يا بني اركب معنا - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4942 - عددالزوار : 2039521 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4516 - عددالزوار : 1310060 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1109 - عددالزوار : 128954 )           »          زلزال في اليمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          المسيح ابن مريم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 4809 )           »          ما نزل من القُرْآن في غزوة تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          أوليَّات عثمان بن عفان رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          القلب الطيب: خديجة بنت خويلد رضي الله عنها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          رائدة صدر الدعوة الأولى السيدة خديجة بنت خويلد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          طريق العودة من تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 21-09-2020, 02:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي يا بني اركب معنا

يا بني اركب معنا


الشيخ عبدالله بن محمد البصري






الخطبة الأولى

أَمَّا بَعدُ، فَـ ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].



أَيُّهَا المُسلِمُونَ، تَتَعَدَّدُ الآرَاءُ وَتَتَشَعَّبُ الأَهوَاءُ، وَتَختَلِفُ الأَعمَالُ وَتَكثُرُ الأَقوَالُ، وَتَحدُثُ في الدُّوَلِ وَالمُجتَمَعَاتِ تَغَيُّرَاتٌ وَتَحَوُّلاتٌ، وَقَد يُصبِحُ صَدِيقَ الأَمسِ عَدُوَّ اليَومِ وَبِالعَكسِ، وَقَد يُغَيِّرُ أَقوَامٌ اتِّجَاهَاتِهِم وَتَنقَلِبُ نَوَايَاهُم، وَلَكِنَّ كُلَّ مَا يَحصُلُ لا يُخرِجُ الحَقَّ عَن أَن يَبقَى حَقًّا، وَلا البَاطِلَ عَن أَن يَظَلَّ بَاطِلاً، قَالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾ [يونس: 32] وَإِنَّهُ وَمُنذُ أَن خَلَقَ اللهُ الإِنسَانَ، فَقَد حَذَّرَهُ عَدَاوَةَ الشَّيطَانِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾ [طه: 117].



وَلَم يَكُنْ هُبُوطُ آدَمَ عَلَيهِ السَّلامُ مِنَ السَّمَاءِ لَمَّا ضَعُفَ وَعَصَى وَأَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ، إِلاَّ انتِقَالٌ لِمَيدَانِ الصِّرَاعِ بَينَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ إِلى هَذِهِ الأَرضِ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ﴾ [طه: 123 - 125].



وَيَشَاءُ اللهُ أَن تَظَلَّ الخُصُومَةُ بَينَ الرُّسُلِ عَلَيهِمُ السَّلامُ وَأَتبَاعِهِم مِن جِهَةٍ، وَبَينَ أَعدَائِهِم مِنَ الشَّيَاطِينِ وَأَتبَاعِهِم مِن جِهَةٍ أُخرَى، قَالَ تَعَالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الفرقان: 31] وَقَالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ ﴾ [الأنعام: 112، 113].



نَعَم - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّ الصَّرَاعَ وَإِن تَعَدَّدَت أَسمَاءُ الأَعدَاءِ وَتَشَعَّبَت مَذَاهِبُهُم، إِنَّمَا هُوَ بَينَ حَقٍّ وَبَاطِلٍ، وَهُدًى وَضَلالٍ، وَصَوَابٍ وَخَطَأٍ؛ صَحِيحٌ أَنَّ مُؤَامَرَاتِ أَهلِ البَاطِلِ عَلَى أَهلِ الحَقِّ قَد تَكُونُ اتَّخَذَت أَشكَالاً جَدِيدَةً وَصُوَرًا مُتَعَدِّدَةً، أَو لَبِسَت مَلابِسَ مُختَلِفَةً أَوِ انتَهَجَت أَسالِيبَ مُتَغَايِرَةً، وَرَكِبَت مَوجَاتٍ مُتَبَايِنَةً وَاعتَمَدَت وَسَائِلَ مَاكِرَةً، لَكِنَّ أَهلَ البَاطِلِ كَانُوا وَمَازَالُوا هُم إِيَّاهُم، وَالمُسلِمُونَ بِعَامَّةٍ وَأَهلُ السُّنَّةِ بِخَاصَّةٍ، كَانُوا وَمَا يَزَالُونَ غَرَضًا لِسَهَامِ العَدُوِّ الغَادِرَةِ، قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ﴾ [إبراهيم: 13] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ [البقرة: 217] وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [المائدة: 51] وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ ﴾ [آل عمران: 69] وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [البقرة: 109] وَقَالَ تَعَالى: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [البقرة: 120] وَقَالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ﴾ [التوبة: 67].



وَمَعَ مَا تَعَرَّضَ لَهُ الحَقُّ عَلَى مَرِّ العُصُورِ وَتَوَالي الدُّهُورِ مِن نَكَبَاتٍ، إِلاَّ أَنَّ ثَبَاتَهُ وَرُسُوخَهُ وَانتِصَارَهُ، وَطَيَشَانَ البَاطِلِ وَزَوَالَهُ وَمَحقَهُ، سُنَّةٌ مِن سُنَنِ اللهِ الَّتي لا تَتَبَدَّلُ وَلا تَتَغَيَّرُ، وَهُوَ تَعَالى يَنصُرُ المُهتَدِينَ وَيُؤَيِّدُهُم وَيَحفَظُهُم، كَمَا قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ﴾ [الفرقان: 31] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 24 - 27]



أَجَل - أَيُّهَا المُؤمِنُونَ - إِنَّ الحَقَّ ثَابِتٌ وَأَهلَهُ مَهدِيُّونَ مَنصُورُونَ، وَالبَاطِلَ زَائِلٌ وَأَهلَهُ مَخذُولُونَ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لأَنَّ ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ﴾ [النساء: 76] قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء: 105] وَقَالَ تَعَالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33] وَلَو شَاءَ اللهُ وَهُوَ القَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ لَنَصَرَ عِبَادَهُ وَأَظهَرَ دِينَ الحَقِّ بِقَضَاءٍ مِنهُ وَقَدَرٍ، بِلا عَمَلٍ وَلا جُهدٍ مِن بَشَرٍ، وَلَكِنَّ حِكمَتَهُ اقتَضَتِ الابتِلاءَ وَالمُدَافَعَةَ، قَالَ تَعَالى: ﴿ ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾ [محمد: 4] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 250، 251].



نَعَم - أَيُّهَا المُؤمِنُونَ - لَقَد جَعَلَ رَبُّكُمُ الخُصُومَةَ بَينَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ مُستَمِرَّةً إِلى أَن يَرِثَ الأَرضُ وَمَن عَلَيهَا ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ [هود: 118، 119] وَمِن ثَمَّ فَلا يَظُنَّنَ ظَانٌّ أَنَّ الطَّرِيقَ مَفرُوشَةٌ بِالوُرُودِ وَالرَّيَاحِينَ، بَل هِيَ طَرِيقٌ لا تَخلُو مِن مَشَقَّةٍ ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 2، 3] لَقَد لاقى الأَنبِيَاءُ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ في سَبِيلِ الحَقِّ مَا لاقَوا، فَمِنهُم مَن أُخرِجَ مِن دِيَارِهِ، وَمِنهُم مَن طُرِدَ مِن أَرضِهِ، وَمِنهُم مِن حُوصِرَ وَمِنهُم مَن قُتِلَ، وَمَعَ هَذَا فَقَد تَكُونُ الدَّائِرَةُ في وَقتٍ مِنَ الأَوقَاتِ أَو جِهَةٍ مِنَ الجِهَاتِ لأَهلِ البَاطِلِ وَيَغلِبُونَ، وَلَكِنَّ المُؤمِنِينَ يَبقَونَ صَابِرِينَ ثَابِتِينَ، وَيُجَاهِدُونَ بِكُلِّ مَا أُوتُوا مِن قُوَّةٍ؛ لأَنَّهُم مَنهِيُّونَ عَنِ الضَّعفِ وَالجَزَعِ، قَالَ تَعَالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ﴾ [النساء: 104] وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76].



أَجَل - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّهُ لَوَاجِبٌ عَلَى المُؤمِنِينَ وَهُم عَلَى الحَقِّ أَن يُدَافِعُوا البَاطِلَ وَيَستَدفِعُوا كَيدَ الشَّيطَانِ وَجُندِهِ، ولا يَتَخَاذَلُوا لأَنَّ لِوَاءَ البَاطِلِ في زَمَنٍ كَزَمَانِنَا حَمَلَتهُ دُوَلٌ وَحُكُومَاتٌ، أَو رَفَعَتهُ هَيئَاتٌ وَمُنَظَّمَاتٌ، فَهَذَا شَأنُ البَاطِلِ وَتِلكَ عَادَتُهُ، قَد يَحتَدِمُ في حِينٍ وَتَكُونُ لَهُ صَولَةٌ، إِلاَّ أَنَّهُ كُلَّمَا احتَدَمَ وَقَوِيَ وَتَعَاظَمَ، كَانَ هَذَا مُبَشِّرًا بِتَمَيُّزِ الخَيرِ عَنِ الشَّرِّ، وَحِينَهَا يُعرَفُ مَن يَحمِلُ هَمَّ الإِسلامِ وَيَرفَعُ لِوَاءَهُ بِصِدقٍ، وَمَن هُوَ قَائِمٌ بِوَاجِبِ الدَّعوَةِ إِلى اللهِ بِحَقٍّ، وَمَن لم يَكُنْ تَلَبُّسُهُ بِالحَقِّ في الظَّاهِرِ سِوَى سُلَّمٍ لِنَيلِ حَظٍّ مِنَ الدُّنيَا قَلِيلٍ ﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ﴾ [الشعراء: 227] أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنَكُنْ مِن حِزبِهِ المُفلِحِينَ، وَلْنَكُنْ صَفًّا في مُوَاجَهَةِ البَاطِلِ وَمُدَافَعَتِهِ؛ فَذَلِكَ سَبَبٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ لَنَا، وَإِذَا أَحَبَّنَا تَعَالى نَصَرَنَا وَأَيَّدَنَا، وَهُوَ القَائِلُ سُبحَانَهُ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: 4] ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ * لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة:20، 22].



الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200].



أَيُّهَا المُسلِمُونَ، عِندَمَا تَشتَدُّ الأَزَمَاتُ وَيَحتَدِمُ الصِّرَاعُ بَينَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، وَتَتَمَايَزُ الصُّفُوفُ وَلا يُبقِي الطُّوفَانُ مَجَالاً لِلتَّفكِيرِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى المُؤمِنِ الرُّكُوبُ في سَفِينَةِ النَّجَاةِ مَعَ المُؤمِنِينَ الصَّادِقِينَ، وَعَدَمُ التَّشَبُّثِ بِما يَظُنُّ فِيهِ نَجَاةً غَيرَ الدِّينِ، وَلا يَغتَرَّنَّ أَحَدٌ بِبَاطِلٍ وَإِن عَلا شَأنُهُ وَارتَفَعَ بُنيَانُهُ، فَلَيسَ وَرَاءَ اللهِ مُنتَهَى، وَهَذَا نُوحٌ - عَلَيهِ السَّلامُ - لَمَّا عَلا الطُّوفَانُ، وَالسَّفِينَةُ ﴿ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ ﴾ [هود: 42] دَعَا ابنَهُ إِلى الطَّرِيقِ الوَحِيدِ لِلنَّجَاةِ ﴿ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ﴾ [هود: 42] وَلَمَّا انخَدَعَ ابنُهُ بِعُلُوِّ الجِبَالِ وَظَنَّ أَنَّهَا سَتَمنَعُهُ مِن عَذَابِ اللهِ وَتُنجِيهِ مِن بَأسِهِ، وَ ﴿ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ﴾ [هود: 43] أَجَابَهُ الأَبُ الرَّؤُوفُ بِهِ العَالِمُ بِرَبِّهِ ﴿ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ﴾ [هود: 43].



إِنَّ العَالَمَ اليَومَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - يَشهَدُ طُوفَانًا لِلشَّرِّ طَاغِيًا، وَزَحفًا لِلبَاطِلِ عَادِيًا، وَزَهوًا لَهُ وَانتِفَاشًا وَتَعَالِيًا، وَسَيَنجَرِفُ مَعَ هَذَا البَاطِلِ مَن يَنجَرِفُ، وَسَيَنحَرِفُ إِلَيهِ مَن يَنحَرِفُ، وَلَن يَنجُوَ إِلاَّ مَن عَصَمَهُ اللهُ وَاعتَصَمَ بِحَبلِهِ المَتِينِ، فَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وَكُونُوا يَدًا وَاحِدَةً وَلا تَختَلِفُوا، اُثبُتُوا في طَرِيقِ الهُدَى، وَادعُوا إِلى سَبِيلِ رَبِّكُم بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ، اُنشُرُوا الحَقَّ وَأَعلُوهُ وَارفَعُوهُ، وَكُونُوا مِن أَنصَارِهِ وَادعَمُوهُ وَادفَعُوهُ، جَاهِدُوا بِأَلسِنَتِكُم وَأَموَالِكُم، أَصلِحُوا أَنفُسَكُم وَأُسَرَكُم وَأَبنَاءَكُم، وَكُونُوا قُدوَاتٍ حَسَنَةً في الخَيرِ لأَجيَالِكُم، وَمُرُوا بِالمَعرُوفِ وَانهُوا عَنِ المُنكَرِ.



إِنَّكُم إِلى رَبِّكُم صَائِرُونَ، وَعَمَّا جَاءَكُم مِنَ الحَقِّ مَسؤُولُونَ " كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ " وَ" إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا استَرَعَاهُ حَفِظَ أَم ضَيَّعَ " وَلَيسَ ضَلالُ كَبِيرٍ أَو تَهَاوُنُ زَعِيمٍ بِمُسَوِّغٍ لِلتَّخَلِّي عَنِ العُبُودِيَّةِ الحَقَّةِ، وَالَّتِي مِن أَجلِهَا خُلِقَ العِبَادُ، فـَ ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [المدثر: 38] ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الأنعام: 164] وَلا طَاعَةَ لِمَخلُوقٍ في مَعصِيَةِ الخَالِقِ ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]. ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ * وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 27 - 30].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 88.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 86.62 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.95%)]