|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() واحفظوا أيمانكم أحمد الجوهري عبد الجواد إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. وصلِّ يا رب على خير الورى ![]() ما صدحت قُمْرية على الذرى ![]() والآل والأزواج والأصحابِ ![]() والتابعين من أولي الألبابِ ![]() أما بعد فيا أيها الإخوة، أمر الله - تبارك وتعالى - عباده أن يحفظوا أيمانهم فقال جل جلاله: ﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾ [المائدة: 89] وحفظ الأيمان يشمل خمسة معان: الأول: أن لا يحلف الإنسان بالله -عز وجل- بكثرة فهذا نقص في توحيد العبد وإيمانه، لأن كثرة الحلف تفضي إلى التساهل في الحلف بالله وعدم المبالاة وأيضاً تفضي إلى الكذب ومن كثرت أيمانه ظنت به الظنون فلذلك ينبغي على العاقل ما لم يكن مغلوباً على أمره أن لا يحلف ولذلك قال ربنا سبحانه: ﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾ قال ابن عباس: ﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾ أي: لا تحلفوا. وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ﴾[البقرة: 224]، قالت: لا تحلفوا بالله وإن بررتم.[1] فالحذر الحذر من كثرة الحلف بالله وإن صدقًا، هذا هو المعنى الأول. والمعنى الثاني: ﴿ واحفظوا أيمانكم ﴾ أي إذا حلفتم فلا تحنثوا ولا توقعوا أيمانكم وكثرة الحنث في اليمين لازمة لكثرة الحلف فمن كثر حلفه أكثر حنثه ولا شك، والحنث في اليمين يدل على الاستخفاف وعدم التعظيم لله -جل وعلا- وهذا ينافي كمال التوحيد الواجب أو عدمه قال بعض المفسرين كما نقل ذلك ابن جرير في تفسيره: "واحفظوا أيمانكم" أي: احفظوا أيمانكم عن الحنث فلا تحنثوا. فالحذر الحذر من الحنث في اليمين فإن حلفت فلا تحنث، اللهم إلا إذا كان الأمر الذي حلف عليه المرء يمنعه من خير يفعله أو ما شابه ذلك من واجب عليه أو مستحب فهذا يكفر عن يمينه ويعود فيأتي الخير الذي حلف ألا يفعله كما في الحديث الذي أخرجه الشيخان من حديث عبد الرحمن بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لاَ تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُوتِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ». [2]. وهذا هو معنى الآية التي في سورة البقرة وهي قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ فليس معناها كما يتوهم كثير من الناس لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم": لا تكثروا الحلف بالله، وإنما معناها: لا تجعلوا أيمانكم وحلفكم بالله مانعة لكم من البر وصلة الرحم وفعل الخير إذا حلفتم على تركها كما قال تعالى:﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22] يقول الحافظ ابن كثير: وهذه الآية نزلت في الصدِّيق، حين حلف ألا ينفع مِسْطَح بن أثاثة بنافعة بعدما قال في عائشة ما قال، كما تقدم في الحديث. فلما أنزل الله براءةَ أم المؤمنين عائشة، وطابت النفوس المؤمنة واستقرت، وتاب الله على مَن كان تكلم من المؤمنين في ذلك، وأقيم الحد على مَن أقيم عليه -شَرَع -تبارك وتعالى-، وله الفضل والمنة، يعطفُ الصدِّيق على قريبه ونسيبه، وهو مِسْطَح بن أثاثة، فإنه كان ابن خالة الصديق، وكان مسكينًا لا مال له إلا ما ينفق عليه أبو بكر، رضي الله عنه، وكان من المهاجرين في سبيل الله، وقد وَلَق وَلْقَة تاب الله عليه منها، وضُرب الحد عليها. وكان الصديق، رضي الله عنه، معروفًا بالمعروف، له الفضل والأيادي على الأقارب والأجانب. فلما نزلت هذه الآية إلى قوله: ﴿ أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ أي: فإن الجزاء من جنس العمل، فكما تغفر عن المذنب إليك نغفر لك، وكما تصفح نصفح عنك. فعند ذلك قال الصديق: بلى، والله إنا نحب -يا ربنا -أن تغفر لنا. ثم رَجَع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة، وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا، في مقابلة ما كان قال: والله لا أنفعه بنافعة أبدًا، فلهذا كان الصدّيق هو الصديق [-رضي الله عنه- وعن بنته].