
15-09-2020, 02:50 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,449
الدولة :
|
|
إجابات على بعض الشبهات
إجابات على بعض الشبهات
الشيخ عبدالرحمن بن حماد آل عمر
نُذكِّرُ إخوانَنا المسلمين فيما يلي بإجاباتٍ لكثير من الشُّبَه التي يعترضُ بها بعضُ المبتدعين على ما سبق الكلامُ عليه من أنواع الشرك، ونبدؤها بهذا الجواب العام المجمل لشيخ الإسلام:
يقول الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ [آل عمران: 7]، وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابَه منه، فأولئك الذين سمَّى اللهُ؛ فاحذروهم)).
مثال ذلك إذا قال بعض المشركين: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62]، وإن الشفاعةَ حقٌّ، وإن الأنبياء لهم جاهٌ عند الله... أو ذكر كلامًا للنبي صلى الله عليه وسلم يستدلُّ به على باطله.
فجوابه: أن كفرَ المشركين بتعلُّقهم على الملائكة والأنبياء والأولياء، كما قال تعالى عنهم: ﴿ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [يونس: 18]، وهذا أمر مُحْكَمٌ بيِّنٌ، لا يَقدِرُ أحدٌ أن يغيِّر معناه، وكلام الله لا يتناقضُ، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يُخالِف كلامَ الله، أما الإجاباتُ المفصلة فتشملها المسائل الآتية:
الأولى: أن الذين قاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم يقولون: نحن نشهدُ بتفرُّدِ الله بالخَلْقِ، والرَّزْق، والنفع والضر، ونقرُّ بأن أوثانَنا لا تدبِّرُ شيئًا، وإنما أردنا بعبادة الصالحين مع الله الجاهَ والشفاعةَ، كما في قوله تعالى عنهم: ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ [الزمر: 3]، وقوله: ﴿ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [يونس: 18].
الثانية: أن من الكفار مَن يدعو الصالحين والأصنام، ومنهم مَن يدعو الأولياء الذين قال الله فيهم: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ﴾ [الإسراء: 57]، ويدعون عيسى ابن مريم وأمَّه، وقد قال تعالى: ﴿ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [المائدة: 75]، وقال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ ﴾ [سبأ: 40، 41]، والله سبحانه قد كفَّر من قصد الأصنام، وكفَّر مَن قصد الصالحين بالعبادة كذلك، وقاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم.
الثالثة: أن العباداتِ كلَّها حقٌّ لله على عباده، فرَضَ عليهم إخلاصَها له سبحانه، فمن دعا مخلوقًا، أو ذبح له، أو لجأ إليه فيما لا يقدر عليه إلا الله - فقد أشرك بالله، وعَبَد غيرَه، ولا ينفعُه الاعتذارُ بالجاه والشفاعة...؛ لأن عبادة المشركين للصالحين وللأصنام لم تكن إلا: بالدعاء، والذبح، والالتجاء، ونحو ذلك؛ طلبًا للجاه والشفاعة.
الرابعة: أن شفاعةَ الرسول صلى الله عليه وسلم حقٌّ؛ فهو الشافع المُشفَّع، أعطاه الله الشفاعةَ، ولكن اللهَ بيَّن لنا أن الشفاعة كلَّها له سبحانه قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ﴾ [الزمر: 44]، وبيَّن شرطها؛ وهو إذنُه في قوله تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ﴾ [سبأ: 22، 23].
قال العلماء في تفسير هذه الآية: نفى اللهُ عما سواه كلَّ ما يتعلَّق به المشركون؛ فنفى أن يكون لغيره مُلْكٌ أو قِسطٌ منه، أو يكون عونًا لله، ولم يبق إلا الشفاعةُ، فبيَّن أنها لا تنفع إلا لمن أَذِن له سبحانه كما قال: ﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾ [الأنبياء: 28]، فالشفاعةُ التي يظنُّها المشركون منتفيةٌ يوم القيامة كما نفاها القرآن الكريم، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم ((أنه يأتي، فيسجدُ لربِّه، ويَحمدُه - لا يبدأ بالشفاعة - ثم يُقالُ له: يا محمدُ، ارفعْ رأسك، وقُلْ يُسمَعْ، وسَلْ تُعطَه، واشفع تُشفَّعْ)).اهـ.
الحديثُ في الصحيحين بطولِه، وخرَّجه أحمد، وقال أبو هريرة رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم: مَن أسعدُ الناس بشفاعتك؟ قال: ((مَن قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه))؛ رواه البخاري، وأحمد، والنَّسائي، وصحَّحه ابن حبَّان، وفيه ((وشفاعتي لمَن قال: لا إله إلا الله مخلصًا، ويصدقُ قلبُه لسانَه، ولسانُه قلبَه))، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكلِّ نبي دعوة مستجابة، فتعجَّل كلُّ نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله مَن مات لا يشرك بالله شيئًا)).
فتأمل هذا الحديث كيف جعل أعظمَ الأسباب التي تُنال بها شفاعته صلى الله عليه وسلم تجريدَ التوحيد، عكس ما عند المشركين أن الشفاعة تنال باتِّخاذهم شفعاءَ، فقلَبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ما في زعمهم الكاذب، وأخبر أن سببَ الشفاعة تجريدُ التوحيد، فحينئذ يأذن الله للشافع أن يَشفَع.
الخامسة: أن محبةَ الرسول صلى الله عليه وسلم فوق محبة النفس، والولد، والوالد والناس أجمعين، محبة واجبة على كل مسلم ففي الحديث عن أنس رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا يؤمنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من ولده، ووالده، والناس أجمعين))؛ رواه البخاري ومسلم، وفي الحديث: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (يا رسولَ الله، لأنت أحبُّ إليَّ من كلِّ شيء إلا نفسي)، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده حتى أكونَ أحبَّ إليك من نفسك)) فقال عمر: فإنك الآن أحبُّ إليَّ من نفسي، فقال: ((الآن يا عمر))؛ رواه البخاري.
وينافي هذه المحبةَ الإعراضُ عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وينافيها تقديمُ قول غيره على قوله، كما قال تعالى: ﴿ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 47].
ومحبةُ الرسول صلى الله عليه وسلم تابعةٌ لمحبة الله، لازمةٌ لها؛ لأنها محبةٌ لله، ولأجله، والمحبة نوعان: شرعيَّة، وشركية.
فالشرعية هي: المحبةُ في الله؛ كمحبة المؤمنين للرسول صلى الله عليه وسلم، ولبعضِهم البعض محبةً جمَعَهم عليها الإيمان بالله.
والمحبَّةُ الشركيَّة هي: محبةُ غير الله كحبِّ الله؛ كمحبة المشركين لأصنامهم، ولبعض الأنبياء والملائكة والصالحين؛ حتى أدَّى بهم ذلك الحبُّ إلى دعائهم، وجعلهم وسائطَ بينهم وبينَ الله، كما قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165]، وهؤلاء توعَّدهم الله بالعذاب، كما قال سبحانه: ﴿ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 167].
والمؤمنُ الحقيقيُّ يحبُّ الرسول صلى الله عليه وسلم، فوق محبَّتِه لكل مخلوقٍ، وعلامة ذلك تمسُّكُه بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعدم مخالفتهما.
أما مَن يأتي عند أيِّ قبر كان فيدعو صاحبَه، ويطلبُ منه الشفاعةَ، ويذكر له حوائجَه، أو نحو ذلك مما هو خلاف الشريعة، وكذا مَن يعمل مثلَ ذلك مع الغائبين، أو مع الأحياء الحاضرين فيما لا يَقدِرُ عليه إلا اللهُ - فهذا غيرُ محبٍّ للرسول صلى الله عليه وسلم، وغيرُ محبٍّ لله المحبَّةَ الشرعيَّة الصحيحة؛ لأنه انتَهَك حرمةَ الوَحْيِ، وعملُه دليلٌ على أن محبَّته لمن يَرتكِبُ تلك الأمور عندَ قبره محبَّةٌ شركيَّة محرمة.
والمحبَّة التي يستحقُّ المحبوب بها أن يُعبَد إنما هي محبةُ الله وحدَه لا شريك له؛ لأنه هو الخالق الرازق الهادي للإيمان هدايةَ التوفيق التي لا يَقدِرُ عليها إلا هو؛ فلذلك يُوحِّد المؤمن ربَّه عز وجل، ويَعتقِدُ فيه وحدَه النَّفْعَ والضرَّ؛ فيرجعُ إليه في جميع أموره، ويَعبدُه حقَّ عبادته.
السادسة: أن الاستشفاعَ والتوسُّلَ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وبغيره في الدنيا إلى الله تعالى في الدعاء على أنواع:
الأول: قولُ الداعي: بحقِّ فلان؛ يريدُ الإقسام على الله، وهذا محذورٌ من وجهين:
الأول: أنه قسَمٌ بغير الله لا يجوز؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن حلف بغير الله، فقد كفر أو أشرك))؛ رواه الترمذي وحسَّنه، وصححه الحاكم.
والثاني: أنه اعتقادٌ في أن لأحد على الله حقًّا، وليس لأحدٍ على الله حقٌّ إلا ما أحقَّه على نفسه؛ كقوله تعالى: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47]، وكذلك ما ثبَت في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ وهو رديفُه، فهذا حقٌّ وجَب بكلمات الله التامَّة، ووعده الصادق، لا أن العبدَ نفسَه يستحقُّ على الله شيئًا كما يكون للمخلوق على المخلوق؛ فإن اللهَ هو المنعم على العباد بكلِّ خير، وحقُّهم الواجب بوعده هو ألَّا يعذِّبَهم، وتركُ تعذيبهم معنًى لا يَصلُحُ أن يُقسَم به؛ ولهذا قال أبو حنيفة وصاحباه: يُكرَه أن يقول الداعي: أسألُك بحقِّ فلان، أو بحقِّ أنبيائك ورسلك، وبحقِّ البيت الحرام، والمشعر الحرام ونحو ذلك.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|