حياة القلوب في محبة علام الغيوب - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-08-2020, 02:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي حياة القلوب في محبة علام الغيوب

حياة القلوب في محبة علام الغيوب
أحمد الجوهري عبد الجواد





إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد، فيا أيها الإخوة، لا يستكمل العبد الإيمان حتى يحب الله ورسوله أكثر مما سواهما، ولا يجد حلاوة الإيمان ولذته إلا أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ولا يستمتع بهذا الدين ويجد ثماره إلا أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وهذه المحبة هي جنة الدنيا التي من حرمها حرم الخير في الدنيا بل وربما حرم جنة الآخرة، قال الحسن: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة".

نعم، في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة، هي جنة الحب وأوله حب الله ورسوله، وفي الدنيا نعيم من لم يذقه فلن يذوق نعيم الآخرة هو نعيم القرب من الله تعالى، وفي الدنيا حلاوة من لم يجدها فلن يجد حلاوة الآخرة، هي حلاوة طاعة الله ورسوله، ولا يستقيم ذلك كله للعبد إلا بعد أن تستقيم له المحبة، فالمحبة أصل كل عمل إن صحت المحبة، هان العمل يسيره وعسيره، فتعالوا بنا - أيها الإخوة - نعيش هذه اللحظات في هذه الحديقة الغناء والبستان الرائع الماتع بستان المحبة وكما تعودنا فسوف نقسم الحديث حفظًا للكلام وتقديرًا للوقت والمقام إلى العناصر التالية:
أولًا: ما هي المحبة؟
ثانيًا: فهيا نؤصل المحبة في القلوب لتؤتي ثمارها الشهية.
ثالثًا وأخيرًا: جولة في بستان المحبين ونزهة المشتاقين.

فأعيروني القلوب والأسماع - أيها الإخوة - والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعلنا ممن أوتي بصيرة، فصارت له سراجًا يضيء له الظلمات، حتى نصل إلى الأمن والأمان في الدنيا والآخرة، محفوظين بعين الله التي لا تنام، مكلوئين بكلئه الذي لا يرام ولا يضام.

أولًا: ما هي المحبة؟
أيها الإخوة الكرام!
سأل سفيان الثوري رجلًا يومًا كيف حبك لأبي بكر - رضي الله عنه -؟ فقال: شديد، قال سفيان: فكيف حبك لعمر؟ قال: شديد، قال: فكيف حبك لعثمان؟ قال: شديد، قال: فكيف حبك لعلي؟ فقال الرجل: شديد - وأطال فيها – فقال سفيان: هذه الشديدة الأخيرة تحتاج إلى ضربة على رأسك لتعتدل.

قال العلماء: إن المحاب ترتيبها توقيفي لا ينبغي أن يعطى أحد منها فوق من هو أفضل منه، فينبغي أن يحب المرء الصحابة أكثر مما يحب غيرهم، ويحب الخلفاء الراشدين منهم أكثر مما يحبهم، ويحب أبا بكر أكثر من عمر، وعمر أكثر من عثمان، وعثمان أكثر من علي، وهكذا على حسب درجاتهم ومراتبهم، ينبغي أن يترتب في القلب حبهم.

فينبغي أن يترأس حبهم في القلب على حب كل بشر سواهم أيًّا كان هذا البشر، خلا الأنبياء، وأعلى من هذا وأغلى حب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعلى وأغلى منه وأفضل وأكبر وأكثر حب الله تعالى، فهو الحب الأول، وكل شيء يُحَبُّ لله، إلا حب الله؛ فهو يحب لذاته.

ولذلك كانت محبة الله هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى عَلمَها شمر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروح العابدون، فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون، وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام، وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه، تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبدًا واصليها، وتبوؤهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها، وهي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائمًا إلى الحبيب وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب، تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب، وقد قضى الله يوم قدر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة أن المرء مع من أحب فيا لها من نعمة على المحبين سابغة، تالله لقد سبق القوم السعاة وهم على ظهور الفرش نائمون، وقد تقدموا الركب بمراحل وهم في سيرهم واقفون.

من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويدًا وتجيء في الأول

أجابوا منادي الشوق إذ نادى بهم حي على الفلاح، وبذلوا نفوسهم في طلب الوصول إلى محبوبهم وكان بذلهم بالرضا والسماح، وواصلوا إليه المسير بالإدلاج والغدو.

والرواح تالله لقد حمدوا عند الوصول سراهم وشكروا مولاهم على ما أعطاهم، وإنما يحمد القوم السرى عند الصباح
فحيهلا إن كنت ذا همة فقد
حدا بك حادي الشوق فاطو المراحلا

وقل لمنادي حبهم ورضاهم
إذا ما دعا لبيك ألفا كواملا

ولا تنظر الأطلال من دونهم فإن
نظرت إلى الأطلال عدن حوائلا

ولا تنتظر بالسير رفقة قاعد
ودعه فإن الشوق يكفيك حاملا

وخذ منهم زادًا إليهم وسر على
طريق الهدى والفقر تصبح واصلا

وأحي بذكراهم سراك إذا ونت
ركابك فالذكرى تعيدك عاملا

وإما تخافن الكلال فقل لها
أمامك ورد الوصل فابغ المناهلا

وخذ قبسًا من نورهم ثم سر به
فنورهم يهديك ليس المشاعلا

وحي على جنات عدن بقربهم
منازلك الأولى بها كنت نازلا

ولكن سباك الكاشحون لأجل ذا
وقفت على الأطلال تبكي المنازلا

فدعها رسوما دارسات فما بها
مقيل فجاوزها فليست منازلا

رسوم عفت يفنى بها الخلق كم بها
قتيل وكم فيها لذا الخلق قاتلا

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26-08-2020, 02:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حياة القلوب في محبة علام الغيوب

وخذ يمنة عنها على المنهج الذي
عليه سرى وفد المحبة آهلا

وقل ساعدي يا نفس بالصبر ساعة
فعند اللقا ذا الكد يصبح زائلا

فما هي إلا ساعة ثم تنقضي
ويصبح ذو الأحزان فرحان جاذلا

أيها الكرام! إذًا فما هو الحب؟ وما هي المحبة؟
الحب هو الحب والمحبة هي المحبة وقد قيل: من المعاني ما هو كالورد يشم ولا يلمس، ويتنسم ولا يتحسس؛ لأنه يستروح به ولا يجدي أن "يفعص".

يقول العلامة ابن القيم: لا تحد المحبة بحد أوضح منها فالحدود لا تزيدها إلا خفاءً وجفاءً، فحدها وجودها، ولا توصف المحبة بوصف أظهر من المحبة.

وإن كان ولا بد فالمحبة هي وصف قائم بالقلب يؤدي إلى السرور وغيره من المقتضيات؛ كالطاعة واللذة ونحوها".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأصل المحبة قوة في القلب تحرك إرادة الإنسان لتحصيل المحبوبات أصلًا، ودفع المكروهات تبعًا، فتميل النفس إلى الشيء إذا كان محبوبًا، وتنفر عنه إن كان مكروهًا.
وقف الهوى بي حيث أنت
فليس لي متأخر عنه ولا متقدم

أجد الملامة في هواك لذيذة
حبا لذكرك فليلمني اللوم

أشبهت أعدائي فصرت أحبهم
إذ كان حظى منك حظى منهم

وأهنتني فأهنت نفسي صاغرًا
ما من يهون عليك ممن يكرم


وكما قال بعضهم:
ولئن ساءني أن نلتني بمضرة فلقد سرني أني خطرت ببالك

هذا كلام يقوله أهل الدنيا في محبة بعضهم بعضًا فما البال إن كان المحبوب الذي هو بكل جميل كفيل وهو الحسب ونعم الوكيل، فما من نعمة إلا هو منعمها، وما من منة إلا هو صاحبها، وما يعرف يد لها جميل إلا هو سائقها وموجهها، عز شأنه وعظم سلطانه وتعظمت آلاؤه وتقدست أسماؤه، فهو سبحانه أولى بالحب من كل أحد.

ولذلك أيها الإخوة الكرام كان لا بد وأن نجعل محبة الله في القلب في أعلى وأوسع وأرسخ مكان، وأن تأتي المحاب كلها في القلب بعد ذلك، هذا من أصل التوحيد ولبه، وإلا كانت شركًا، وبهذا نعلم أن المحبة نوعان؛ أي: بالنسبة إلى الله تعالى، محبة واجبة، ومحبة محرمة، فالمحبة الواجبة هي محبة الله تعالى أكبر من محبة غيره.. والمحبة المحرمة هي محبة غير الله أعظم من محبته أو مثل محبته فمن المحبة المحرمة أن تدفعك محبة شخص إلى طاعته في الكفر، فهذا حرام؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 165]، أو تدفعك محبته إلى عبادته كذات الإله والسجود له والاستغاثة به، ولا شك أن هذا شرك أكبر.

ومن المحبة المحرمة محبة الكفار لدينهم أو محبة دينهم، وهذا كفر، والأدلة على هذا فى القرآن والسنة كثيرة جدًّا كما قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة:51]، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب"[1]، فلا شك أن من أحب الكفار لدينهم وكفرهم كفر.

فهذه أمثلة للمحاب المحرمة وكل محبة جائزة دفعتك إلى فعل محرم أو ترك واجب، فهي محرمة، إذًا محبة الله واجبة، وهذه المحاب التي ذكرناها محرمة، وهناك نوع ثالث وهي المحاب الجائزة، فمنها: محبة المال والزوجة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "حُبِّب إلي من دنياكم النساء والطيب"[2].

ومنها محبة الولد لوالده، ومحبة الطالب لأستاذه وشيخه، ومنها محبة الوالد لولده ومحبة المسكين والمريض، ومنها المحبة التي تكون للألف والأنس؛ أي: للمؤالفة والمؤانسة كمحبة المشركين في صنعة، ومحبة الذين من بلد واحد في الغربة.

وهذه المحاب جائزة في الأصل؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ.... ﴾ [التوبة:24] الآية[3].

فالشرط ألا تكون مثل محبة الله ولا أكثر، والأصل فى هذا كله أن نفهم هذه الآيات: "﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 165 - 167].

قال ابن القيم: أخبر أن من أحب من دون الله شيئًا كما يحب الله تعالى، فهو ممن اتخذ من دون الله أندادًا، فهذا ند في المحبة لا في الخلق والربوبية، فإن أحدًا من أهل الأرض لم يثبت هذا الند في الربوبية بخلاف ند المحبة، فإن أكثر أهل الأرض قد اتخذوا من دون الله أندادًا في الحب والتعظيم.

فينبغي أيها الإخوة أن نضبط مقاييس هذه المحاب في القلوب، وأن يكون مرجع ذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله، فما وجدناه حلالًا فعلناه، وما كان حرامًا اجتنبناه، فإن الله - عز وجل - ذم من آثر على محبته محبة غيره مع أنه مجبول عليها، فقال - عز وجل -: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24].

ودعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ودعاؤه مقبول بالتعاسة وخيبة الرجاء، وانقلاب المقصد إلى ضد ما يقصد، فقال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِىَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِى الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ "[4].

فحاذر أيها الكريم أن يكون أحد في قلبك أعظم محبة من الله تعالى، والسؤال الآن: كيف يصل إلى قلب المسلم هذا التصور ويرسخ فيه كاعتقاد؟
والجواب:
يكون ذلك بأمور:
منها: أن يتفكر في خلق الله - عز وجل - فيصل بذلك إلى تعظيمه ومحبته، فإن من عظَّم شيئًا، خضَع له.

ومنها: أن يستشعر نعم الله عليه، وأنها لا تعد ولا تحصى، فيؤسر قلبه لذلك، فالإنسان أسير الإحسان، والإحسان يدك العنق، وكما قيل:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فلطالما استعبد الإنسان إحسان

ومنها: التعرف إلى الله - عز وجل - بأسمائه الحسنى، ومنها الودود القريب المجيب، الرحمن الرحيم الرؤوف، المنان الحنان، وكذلك التعرف إلى صفاته العليا، فعن طريق معرفة الأسماء الحسنى والصفات العلا، يحب المرء الله تعالى، فيرسخ في قلبه حبه عز وجل.

ومنها: الاقتراب منه تعالى، وإدمان طَرْق بابه، والوقوف على نِعَمه الخفية التي لا يشعر بها إلا من اغترف من معين العبودية، وكما قيل: من ذاق عرف ومن عرف اغترف.

بهذه الأسباب وأشباهها - أيها الإخوة - يجد القلب محبة الله، ومن وجد محبة الله ذاق طعم الإيمان، ووجد حلاوته، واستشعر نعيمه ولذته، واستمتع بهذا الدين فعاش في جنة في الدنيا قبل الآخرة.

روى البخاري ومسلم من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِى الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِى النَّارِ"[5].

إنه فرح ولذة وسرور ونشوة لا يعدلها شيء في الدنيا على الإطلاق، حتى قال من وجدها يومًا: إنا لفي نعيم لو يعلم به الملوك وأبناء الملوك، لجالدونا عليه بالسيوف، وقال آخر: "إنه لتمر على القلب لحظات أقول عنها: لو أن أهل الجنة في مثل ما أنا فيه من النعيم، إنهم لفي نعيم مقيم".

وقال آخر: "مساكين أهل الدنيا خرجوا منها ولم يذوقوا أحلى ما فيها، قيل: وما أحلى ما فيها؟ قال: ذكر الله - عز وجل".

وقال آخر: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة، وفي الدنيا نعيم من لم يذقه، فلن يذوق نعيم الآخرة"، يقصد: جنة محبة الله، ونعيم القرب من الله.

لله در شيخ الإسلام ابن تيمية وقد حبسوه في سجن القلعة، فقال: ﴿ فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴾ [الحديد: 13].

ثم قال: ماذا يفعل أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري أينما ذهبت فهي معي، إن نفوني فنفيي سياحة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، وإن سجنوني فسجني خَلوة".

ثم قال: "المحبوس من حبس قلبه عن ربه، والمأسور من أسره هواه، والله لو بذلت ملء القلعة ذهبًا ما عدل ذلك عندي شكر نعمة الحبس، وما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير، اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، سبحان الله ينطق حاله قائلاً:
أنا لست إلا مؤمنًا بالله في سري وجهري أنا نبضة في صدر هذا الكون فهل يضيق صدري

يقول تلميذه [ابن القيم] - رحمه الله -:
وعلم الله ما رأيت أحدًا أطيب عيشًا منه قط، مع ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والتنعم، وما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق، ومع ذلك فهو من أطيب الناس عيشًا وأشرحهم صدرًا، وأقواهم قلبًا، وأسرهم نفسًا، تلوح نضرة النعيم على وجهه، وكنا إذا اشتد بنا الخوف، وساءت منا الظنون، وضاقت بنا الأرض أتيناه، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله، وينقلب انشراحًا وقوة وطمأنينة، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل، فآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها.
رجحوا حلمًا وخفوا هممًا ونشوا سِيدًا وشبوا عُلَما

علموا من أين ينزاح الشقاء، فأزاحوه وعاشوا سعداء.

إنه بلسم الحياة.

وإذا بآخر يحكم عليه بالقتل ويُعلن عليه يحكم عليه، فما يزيد على أن يفتر ثغره عن ابتسامة نابعة من صدر مطمئن هادئ، واثق بموعود الله، فيقال له: ما تنتظر؟ قال: أنتظر القدوم على ربي، لقد عملت لهذا المصرع خمسة عشر عامًا، وإني لأرجو الله أن تكون شهادة في سبيله:
فوالله إني أرى مصرعي
ولكن أمدُّ إليه الخطى.

وتالله هذا ممات الرجال
فمن رام موتًا شريفًا فذا[6]



وهكذا - أيها الإخوة - سرور وفرحة ورغد ونشوة خير من كل متاع، إنها على حد تعبير بعضهم لحظات من الجنة.

فلا ريب أن يكون التعبير عنها بهذا اللفظ: "وجد حلاوة الإيمان"، فأثبت النبى صلى الله عليه وسلم للإيمان حلاوة، أقول بل أثبت النبي صلى الله عليه وسلم أن للإيمان مذاقًا وطعمًا، كذلك ففي الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا".[7]

أيها الإخوة! كيف السبيل إلى وجدان هذه الحلاوة؟ والجواب - كما أوضحه الحديث - بثلاثة:
الأول: تقديم محبة الله والرسول صلى الله عليه وسلم على ما سواهما؛ يعني: أن يقدم العبد أمر الله وأمر رسوله ونواهي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على كل شيء.

الثاني: أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، لا من أجل دنيا يصيبها ولا مصلحة يحصلها، بل لله وحده محبة خالصة يكتب الله لها الدوام والاتصال، ويتصل نعيمها بنعيم الآخرة؛ كما قال - عز وجل -: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10].

الثالث: أن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار.

فأثبت لهم عقد الإيمان والأخوة، فلا يحب محبة خالصة إلا المؤمن ولا يكون مؤمنًا حقًّا إلا إذا أحب محبة خالصة، فإذا رأيت إيمانًا بلا أخوة، فاعلم بأنه إيمان ناقص، وإن رأيت أخوة بلا إيمان، فاعلم أنها التقاء مصالح وتبادل منافع، وإذا رأيت أخوة الإيمان، فتلك التي سمى الله - عز وجل - في كتابه.

بثلاثة أمور يجد العبد طعم الإيمان - أيها الإخوة -: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، و أن يكره الكفر كراهية شديدة كما يكره أن يلقى في النار.

فمن حرص على هذه الأمور الثلاثة فقد حصَّل محبة الله تعالى وعلى قدر الطاعة لله وعلى قدر العبادة لله يذوق العبد حلاوة الإيمان، وعلى قدر المعصية يفقد هذه الحلاوة حسب زيادة الإيمان ونقصانه، فعقيدتنا عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بزيادة الطاعات والصالحات، وينقص بالمعاصي والزلات والسيئات، وعلى قدر الإيمان يكون مذاقه وطعمه وحلاوته.

أيها الإخوة!
ناجى نبي الله داود ربه فقال: "يا رب، أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك؟ فقال الله - عز وجل -: أحب عبادي إلي تقي القلب، نقي اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء، أحبني، وأحب من أحبني وحببني إلى خلقي، فقال داود: يا رب إنك تعلم أني أحبك، وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى خلقك، قال: يا داود ذكِّرهم بآلائي، ونعمائي وبلائي".

ومن جعل السعي إلى مرضاة الله تعالى وجهه ومقصده، كان من أكمل الناس إيمانًا، فلا يحب إلا لله، ولا يبغض إلا لله، ولا يعطي إلا لله، ولا يمنع إلا لله، ولا يصل إلا لله، ولا يقطع إلا لله؛ روى أبو داود وحسنه الألباني من حديث أبي أمامة مرفوعًا: "من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله - فقد استكمل الإيمان"[8].

وروى أحمد وابن جرير عن ابن عباس أنه قال: "من أحب في الله وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان، وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئًا"[9].

هذه هي حقيقة الموالاة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ [المائدة: 55]، فالموالاة بنص هذه الآية لا تكون إلا لله تعالى لذاته، وتكون لرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين لأمر الله تعالى بموالاتهم، فمن كان عنده موالاة لغير الله ورسوله والمؤمنين، فقد أشرك مع الله غيره في الحب، ولا شك أن شرك الولاية داخل في شرك المحبة، لكون موالاة أهل الشرك والكفر من نواقض التوحيد، بل لا تتحقق شهادة أن لا إله إلا الله إلا بإخلاص المحبة والولاية لله وحده لا شريك له، وموالاة من أمر الله تعالى بموالاتهم، فمن فعل ذلك ضمن مع الله تعالى النجاح والفلاح والنجاة في الدنيا والآخرة، فما كان لله دام واتصل/ وهذا هو الذي والى الله ورسوله والمؤمنين، وما كان لغيره سبحانه انقطع وانفصل، وهذا هو الولاء للشرك والمشركين والمنافقين، وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾ [آل عمران:28].

وقال تعالى: ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الأَسْبَابُ ﴾ [البقرة:166]، قال حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما: "المودة"[10].

وهذا يدلنا على أن المحبة التي تكون لغير الله لا تنفع، وعلى أن المحبة من أجل الدنيا مذمومة، وصدق ربي إذ يقول: ﴿ الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف:67].[11]

وهكذا أيها الكرام فأصل التوحيد وروحه إخلاص المحبة لله وحده، بل هي حقيقة العبادة ولا يتم التوحيد حتى تكمل محبة العبد لربه، وتسبق محبته جميع المحاب وتغلبها، ويكون لها الحكم عليها؛ بحيث تكون سائر محاب العبد تبعًا لهذه المحبة التي بها سعادة العبد وفلاحه.

نعم - أيها الإخوة - لا يكمل للعبد إيمان ولا يتم له توحيد إلا إذا أخلص المحبة لله وحده، فأحب ما يحبه الله من الأشخاص والأعمال، وأبغض ما يبغضه الله من الأشخاص والأحوال، ووالى أولياءه وعادى أعداءه.

وللحديث صلة بعد جلسة الاستراحة إن شاء الله وأستغفر الله لي ولكم.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26-08-2020, 02:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حياة القلوب في محبة علام الغيوب

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأغنى وأقنى، وجعلنا من خير أمة تأمر وتنهى، والصلاة والسلام على خير الورى، وما ضل وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى.

أما بعد.
فتعالوا بنا يا أيها الإخوة! نتجول في بستان المحبين نستمتع بأخبارهم، ونستنشق عبيرهم، عسانا تفوح علينا نفحة من نفحاتهم، تبعث فينا الهمة للقيام بمثل قيامهم، فكيف كان حبهم لله ورسوله؟ وكيف كان سعيهم لمرضاته؟ وكيف كان حبهم لإخوانهم؟ وكيف كان حرصهم على موالاة المؤمنين والبراءة من المشركين؟

فمن هذه المواقف التي لا زال التاريخ يحكيها ولا يحاكيها، ويمثل بها ولا يمثلها ما سطره البطل ربعي بن عامر بأحرف من نور، فقبل معركة القادسية أرسل رستم قائد الفرس إلى المسلمين يطلب رسولاً يكلمه، فأرسل إليه سعد بن أبي وقاص ربعيَّ بن عامر، فدخل على رستم وقد زيَّنوا مجلسه بالنمارق المذهبة والزرابي الحرير، وأظهر اليواقيت واللآلئ الثمينة، والزينة العظيمة، وعليه تاجه، وغير ذلك من الأمتعة الثمينة النفيسة، وقد جلس على سرير من ذهب، ودخل الشاب البطل ربعي بثياب صفيقة وسيف وترس وفرس قصيرة، ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحه ودرعه وبيضته على رأسه، فقالوا له: ضع سلاحك، فقال: إني لم آتكم، وإنما جئتكم حين دعوتموني، فإن تركتموني هكذا، وإلا رجعت، فقال رستم: ائذنوا له، فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق، فخرق عامته، فقالوا له: ما جاء بكم، فقال: إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه، ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدًا حتى نفضي إلى موعود الله، قالوا: وما موعود الله؟، قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي، قال رستم: قد سمعت مقالتكم، فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا فيه؟
قال: نعم، كم أحب إليكم؟، يومًا أو يومين؟ قال: لا، بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا، فقال: ما سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نؤخر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث، فانظر في أمرك وأمرهم واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل، فقال: أسيدهم أنت؟، قال: لا، ولكن المسلمون كالجسد الواحد، يجير أدناهم على أعلاهم، فاجتمع رستم برؤساء قومه، فقال: هل رأيتم قط أعز وأرجح من كلام هذا الرجل؟ فقالوا: معاذ الله أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك إلى هذا الكلب، أما ترى إلى ثيابه؟ فقال: ويلكم لا تنظروا إلى الثياب، وانظروا إلى الرأي والكلام والسيرة"[12].

سبحان من خلق هذا الإنسان وتعظم الدين الذي رباه وصدق الله حين قال: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [المنافقون: 8].

ومن أروع صور المحبة لله ورسوله ما أخرجه ابن جرير الطبري وغيره بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ادعوا لي عبدالله بن عبدالله بن أبي بن سلول، فلما جاء قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ألا ترى ما يقول أبوك يا عبدالله)؟ فقال عبدالله: وماذا يقول أبي، بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل)، فقال عبدالله: لقد صدق والله يا رسول الله، فأنت واللهِ الأعز، وهو الأذل.
أما والله لقد قدمت المدينة يا رسول الله وإن أهل يثرب لا يعلمون أحدًا أبرَّ بأبيه مني، أما وقد قال، فلتسمعن ما تَقَرُّ به عينُك، فلما قدموا المدينة قام عبدالله على بابها بالسيف لأبيه، ثم قال: أنت القائل: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل؟!
أما والله لتعرفن هل العزة لك أم لرسول الله، والله لا يؤيك ظلها، ولا تبيتن الليلة فيها إلا بإذن من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

فصرخ عبدالله بن أُبيّ: يا للخزرج ابني يمنعني بيتي، فقال: والله لا يدخل بيته إلا بإذن من الله ورسوله، فأتوا النبي فأخبروه، فقال: اذهبوا إليه، فقولوا له: يقول لك رسول الله: خَلِّه مسكنه.
فأتوه، فقالوا له ذلك، فقال: أما وقد جاء الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنعم، ليعلم من الأعز ومن الأذل [13].

إنه الولاء لله ولرسوله: ﴿ لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ [المجادلة: من الآية22].

الله أكبر هؤلاء هم الذين حققوا الآية وحولوها - على أرض الواقع - إلى منهج حياة.

ومن هذه المواقف الطيبة ما حكى تعالى في قوله عز شأنه: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22].

قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في أبي عبيدة بن الجراح، فقد قتل أباه عبدالله بن الجراح يوم أُحد، وعمر بن الخطاب، قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر، وأبو بكر دعا ابنه يوم بدر إلى المبارزة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (متعنا بنفسك)، ومصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير، وعلي بن أبي طالب وعبيدة (وحمزة)[14] قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يوم بدر، أخبر أن هؤلاء لم يُوادُّوا أقاربهم وعشائرهم غضبًا لله ولدينه[15].

عبدالله بن حذافة ومثل في السماء:
وأختم بهذا المشهد الذي يتألق سموًا وروعة وجلالًا، إنه مشهد الصحابي الجليل عبدالله بن حذافة السهمي رضي الله عنه الذي وقع أسيرًا في بلاد الروم، فقالوا لملكهم: ها هو رجل من أصحاب محمد.

قال أدخلوه عليّ، فدخل عبدالله بن حذافة على ملك الروم، فعرض عليه صفقةً لو عُرِضَت على كثير من الساقطين المجرمين المتآمرين في هذه الأيام، لباع الأرض والعرض، كما باعوا العقيدة، فماذا عرض ملك الروم؟!
عرض على عبدالله بن حذافة نصف ملكه ويتنصَّر!!

فقال عبدالله: والله لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما ملكته العرب على أن أتخلى عن ديني طرفة عين ما فعلت!!
قال ملك الروم: إذًا أقتلك، قال أنت وذاك!!

فأمر ملك الروم بأسيرين من أسرى المسلمين فَقُتِلا أمام عبدالله بن حذافة لتختل قوته، ويختل يقينه، ولكن أنىَّ للقلوب التي امتلأت بالخوف من علام الغيوب وحده أن تخشى طواغيت الأرض ولو اجتمعوا؟!

ثم قال له الملك: تتنصر؟
قال عبدالله: لا، قال الملك: اقتلوه.

فأخذوه ليقتلوه فبكى!! قال الملك ردوه عليّ لعله بكى خوفًا من الموت، ويريد أن يقبل ما عرضته عليه، ثم سأله: لماذا بكيت؟!

قال عبدالله: والله ما بكيت خوفًا من الموت، ولكنني علمت يقينًا أنني سأقتل الآن وكنت أتمنى أن تكون بعدد كل شعرة في جسدي نفس تقتل في سبيل الله.

قِمَمٌّ شمَّاء، مُثُل عُليا وقدوات طيبة، والله لو رأى الأعداء من أهل العقيدة الاستعلاء والعزة، لأتوا إليهم في غاية الذلة والصغار، ولكنهم رأو أهل الإسلام في غاية المهانة والذلة والصغار، فأذلوهم وساموهم سوء العذاب.

قال ملك الروم: هل تُقَبِّل رأسي وأعفو عنك؟!
قال عبدالله: أُقبل رأسك بشرط أن تعفو عني وعن جميع أسرى المسلمين.

فقال ملك الروم أفعل: فقام عبدالله بن حذافة فقبَّل رأس ملك الروم، فعفى عنه وعن جميع أسرى المسلمين، وانطلق عبدالله بالأسرى إلى المدينة، فقابلهم فاروق الأمة عمر، فلما علم عمر بالأمر، قال رضي الله عنه: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبدالله بن حذافة وأنا أولكم، فقام عمر فقبَّل رأس عبدالله، وقام أصحاب رسول الله رضوان الله عليهم جميعًا" [16].

ولا أملك أمام هذه الْمُثُل التي تتألق روعة وسموًا وجلالًا وعظمة، إلا أن أتلوَ هذه الآية من كتاب ربنا: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الممتحنة: 6].

أيها الإخوة، إن المحبة هى أصل الأصول وهي قاعدة القواعد، فالمحبة هي حقيقة العبودية، وإنما تمكن الأعمال الأخرى من الحمد والشكر والخوف والرجاء والصبر، والزهد والحياء والفقر والشوق والإنابة - باستمرار المحبة في القلوب، وهي حقيقة الإخلاص، بل هي حقيقة شهادة لا إله إلا الله.

ورحم الله ابن القيم إذ يقول: "إذا غرست شجرة المحبة في القلب، وسقيت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب - أثمرت أنواع الثمار، وآتت أُكلها كل حين بإذن ربها، أصلها ثابت في قرار القلب، وفرعها متصل بسدرة المنتهى".

وقال شيخ الإسلام وتلميذه - رحمهما الله -: إن القلب لا يصلح ولا يفلح ولا ينعم ولا يُسر ولا يطيب، ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه وحده، ومحبته والإنابة إليه، فلو حصل على كل ما يتلذذ به المخلوقات لم يطمئن ولم يسكن؛ إذ فيه فقر ذاتي، واضطرار وحاجة إلى ربه معبوده محبوبه مطلوبه بالفطرة، لا يسعد ولا يطمئن ولا يَقِرُّ إلا بالإيمان بالله رب العالمين، فمن قرَّت عينه بالله قرَّت به كل عين، ومن لم تَقِر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، وإنما يُصدِّق هذا من في قلبه حياة.
فوا أسفاه، وا حسرتاه، كيف ينقضي الزمان وينفد العمر، والقلب محجوب، ما شم لهذا البلسم رائحة؟ وخرج من الدنيا كما دخل فيها وما ذاق أطيب ما فيها، بل عاش فيها عيش البهائم، وانتقل منها انتقال المفاليس، فكانت حياته عجزًا، وموته كمدًا، ومعاده حسرة وأسفًا، اللهم فلك الحمد وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك.

فيا أيها الذين آمَنوا آمِنوا، ويا من أعرضوا أقبلوا تَسعدوا: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا من ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

اللهم ارزقنا إيمانًا نجد حلاوته، وقلوبًا خاشعة، وألسنة ذاكرة، وأعينًا من خشيتك مِدرارة، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين[17].

وختامًا أحبتي: ما هي الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها؟ كيف يصل المحب إلى هذه الدرجة، فإن المحبة - أيها الإخوة - لا توصف ولا تعرف إنما يعرفها من وجدها وذاقها، وإنما البحث في أسبابها وموجباتها وعلاماتها وشواهدها، ومن أخذ بالأسباب ذاق وعرَف، فما هي الأسباب والموجبات التي بها يذوق المريد المحبة؟

والجواب من العلامة ابن القيم طيب الله ثراه: الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها عشرة:
أحدها: قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به؛ كتدبر الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه ليتفهم مراد صاحبه منه.

الثاني: التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، فإنها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة.

الثالث: دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال، فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر.

الرابع: إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى والتسنم إلى محابه وإن صعب المرتقى.

الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها وتقلبه في رياض هذه المعرفة ومباديها، فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، أحبه لا محالة ولهذا كانت المعطلة والجهمية قطاع الطريق على القلوب بينها وبين الوصول إلى المحبوب.

السادس: مشاهدة بره وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة، فإنها داعية إلى محبته.

السابع: وهو من أعجبها انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى وليس في التعبير عن هذا المعنى غير الأسماء والعبارات.

الثامن: الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه، ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.

التاسع: مجالسة المحبين الصادقين والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام وعلمت أن فيه مزيدًا لحالك ومنفعة لغيرك.

العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله - عز وجل -.

فمن هذه الأسباب العشرة وصل المحبون إلى منازل المحبة ودخلوا على الحبيب[18].

وهكذا - أيها الإخوة - حب الله تعالى: هو حياة القلوب ونعيم الأرواح وبهجة النفوس وقرة العيون وأغلى نعيم الدنيا والآخرة.

أذاقنا الله وإياكم محبته وقربنا جميعًا من حضرته، ولا حرمنا من رؤيته، والتمتع بأنسه في الدنيا والآخرة.

فاللهم يا ولي الإسلام وأهله ثبتنا على الإسلام حتى نلقاك، واملأ قلوبنا من معرفتك ومحبتك والإنابة إليك، إنك يا ربنا جواد كريم، اللهم اجعل حبك أحب الأشياء إلينا، واجعل خشيتك أخوف الأشياء عندنا، واقطع عنا حاجات الدنيا بالشوق إلى لقائك، وإذا أقررت أعين أهل الدنيا من دنياهم، فأقرر أعيننا من رضوانك الدعاء.


[1] أخرجه البخاري 6168، ومسلم (165).

[2] أخرجه أحمد (3/128) والنسائي في السنن (7/61) عن أنس - رضي الله عنه -، وانظر صحيح الجامع الصغير (3124).

[3] انظر الشرك بالله: ص (488) نقلًا عن عون العلى الحميد(2/74) بتصرف كثير جدًّا.

[4] صحيح البخاري برقم (2886).

[5] أخرجه البخاري (16) و(21) و(6941) ومسلم (43).

[6] بلسم الحياة محاضرة لفضيلة الشيخ / علي عبدالخالق القرني.

[7] أخرجه مسلم 160.

[8] أخرجه أبوداود (4681)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (6/16/2، 9/396)، والطبراني في الكبير (13537)، وحسنه الألباني.

[9] أخرجه ابن المبارك في الزهد (353) وأبو نعيم في الحلية 1 / 312، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (396).

[10] موقوف على ابن عباس وله حكم الرفع.

[11] الشرك بالله 490، نقلاً عن عون العلي الحميد (2/ 83).

[12] البداية والنهاية - (7 / 47).

[13] أخرجه الطبري في تفسيره (14/364)، وأحمد 15260، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرطهما.

[14] ما بين القوسين غير موجود في النص هنا وهو موجود في كتب السيرة، راجع زاد المعاد (3/179)].

[15] التفسير الكبير (29/276277).

[16] قال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه لسير أعلام النبلاء (14/2): أخرجه ابن عساكر في تاريخه من طريق البيهقى، وكذا الحافظ في الإصابة، وله شاهد من حديث ابن عباس، موصولاً عند ابن عساكر، وابن الأثير في أسد الغابة (3/212).

[17] بلسم الحياة محاضرة للشيخ علي للقرني.

[18] مدارج السالكين - (3 / 17).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 111.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 109.13 كيلو بايت... تم توفير 2.64 كيلو بايت...بمعدل (2.36%)]