَرّض نفسَه لوَعيد الله ولعنتِه وغضبه... ومدمن المسكرات مفسدٌ لدينه وبدنه، جانٍ على نفسه وأسرته ومجتمعه، عابثٌ بكرامته وجوهر إنسانيته، ساعٍ إلى الإثم والعدوان، صائلٌ متمردٌ على الأخلاق والقيم، وهو عضو مسمومٌ في المجتمع، إذا استفحلَ أمرُه وتطايرَ شرَرُه أصابه بالخراب والدمار.. ومتى غاب عقل المدمن؟ نسيَ ربه، فترك ذِكرَه وخالف أمرَه ووقع في نهيه، قد يقتل، وقد يزني ويَقع على مَحارمه - والعياذ بالله- وقد يسبّ الدين ويتطاول على الله رب العالمين... كم أحدثتِ المسكرات من بغضاء! وكم زرَعت من عداوة! وكم فرَّقت من جماعة! وكم ضيعت من أمة! وكم أهاجت من حروب! وكم شتتت من أسر!... والنهايةَ الحتمية لمتعاطي هذه المُسْكِرَاتِ إما السجونُ، وإما المستشفياتُ النفسيةُ، ناهيك عن تدميرِ الأسرةِ وطلاقِ الزوجةِ وضياعِ الأولادِ والفصلِ من العملِ والعُزلةِ الاجتماعيةِ وغيرِها من النهاياتِ السيئةِ لمن عصى ربه وأطاعَ شيطانه وتأثرَ برُفقاءِ السوءِ... إنها حقا أم الخبائث ومفتاح كل شر.. المسكرات رجسٌ من عملِ الشيطانِ؛ فهي من أعظمِ ما يؤجِّجُ به الشيطانُ العداوةَ والبغضاءَ بين المؤمنينَ، ومن أعظمِ ما يَصُدّ به عن ذكرِ الله وعن الصلاة، كما قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ﴾. ومن تأمَّلَ حالَ المدمنينَ وبُعدَهم عن الذكرِ والصلاةِ، وما يحدُثُ بينهم من جرائمَ بسببِ المخدراتِ، علمَ جيدًا معنى هذهِ الآيةِ. بالمسكرات تزول العقول، ويَغيب الإدراك، وتزيغ الأفكار؛ والعقلُ من أكبر نِعَمِ الله على الإنسان، به يميّز الإنسان بين الخير والشرّ والنفع والضرّ، به يَسعَدُ في حياته، وبه يُدَبّرُ أمورَه وشئونه.. بالعقل يفكر الإنسان ويُبدع، ويُنتج ويَخترع... والعقلُ يَحْمِلُ الإنسانَ على التحلي بالفضائل، والتخلي عن الرذائل. به يتمتع ويهنأ، وبه يتبيّن أوامرَ الشرع، ويَعرفُ الخطابَ، ويرُدّ الجواب، ويسعى في مصالحه الدينيّة والدنيويّة. به ترتقي الأمم وتتقدم الحياة، وينتظم المجتمع، ويتعايش الناس، وبالعقل يكون مناط التكليف... لهذا كله حرّمَ الله تعالى الخمرَ لأنها تغيّبُ العقلَ وتغطيه... وخطابُ الله تعالى إنما هو موجّه لأولي العقول والألباب، كما قال تعالى: ﴿ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لعَلكُمْ تعْقِلونَ ﴾. وقال تعالى: ﴿ فاتَّقوا اللَّهَ يَا أولِي الألبَابِ لعَلكُمْ تُفلِحُونَ ﴾. وقال عز وجل: ﴿ إنَّ فِي ذلِكَ لآيَاتٍ لأولِي النّهَى ﴾. ومن غيّبَ عقله وأفسده فقد رضيَ لنفسه بمستوى البهائم العجماوات.. ﴿ أمْ تحْسَبُ أنَّ أكثرَهُمْ يَسْمَعُونَ أوْ يَعْقِلونَ إنْ هُمْ إلا كالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلّ سَبيلا ﴾. فهل يليق بعاقل أن يدمّرَ عقله ويُضيّعه ويُفسدَه؛ بكأسِ خمْر، أو جُرْعةِ مُخدِّر، أو استنشاقِ مُسكِر، وشرْبِ مُفتر، فيَفقدُ هذا الإنسانُ عقله، وينسلخُ من عالم الإنسانية، ويتقمصُ شخصية الإجرام والفتك والفاحشة؛ فتشلّ الحياة، ويُهدَمُ صرحُ الأمة، ويَنسى السكران ربه، ويَظلم نفسه، ويَهيم على وجهه، ويقتل إرادته، ويمزق حياءه، ويُيتم أطفاله، ويرَمّل زوجته، ويُزري بأهله.. لمّا فقد عقله، فعربَدَ ولهى ولغى وطغى واعتدى... يقول الحسن البصري رحمه الله: لو كان العقل يُشترَى، لتغالى الناس في ثمنِه، فالعجبُ ممن يَشتري بماله ما يُفسده!. بالمسكرات والمخدرات يكون هلاك الأبدان والأجسام؛ أمراضٌ عديدة، وعِللٌ كثيرة، تتسبّبُ فيها المسكرات والمخدّرَات، وفق ما يذكره الأطباء والمختصون... فكم كانت المسكرات والمخدرات سبباً لأمراض القلب، وتصلبِ الشرايين، واعتلالِ الجهاز الهضمي والتنفسي والتناسلي، وإتلافِ خلايا المخ، وتدمير المراكز العصيبة لدى الإنسان، فيصبحُ شخصاً معتلاً شبَحاً مخيفاً، مرتبكَ التفكير، قلقاً غيرَ متوازن، وتقلّ قِوَاه العقلية، فيَهذِي بما لا يَدري، ويَهرف بما لا يَعرف، ويُصاب بالهلوسة والهستيريا، فتسوءُ علاقته مع أسرته ومجتمعه.. آلافٌ من البشر يَعكفون على المسكرات والمخدرات، حتى صاروا أشباحًا بلا أرواح، وأجسامًا بلا عقول، يُهلِكون أنفسَهم عن طريق هذه السموم الفتاكة، يُزْهِقون أرواحهم، ويَحفرُون قبورهم بأيديهم، وتلك من أبشع الجرائم في حق هذه النفس التي هي أمانة عند هذا الإنسان. والله تعالى يقول: ﴿ وَلا تقتُلوا أنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ومن تحَسّى سُمّا فقتلَ نفسه، فسُمّه في يدِه يتحَسّاه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا". متفق عليه. بالمسكرات والمخدرات يكون تبذيرُ المال وإتلافه؛ أضرارٌ اقتصادية كثيرة بسبب تعاطي المخدرات والمسكرات، فمُدمِنُوها يُشكلون عائقا كبيرًا في طريق التنمية والتقدّم الاقتصادي، ويَشكلون عِبئا ثقيلاً على عاتق الأمة بما يُهدِرُون من ثروتها وما يَجلبونه لها من المآسي والنكبات... ولا تزال المسكرات والمخدرات تستنزف مالَ متعاطيها حتى يضيقَ بالنفقة الواجبة على أهله وأولاده وعلى نفسه، وحتى تصبح أسرتُه عالة يتكففون الناس، وربّما باعَ متاعه وأهله وعِرضَه مقابلَ جُرْعَةِ مخدّر أو شَربةِ مُسكر.. ويوم القيامة يُسأل عن هذا المال الذي أتلفه في الحرام. فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه". أخرجه الترمذي والدارمي، وصححه الألباني في صحيح الجامع. فانتهوا رحمكم الله عن هذه المسكرات المنتنة الخبيثة، وحذروا منها أبناءكم وذويكم؛ لتسعَدوا في دنياكم وفي أخراكم... إخوتي الكرام؛ لنا موعدٌ مرة أخرى في الجمعة القادمة - إن شاء الله تعالى - مع الحديث عن أضرار المسكرات والمخدرات وسبل الوقاية منها، وإلى ذلكم الحين، نسأل الله تعالى أن يبعد عنا كل بلاء، وأن يشفينا من كل داء، وأن يحفظنا من من زيغ الأهواء وشماتة الأعداء، وأن يجعلنا من عباده الأصفياء الأتقياء، إنه سبحانه وتعالى سميع الدعاء... اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واجعلنا من عبادك الصالحين. يا رب العالمين.. اللهم حببْ إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرّهْ إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا مولانا من الراشدين. اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم اجمع شملهم، ووحد صفوفهم، وفرج همومهم، ونفس كروبهم، وانصرهم على أعدائهم يا قوي ياعزيز. وصل اللهم وسلم وبارك على حبيبنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() المسكرات والمخدرات: أضرارها وسبل الوقاية منها (2) أحمد عماري الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. ثم أما بعد: إخوتي الكرام، ما زال حديثنا عن ذلكم الداءِ العُضال، والمرض القتال، الذي لا حدّ لأضراره ومخاطره... إنه داء المسكرات والمخدرات؛ وقد ذكرنا بعضا من أضراره ومخاطره في الجمعة الماضية. واليوم نتحدث عن أضرار أخرى للمسكرات والمخدرات، مع بيان سبل الوقاية والنجاة