[3] فالمعنى الثاني المقصود من حفظ اليمين في قوله تعالى: "واحفظوا أيمانكم": إذا حلفتم فلا تحنثوا في أيمانكم. والمعنى الثالث لقوله تعالى: "واحفظوا أيمانكم" أي إذا حلفتم وحنثتم فكفروا عن حنثكم ولا تتركوا أيمانكم بغير كفارة قال ابن جرير الطبري: "واحفظوا أيمانكم" أي: لا تتركوها بغير تكفير".[4] إذاً -أيها الإخوة- فمن تمام تعظيم الخالق سبحانه أن يحترم اسمه العظيم عن كثرة الحلف وعن الحنث فيه وعن ترك الكفارة إذا حنث في اليمين. وكفارة اليمين أوضحها الله -تبارك وتعالى- في كتابه بقوله -عز وجل-: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 89]. فالكفارة على التخيير بين ثلاث: الإطعام أو الكسوة أو تحرير رقبة فمن لم يجد يصير إلى الصيام وبعض الناس يصير مباشرة إلى الصيام وإن كان واجدًا للإطعام فهذا ما كفر عن يمينه ولا زال يحتاج إلى أن يعود فيكفر عنها، فلا ينتقل إلى الصيام إلا بعد العجز عن الإطعام أو الكسوة. وقد تتناول الآية نوعا رابعا من حفظ اليمين وهو حفظ اليمين من الكذب ومن عظيم وجليل ما قرأت في عقوبة الحلف الكاذب التي يعاقب بها صاحبها في الدنيا ما رواه النسائي بسند صحيح عن ابن عباس قال أول قسامة كانت في الجاهلية كان رجل من بني هاشم استأجر رجلا من قريش من فخذ أحدهم قال فانطلق معه في إبله فمر به رجل من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه فقال أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي لا تنفر الإبل فأعطاه عقالا يشد به عروة جوالقه فلما نزلوا وعقلت الإبل إلا بعيرا واحدا فقال الذي استأجره ما شأن هذا البعير لم يعقل من بين الإبل قال ليس له عقال قال فأين عقاله قال مر بي رجل من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه فاستغاثني فقال أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي لا تنفر الإبل فأعطيته عقالا فحذفه بعصا كان فيها أجله فمر به رجل من أهل اليمن فقال أتشهد الموسم قال ما أشهد وربما شهدت قال هل أنت مبلغ عني رسالة مرة من الدهر قال نعم قال إذا شهدت الموسم فناد يا آل قريش فإذا أجابوك فناد يا آل هاشم فإذا أجابوك فسل عن أبي طالب فأخبره أن فلانا قتلني في عقال ومات المستأجر فلما قدم الذي استأجره أتاه أبو طالب فقال ما فعل صاحبنا قال مرض فأحسنت القيام عليه ثم مات فنزلت فدفنته فقال كان ذا أهل ذاك منك فمكث حينا ثم إن الرجل اليماني الذي كان أوصى إليه أن يبلغ عنه وافى الموسم قال يا آل قريش قالوا هذه قريش قال يا آل بني هاشم قالوا هذه بنو هاشم قال أين أبو طالب قال هذا أبو طالب قال أمرني فلان أن أبلغك رسالة أن فلانا قتله في عقال فأتاه أبو طالب فقال اختر منا إحدى ثلاث إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل فإنك قتلت صاحبنا خطأ وإن شئت يحلف خمسون من قومك أنك لم تقتله فإن أبيت قتلناك به فأتى قومه فذكر ذلك لهم فقالوا نحلف فأتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم قد ولدت له فقالت يا أبا طالب أحب أن تجيز ابني هذا برجل من الخمسين ولا تصبر يمينه ففعل فأتاه رجل منهم فقال يا أبا طالب أردت خمسين رجلا أن يحلفوا مكان مائة من الإبل يصيب كل رجل بعيران فهذان بعيران فاقبلهما عني ولا تصبر يميني حيث تصبر الأيمان فقبلهما وجاء ثمانية وأربعون رجلا حلفوا قال ابن عباس فوالذي نفسي بيده ما حال الحول ومن الثمانية والأربعين عين تطرف. [5]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ومن أعظم أنواع حفظ اليمين التي تتناولها هذه الآية – وهو المعنى الخامس لحفظ اليمين- ألا يحلف العبد بغير الله لأن من حلف بغير الله فقد أشرك وسأزيد هذا النوع بياناً وإيضاحاً بعد قليل. لكن ربما يقول قائل -أيها الإخوة- وهل الحلف بلا سبب فيه شيء إن المرء ليحلف تأكيداً على كلامه وأنا أقول: إن التأكيد يكون في موضعه محموداً وذلك إن أتى في الكلام المراد تأكيده في حال يستدعي ذلك التأكيد، أما أن يؤتى بالحلف دومًا هكذا لسبب وبدون سبب فهذا ما يجعل الاستخفاف باسم الله تعالى يقع وعدم المبالاة والواجب تعظيم رب الأرباب وعدم الإكثار من الحلف لأن كثرته تدل على عدم تعظيم المحلوف به وهو الله -جل وعلا- فينبغي للعبد أن لا يحلف إلا في سبب وموضع يحتاج فيه إلى الحلف فتنبه أيها الحبيب اللبيب وكن على حذر وإن كنا قد ابتلينا نحن بهذا فلنرب على غيره أبناءنا قال إبراهيم النخعي: كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار، وهذا يوضح عناية السلف بأمر الأبناء، وصيانتهم لهم على عدم ابتذال العظيم من الأمور وعدم الاستهزاء به فإن الصبي متى اعتاد شيئاً وهو صغير تساهل فيه في كبره فلنرب أبناءنا على فضائل الأخلاق ولنحملهم عليها ولنضرب لهم المثل من أنفسنا فالأمر على ما قال القائل لله دره وما أجمل قوله: مشى الطاووس يوما باختيالٍ ![]() فقلَّد شكل مِشْيته بنوهُ ![]() فقال علام تختالون؟! قالوا: ![]() سَبَقتَ به ونحن مقلدوهُ ![]() وينشأ ناشيء الفتيان منا ![]() على ما كان عوَّده أبوه ![]() فعودوا أبناءكم على جميل الأخلاق ورفيع الأدب مع الخلاق سبحانه وجل وعلا ومن ذلك عدم الاجتراء على الحلف في كل أمر صغير أو كبير. أيها الإخوة! وقد وردت في الشرع عقوبة دنيوية وعقوبة أخروية على الحلف بدون سبب شرعي فأما العقوبة الدنيوية العقوبة الدنيوية ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: «الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة»[6] وهذا المحق قد يكون حسيّا، فقد يأتي عليها العقاب من الله عز جل، وقد يكون معنويّا أي أنه -جل وعلا- ينزع البركة من كسبه فلا يكون فيه نماء ولا بركة له. وأما العقوبات الأخروية فعن سلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أُشَيْمِطٌ زَانٍ ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ ، وَرَجُلٌ جَعَلَ اللَّهُ بِضَاعَتَهُ لَا يَشْتَرِي إِلَّا بِيَمِينِهِ ، وَلَا يَبِيعُ إِلَّا بِيَمِينِهِ»[7] فهذه ثلاث عقوبات وما أشدها لو تفكر فيها العبد لكان ذلك كفيلًا بردعه وزجره عن مقارفة هذا الخطأ الكبير. أحبتي! إن كثرة الحلف من الشخص تدل على رقة دينه وضعف الإيمان والتوحيد في قلبه، ففي الصحيح عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم - قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنيه مرتين أو ثلاثاً؟ - ثم إن بعدكم قوماً يشهدون ولا يستشهدون. ويخونون ولا يؤتمنون، وينذورن ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن». [8]. وفيه عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته».[9]. فذم النبي صلى الله عليه وسلم الذين يشهدون ولا يستشهدون، فاتقوا الله -أيها الإخوة- ولا تكثروا الحلف بالله بغير سبب أو داع. وهنا -أيها الإخوة- يحسن التنبيه على أمور عظيمة يتساهل فيها كثير جداً من الناس: الأمر الأول: أن بعض الناس في حلفه يستخدم لفظ: أسألك بوجه الله تعالى كذا وكذا أي: من أمور الدنيا، وهذا لا يجوز على الإطلاق في شيء من أمور الدنيا وحطامها فإن الله أجل وأعظم من ذلك وإنما لا يُسأل بوجه الله -أيها الإخوة- إلا أعلى المطالب وأغلى المقاصد من الأشياء الجليلة والمطالب العظيمة، ولا ريب أن كل ما دون الجنة فهو حقير إلا ما كان سبباً أو طريقاً إليها. روى أبو داود من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يسأل بوجه الله إلا الجنة"[10] والحديث يشهد له النظر الصحيح كما قال العلامة الألباني في الصحيحة وقال: فإنه إذا ثبت وجوب الإعطاء لمن سأل به تعالى فسؤال السائل به قد يعرض المسئول للوقوع في المخالفة وهي عدم إعطائه إياه ما سأله وهو حرام وما أدى إلى محرم فهو محرم فتأمل، وقد كره عطاء ابن أبي رباح أن يسأل بوجه الله أو بالقرآن شيء من أمر الدنيا كما روى عنه ذلك ابن أبي شيبة بسند صححه الألباني في الصحيحة كذلك. [11] وروى النسائي وغيره من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بخير الناس منزلة؟ قلنا: بلى، قال: رجل ممسك برأس فرسه - أو قال: فرس - في سبيل الله حتى يموت أو يقتل، قال: فأخبركم بالذي يليه؟ فقلنا: نعم يا رسول الله قال: امرؤ معتزل في شعب يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة ويعتزل الناس، قال: فأخبركم بشر الناس منزلة؟ قلنا: نعم يا رسول الله قال: الذي يسأل بالله العظيم، ولا يعطي به". [12] قال العلامة الألباني: "في الحديث تحريم سؤال شيء من أمور الدنيا بوجه الله تعالى وتحريم عدم إعطاء من سأل به تعالى". وهذا هو الأمر الثاني الذي أنبه عليه -أيها الإخوة- ألا هو وجوب إعطاء من سأل بالله فمن سأل بالله لا يرد وقد سمعنا في الحديث السابق قال صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بشر الناس منزلة؟ قلنا يا رسول الله نعم، قال: الذي يسأل بالله العظيم ولا يعطى به". وفي الحديث الذي أخرجه أبو داود وغيره من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من استعاذكم بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، (ومن استجار بالله فأجيروه)، ومن أتى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا الله له حتى تعلموا أن قد كافأتموه".[13] فمن تعظيم الله -جل وعلا- وإجلاله تلبية من سأل بالله، وإعاذة من استعاذ بالله، ولا يرد ولا يهمل وهذا من كمال توحيد العبد وحسن أدائه لحقوق إخوانه التي افترضها الله -عز وجل- عليه وهذا -أيها الإخوة- مشروط بما إذا لم يكن السائل يسأل شيئاً فيه إثم أو قطعية رحم وهنا سؤال بدهي يكاد يخرج من نظرات الدهشة التي أراها على الوجوه أمامي، فأكاد أسمع حركات الشفاه تخرج هامسة تقول: إن كل من يسأل اليوم يسأل بالله، بل ربما سأل بوجه الله فمن نعطي ومن نمنع؟ وكيف لا نردهم ويجب علينا أن نعطيهم إننا نتصور أن لو أعطينا كل سائل لما بقي لأحدنا جنيه ينفقه على أولاده ولتحول بعد يوم واحد من بداية الشهر إلى سائل يسأل الناس كمثل هؤلاء السؤال؟ والحمد لله فقد أجاب علماؤنا عن هذا السؤال -أيها الإخوة- بخير وأبين وأشفى جواب: قال العلامة الألباني: ووجوب الإعطاء إنما هو إذا كان المسؤول قادرًا على الإعطاء ولا يلحقه ضرر به أو بأهله، وإلا فلا يجب عليه، والله أعلم. [14] نعم -أيها الإخوة- خاصة وأن هؤلاء السؤال إلا من رحم الله تعالى يسأل بحق وبغير حق. وليعلم أن الأصل في السؤال الحرمة إلا إذا كان ذلك بحق كالفقير المحتاج الذي يطلب حقه. ومما يجدر التنبيه عليه كذلك: أنه يستحب -أيها الإخوة- الكرام أن يتنزه الإنسان عن سؤال أحد من الخلق شيئًا وذلك حفظًا للقلوب حتى لا تلتفت وتتعلق بغير الله، ولذلك كان مما يبايع عليه النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه ألا يسألوا الناس شيئاً روى مسلم من حديث أَبِى مُسْلِمٍ الْخَوْلاَني قَالَ حَدَّثَنِي الْحَبِيبُ الأَمِينُ أَمَّا هُوَ فَحَبِيبٌ إِلي وَأَمَّا هُوَ عندي فَأَمِينٌ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الأَشْجَعِي قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً فَقَالَ «أَلاَ تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ» وَكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ فَقُلْنَا قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ «أَلاَ تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ». فَقُلْنَا قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ «أَلاَ تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ». يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |