الله خالق كل شيء - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216123 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7834 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 62 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859666 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393997 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 87 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-08-2020, 03:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي الله خالق كل شيء

الله خالق كل شيء


أحمد الجوهري عبد الجواد






إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد فيا أيها الإخوة!
إن من توحيد الله - تبارك وتعالى - الواجب على كل مسلم ومسلمة الاعتراف لله بتفرده بجلب النعم ودفع النقم وإضافتها إليه وحده سبحانه معبرين عن ذلك بأقوالنا وأفعالنا وجميع أحوالنا.

نعم.. فنعترف ابتداءً بنعمه عز وجل علينا، ثم نستعين بها على طاعته وعبادته، فلا يتم توحيد العبد إلا إذا اعترف لله عز وجل بنعمه عليه ظاهرة وباطنة واستعان بتلك النعم على عبادته وشكره، وعلى قدر إحساس العبد بهذه النعم تكون معرفته بقدر ربه عز وجل وعظمته ومعرفته به ومحبته، ولعل هذا هو السر الذي لأجله يذكرنا القرآن الكريم على الدوام بهذه الحقيقة ولنتأمل بعض الآيات في القرآن الكريم بخصوص هذا المعنى. فمن ذلك قوله جل شأنه: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 32- 34] فتأمل كم مرة تكررت هذه الكلمة: "لكم" وضمير المخاطبين "كم" وكان في ذكرها مرة واحدة غناء عن إعادتها لو كانت لمجرد التعريف بأن ذلك من أجلنا فحسب ولكن من تأمل وتدبر أحس وراء ذلك التكرار معنى آخر وهو إرادة الهيمنة على ذلك القلب أن يسكنه صاحب تلك النعم وفقط وأن يشغل الإنسان بهذا المعنى دائمًا وأن يمعن التأمل والتدبر فيه، وفي بعض الآثار: "أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه". [1]

لكن - أيها الإخوة - وكما وضحت الآيات السابقة: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ فكثير من خلق الله تعالى يأكل خيره ويشكر غيره، رزق الله عز وجل إليه نازل وشره وسيئاته وعمله القبيح إلى الله صاعد، يتحبب الله تعالى إلى هذا الصنف بالنعم وهو تعالى الغني عنهم ويتبغضون هم إليه بالمعاصي وهم أحوج شيء لديه، فيا له من إله عظيم كبير غفور رحيم حليم، ما أحلمه سبحانه وما أصبره أن يكون كل ما في الكون من خيره وينسب إلى غيره، ولا يزال ينعم عليهم لم يقطع أفضاله عنهم، وعلى ذلك أمثلة عديدة.


أيها الإخوة.. ومن أظهر هذه النعم التي ينعم الله بها على عباده وبها يكفرون هذا الرزق الذي يأتي الله به كسبب للحياة بأسرها. نعم.. المطر الذي سماه الله عز وجل رزقاً، فقال تعالى: "بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّ فِي السموات وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الجاثية/1-7].

قال الحافظ ابن كثير:
يرشد تعالى خلقه إلى التفكر في آلائه ونعمه وقدرته العظيمة التي خلق بها السموات والأرض وما فيها من المخلوقات المختلفة الأجناس والأنواع من الملائكة والجن والإنس والدواب والطيور والوحوش والسباع والحشرات وما في البحر من الأصناف المتنوعة، واختلاف الليل والنهار في تعاقبهما دائبين لا يفتران هذا بظلاله وهذا بضيائه، وما أنزل الله تعالى من السحاب من المطر في وقت الحاجة إليه وسماه رزقاً، لأن به يحصل الرزق قال تعالى: ﴿ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا أي بعدما كانت هامدة لا نبات فيها ولا شيء. [2]

فسبحان ربي! نعم تحيا الأرض كلها كما قال - عز وجل -: ﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5] إنها تحيا بعد موات! وقد جاءت هذه الآية في موقع عجيب من الكتاب المجيد فهي تحتل ختام آية ترتيب الخلق ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5].