منها. إخوتي الكرام، بالمسكرات والمخدرات يكون دمارُ الأسرة والمجتمع؛ فلا يشك عاقل أنّ تعاطيَ المخدرات والمسكرات يؤثر على الحياة الاجتماعية والأسَرية تأثيرًا سلبيًا، فكم مزَّقت المخدرات والمسكرات من صِلات وعلاقات، وكم فرّقتْ من أخُوَّةٍ وصَداقات، وكم شتَّتت من أسَر وجماعات، وكم أشعلت من أحقاد وعداوات... فالمسكراتُ والمخدرات داء تعاني منه كثير من الأسر؛ فوالدٌ يشتكي، وأمّ تبكي، وزوجة تعاني، وأولادٌ ضائعون، أسَرٌ تفكّكت، وأرحام قطعت، بسبب تناول المسكرات والمخدرات. فكم من والدٍ قتِل، وكم من أمّ قتلتْ، وكم من بنتٍ أو أخت اغتصبَتْ، وكم من زوجة طلقتْ، وكم من أسرة تفككت... بسبب تعاطي المسكرات والمخدرات. والمسكراتُ والمخدرات داءُ المجتمعات، وسرَطانُ الأمم؛ وإنّ مجتمعا تنتشر فيه هذه الأدواء والمهلكات مجتمعٌ يَسُودُه القلق والتوتر، ويُخيّم عليه الشقاق والتمزق... وهذا ما يخطط له إبليس اللعين، كما قال عنه رب العالمين: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91]. بالمسكرات والمخدرات ترتكبُ الجرائمُ والمنكرات؛ فلو نظرنا إلى انتشار الجرائم وتفشيها في المجتمعات لوَجدنا أنّ من أهم أسبابها الرئيسية تعاطي المسكراتِ والمخدرات، ذلك أنّ المدمن عادة ما يكون فاشلاً في مجتمعه، عاجزًا عن القيام بأي عمل ينفعه، خاليًا من الشعور بالمسؤولية، لفقدِه ما يؤهله لذلك من دِين أو عقل، نتيجة تعاطيه لتلك السموم المُهلِكة، ومن كان هذا شأنه فإنه سيُقدِم على طلب المال وتحصيله من أي مصدر، وبأي وسيلة، ولا يبالي بما يرتكبه في سبيل ذلك من جرائم بشتى صورها وأنواعها، من قتل وسرقة واغتصاب وتهديد وترويع... عن عثمان رضي الله عنه يقول: "اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل ممن خلا قبلكم تعبّد، فعلِقته امرأة غويّة، فأرسلت إليه جاريتها، فقالت له: إنا ندعوك للشهادة، فانطلق مع جاريتها، فطفقتْ كلما دخل بابا أغلقته دونه، حتى أفضى إلى امرأة وَضيئة عندها غلام وباطية خمر، فقالت: إني والله ما دعوتك للشهادة، ولكن دعوتك لتقع عليّ، أو تشربَ من هذه الخمرة كأسا، أو تقتل هذا الغلام، قال: فاسقيني من هذا الخمر كأسا، فسقته كأسا، قال: زيدوني، فلم يَرمْ حتى وقعَ عليها، وقتل النفس. فاجتنبوا الخمر، فإنها والله لا يجتمع الإيمان وإدمانُ الخمر إلا ليوشك أن يُخرج أحدُهما صاحبه". أخرجه النسائي والبيهقي، وصححه الألباني موقوفا في صحيح النسائي. بالمسكرات والمخدرات يَفقد المرءُ دينه، ويُضيّع إيمانه، ويَخسَرُ آخِرَته؛ فإنه لا يتعاطى المسكِرَ إلا من رَقّ دينُه وضعُفَ إيمانه، واستولتْ شهوته على عقله وقلبه... وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يَشرَب الخمرَ حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يَسرق وهو مؤمن». متفق عليه من حديث أبي هريرة. ويقول عثمان بن عفان رضي الله عنه: "اجتنبوا الخمر؛ فإنه والله لا يجتمعُ والإيمانَ أبدا، إلا يُوشِك أحدهما أن يُخرجَ صاحبَه". رواه النسائي، وصححه الألباني في صحيح النسائي. فالمسكرات سبب في الغواية والضلالة، تصُدّ صاحبَها عن ذكر الله وعن الصلاة، فيَهُونُ على نفسه تركُ الطاعة، ويندفعُ نحوَ المعصية إرضاءً لشهوته وشيطانه ورفاقِه.. وقد قال عليه الصلاة والسلام في حادثة الإسراء: «...