التبذير طريق إلى التدمير - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4954 - عددالزوار : 2057128 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4529 - عددالزوار : 1325201 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 65 - عددالزوار : 52104 )           »          الحرص على الائتلاف والجماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 80 - عددالزوار : 45891 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 196 - عددالزوار : 64243 )           »          فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 374 - عددالزوار : 155306 )           »          6 مميزات جديدة فى تطبيق الهاتف الخاص بنظام iOS 18 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          إيه الفرق؟.. تعرف على أبرز الاختلافات بين هاتف iPhone 12 و Google Pixel 9 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          برنامج الدردشة Gemini متاح الآن على Gmail لمستخدمى أندرويد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-09-2020, 03:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,565
الدولة : Egypt
افتراضي التبذير طريق إلى التدمير

التبذير طريق إلى التدمير


الشيخ عبدالله بن محمد البصري







أَمَّا بَعدُ، فَـ ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].



أَيُّهَا المُسلِمُونَ، الإِنسَانُ بِطَبعِهِ مُحِبٌّ لِلمَالِ مَيَّالٌ إِلى جَمعِهِ، رَاغِبٌ في الاستِكثَارِ مِنهُ وَالمُكَاثَرِةِ بِهِ، قَالَ - تَعَالى -: " وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبًّا جَمًّا " وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾ [العاديات: 8] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ﴾. وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَنهُومَانِ لا يَشبَعَانِ: مَنهُومٌ في العِلمِ لا يَشبَعُ مِنهُ، وَمَنهُومٌ في الدُّنيَا لا يَشبَعُ مِنهَا " رَوَاهُ البَيهَقِيُّ في الشُّعَبِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. إِنَّهَا غَرِيزَةٌ لا فَكَاكَ مِنهُا وَلا خَلاصَ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14] وَلأَنَّ الإِسلامَ هُوَ دِينُ الوَسَطِ وَالفِطرَةِ، وَالمَالَ هُوَ عَصَبُ الحَيَاةِ وَقِوَامُ الأَبدَانِ، فَإِنَّ الإِسلامَ لم يُعَادِ غَرِيزَةَ حُبِّ المَالِ وَلم يَتَجَاهَلْهَا، وَلَكِنَّهُ نَظَّمَهَا وَوَجَّهَهَا بما يَلِيقُ بِالغَايَةِ مِن خَلقِ الإِنسَانِ، وَبما يُنَاسِبُ وَظِيفَتَهُ في هَذِهِ الحَيَاةِ، حَيثُ أَوجَبَ عَلَيهِ أَن يَكُونَ طَلَبُهُ المَالَ مِن حَلالٍ طَيِّبٍ، وَأَحَلَّ لَهُ التَّكَسُّبَ وَالسَّعيَ في الأَرضِ لِطَلَبَ الرِّزقِ، ثم وَجَّهَهُ إِلى إِنفَاقِهِ بِاعتِدَالٍ في مَصَارِفِهِ المَشرُوعَةِ، دُونَ إِفرَاطٍ وَلا تَفرِيطٍ وَلا إِسرَافٍ وَلا تَقتِيرٍ، وَدُونَ أَن يَكُونَ عَلَيهِ أَو عَلَى مُجتَمَعِهِ ضَرَرٌ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10] وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ " هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ ذَلُولاً فَامشُوا في مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِزقِهِ وَإِلَيهِ النُّشُورُ ﴾ وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 168] وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبتُم وَمِمَّا أَخرَجنَا لَكُم مِنَ الأَرضِ وَلا تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنهُ تُنفِقُونَ وَلَستُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغمِضُوا فِيهِ ﴾ وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29] وَقَالَ - سُبحَانَهُ - عَن عِبَادِ الرَّحمَنِ: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67] وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ يَا بَني آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَلا تُسرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفِينَ ﴾ وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " كُلُوا وَاشرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالبَسُوا مَا لم يُخَالِطْهُ إِسرَافٌ أَو مَخِيلَةٌ " رَوَاهُ النَّسَائيُّ وَابنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.



هَذَا هُوَ المَنهَجُ الحَقُّ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ، فَإِن أَخَذَ بِهِ الإِنسَانُ استَقَامَ أَمرُهُ وَانتَظَمَت حَيَاتُهُ، وَكَمُلَت سَعَادَتُهُ وَتَمَّ رِضَاهُ، وَإِن عَدَلَ عَنهُ يَمنَةً أَو يَسرَةً أَو خَالَفَهُ، عَصَفَت بِهِ الأَهوَاءُ في كُلِّ وَادٍ، وَاختَلَّ نِظَامُ حَيَاتِهِ وَتَعَرَّضَ لِلخَسَارَةِ وَالهَلاكِ. وَإِنَّ ثَمَّةَ مَرَضًا اجتِمَاعِيًّا اقتِصَادِيًّا خَطِيرًا، يُهَدِّدُ الأُمَمَ وَالشُّعُوبَ بِالهَلاكِ، وَيُنذِرُ البِلادَ وَالقُرَى بِخَرَابٍ كَبِيرٍ وَدَمَارٍ شَامِلٍ، إِنَّهُ التَّرَفُ وَالسَّرَفُ وَالتَّبذِيرُ، وَالأَشَرُ وَالبَطَرُ وَالكِبرُ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَإِذَا أَرَدنَا أَن نُهلِكَ قَريَةً أَمَرنَا مُترَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيهَا القَولُ فَدَمَّرنَاهَا تَدمِيرًا ﴾ وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112] وَلَئِن كَانَتِ المُجتَمَعَاتُ لم تَخلُ في قَدِيمٍ أَو حَدِيثٍ مِن وُجُودِ هَذِهِ المُشكِلَةِ وَتَفَشِّي هَذَا المَرَضِ، فَإِنَّ مِمَّا يُعَدُّ بِحَقٍّ مُشكِلَةً مُضَاعَفَةً وَمَرَضًا مُزمِنًا هُوَ أَخبَثُ مِن كُلِّ مَا سَبَقَهُ وَأَشَدُّ فَتكًا، أَن يُوجَدَ مُجتَمَعٌ آمِنٌ مُطمَئِنٌّ كَمُجتَمَعِنَا في هَذِهِ البِلادِ، يَعِيشُ في وَسَطِ مُجتَمَعَاتٍ مُحِيطَةٍ بِهِ مِن كُلِّ جَانِبٍ، تُقَلِّبُهَا الحُرُوبُ وَالفِتَنُ وَتَشكُو مِنَ الخَوفِ وَالرُّعبِ، وَيَمُوتُ فِيهَا الأَطفَالُ وَالنِّسَاءُ وِالكِبَارُ وَالصِّغَارُ مَسغَبَةً وَجُوعًا وَعُرِيًّا، ثم يُصِرُّ أَفرَادٌ غَيرُ قَلِيلِينَ في مُجتَمَعِنَا الآمِنِ عَلَى الإِسرَافِ وَالتَّبذِيرِ وَتَبدِيدِ النِّعَمِ وَاللَّعِبِ بها، وَكَأَنَّهُم لم يَرَوا وَلم يَشعُرُوا أَنَّ الَّذِينَ مِن حَولِهِم كَانُوا إِلى عَهدٍ قَرِيبٍ يَتَقَلَّبُونَ في أَنوَاعٍ مِنَ النَّعِيمِ، فَلَمَّا كَفَرَ مِنهُم بِأَنعُمِ اللهِ مَن كَفَرَ، أَذَاقَ اللهُ الجَمِيعَ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ بما كَانُوا يَصنَعُونَ.



أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ النِّعَمَ تَحتَاجُ إِلى رِعَايَةٍ وَعِنَايَةٍ، وَإِحَاطَةٍ لَهَا بِالشُّكرِ وَالاعتِرَافِ بِفَضلِ المُنعِمِ - سُبحَانَهُ - ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7] وَإِذَا لم يَكُنْ بَعضُ مَا نَرَاهُ وَنَشهَدُهُ مِن إِسرَافٍ وَتَبذِيرٍ كُفرًا لِلنِّعَمِ، فَلَيسَ لِكُفرِهَا إذًا مَعنًى يُعقَلُ وَلا صُورَةٌ تُرَى ؛ وَلِهَذَا فَلا عَجَبَ أَن تَنَوَّعَت في كِتَابِ اللهِ أَسَالِيبُ التَّحذِيرِ مِنَ الإِسرَافِ وَذَمِّ المُسرِفِينَ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَلا تُسرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفِينَ ﴾ وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ﴾ [غافر: 43] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: " وَلَا تُبَذِّر تَبذِيرًا. إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا " وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُترِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجرِمِينَ ﴾ وَقَال - تَعَالى - مُعَلِّلاً تَعذِيبَ أَصحَابَ الشِّمَالِ: ﴿ إِنَّهُم كَانُوا قَبلَ ذَلِكَ مُترَفِينَ * وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الحِنثِ العَظِيمِ ﴾ وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 127] وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ إِنَّ اللهَ لا يَهدِي مَن هُوَ مُسرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ وَأَمَّا أَشهَرُ مَا وَرَدَ في ذَمِّ الإِسرَافِ وَالتَّرَفِ وَالبَذَخِ وَالأَشَرِ وَالبَطَرِ، فَهِيَ قِصَّةُ قَارُونَ، الَّتي جَاءَت في كِتَابِ اللهِ بِشَيءٍ مِنَ التَّفصِيلِ بِأُسلُوبٍ بَلِيغٍ، لِتُصَوِّرَ لِلنَّاسِ تِلكَ الشَّخصِيَّةَ الشَّاذَّةَ، الَّتي عَلا صَاحِبُهَا في الأَرضِ بِسَبَبِ مَالِهِ الوَفِيرِ فَبَغَى وَتَجَبَّرَ، وَظَنَّ أَنَّهُ أَفضَلُ النَّاسِ وَأَكرَمُهُم وَأَعلَمُهُم، وَأَنَّهُ جَدِيرٌ بِالمَالِ دُونَ غَيرِهِ، فَجَمَعَ بَينَ مَنعِ حَقَّ اللهِ فِيهِ وَالإِسرَافِ في التَّزَيُّنِ بِهِ، فَاستَحَقَّ العَذَابَ الشَّدِيدَ ﴿ فَخَسَفنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ﴾ [القصص: 81].



أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - فَـ" إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيكُم عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَمَنعًا وَهَاتِ، وَوَأدَ البَنَاتِ، وَكَرِهَ لَكُم قِيلَ وَقالَ، وَكَثرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ المَالِ ﴿ يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 31 - 33]

♦♦♦♦



أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ المَالَ أَمَانَةٌ في يَدِ الإِنسَانِ، وَهُوَ مُستَخلَفٌ فِيهِ وَمَسؤُولٌ عَنهُ بَينَ يَدَيِ اللهِ - تَعَالى - مَن أَينَ اكتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنفَقَهُ ؟! وَالإِسرَافُ سَبَبٌ لِنَزعِ البَرَكَةِ مِنَ المَالِ، وَمَدعَاةٌ لِذَهَابِ لَذَّتِهِ وَحَلاوَةِ الانتِفَاعِ بِهِ، وَجَعلِ الإِنسَانِ عَبدًا لَهُ يَخدِمُهُ وَيَلهَثُ خَلفَهُ، بَدَلاً مِن أَن يَكُونَ العَكسُ، وَهَذَا أَمرٌ مُشَاهَدٌ في زَمَانِنَا وَوَاقِعِنَا، حَيثُ جَعَلَ الفُقَرَاءُ وَأَشبَاهُ الفُقَرَاءِ يَلهَثُونَ وَرَاءَ أَهلِ التَّرَفِ وَالثَّرَاءِ، يُقَلِّدُونَهُم وَيُحَاكُونَهُم، وَيَتبَعُونَهُم حَذوَ القُذَّةِ بِالقُذَّةِ، فَيَبسُطُونَ أَيدِيَهُم إِسرَافًا كَمَا يَبسُطُ أُولَئِكَ أَيدِيَهُم، وَيَجُرُّونَ أُزُرَهُم اختِيَالاً كَمَا يَجُرُّ أُولَئِكَ أُزُرَهُم، وَيَرفَعُونَ عَقَائِرَهُم كِبرًا كَمَا يَرفَعُ أُولَئِكَ عَقَائِرَهُم، مِمَّا اضطَرَّهم إِلى الوُقُوعِ في آفَاتٍ كَثِيرَةٍ وَارتِكَابِ كَبَائِرَ وَمُوبِقَاتٍ، لِيُحَصِّلُوا المَالَ وَيَجمَعُوهُ وَيُفَاخِرُوا بِهِ وَيُكَاثِرُوا وَيُسرِفُوا وَيَبطُرُوا، وَمِن ثَمَّ وَقَعُوا في الكَسبِ غَيرِ المَشرُوعِ، إِمَّا بِالتَّعَامُلِ بِالرِّبَا، أَو أَخذِ الرَّشَاوِي، أَو غِشِّ النَّاسِ، أَوِ السَّطوِ عَلَى أَموَالِهِم وَأَكلِهَا بِالبَاطِلِ، وَرُبَّمَا لَجَؤُوا إِلى السُّؤَالِ وَالاستِعطَاءِ، أَوِ الاستِدَانَةِ وَمُضَاعَفَةِ القُرُوضِ، كُلَّ ذَلِكَ لاستِرعَاءِ انتِبَاهِ الآخَرِينَ، وَإِظهَارِ الغِنى وَالقُدرَةِ، وَالتَّشَبُّعِ بما لم يُعطَوا، فَهَذَا يَتَكَلَّفُ في بِنَاءِ قَصرٍ كَبِيرٍ جَمِيلٍ، وَآخَرُ يُقِيمُ فَرَحًا في أَفخَرِ الفَنَادِقِ أَو أَغلَى القَاعَاتِ، وَهَذَا يَذبَحُ مِنَ الذَّبَائِحِ مَا لا يُؤكَلُ عُشرَهُ، بَل وَرُبَّمَا قَدَّمَ لِكُلِّ ضَيفٍ ذَبِيحَةً وَحدَهُ، وَذَاكَ يُوقِدُ لِضَيفِهِ بِالحَطَبِ الَّذِي يَكفِيهِ أَيَّامًا كَثِيرَةٍ، وَثَمَّةَ مَن يَصُبُّ السَّمنَ أَوِ العَسَلَ أَو دُهنَ العُودِ الفَاخِرَ عَلَى يَدِ ضَيفِهِ، وَمَن يُطلِقُ النَّارَ لِقُدُومٍ ضَيفٍ أَو عَرُوسٍ بما يُكَلِّفُهُ مِئَاتٍ بَل آلافًا، هَذَا عَدَا مَن هُوَ مُغرَمٌ بِالأَسفَارِ وَالسِّيَاحَةِ خَارِجَ البِلادِ مَهمَا كَلَّفَهُ ذَلِكَ، وَمَن لا يَدَعُ مُتَنَزَّهًا إِلاَّ دَخَلَهُ، وَلا سُوقًا إِلاَّ جَالَ فِيهِ، وَالأَسوَأُ مِن ذَلِكَ هُوَ تَصوِيرُ هَذِهِ المَظَاهِرِ الجَوفَاءِ وَالمُجَاهَرَةِ بِالفِسقِ، وَنَشرُ هَذَا السَّفَهِ في وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ، وَكَأَنَّ النَّاسَ قَد مَلُّوا مِنَ الأَمنِ وَالعَافِيَةِ، وَيُرِيدُونَ أَن يَجمَعُوا بَينَ المَعصِيَةِ وَبَينَ المُجَاهَرَةِ، لِيَنزِعُوا بِذَلِكَ عَن أَنفُسِهِم ثَوبَ العَافِيَةِ وَيُلبِسُوهَا أَثوَابَ الابتِلاءِ، وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " كُلُّ أُمَّتِي مُعَافَى إِلاَّ المُجَاهِرِينَ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ، وَلْنَحذَرِ التَّخَوُّضَ في مَالِ اللهِ الَّذِي آتَانَا، فَقَد قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ في مَالِ اللهِ بِغَيرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَومَ القِيَامَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 57.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 56.14 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.89%)]