أرأيت حبيبي إلى رجل وامرأة لم يرزقا الولد كيف تكون حياتهما؟ وكيف يكون شوقهما إلى الولد؟ وكيف ترى ذبول الزوج والزوجة وبؤسهما؟ ثم كيف ترى لو أن الله أذن لهذه الأسرة المحرومة بالسرور؟ ما الذي يحدث؟ لو أن الله أنعم عليها بنعمة الولد؟ كيف لو أعطياه؟ أما ترى إلى سعادتهما؟ أما ترى إلى سرورهما؟ ألم تر إلى ابتهاجهما وإقبالهما على الحياة واستعادة آمالهما فيها وأحلامهما كيف تتجدد؟ كذلك حبيبي الأرض إذا احتاجت إلى الماء في عطشها، ثم إذا نزل المطر تحيا الأرض وتسقى البلاد والعباد وتطيب الأحوال جميعها، ﴿ فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾.

عن أنس - رضي الله عنه - قال:
(أصاب الناس سنة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر قائمًا في يوم الجمعة قام وفي رواية: دخل أعرابي من أهل البدو من باب كان وجاه المنبر نحو دار القضاء ورسول الله قائم فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا فقال: يا رسول الله هلك المال وجاع وفي رواية: هلك العيال ومن طريق أخرى: هلك الكراع وهلك الشاء وفي أخرى: هلكت المواشي وانقطعت السبل فادع الله لنا أن يسقينا وفي أخرى: يغيثنا فرفع يديه يدعو حتى رأيت بياض إبطه: اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا ورفع الناس أيديهم معه يدعون ولم يذكر أنه حول رداءه ولا استقبل القبلة ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئًا وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار وفي رواية: قال أنس: وإن السماء لمثل الزجاجة فرفع رسول الله يديه ثم قال: اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس. فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم وفي رواية: فهاجت ريح أنشأت سحابا ثم اجتمع ثم أرسلت السماء عزاليها ونزل عن المنبر فصلى فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا وفي رواية: حتى ما كاد الرجل يصل إلى منزله فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد وبعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى ما تقلع حتى سالت مثاعب المدينة وفي رواية: فلا والله ما رأينا الشمس ستًّا وقام ذلك الأعرابي أو غيره وفي رواية: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبله قائمًا فقال: يا رسول الله تهدم البناء وفي رواية: تهدمت البيوت. وتقطعت السبل وهلكت المواشي وفي طريق: بَشِق المسافر. ومنع الطريق وغرق المال فادع الله يحبسه لنا فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم فرفع يديه فقال: اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على رؤوس الجبال والآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر فما جعل يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت مثل الجًوْبة وفي رواية: فنظرت إلى السحاب تصدع حول المدينة يمينًا وشمالًا كأنه إكليل وفي أخرى: فانجابت عن المدينة انجياب الثوب يمطر ما حوالينا ولا يمطر فيها شيء وفي طريق: قطرة وخرجنا نمشي في الشمس يريهم الله كرامة نبيه صلى الله عليه وسلم وإجابة دعوته. وسال الوادي وادي قناة شهرًا ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود)[3]

فيا الله، كم من نعمة لك علينا لا نعرفها، وكم نعرف من نعمك ما لا نشكره، وكم نشكر له شكراً هو دون ما يجب علينا لك.

يا كريم كم من نعمة أنعمت بها علينا قل لك عندها شكرنا، وكم من بلية ابتليتنا بها قل لك عندها صبرنا، فيا من قل عند نعمائه شكرنا فلم يحرمنا اجعلنا لنعمتك من الشاكرين ويا من قل عند بلائه صبرنا فلم يطردنا اجعلنا عند بلائك من الصابرين، إنك أكرم مسئول يا أكرم من سئل يا جواد.

أيها الإخوة!
أما ساءلنا أنفسنا ماذا يكون فعلنا لو قطع الله عنا المطر؟ ما ستكون حيلتنا؟ لو عاملنا الله بعدله وعلى قدر ما نستحق أعطانا ترانا نستحق قطرة أترانا؟ فيا ربنا لك الحمد على نعمائك ولك الشكر على آلائك وأفضالك حمداً يوافي نعمك وشكرًا يكافئ مزيدك، أقول: مع ذلك - أيها الإخوة - قد ترى من العباد من يجعل هذه النعمة العظيمة جدّاً من فعل غير الله نعم والله وهذا ليس من عندي ولا من عند أبي بل هو قول الصادق الذي لا ينطق عن الهوى بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم . ففي الصحيحين عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: "صلى لنا رسول الله رضي الله عنه صلاة الصبح بالحديبية. على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال الله تعالى: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر. فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ". [4]

يا الله تصور معي الموقف جيداً أيها الحبيب اللبيب، حتى تكون على دراية كاملة بالحديث فحتى تعيه لابد أن تعيش الحدث الذي وقع فيه، فها هو النبي صلى الله عليه وسلم خرج قاصداً البيت معتمراً فتمنعه قريش من دخول مكة فيعسكر النبي بصحبه الأبرار عند الحديبية ويطول الانتظار فى مراسلات ومباحثات بين الفريقين وليس مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ماء وليسوا نازلين على ماء وعددهم كثير فنفد الماء الذي معهم وكاد الناس يموتون عطشاً.

ثم منّ ربك عز وجل فبات أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد مطروا في ليلة من الليالي فلما أصبحوا صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فلما سلم من صلاته أقبل عليهم بوجهه كما هي السنة فوعظهم صلى الله عليه وسلم وهو سيد الوعاظ فقال مستخدماً أسلوباً تعليميّاً تربويّاً فذّاً وهو التعليم عن طريق السؤال والجواب لما يكون فيه من الاستثارة والتشويق والتحفيز للمستمع وكذلك من تثبيت المعلومة في الذهن. قال صلى الله عليه وسلم : "أتدرون ماذا قال ربكم؟".

واسمحوا لي - أيها الإخوة - بهذه الاستطرادة القصيرة أقول: إن الصحابة لم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم قائلين وهل يتكلم ربنا؟ مع أنه سؤال بدهي يخطر على أذهاننا الآن، نعم لم يسأل الصحابة رضوان الله عليهم ذلك السؤال لأن الجواب كالسؤال أيضًا بدهي فهم يقرءون في القرآن ليل نهار: ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [النساء: 164] ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ﴾ [الأعراف: 143] ﴿ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [سبأ: 23]. كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتلقون عقيدتهم من القرآن الذي يتلونه ليل نهار وحديث النبي الذي يجلو الآذان والأبصار، لأن العلاقة التي كانت تربطهم بذلك كله هي علاقة الاتعاظ والاعتبار علاقة التفكر والتدبر لا مجرد التنغيم والطرب كما صار حالنا مع القرآن ولا الاهتزاز والترنح كحال بعضنا إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم.

ففي قوله ﴿ قَالَ رَبُّكُمْ ﴾ إثبات أن الله تكلم، فصفة الكلام ثابتة لله فهو سبحانه يتكلم متى شاء وإذا شاء - سبحانه وتعالى -.. كيف؟ كيف يتكلم ربنا - أيها الإخوة - ؟ إن السؤال بكيف سؤال خاطئ، لأن الكيفية لا يعلمها إلا الله والخلاصة نحن مع صفات الله نعلم المعنى وأما الكيف فنكله ونفوضه إلى الله عز وجل ثم قال صلى الله عليه وسلم أتدرون ماذا قال ربكم قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب" وهكذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم . الناس فريقين تجاه هذه النعمة فريق يعلم أنها من عند الله وينسبها إلى الله ويشكر الله تعالى عليها فهؤلاء هم المؤمنون وفريق آخر ينكرها كنعمة لله وينسبها إلى الأنواء وهى الكواكب والنجوم هؤلاء هم المشركون الكافرون إن المطر رزق من الله لا ينزل إلا بقدرة وفضل الله وفي الحديث الجليل الجميل الذي أخرجه مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ " بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتًا في سَحَابَةٍ اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ. فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ في حَرَّةٍ فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ فَقَالَ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ قَالَ فُلاَنٌ. لِلاِسْمِ الَّذِى سَمِعَ في السَّحَابَةِ فَقَالَ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ لِمَ تسألني عَنِ اسْمِى فَقَالَ إني سَمِعْتُ صَوْتًا في السَّحَابِ الَّذِى هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ لاِسْمِكَ فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا قَالَ أَمَّا إِذَا قُلْتَ هَذَا فإني أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ وَآكُلُ أَنَا وعيالي ثُلُثًا وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ ".[5] فنزول المطر إنما هو بقدرة الله -سبحانه وتعالى- وقدره هو الذي ينزله أو يمنعه، متى شاء، وأين شاء، ويصرفه إلى من شاء، ويصرفه عمن يشاء، قد تطلع الأنواء ولا يحصل مطر بل وتظهر الأسباب كلها ولا ينزل مطر وقد يحصل المطر بأمره في غير طلوع الأنواء أو أي من الأسباب فالمطر يحصل في أي وقت شاءه الله - سبحانه وتعالى -، وهنا - أيها الإخوة - شيء مشاهد وهو أن المطر ينزل في جميع الأحيان ولا يتقيد بظهور النجم الفلاني أو العلاني.

