لماذا يكره ابن آدم الموت؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-08-2020, 01:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي لماذا يكره ابن آدم الموت؟

لماذا يكره ابن آدم الموت؟


السيد مراد سلامة



عناصر الخطبة:
العنصر الأول: الموت مكروه لدي بني ادم.
العنصر الثاني: الموت خير لابن ادم من الحياة.
العنصر الثالث: طبقات الناس في كراهية الموت.

الأدلة والبيان:
الحمد لله الذي أعطى الأمان لمن شكر.
سبحانه سبحانه رب عظيم قد علا فوق الخلاق واقتدر.
سبحانه سبحانه عنت الوجوه لجاهه واستسلمت، فطرَ الحياة لأمره لما أمر.
فأتم فيض نعيمه للمؤمنين العاملين لدينهم.
جنات عدن عزها نور الجلال أفاءه.. أمر الذي في كل أمرٍ قد أمر.
وأضاف من مدد الخلود ما غاب عن وعي المسامع والبصر.
من كل فيض ناعم يسمو على كل الفكر.
ويفوق كل تصور عرفته أذهان البشر.

وأشهد أن لا إله إلا الله واحد أحد فرد صمد لا شريك له في ملكه ولا سند.
سبحانه سبحانه جعل الحياة مطية مطواعة للمؤمنين المحسنين لأنهم قد وحدوا الله العظيم المقتدر.
ومشوا على درب الهدي لما بدا في المبتدى نور الذي أحيا الفطر.
ونشهد أنه رسول الله من جاء فخراً للحياة يؤمها نحو العلا حتى علت رغم الحفر.
رغم الصعاب تقدمة تمحو الظلام وتنتصر.
بالعلم ترسم للحياة سبيلها من أجل إسعاد البشر.

العنصر الأول: الموت مكروه لدي بني آدم:
أمة الإسلام نقف في هذا اللقاء مع "لماذا يكره ابن ادم الموت؟"
امنع جفونك أن تذوق مناماً
وذر الدموع على الخدود سجاماً

وأعلم بأنك ميت ومحاسب
يا من على سخط الجليل أقاما

لله قوم أخلصوا في حبه
فرضي بهم واختصهم خداماً

قوم إذا جن الظلام عليهم
يأتوا هنالك سجداً وقياماً

خمص البطون من التعفف ضُمَّراً
لا يعرفون سوى الحلال طعاماً

يتلذذون بذكره في ليلهم
ويُكابدون لدى النهار صياما


إنه الموت الذي يكرهه ابن ادم فكراهية الموت أمر جبلي في بني الانسان وهذا ما قرره النبي العدنان صلى الله عليه وسلم.

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله قال من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته". رواه البخاري.

و ها هو النبي صلى الله عليه وسلم يزيد الأمر وضوحا عن محمود بن لبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اثنتان يكرهما ابن آدم: يكره الموت، والموت خير للمؤمن من الفتنة، ويكره قلة المال، وقلة المال أقل للحساب " أخرجه أحمد ".

عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أحب لقاء الله، أحب لقاءه الله، ومن كره لقاء الله، كره الله تعالى لقاءه، فقال بعض أزواجه عائشة: بأبي فأينا لا يكره الموت؟ قال: إنه ليس بذلك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر بكرامة الله عز وجل ورضوانه، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله، فأحب الله تعالى لقاءه، وأن الكافر إذا حضره الموت بشر بعذاب الله تعالى وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، فكره لقاء الله، وكره الله تعالى لقاءه"أخرجه البخاري ومسلم.

عن أبي عبد الله الصنابحي قال: "الدنيا تدعو إلى فتنة، والشيطان يدعو إلى خطيئة، ولقاء الله خير من الإقامة معهما" أسند أبو عبد الله عبد الرحمن الصنابحي عن أبي بكر الصديق، وعن معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، ومعاوية رضي الله تعالى عنهم أجمعين" حلية الأولياء.

العنصر الثاني: الموت خير لابن ادم من الحياة
ولكن الإنسان العاقل هو الذي يدرك أن الدنيا دار ابتلاء وأنها سجن المؤمن وأن لقاء الله خير من الإقامة في دار الأذى والأحزان.

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن زرعة بن عبد الله مرسلا ": أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " يحب الإنسان الحياة والموت خير لنفسه، ويحب الإنسان كثرة المال وقلة المال أقل لحسابه ". هذا وأخرجه الحاكم في المستدرك، والطبراني في الكبير، وابن المبارك في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: " تحفة المؤمن الموت ".

وأخرج المروزي في الجنائز، وابن أبي شيبة في المصنف، والطبراني عن ابن مسعود قال: ذهب صفو الدنيا فلم يبق منها إلا الكدر، فالموت تحفة لكل مسلم.

عن ابن مسعود قال: حبذا المكروهان الفقر والموت.

وأخرج أحمد في الزهد عن ابن مسعود قال: ليس للمؤمن راحة دون لقاء الله تعالى.

وأخرج ابن أبي الدنيا، عن جعفر الأحمر قال: من لم يكن له في الموت خير فلا خير له في الحياة.

قلت: وكذا من لم يكن له خير في الحياة فلا خير له في الممات.

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن مسعود قال: ما من نفس برة ولا فاجرة إلا والموت خير لها من الحياة، فإن كان بارا فقد قال الله تعالى: ﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 198] وإن كان فاجرا فقد قال عز وجل: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [آل عمران: 178].

العنصر الثالث: طبقات الناس في كراهية الموت:
واعلم زادك الله علما-أن الناس ليسوا على طبقة واحدة في كراهية الموت بل يتفاوتون على حسب ما عندهم من إيمان وإليك بيان ذلك
الطبقة الأولى: الحياء من الله:
و هو أن يستحي العبد من لقاء ربه لما جنت يداه كحياء أم هارون.

قال أحمد أبي الحواري: قلت لأم هارون العابدة الدمشقية:
أتحبين الموت؟
قالت: لا
قلت: ولم؟
قالت: لو عصيت آدميا ما أحببت لقاءه فكيف أحب لقاء الله وقد عصيته؟

الطبقة الثانية: الخشية الحادة من أن ينزل المرء منزلة تضره ولا تسره:
وهذا من الأخطار التي ينبغي على العاقل ألا يغفل عنها فالإنسان منا لا يدري أهو من أهل السعادة أو من أهل الشقاوة.

قال بعض أصحاب هذه الخشية:
وكيف تنام العين وهي قرير ولم تدر في أي المحلين تنزل؟

قال سعيد بن أبي عطية:
لما حضر أبا عطية الموت جزع منه، فقالوا له:
أتجزع من الموت؟
فقال: مالي لا أجزع، فإنما هي ساعة، ثم لا أدري أين يسلك بي؟

لما حضرت أحمد بن خضرويه الوفاة، سئل عن مسألة فدمعت عيناه، وقال:
يا بني باب كنت أدقه خمسا وتسعين سنة، هو ذا يفتح الساعة لي، لا أدري أيفتح بالسعادة أو الشقاوة، فأنى لي أوان الجواب؟
عبد الرحمن أنه ذكر عمر وأبا بكر ابني المنكدر قال لما حضر أحدهما الوفاة بكى فقيل له ما يبكيك إنا كنا لنغبطك بهذا اليوم قال أما والله ما يبكيني قال البيهقي ما أبكي أن أكون أتيت شيئا ركبته من معاصي الله اجتراء على الله ولكني أخاف أن أكون أتيت شيئا أحسبه هينا وهو عند الله عظيم.

قال وبكى الآخر عند الموت فقيل له مثل ذلك فقال إني سمعت الله يقول لقوم ﴿ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ [الزمر: 47] وأنا انتظر ما ترون والله ما أدري ما يبدو لي.

قال وكان محمد أخوهم أدناهم في العبادة.

عن زيد بن أسلم قال أتى صفوان إلى محمد بن المنكدر وهو في الموت فقال له يا أبا عبد الله كأني أراك قد شق عليك الموت فما زال يهون عليه وينجلي عن محمد حتى كأن في وجهه المصابيح قال محمد لو ترى ما أنا فيه لقرت عينك ثم قضى أخبرنا أبو السعود بن المجلي أنا أبو الحسين بن المهتدي عن محمد بن المنكدر أنه بينا هو ذات ليلة قائم يصلي إذ استبكى وكثر بكاؤه حتى فزع أهله وسألوه ما الذي أبكاه فاستعجم عليهم وتمادى في البكاء فأرسلوا إلى أبي حازم فأخبروه بأمره فجاء أبو حازم اليه فإذا هو يبكي قال يا أخي ما الذي أبكاك قد رعت أهلك أفمن علة أم ما بك قال فقال إنه مرت بي آية في كتاب الله عز وجل قال وما هي قال قول الله تعالى ﴿ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ [الزمر: 47] قال فبكى أبو حازم أيضا معه واشتد بكاؤهما قال فقال بعض أهله لأبي حازم جئنا بك لتفرج عنه فزدته قال فأخبرهم ما الذي أبكاهما

الطبقة الثالث: ضعف التزود من العمل الصالح:
وهم أقوام أحسوا بقلة الزاد وبعد السفر وقلة الأنيس لذا فهم يكرهون الموت مخافة الفوت.

حتى فات زمن التدارك، وقامت العوائق، والله سبحانه قد قال فيمن هذا شأنهم: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 10، 11].

تحسر بعض الناس عند الموت، فقيل له: ما بك؟
فقال ما ظنكم بمن يقطع سفرا طويلا بلا زاد، ويسكن قبرا موحشا بلا مؤنس، ويقدم على حكم عدل بلا حجة.

بكى أبو هريرة قبل الوفاة فقيل له: وما يبكيك؟ فقال: [قلة الزاد، وبعد السفر، وضعف اليقين، وخوف الوقوع من الصراط في النار].
تزَودْ من التقوى فإنكَ لا تدري
إذا جنَّ ليلٌ هلْ تعيشَ إلى الفجر؟

فكمْ من صحيحٍ ماتَ من غيرِ علةٍ
وكمْ من عليلٍ عاشَ حينًا من الدهرِ

وكمْ من صغارٍ يرتجى طولَ عُمْرَهْم
وقدْ أُدْخِلَتْ أجسادَهُمْ ظُلمَة القبرِ

وكمْ من عرُوسٍ زَينوها لِزَوجها
وقدْ قُبضَتْ أَرْواحَهُم ليلةَ القدرِ


روي أن أبا الدرداء رضي الله عنه، وقف ذات يوم أمام الكعبة ثم قال لأصحابه " أليس إذا أراد أحدكم سفرا يستعد له بزاد؟ قالوا: نعم، قال: فسفر الآخرة أبعد مما تسافرون!

فقالوا: دلنا على زاده؟
فقال: (حجوا حجة لعظائم الأمور، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور، وصوموا يوما شديدا حره لطول يوم نشوره).

الطبقة الرابعة: الإسراف على النفس والغفلة عن محاسبتها:
لأن الغفلة عن المحاسبة، والتسويف بالمتاب يفضيان إلى تراكم السيئات، حتى يذهل من تراكمها من ينتبه إليها.

كان الشيخ توبة بن الصمة من الطيبين، وكان محاسبا لنفسه في أكثر أوقات ليله ونهاره، فحسب يوما ما مضى من عمره، فغذا هو ستون سنة، فحسب أيامها، فكانت إحدى وعشرين ألف يوم وخمسمائة يوم فقال: يا ويلتا، ألقى مالكي بإحدى وعشرين ألف ذنب ثم صعق صعقة كانت فيها وفاته. (وهذا بحساب ذنب واحد فقط في اليوم الواحد).

وتأملوا في أحوال المحسنين الذين يخافون من الله تعالى حالهم كما قال ابن مسعود إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب طار على أنفه فقال به هكذا وهكذا" أخرجه البخاري.

كانوا يتهمون أعمالهم وتوباتهم ويخافون أن لا يكون قد قبل منهم ذلك فكان ذلك يوجب لهم شدة الخوف وكثرة الاجتهاد في العمل الصالح قال الحسن أدركت أقواما لو أنفق أحدهم ملء الأرض ما أمن لعظم الذنب في نفسه وقال ابن عون لا تثق بكثرة العمل فإنك لا تدري أيقبل منك أم لا ولا تأمن ذنوبك فإنك لا تدري أكفرت عنك أم لا إن عملك مغيب عنك كله.

فهذا عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، عند موته يقول: أجلسوني، فأجلسوه، فقال: أنا الذي أمرتني فقصّرت، ونهيتني فعصيت، ولكن لا إله إلا الله، ثم رفع رأسه فأحدّ النظر. فقالوا له: إنك لتنظر نظراً شديداً يا أمير المؤمنين. قال: إني أرى حضرة ما هم بإنس ولا جن ثم قبض رحمه الله وسمعوا تالياً يتلو: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83].

قال معاوية -رضي الله عنه-عند موته لمن حوله: أجلسوني.. فأجلسوه.. فجلس يذكر الله، ثم بكى، وقال: الآن يا معاوية، جئت تذكر ربك بعد الانحطام والانهدام، أما كان هذا وغض الشباب نضير ريان؟! ثم بكى وقال: يا رب، يا رب، ارحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي.. اللهم أقل العثرة، واغفر الزلة، وجد بحلمك على من لم يرج غيرك، ولا وثق بأحد سواك.. ثم فاضت روحه رضي الله عنه.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

أما بعد:
الطبقة الخامس: تعلق المرء بالدنيا أو بشيء معين منها:
تعلقا شديدا مع تيقنه أن الموت سيحول- حتما - بينه وبين التمتع بما تعلق به شديد التعلق.

روى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء القارئ النحوي أنه قال: بينما أنا ذات يوم - أحسبه قال في ضيعتي- سمعت قائلا يقول:
وإن امرءا دنياه أكبر همه لمستمسك منها بحبل غرور
فكتبت هذا البيت على فص خاتمي فكان نقشه هذا. (كتاب طبقات النحويين واللغويين).

قال الحسن- رحمه الله- ابن آدم، لا تعلق قلبك بشيء من الدنيا، تعلقها شر تعلق، اقطع عنك حبائلها، وأغلق دونك أبوابها.

وليكن حسبك - أيها المغرور - منها ما يبلغك المحل، وإياك أن تظن أنك تُباهي يوم القيامة بمالك وولدك، هيهات أن ينفعك شيء من ذلك يوم يقوم الحساب! ذلك يوم تذهب الدنيا فيه بحالها، وتبقى الأعمال قلائد في أعناق عمَّالها.

خاتمة السوء:
ففي كتاب العاقبة: أن رجلا كَانَ وَاقِفًا على بَاب دَاره وَكَانَ بَابهَا يشبه بَاب حمام مُجاور له، فمرت بِهِ جَارِيَة لَهَا منظر، وَهِي تَقول: أَيْن الطَّرِيقُ إِلَى حمَّام منْجَاب..

فَقَالَ لَهَا: هَذَا حمَّام منْجَاب وَأَشَارَ إِلَى دَاره.. فَدخلت الدَّار، فَدخل وَرَاءَهَا، فَلَمَّا رَأَتْ نَفسهَا مَعَه فِي دَاره وَلَيْسَت بحمَّام علمت أَنه خدعها، فعلمت أنه لا نجاة لها منه إلا بالحيلة والخداع.. فأظهرت لَهُ الْبشر والفرح باجتماعها مَعَه على تِلْكَ الْخلْوَة فِي تِلْكَ الدَّار، وَقَالَت لَهُ: يصلح أَن يكون عندنَا مَا يطيب بِهِ عيشنا وتقر بِهِ عيوننا، من طعام وشراب.

فَقَالَ لَهَا: السَّاعَة آتِيك بِكُل مَا تريدين وَبِكُل مَا تشتهين، وَخرج فَتَركهَا فِي الدَّار، وَلم يغلقها، وَتركهَا مَفْتُوحَة على حَالهَا وَمضى.

فَأخذ مَا يصلح لَهما وَرجع، وَدخل الدَّار فَوَجَدَهَا قد خرجت وَذَهَبت، وَلم يجد لَهَا أثراً، فهام الرجل بهَا، وَأكْثر الذّكر لَهَا، والجزع عَلَيْهَا، وَجعل يمشي فِي الطّرق والأزقة وَهُوَ يَقُول:
يَا رب قائلة يَوْمًا وقد تعبت أَيْن الطَّرِيق إِلَى حمام منْجَاب

وَفي رواية: أنه بعد أشهر مر فِي بعض الْأَزِقَّة وَهُوَ ينشد هَذَا الْبَيْت، وَإِذا بِالجَارِيَة تجاوبه من طاق وَهِي تَقول:
هلا جعلت لَهَا إِذا ظَفِرتَ بهَا
حرْزا على الدَّار أَو قُفلا على الْبَاب؟

إِنْ يَنْفَد الرِّزْقُ فَالرّزَّاقُ يَخْلِفُهُ
وَالعِرْضُ إِنْ نْفَدَ فمِنْ أَيْنَ يُنْجَابُ؟


فَزَاد هيمانه، وَاشْتَدَّ هيجانه، وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى كَانَ من أمره أنه لما نزل بِهِ الْمَوْت وجاءت ساعة احتضاره، فَقيل لَهُ قل: "لَا إِلَه إِلَّا الله ".. فلا يستطيع، إنما جعل يَقُول: أَيْن الطَّرِيقُ إِلَى حمَّام منْجَاب؟

فنعوذ بِاللَّه من المحن والفتن، ومن سوء الخاتمة.

أسال الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم العلم النافع وأن يفقهنا وإياكم في الدين وأن يحفظنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه على كل شيء قدير.

اللهم استرنا ولا تفضحنا وأكرمنا ولا تهنا وكن لنا ولا تكن علينا اللهم لا تدع لأحد منا في هذا المقام الكريم ذنبا إلا غفرته ولا مريضا إلا شفيته ولا دينا إلا قضيته، ولا هما إلى فرجته، ولاميتا إلا رحمته، ولا عاصيا إلا هديته، ولا طائعا إلا سددته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقيا أو محروما.
اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى.
اللهم إن أردت بالناس فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين ولا مغيرين ولا مبدلين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم احمل المسمين الحفاة واكسوا المسلمين العراة وأطعم المسلمين الجياع.
اللهم لا تحرم مصر من الأمن والأمان.
اللهم لا تحرم مصر من التوحيد والموحدين برحمتك يا أرحم الراحمين.

أحبتي في الله..
هذا وما كان من توفيق فمن الله وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء وأعوذ بالله أن أكون جسرا تعبرون عليه إلى الجنة ويلقى به في جهنم ثم أعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.


وصل اللهم وسلم وزد وبارك على محمد صلى الله عليه وسلم.


وأقم الصلاة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 75.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 73.30 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.29%)]