حصون الأمان من الوقوع في الإدمان - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1146 - عددالزوار : 130105 )           »          الصلاة مع المنفرد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الاكتفاء بقراءة سورة الإخلاص (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          أصول العقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الإسلام يبيح مؤاكلة أهل الكتاب ومصاهرتهم وحمايتهم من أي اعتداء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          تحريم الاعتماد على الأسباب وحدها مع أمر الشرع بفعلها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3097 - عددالزوار : 370055 )           »          وليس من الضروري كذلك! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          مساواة صحيح البخاري بالقرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          محرومون من خيرات الحرمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 31-08-2020, 03:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,819
الدولة : Egypt
افتراضي حصون الأمان من الوقوع في الإدمان

حصون الأمان من الوقوع في الإدمان
السيد مراد سلامة




المقدمة:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلا له، ومن يضلل فلا هادى له، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾[1] ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [2] وقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [3]

أما بعد:
فإنًّ أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

وبعد:
أمة الإسلام: حديثنا في ذلك اليوم الأغر مس عن قضية من أخطر القضايا التي تؤرق أمن البلاد والعباد، والتي تفسد الأخلاق والسلوك، والتي تهدم الأسر والبيوت وتغرقها في مستنقع الرزيلة والانحلال.

إنها قضية تصدى لها الإسلام بكل حسم إنها قضية الإدمان.
فما هي حصون الأمان التي تعصم وتحمي الفرد والأسرة والمجتمع من هوته ومن نار لهيبه؟
أعيروني القلوب والأسماع حتى نحمي أنفسا وأبناءنا وبناتنا من ذلك الخطر ومن ذلكم الشر المستطير والبلاء المبين.

الحصن الأول:الإحساس بعظم المسؤولية
اعلم علمني الله و إياك: أن المسؤولية عظيمة تشمل جمع طوائف الأمة كما أخبر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - عن سالم عن أبيه قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته فالإمام راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته والرجل في أهله راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية ٌ وهي مسؤولة ٌ عن رعيتها والخادم في مال سيده راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيته قال فسمعت هؤلاء من النبي (صلى الله عليه وسلم) وأحسب النبي (صلى الله عليه وسلم) قال والرجل في مال أبيه راعٍ ومسؤول عن رعيته فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته[4]وأخرجاه.

فالآباء و الأمهات عليهم مسؤولية كبيرة تجاه أبنائهم فأنت أيها الوالد مطالب أن تقي نفسك و زوجتك و أبنائك نار حر ها شديد و قعرها بعيد و مقامعها من حديد يقول الله تعالى ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [5]
عن علي - رضي الله عنه - أنه قال في الآية: علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم، والمراد بالأهل على ما قيل: ما يشمل الزوجة والولد والعبد والأمة.[6]

واستدل بها على أنه يجب على الرجل تعلم ما يجب من الفرائض وتعليمه لهؤلاء، وأدخل بعضهم الأولاد في الأنفس لأن الولد بعض من أبيه، وفي الحديث "( رحم الله رجلاً قال: يا أهلاه صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم يتيمكم جيرانكم لعل الله يجمعكم معه في الجنة "[7]


وقيل: إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة من جهل أهله.[8]


وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: ﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6] قال: اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، وأمروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار[9]

فأنتم أيها الآباء صناع مجد وحضارة متى قمتم بواجبك نحو أبنائكم فهم أمانة في أعناقكم فالحذر الحذر أن تضيعوا تلك الأمانة وتتركوهم للمخدرات والمسكرات فيكونون أداة هدم وفساد.

قال الضحاك ومقاتل: حق على المسلم أن يعلم أهله، من قرابته وإمائه وعبيده، ما فرض الله عليهم، وما نهاهم الله عنه.[10]

قال الفقهاء: وهكذا في الصوم؛ ليكون ذلك تمرينًا له على العبادة، لكي يبلغ وهو مستمر على العبادة والطاعة ومجانبة المعصية وترك المنكر، والله الموفق.)

والحكام والمسؤولون في الدولة مسؤولون أمام الله تعالى عما وضعه في أعناقهم من أمانة.

وليعلموا أنهم موقوفون أمام الله تعالى فسائلهم عن رعيتهم احفظوا أم ضيعوا.

عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه: أحفظ أم ضيع )[11]

والعلماء والدعاة مسؤولون عن محاربة الفساد وانتشار المخدرات والمسكرات
ذكر الباجي موقفًا من مواقف ابن عبد السلام رحمه الله، فقال: (طلع شيخنا عز الدين مرة إلى السلطان في يوم عيد إلى القلعة، فشاهد العساكر مصطفين بين يديه ومجلس المملكة، وما السلطان فيه يوم العيد من الأبهة، وقد خرج على قومه في زينته على عادة سلاطين الديار المصرية، وأخذت الأمراء تقبل الأرض بين يدي السلطان، فالتفت الشيخ إلى السلطان، وناداه: يا أيوب ما حجتك عند الله إذا قال لك ألم أبوئ لك ملك مصر ثم تبيح الخمور؟ فقال: هل جرى هذا؟ فقال: نعم الحانة الفلانية يباع فيها الخمور، وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة، يناديه كذلك بأعلى صوته والعساكر واقفون، فقال: يا سيدي هذا أنا ما عملته، هذا من زمان أبي، فقال: أنت من الذين يقولون ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ ﴾ [الزخرف: 22]، فرسم السلطان بإبطال تلك الحانة.

يقول الباجي: سألت الشيخ لما جاء من عند السلطان وقد شاع هذا الخبر: يا سيدي كيف الحال؟ فقال يا بني رأيته في تلك العظمة، فأردت أن أهينه لئلا تكبر نفسه فتؤذيه، فقلت: يا سيدي أما خفته؟ فقال: والله يا بني استحضرت هيبة الله تعالى، فصار السلطان قدامي كالقط).[12]

الحصن الثاني: المسؤولية العقيدة
ومما يقي الأبناء من الانحراف والانجراف نحو هوة الإدمان أن نغرس في نفوس الأبناء العقيدة الصحيحة التي تحرس صاحبها من الزلل فمتى تربى الفرد على الإحسان الذي هو أعلى دراجات الإيمان بالله تعالى فإن نفسه الأمارة بالسوء لا تضره لأنه يعي و يعلم أن الله تعالى أقرب إليه من حبل الوريد ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [13]

عن أبي هريرة قال كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوماً بارزاً للناس فأتاه رجلٌ فقال يا رسول الله.... وما الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إلا تراه فإنه[14]

ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يركز على الجانب العقدي لأنه الجدار العاذل الذي يحمي المسلم من الوقوع في الفتن.

قصة عبد الله بن حذافة -رضي الله عنه -.

وهيا لنعيش مع قصة شاب تربى في مدرسة النبوة على العقيدة الصحيحة وكيف عصمته من الوقوع في كبائر الذنوب.

بعث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جيشا لحرب الروم وكان من بينهم شاب من الصحابة هو عبد الله بن حذافة -رضي الله عنه -. وطال القتال بين المسلمين والروم وعجب قيصر من ثبات المؤمنين وجرأتهم على الموت. فأمر بأن يحضر بين يديه أسير من المسلمين. فجاءوا بعبدالله بن حذافة يجرونه والأغلال في يديه وفي قدميه فتحدث معه قيصر فأعجب بذكائه وفطنته. فقال له: تَنَصّر وأنا أطلقك من الأسر! (يدعوه إلى ترك الإسلام واعتناق النصرانية). قال عبد الله: لا، قال له: تنصّر وأعطيك نصف ملكي! فقال: لا، فقال قيصر: تنصّر وأعطيك نصف ملكي وأشركك في الحكم معي. فقال عبد الله - رضي الله عنه -: لا، والله لو أعطيتني ملكك وملك آباءك وملك العرب والعجم على أن أرجع عن ديني طرفة عين ما فعلت.

فغضب قيصر، وقال: إذاً أقتلك!. فقال: اقتلني. فأمر به فسحب وعلق على خشبة وأمر الرماة أن يرموا السهام حوله. وقيصر يعرض عليه النصرانية وهو يأبى وينتظر الموت. فلما رأى قيصر إصراره أمر بأن يمضوا به إلى الحبس وأن يمنعوا عنه الطعام والشراب. فمنوعهما عنه حتى كاد أن يموت من الظمأ ومن الجوع فأحضروا له خمرا ولحم خنزير. فلما رآهما عبد الله، قال: والله إني لأعلم أني لمضطر وإن ذلك يحل لي في ديني، ولكن لا أريد أن يشمت بي الكفار، فلم يقرب الطعام، فأخبر قيصر بذلك، فأمر له بطعام حسن، ثم أمر أن تدخل عليه امرأة حسناء تتعرض له بالفاحشة.. فأدخلت عليه أجمل النساء، وجعلت تتعرض له وتتمايل أمامه، وتتغنج وهو معرض عنها، فلا يلتفت إليها.. فلما رأت ذلك خرجت وهي غاضبة، وقالت: لقد أدخلتموني على رجل لا أدري أهو بشر أو حجر. وهو والله لا يدري عني أنا أنثى أم ذكر!!. فلما يأس منه قيصر أمر بقدر من نحاس ثم أغلى الزيت وأوقف عبد الله أمام القدر وأحضر أحد الأسرى المسلمين موثقا بالقيود والقوة في هذا الزيت ومات وطفت عظامه تتقلب فوق الزيت وعبد الله ينظر إلى العظام فالتفت إليه قيصر وعرض عليه النصرانية فأبى. فاشتد غضب قيصر وأمر به أن يطرح في القدر فلما جروه وشعر بحرارة النار بكى!! ودمعت عيناه!! ففرح قيصر فقال له: تتنصر وأعطيك. وأمنحك. قال: لا، قال: ما الذي أبكاك!؟

فقال: أبكي والله لأنه ليس لي إلا نفس واحدة تلقى في هذا القدر. ولقد وددت لو كان لي بعدد شعر رأسي نفوس كلها تموت في سبيل الله مثل هذه الموتة. فقال له قيصر بعد أن يأس منه: قبل رأسي وأخلي عنك.

فقال عبد الله: وعن جميع أسرى المسلمين عندك.

فقال أجل. فقبل عبد الله رأسه ثم أطلق مع باقي الأسرى. فقدم بهم على عمر رضي الله عنه، فأُخبر عمر بذلك، فقال عمر: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حُذافة، وأنا أبدأ، فقام عمر فقبّل رأسه.[15]

ولما كانت أهمية العلم في الصغر كذلك، فقد اهتم رسول الله -صلى الله عليه و سلم-بتعليم صغار الصحابة (رضي الله عنهم) أمور العقيدة، ومما يدل على ذلك ما ورد عن جندب بن عبد الله قال: ((كنا مع النبي - صلى الله عليه و سلم - ونحن فتيان حزاورة[16]، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً))[17]

قصة
عبد الله رأينا كيف عصم الإيمان عبد الله بن حذافة - رضي الله عنه-من الوقوع فيما حرم الله تعالى هيا لنرى كيف ان ضعف الإيمان يخرب البيوت ويدفع إلى الإدمان وإلى كبائر الذنوب.

نشرت جريدة الجزيرة في عددها الصادر يوم الثلاثاء العاشر من شهر رجب 1423هـ قصة رجل مدمن حللته المخدرات من دينه، ونكصته حتى تجرد من إنسانيته، تروي القصة زوجته المحطمة فتقول بعد أن كتبت بالدموع كلامًا طويلاً تسوقه من داخل إحدى المستشفيات المتخصصة في علاج الإدمان. تزوجته وكدت أطير من الفرحة وسط سعادة كبيرة غامرة، كان مشهودًا له بطيب القلب ودماثة الخلق والتمسك بالدين، وأنجبنا أطفالاً، ولكن دخل علينا داخل نغَّص علينا الحياة الهانئة فجعلها حياة عائمة، إنه داخل الشر الحشيش والمخدر، ووجدت حبوبًا تحت الفراش جعلت الشكوك تساورني، أصبح يخرج كثيرًا من البيت، ويوهمني أنه لأجل المصلحة بأعذار غير مقنعة، وذات يوم مرضت ابنتي الصغيرة فلم أجد بُدًا من الذهاب بها إلى المستشفى بنفسي، وعندما توقفت عند موظف الاستقبال لأخذ البيانات وتسجيل اسم ابنتي ظهرت علامات الدهشة على وجه الموظف، وبعد أن سألته قال لي: اسم والد ابنتك يشبه اسم مريض موجود لدينا في المستشفى فصممت أن أراه وفعلاً رأيته و يا ليتني ما رأيته، لم أتمالك نفسي فغبت عن الوعي والناس من حولي، لقد رأيت زوجي مدمن مخدرات، ظللت مع ابنتي بعد أن نوَّمت في المستشفى، وبقية أولادي عند إحدى عماتهم، وكانت العمة تلاحظ أن زوجي يصر على أخذ إحدى البنات لتؤانسه في البيت، وتقطع الغربة التي هو فيها كما يقول، وتكرر أخذه لها وذات يوم أرسلت إخوتها لإحضارها من عند أبيها لأنه لم يرجعها إلى بيت العملة ليلتين متتاليتين، ولكن حدث ما يهز الوجدان، ويكسر الخاطر والجنان، حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد وجدوا أختهم في أحضان أبيهم يفعل بها الفاحشة - الله أكبر - أب يزني ببنته، إنها المصيبة يا إخوان، صدم الأطفال وانقلبت بعد ذلك حياتهم ولم يفيقوا إلا وهم في أحضان المخدرات مدمنين منحطين، أما أنا فقولوا علي السلام، وإن مت فدعواتكم لي بالرحمة والغفران، و يا ليتني أموت اليوم قبل الغد من هول المصيبة، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

الحصن الثالث: التنشئة على العبادة
ومما يقي الأنباء والأجيال من الوقوع في المحرمات وفي إدمان المخدرات الربط الذي ضيعه كثير من الآباء نحو أبنائهم ربط الولد بالطاعة والعبادة وأخص العبادات التي تحصن المرء الصلاة، فالصلاة من أبرز العبادات التي يحفظ الله سبحانه وتعالى بها عبده من أمور كثيرة، ومنها الانحراف، وقد قال الله سبحانه وتعالى في شأن الصلاة ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [18]

يقول السعدي - رخمه الله -فالفحشاء: كل ما استفحش وعظم من المعاصي، التي تشتهيها النفوس. والمنكر: كل معصية تنكرها العقول والفطر. ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر: أن العبد المقيم لها، المتمم لأركانها وشروطها، وخشوعها، يستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتقل أو تنعدم رغبته في الشر. فبالضرورة مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه تنهى عن الفحشاء والمنكر.[19]

ولأهمية الصلاة جاء التوجيه النبوي الكريم بأمر الأولاد بها عن عبد الله بن عمر: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين».[20]

ولأهمية إقامة الصلاة في صيانة الولد من الانحراف أوصى لقمان ابنه كما حكى الله سبحانه وتعالى عنه بقوله: ﴿ يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [21]

كذلك بقية الطاعات، سبب في حفظ الله للعبد، فإذا حفظ الله عبده نجا من الانحراف، ولذا كانت وصية رسول الله - صلى الله عليه و سلم - لابن عمه الغلام ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: كنت خلف رسول الله - صلى الله عليه و سلم - يوماً فقال: ((يا غلام، إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف))[22].

عباد الله: فهذه وصية عظيمة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس، وصية يتكفل الله سبحانه وتعالى لمن عمل بها أن يحفظه في أموره كلها، ومن جملتها الوقاية من الانحراف، فيحفظه الله سبحانه وتعالى من الشبهات المضلة، ومن الشهوات المحرمة، ويحفظ عليه دينه عند موته، فيتوفاه على الإيمان.

قصة و عبرة:
قد ذكر غير واحد أنّ عروة بن الزّبير لمّا خرج من المدينة متوجّها إلى دمشق ليجتمع بالوليد، وقعت الأكلة في رجله في واد قرب المدينة، وكان مبدؤها هناك فظنّ أنّها لا يكون منها ما كان، فذهب في وجهه ذلك، فما وصل إلى دمشق إلّا وهي قد أكلت نصف ساقه، فدخل على الوليد فجمع له الأطبّاء العارفين بذلك، فاجتمعوا على أن يقطعها وإلّا أكلت رجله كلّها إلى وركه، وربّما ترقّت إلى الجسد فأكلته، فطابت نفسه بنشرها، وقالوا: ألا نسقيك مرقّدا حتّى يذهب عقلك منه فلا تحسّ بألم النّشر؟ فقال: لا والله ما كنت أظنّ أنّ أحدا يشرب شرابا أو يأكل شيئا يذهب عقله، ولكن إن كنتم لا بدّ فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصّلاة، فإنّي لا أحسّ بذلك، ولا أشعر به. قال:
فنشروا رجله من فوق الأكلة من المكان الحيّ، احتياطا أنّه لا يبقى منها شيء، وهو قائم يصلّي، فما تضوّر ولا اختلج، فلمّا انصرف من الصّلاة عزّاه الوليد في رجله، فقال: اللهمّ لك الحمد، كان لي أطراف أربعة فأخذت واحدا فلئن كنت قد أخذت فقد أبقيت، وإن كنت قد ابتليت فلطالما عافيت، فلك الحمد على ما أخذت وعلى ما عافيت قال: وكان قد صحب معه بعض أولاده من جملتهم ابنه محمّد، وكان أحبّهم إليه، فدخل دار الدّوابّ، فرفسته فرس فمات، فأتوه فعزّوه فيه، فقال الحمد لله كانوا سبعة فأخذت منهم واحدا وأبقيت ستّة، فلئن كنت قد ابتليت فلطالما عافيت، ولئن كنت قد أخذت فلطالما أعطيت. فلمّا قضى حاجته من دمشق رجع إلى المدينة... فبلغه أنّ بعض النّاس قال: إنّما أصابه هذا بذنب عظيم أحدثه، فأنشد عروة في ذلك، والأبيات لمعن بن أويس:
لعمرك ما أهويت كفّي لريبة
ولا حملتني نحو فاحشة رجلي

ولا قادني سمعي ولا بصري لها
ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي

ولست بماش ما حييت لمنكر
من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي

ولا مؤثر نفسي على ذي قرابة
وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي

وأعلم أنّي لم تصبني مصيبة
من الدّهر إلّا قد أصابت فتى قبلي)[23]



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 124.57 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 122.85 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.38%)]