ولهذا فالمؤمن له حال خاص مع المطر قبل نزوله وأثناءه وبعده وإذا أراده وإذا استغنى عنه كل ذلك يعرفه من سنة نبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم فمن هديه صلى الله عليه وسلم إذا قحط المطر أن يخرج ليصلي صلاة الاستسقاء نعم عندنا صلاة نصليها إذا قحط المطر لينزل الله عز وجل لنا بها المطر نتوسل إلى الله خلالها ونضرع إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ونتذلل ونتخشع و نتوب عن الذنوب كلها ونقلع ونطلب منه السقيا والغيث، فيا ترى كيف كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الصلاة؟

قال ابن القيم ما مختصره: "ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه استسقى على وجوه.
أحدهما: يوم الجمعة على المنبر في أثناء الخطبة.

الثاني: أنه وعد الناس يوما يخرجون فيه إلى المصلى، فخرج لما طلعت الشمس متواضعا متبذلا متخشعا متوسلا متضرعا، فلما وافى المصلى صعد المنبر - إن صح ففي القلب منه شيء - فحمد الله وأثنى عليه، وكبره، وكان مما حفظ من خطبته ودعائه: " الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت تفعل ما تريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلته علينا قوة لنا، وبلاغا إلى حين ثم رفع يديه وأخذ في التضرع والابتهال والدعاء "، وبالغ في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة، وحول إذ ذاك رداءه، وهو مستقبل القبلة، فجعل الأيمن على الأيسر وعكسه، وكان الرداء خميصة سوداء، وأخذ في الدعاء مستقبل القبلة، والناس كذلك، ثم نزل فصلى بهم ركعتين كالعيد من غير نداء، قرأ في الأولى بعد الفاتحة بـ (سبح) وفي الثانية بـ (الغاشية).

الثالث: أنه استسقى على منبر المدينة في غير الجمعة، ولم يحفظ عنه فيه صلاة.

الرابع: أنه استسقى وهو جالس في المسجد رفع يديه، ودعا الله - عز وجل -.

الخامس: أنه استسقى عند أحجار الزيت قريبا من الزوراء وهو خارج باب المسجد الذي يدعى اليوم: "باب السلام" نحو قذفة حجر، ينعطف عن يمين الخارج من المسجد.

السادس: "أنه استسقى في بعض غزواته لما سبقه المشركون إلى الماء، فأصاب المسلمين العطش، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعض المنافقين: لو كان نبيا لاستسقى لقومه، كما استسقى موسى لقومه. فبلغه ذلك، فقال: أو قد قالوها؟ عسى ربكم أن يسقيكم ثم بسط يديه فدعا، فما رد يديه حتى أظلهم السحاب، وأمطروا وأغيث صلى الله عليه وسلم في كل مرة ".

" واستسقى مرة، فقام أبو لبابة، فقال: يا رسول الله إن التمر في المرابد. فقال: اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا، فيسد ثعلب مربده بإزاره فأمطرت فاجتمعوا إلى أبي لبابة. فقالوا: إنها لن تقلع حتى تقوم عريانا، فتسد ثعلب مربدك بإزارك. ففعل، فأقلعت السماء "، ولما كثر المطر سألوه الاستصحاء، فاستصحى لهم، وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب، والآكام والجبال، وبطون الأودية، ومنابت الشجر" وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى المطر قال: " صيبا نافعا " وحسر ثوبه حتى يصيبه من المطر، فسئل عن ذلك، فقال: " لأنه حديث عهد بربه ".

قال الشافعي أخبرني من لا أتهم، عن يزيد بن عبد الهادي، " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سال السيل، قال: اخرجوا بنا إلى هذا الذي جعله الله طهورا، فنتطهر منه، ونحمد الله عليه" وأخبرنا من لا أتهم، عن إسحاق بن عبد الله، أن عمر كان إذا سال السيل ذهب بأصحابه إليه، وقال: ما كان ليجيء من مجيئه أحد، إلا تمسحنا به. وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى الغيم والريح، عرف ذلك في وجهه، فأقبل وأدبر، فإذا أمطرت سري عنه، وكان يخشى أن يكون فيه العذاب".[6]

فالمؤمن يدعو الله تعالى ويتوسل إليه ويطلب السقيا منه ليقينه أنها بيده لا بيد غيره سبحانه، وأما أثناء المطر فكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله تعالى أن يكون هذا المطر نافعاً للعباد والبلاد وأن يكون سقيا رحمة فكان يقول: اللهم صيباً نافعاً يعني مطراً نافعاً مفيداً وكان يفرح إذا نزل ويقول: رحمة، كما في الحديث الذي أخرجه أبو داود وغيره عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى ناشئاً في أفق السماء ترك العمل فإن كشف حمد الله، فإن أمطرت قال: "اللهم صيباً نافعاً". [7]

وروى مسلم من حديث عائشة قالت: "كان صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم ريح عرف ذلك في وجهه ويقول إذا رأى المطر: رحمة". [8]

بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعبر عن فرحه ذلك بنوع من التعبير لطيف رقيق يدل على كمال يقين النبي صلى الله عليه وسلم بمنزل المطر - سبحانه وتعالى -:
فقد روى مسلم من حديث أنس قال: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر قال: فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه - أي كشفه - حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربه تعالى"[9] فيا الله وهذه الشفافية، هذه الرقة، هذا اليقين والثقة التامين من رسول الله صلى الله عليه وسلم في آيات ربه وأين العباد منها؟.

أيها الإخوة!
قرأت في بعض الكتب عن محاولة قام بها بعض العلماء - في بعض الدول - أراد أن يهيئ أسباب نزول المطر ويوجد مسبباته وأنفق في ذلك جهداً كبيراً جدًاً زاد على شهور وأنفق عليه ألوفاً كان يرجو أن ينزل مطراً صناعيّاً بتهيئة الجو والعوامل صناعيّاً ويوم ظن أنه نجح وترقب نتيجة عمله ذاك إذا ألوفه التي أنفق وجهده الذي أفنى ووقته الذي صرف يأتي ترى بأي نتيجة؟ لقد أتى ولكن "بدلو واحد من ماء يشبه الزفت أو القطران" كان هو نتيجة تفاعل المواد التي عمل على استخدامها، فكم نحتاج نحن أن ننفق على ألوف الألوف من الأمتار المكعبة في نهر النيل أو الفرات أو غيرهما؟ ترى كم يدفع أهل الأرض في ذلك؟ فلا ريب أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم يتعرض للمطر مستذكرًا نعمة الله الكبرى فيه مبادرًا إلى الاعتراف بها وشكرانها ثم يقول: "إنه مطر حديث عهد بربه".

ومن طريف ما اطلعت عليه شيء قريب من هذا وقع لنبي الله أيوب عليه السلام لكن كان المطر شيئاً آخر غير الماء لقد كان مطراً من ذهب، نعم مطر من ذهب والحديث أخرجه البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ " بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ يَحْثِى في ثَوْبِهِ، فَنَادَى رَبُّهُ يَا أَيُّوبُ، أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى قَالَ بَلَى يَا رَبِّ، وَلَكِنْ لاَ غِنَى لي عَنْ بَرَكَتِكَ ". [10]

نعم لا غنى بي عن بركتك نسأل الله أن لا يجعل بنا غنى عنه أبداً، وأن يغنينا بفضله عمن سواه أبدا وأن لا يحرمنا بركاته أبدًا.

هذا هو هدي النبي أثناء نزول المطر، أما إذا نزل المطر فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي قدمنا يرشد المؤمنين إلى أن يقولوا: مطرنا بفضل الله ورحمته.

أما إذا كثر المطر وفاض الماء وخشي منه على الزرع والبناء فقد كان النبي يدعو فيقول: "اللهم حوالينا لا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر". [11]

ومن هديه صلى الله عليه وسلم طلب الإجابة عند نزول الغيث والمطر، ونتعرف إلى ذلك بعد جلسة الاستراحة وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأغنى وأقنى، وجعلنا من خير أمة تأمر وتنهى، والصلاة والسلام على خير الورى، وما ضل وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى.

أما بعد، فيا أيها الإخوة!
ومن هديه صلى الله عليه وسلم طلب الإجابة عند نزول الغيث قال ابن القيم:
قال الشافعي: وأخبرني من لا أتهم عن عبد العزيز بن عمر عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اطلبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش وإقامة الصلاة ونزول الغيث، وقد حفظت عن غير واحد طلب الإجابة عند: نزول الغيث وإقامة الصلاة.

وقال البيهقي: وقد روينا في حديث موصول عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لا يرد عند النداء، وعند البأس، وتحت المطر.

وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن: عند التقاء الصفوف، وعند نزول الغيث وعند إقامة الصلاة وعند رؤية الكعبة"[12]

أحبتي في الله!
هذه حال المؤمن مع المطر اعتراف وشكران وامتنان وطاعة وإذعان للواحد الديان، وهكذا علمنا الله ورسوله ما يكون عوضاً لنا عن التكذيب بآلائه والكفر بنعمائه من العرفان والشكران لها نعم فمن نسب شيئاً من نعمه عز وجل إلى غيره فقد كفرها وكذب على الله فيها، ومن أظلم ممن كذب على الله أو كفر بآلائه.

قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ ﴾ [العنكبوت: 68]، فالذي ينسب نعمة من نعم الله كهذا المطر إلى مخلوق من مخلوقات الله فقد كذب على الله أعظم الكذب، بدل أن يشكر الله فهو يكذب عليه وينسب نعمه إلى غيره وهو جحود للنعمة وكفران بها كذلك ولهذا قال ربنا عز وجل في شأن من ينسبون نزول المطر إلى المواقف والنجوم والأنواء.

قال تعالى: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ * وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾ [الواقعة/75-82].

يعلن الله عز وجل بهذا أن النجوم ومواقعها مخلوقة لله سبحانه ثم يقرع المشركين قائلاً: ﴿ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ * وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾أي: تكذبون بهذا الحديث ولا تصدقونه وهو أن الله خالق كل شيء ورب العالمين ومالكهم، وتجعلون رزقكم أي المطر الذي رزقكم الله إياه مستحقاً عليه الشكر فتجعلون التكذيب مكان الشكر بدلاً من أن تشكروه تكفروه وتقولون: مطرنا بالأنواء والنجوم ولهذا قال الحسن - رحمه الله -: "خسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب" أو كان يقول: بئس ما أخذ قوم لأنفسهم، لم يرزقوا من كتاب الله إلا التكذيب.[13]

وروى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن بعضهم لما نزل المطر قال: لقد صدق نوء كذا وكذا فأنزل الله تعالى: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ * وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾ [الواقعة/75-82]. [14]

فسماهم الله مكذبين بآلائه ولذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى مسلم من حديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة، وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب ".[15]

فما حكم الاستسقاء بالنجوم؟
انتبه - أيها الحبيب - يختلف حكم من استسقى بالنجوم باختلاف حال الشخص، من حيث الاعتقاد وعدمه فمن اعتقد أن النوء هو الموجد للمطر والمنزل للمطر أو دعا النوء واستغاث به لإنزال المطر فقد أشرك لأن الله قال: ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ﴾ [فاطر:3].

وقال عز من قائل: ﴿ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن:18].

وكذا إن ادعى أن المطر سينزل في وقت كذا كما يفعله المنجمون لأن النجم المعين سينزل في موقع كذا ودور كذا، لأن فيه تكهنا بالغيب ولا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله.

وأما من نسب نزول المطر إلى الأنواء والكواكب كسبب مع اعتقاده أنها لا تنزل إلا بإذن الله فهو حرام أيضًا، لأنه جعل ما ليس سببًا في الشرع ولا في العادة سببًا ومثل هذا حرام.

وأما من أشار إلى أن وقت نزول المطر هو وقت النجم الفلاني مع اعتقاده أن النجم ليس بفاعل ولا سببًا بل كله بأمر الله فهذا جائز إن شاء الله ولا شيء فيه.

فلننتبه يرحمكم الله حتى لا نقع في شرك بالله ونحن لا ندري، فربما يقول المرء كلمة يهوى بها في جهنم سبعين خريفاً وهو لا يدري أنها تبلغ ما بلغت ولا يلقي لها بالاً عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لاَ يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِى بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا في النَّارِ ".[16] ولهذا فلنراعِ الكلمات التي نقولها والألفاظ التي ننطق بها ولنحذر أن تزل ألسنتنا بما فيه شرك بربنا ولنضرب لذلك مثالاً ذكره العلماء لأقوال واعتقادات خاطئة تتعلق بما نحن بصدده.. مثل قول الناس: "جئت وجاء على وجهك الخير"، و"بركات قدومك" ونحوها.

فمثل هذه الألفاظ يجب أن تجتنب ولا يجوز قولها ويجب إنكارها من باب حماية جناب التوحيد، لأن النبي رضي الله عنه ما كان يتساهل فيما يتعلق بحماية حمى التوحيد.

هذا وأسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحفظنا وأن يحفظ علينا التوحيد وأن يحفظنا من الشرك، فوالله لولا الله ما سقينا ولا تنعّمنا بما أوتينا ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الواقعة: 63 - 70].

اللهم لك الشكر على آلائك التي لا تعد ولا تحصى، اللهم لو شئت لجعلت ماءنا أجاجاً، ولكن رحمتك أدركتنا فجعلته عذباً زلالاً، فلك الشكر لا نحصي ثناءً عليك، فما بنا من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك، ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 27، 28]

اللهم فارزقنا الخشية منك. اللهم اجعلنا من العلماء أهل الخشية منك. فمنك ماؤنا، ومنك طعامنا، فلك الشكر ولك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ﴾ [السجدة: 27].... فغفرانك ربنا لما قصرنا وغفرانك ربنا لما قدمنا وأخرنا وغفرانك ربنا لما أسأنا وغفرانك ربنا من رؤية العمل، الدعاء.


[1] أخرجه الترمذي (3789)، وضعفه الألباني في تخريج فقه السيرة (23)، ضعيف الجامع الصغير (176).

[2] تفسير ابن كثير - (7 / 264).

[3] أخرجه البخاري في مواضع هذا مجموعها هنا، وانظر مختصر الألباني للبخاري (1 / 224 - 226 رقم 497).

[4] أخرجه مسلم 240.

[5] أخرجه مسلم 7664.

[6] مختصر زاد المعاد - (ص / 65) الإمام محمد بن عبدالوهاب.

[7] أخرجه مسلم 2120.

[8] أخرجه مسلم 2121.


[9] أخرجه مسلم 2120.

[10] أخرجه البخاري برقم (278).

[11] سبق.

[12] زاد المعاد (1 / 444)، بتصرف.

[13] تفسير ابن كثير - (7 / 547).

[14] أخرجه مسلم (73).

[15] صحيح مسلم برقم (934).

[16] أخرجه الترمذي 2314، وابن ماجة (3970) وغيرهما، وصححه الألباني في صحيح الجامع 1618.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 78.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 76.78 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.19%)]