وأتِيتُ بإناءين، أحدُهما لبن والآخرُ فيه خمر، فقيل لي: خذ أيّهما شئتَ، فأخذتُ اللبن فشربته، فقيل لي: هُدِيتَ الفطرة، أو أصبتَ الفطرة، أما إنك لو أخذتَ الخمرَ غوَتْ أمّتك». متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. يقول الضحّاك بن مُزاحِم رحمه الله لرجل: ما تصنعُ بالخمر؟ قال: يَهضِم طعامي. قال: أمَا إنه يهضم من دينك وعقلك أكثر. بتعاطي المسكرات والمخدرات يكون العذاب والخسران في الدار الآخرة؛ فعن ابن عمر رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه». أخرجه أبو داود. وعن أنس بن مالك قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: عاصرَها، ومعتصِرَها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكلَ ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له». أخرجه الترمذي. وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل مسكر حرام، إن على الله عز وجل عهدا لمن يشرَب المسكِرَ أن يُسقيه من طينة الخبال». قالوا يا رسول الله؛ وما طينة الخبال؟ قال: «عَرَق أهل النار، أو عُصارة أهل النار». وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شرب الخمر فسكِرَ لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشرب فسكِرَ لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال يوم القيامة» قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: «عُصارة أهل النار». أخرجه ابن حبان، وصححه الألباني في التعليقات الحِسان. ♦ سبل الوقاية من مخاطر المسكرات والمخدرات: إخوتي الكرام؛ ما السبيل إلى وقاية النفس من أضرار المسكرات والمخدرات ومخاطرها؟.. أولا: تعميق الاحترام لأمر الله ونهيه؛ ذلك أن الإنسان إذا اعتقد بكمال رحمة الله وحكمته فيما خلق وقدّرَ، وفيما أمرَ ونهى، رَضِيَ بكل تعاليم ربّه وأحكامِه، وتقبّلها بقبول حَسَن، وسارَع إلى تنفيذها دون ضجَر أو حرَج، ودون تحايل على القانون أو هروب منه، لأنه يُدرك تماما أن الله حكيم خبير، رحمان رحيم... ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36]. ثانيا: التربية الإيمانية على محبةِ الله والخوفِ منه والحياءِ منه وتعظيمِه والخضوع له سبحانه؛ هذه التربية التي رَبّى عليها النبي صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام، فلما نزلت آية تحريم الخمر لم يترددوا ولم يجادلوا في تركها، بل بادروا إلى امتثال أمر الله واجتناب نهيه، وأسرع كل واحد منهم إلى سكب ما عنده من خمر، حتى جَرَت الخمر في أزقة المدينة. وهكذا يفعل الإيمان بأهله. ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "ما كان لنا خمرٌ غيرُ فضيخِكم هذا الذي تسمونه الفضيخ، فإني لقائم أسقي أبا طلحة، وفلانا وفلانا، إذ جاء رجل فقال: وهلْ بَلغكمُ الخبر؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال: حُرّمتِ الخمر. قالوا: أهرقْ هذه القلالَ يا أنس. قال: فما سألوا عنها ولا راجَعوها بعد خبَر الرجل". وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرُهم يومئذ الفضيخ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي: «ألا إنّ الخمر قد حُرّمت» قال: فقال لي أبو طلحة: اخرُج فأهرقها، فخرجتُ فهرقتها، فجرَتْ في سِككِ المدينة. فقال بعض القوم: قد قتِلَ قوم وهي في بطونهم، فأنزل الله: ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ﴾ [المائدة: 93]. ثالثا: أداء الواجب وتحمل المسؤولية بصدق وأمانة؛ من طرف كل فرْد من أفراد الأسرة والمجتمع، فقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته». فعلى الأسرة أن تقوم بدورها في حسن التربية والرعاية والمصاحبة... وعلى المؤسسات الدينية والتعليمية أن تقوم بدورها في التعليم النافع، والتربية على المبادئ والقيم... وعلى الإعلام أن يقوم بواجبه في توعية الناس وإرشادهم إلى ما ينفعهم... وعلى الدولة أن تقوم بواجبها في ردع المخالفين، وتأديب المروّجين... رابعا: العلمُ بما ينتج عن تعاطي المخدرات والمسكرات من نتائجَ سيئة، وتصرفاتٍ مُخزية، وذل ومهانة، وخزي وندامة... فلو رأى السكيرُ نفسه، ماذا يحصل له حال سُكره؟! لو رأى نفسه وهو يمشي مثلَ البهيمة التي تقاد لتذبح، بل البهيمة تميز بين الحفر فتبتعدُ عنها، أما السِّكير فهو في حالة يُرثى لها.. ولو رأى الناسَ وهم يضحكون عليه ويسخرون منه.. ولو رأى السِّكيرُ أهله وهم في حالة ذعْر وخوْف عندَما يفقد عقله فيصول في بيته كالثور الهائج.. فيا من ابتليتَ بالمسكرات والمخدرات! تذكرْ أن الله مُطَّلعٌ عليك، فأين الخوف من ربّ العالمين؟! وأين الحياء من أحكم الحاكمين؟. يا من ابتليتَ بالمسكرات والمخدرات! ماذا يكون جوابك حين تسأل عن هذه الأموال التي تنفقها في المخدرات والمسكرات؟!. يا من ابتليتَ بالمسكرات والمخدرات! فكِّرْ في العواقب، فإن كنت تاجراً فلا تأمَن الإفلاس، فكثيرا ما كانت المسكرات سببا في الفقر والجنون والفضيحة بين الناس... وإن كنتَ موظفاً، فعاقبة أمرك التشريد والطرد من الأعمال، مع ما تصاب به من أمراض فتاكة وآلام وأوجاع... يا من ابتليتَ بالمسكرات والمخدرات! أما تذكرتَ الموت؟. ألا تخشى من سوء الخاتمة عند سكرات الموت؟. فكم من سِكِّير عِرْبيد عند الاحتضار يُلقنُ الشهادة، وهو يطالب بكأس الخمر ليشربها!. فتبْ إلى الله، وعُدْ إلى الله، ما دُمْتَ في زمَن الإمكان، فالتوبة تجبّ ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. عِظْ نفسَك لعلها ترقّ وتلين، وافتحْ آذان قلبك لعلك ترجع عن غيك، واذكرْ يوماً يقوم فيه الناس لربّ العالمين، يوم ينظر المرء ما قدمت يداه، يوم يَعَضّ الظالم على يديه نادماً على ما جناه، ﴿ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴾ [الانفطار: 19].. فعُدْ إلى الله، وابتعد عن المستنقعات الموبوءة، والبيئة المشبوهة، والصحبة السيئة، فذلك خيرٌ وأنفعُ لك في دينك ودنياك... فاتقوا الله - عباد الله - وأحسنوا سيرتكم وأفعالكم مع الله، وتجنبوا ما يُخجلكم ويُخزيكم عند الوقوف بين يدي الله. اتقوا الله واشكروه على نِعمَةِ الدين المحكم الذي أحِلتْ لنا فيه الطيباتُ، وحُرّمت علينا فيه الخبائثُ. واشكروا الله عز وجل على نعمةِ العقل، وحافظوا عليه، واجتنبوا كل ما يؤذيه، واعتبروا بمن فقد عقله وماله وحُرّيته بتعاطيه للمسكرات والمخدرات. فاللهم جنبنا المسكرات والمخدرات، وطهر بلادنا من الخمور والمهلكات، وأغننا يا ربنا عن الخبائث بما أحللته لنا من الطيبات... يا رب العالمين. اللهم حببْ إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرّهْ إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا مولانا من الراشدين. اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين أجمعين.. يا رب العالمين. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اجمع شملهم، ووحد صفوفهم، وفرج همومهم، ونفس كروبهم، وانصرهم على أعدائهم يا قوي يا عزيز. وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |