علاج نبوي ناجع - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-08-2020, 03:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي علاج نبوي ناجع

علاج نبوي ناجع


عبدالله بن عبده نعمان العواضي







إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 - 71].


أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


روى الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن فتى شابًا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أُدنُه، فدنا منه قريبًا، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهّر قلبه، وحصّن فرجه. فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء.


أيها المسلمون، هذا نص نبوي شريف يحكي لنا هديًا نبويًا في علاج المشكلات، وكيفية التعامل مع أهلها. وفي ظلال هذا الحديث الكريم دروس دعوية، وتربوية ترسم لمن وعاها الطريقَ الصحيح في الاستشفاء والشفاء من أدواء الخطايا.


إن مرحلة الشباب مرحلة عمرية مهمة في حياة الإنسان، تُلقي بحسناتها أو بسيئاتها على ما تلاها من مراحل العمر؛ لأنها مرحلة القوة والنشاط، وسرعةِ الاستجابة للمؤثرات، والإقبالِ على تفجير الطاقات، واستنباط القدرات.


والإنسان في هذه المرحلة إذا لم يدركه حفظ الله تعالى وحمايته، ولم يحرسه عقله وبصيرته فإنه سيسقط في مهاوي الردى، وتخطفه أيادي الإثم والهوى. فالشاب إن لم يكن له دين يمنعه، وعقل يحجزه، وأُسرةٌ ناصحة توجّهه، فسيتجه إلى البطش والظلم، وإراقة طاقاته وقدراته فيما يضره ولا ينفعه، ومن ذلك القوة الجنسية، فإن لم يجد الحلالَ أسالها في الحرام.


ولا شك أن القوة الجنسية تبلغ مداها في هذه المرحلة العمرية؛ ولهذا وجّه الشرع الحكيم أهلَ هذه المرحلة إلى تلبية نداء دعوة هذه القوة بالزواج عند القدرة عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء)[2].


وتبدأ هذه القوة بالتناقص بعد هذا الكمال تدريجيًا؛ ولهذا عظُمَ في الشرع والعقل والعُرف تصابي الشيوخ في عمل الفاحشة؛ لضعف الداعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زانٍ، وملك كذاب، وعائل مستكبر)[3].


إن القوة الجنسية التي فُطِر الإنسان عليها إذا كُبحت ولم يُستجب لها في الحلال ولم يُنزح منها فيه أسِنت وأدّت إلى أضرار حياتية خاصة وعامة، كحصول الأمراض النفسية والجسدية، وقلة عدد العنصر البشري، مع كثرة الاحتياج إليه في إصلاح العيش الدنيوي.


فكان من حكمة الله تعالى خلقُ هذه القوة في هذه المرحلة للانطلاق المبكِّر لتكوين الأسرة وبناء الحياة.


أيها الأحبة الكرام، إن هذا الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الزنا لم يكن طفلاً ولا رجلاً كبير السن، بل كان ممتلئَ القوة والشباب، فلعلّ قوته الجنسية اشتدت لديه، ولم يجد مؤونة الزواج، فأراد تلبية هذه الرغبة الجامحة. وكان عنده علمٌ بأن الزنا حرام، فأراد أن يجد له مسوغًا شرعيًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ينطلق منه إلى قضاء شهوته!


فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجد حل هذه المشكلة التي لقي منها العناء، ولم يجد من يطفئ عنه لهيبها.


فجاء رسولَ الله عليه الصلاة والسلام - وهو بين الناس - ومن غير مقدمات بادر رسولَ الله بالاستئذان للزنا! فقال يا رسول الله ائذن لي بالزنا!. هذه الكلمة كانت كأنها قنبلة صوتية أُلقيت بين أولئك الحاضرين؛ لأنهم يعرفون بشاعة هذه الفاحشة دينيًا وخُلقيًا واجتماعيًا. قال تعالى: ﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء:32].


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) [4].


وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلّوا بأنفسهم عذاب الله)[5].


وقال صلى الله عليه وسلملا تزال أمتي بخير ما لم يفشُ فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا فأوشك أن يعمهم الله بعذاب)[6].


هذه بعض عقوبات الدنيا، وأما عقوبات الآخرة، فمنها ما جاء في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت الليلة رجلين أتياني - يعني جبريل وميكائيل - فانطلقا بي... إلى قوله...فانطلقنا فأتينا على مثل التنور، قال: فأحسب أنه كان يقول: فإذا فيه لغطٌ وأصوات، قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا همْ يأتيهم لهبٌ من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا، قال: قلت: ما هؤلاء؟... قال: الزناة والزواني[7].


عباد الله، إن الصحابة رضي الله عنهم لما سمعوا هذا الاستئذان الغريب اشتد عليهم الأمر، فأمروا صاحبه بالسكوت. لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو طبيب الأمة - يستدني ذلك الفتى ليعالجه علاجًا ناجعًا؛ فالشهوة العارمة مرض من الأمراض التي تحتاج إلى دواء يخففها أو يوجهها إلى مسارها الصحيح.


فالإنسان لا يُلام على هذه القوة الفطرية، وإنما يلام على تصريفها في السبل المحظورة.


لقد داوى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الشاب دواء شافيًا بدا عليه أثره قبل أن يفارق ذلك المجلس وينقلب إلى رحله.


والطبيب الناجح هو من يعالج كل داء بما يناسبه، هذا في أمراض البدن، وكذلك في أمراض النفوس. فهناك بعض النفوس لا تعالجها الأدلة النقلية، وإنما تعالجها الحجج العقلية.


أيها الأحبة الكرام، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استخدم في علاج هذه المشكلة علاجين شافيين:
العلاج الأول: الإقناع العقلي المتجه إلى الفطرة السليمة، وبقايا الأخلاق المستقيمة في الإنسان مثل خُلق الغَيرة. فالمسلم العاقل غيور على أمه وعلى ابنته وعلى أخته وعلى عمته وعلى خالته وعلى بقية محارمه، حتى ولو كان من أهل الزنا ما لم يصل إلى درجة الدياثة والعياذ بالله. فلهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الشاب: (أفتحبه لأمك)؟! لقد كان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا السؤال لذلك الشاب كالصاعقة الأولى التي أحرقت بعضَ عروق حُبِّ الخطيئة لديه؛ فلذلك كان جوابه دالاً على خوفه من ذلك حيث قال: (لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك). فقال رسول الله عند ذلك: (ولا الناس يحبونه لأمهاتهم). فكان هذا الجواب هو الكبسولة الأولى.


ومن هنا يقال لمن هو واقع في هذه الخطيئة: ما موقفك لو كان هذا الفعل الشنيع الذي تقارفه يقع من أحد من الناس على أمك؟ فمن انتهك حرمات الناس انتُهكت حرماته، ومن كان بيته من زجاج فلا يرمي أبواب الناس، كما قيل.


يُنسب للإمام الشافعي أنه قال:
عفوا تعفّ نساؤكم في المحرم
وتجنبوا ما لا يليق بمسلم

إن الزنا دَينٌ إذا أقرضته
كان الوفا من أهل بيتك فاعلم

من يزن يُزنَ به ولو بجداره
إن كنت يا هذا لبيبًا فافهم


ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم واترَ عليه ذِكرَ محارمه: بنته، وأخته، وخالته وعمته. فذكر له رسول الله صلى عليه وسلم هذه المحارم وهو يجيب بذلك الجواب الذي ينفي حبه وقوعَ ذلك على محارمه، حتى تقطعت عروق حب الخطيئة من قلبه عرقًا عرقًا، ورسول الله عليه الصلاة والسلام يعظه بواعظٍ من الغيرة المرتّب ابتداء بالأم ثم البنت ثم الأخت ثم العمة ثم الخالة. وهذا الترتيب مقصود، فأشد ما يغار الإنسان على أمه ثم بنته ثم أخته ثم عمته ثم خالته.


لقد استخدم نبينا عليه الصلاة والسلام الإقناعَ العقلي في علاج هذه المشكلة حتى انتفع به ذلك الشاب. وهذا أسلوب مناسب يُستفاد منه في علاج مشكلات الشهوات ومشكلات الشبهات.


أيها المسلمون، إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان حكيمًا في حلّ المعضلات وإيجاد الحلول الكافية الشافية لها، حتى يكفي ويُرضي ويغني عن غيره. عن أبي هريرة رضي الله قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال: هلكت يا رسول الله، قال: (وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهريين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينًا؟ قال: لا، قال: ثم جلس، فأُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال: تصدق بهذا، قال أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك)[8]. فانظروا وتأملوا، كيف جاء هذا الرجل المذنب خائفًا حزينًا فقيراً، وكيف رجع فرحًا مسروراً عنده قوته وقوت أهله!


وهذا مثال آخر يدل على حكمة نبينا صلى الله عليه وسلم في مداوة الأخطاء وكسبِ القلوب والتأثير على النفوس، جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزرموه، دعوه، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القرآن، قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه) وفي رواية للبخاري: فقال الأعرابي - وهو في الصلاة -: اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا. فلما سلم النبي صلى الله عليه و سلم قال للأعرابي: ( لقد حجرت واسعا) يعني: ضيّقت رحمة الله.


وهذا مثال كذلك جاء في الصحيحين أيضًا: أن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: ( يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، اليد العليا خير من اليد السفلى). قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا. فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيمًا إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه، ثم إن عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئًا فقال عمر: إني أشهدكم - يا معشر المسلمين - على حكيم أني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه. فلم يرزأ حكيم أحداً من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي. هكذا داوى رسول الله وهكذا ربّى أصحابه.


أيها الأخوة الفضلاء، أما العلاج الثاني الذي استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع هذا الشاب فهو أنْ وضعَ يده الشريفة عليه ودعا له فقال: (اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه).


فقد دعا له عليه الصلاة والسلام ثلاث دعوات جامعات نافعات، الدعوة الأولى: (اللهم اغفر ذنبه) وهذه دعوة بفتح صفحة جديدة تبدأ بالعفاف والطهر ومحو خطيئات الماضي.


والدعوة الثانية: (وطهر قلبه) وهذه دعوة بتصفية منطلق الخطيئة، فحب المعصية ينشأ في القلب، وهذا الحب لها قذرٌ ونجاسة، والقلب هو المحرك للجوارح، فإذا طُهّر القلب من حب الذنب انكفت الجوارح عن مقارفته.


وأما الدعوة الثالثة فهي: (وحصّن فرجه) تنتظم هذه الدعوةُ الأخيرة الخطَّ الأخير إلى ورود المعصية، وهي عملية إيقاف عن امتطاء الخطيئة يسمى بالتحصين، وتحصين الفرج وكبح جماحه يكون إما بالكف عن الحرام بمانع العفة والنزاهة والصبر عن المقارفة؛ مراقبة لله تعالى، قال تعالى: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النور:33]. وقال - بعد أن ذكر جواز حل الزواج بالإماء المؤمنات العفيفات لمن عجز عن مهور الحرائر، ولمِا يترتب على الزواج بالإماء من الآثار السيئة على الأولاد في المستقبل: ﴿ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النساء:25].


وإما أن تكون الدعوة بالتحصين بأن يسهل الله الزواج بزوجة تكفيه عن الحرام، والله أعلم.


وهذه الدعوة دعوة نافعة عظيمة لمن بُلي بالفاحشة، فيدعو بها لنفسه بصدق وإخلاص، فإن صدق وأخلص فسيجد - إن شاء الله - أثرها عليه. وكذلك يدعو بها المسلم لغيره من المسلمين ممن يقترفها، ويدعو بها المفتي والمستشار الأسري لمن شكا إليهما سيطرةَ هذه المعصية عليه؛ فلعل الله أن يستجيب فيه ما دعوا له.


بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، أما بعد.


أيها المسلمون، في هذه القصة درس عظيم ذو أهمية كبيرة نفيده منها ألا وهو: الرحمة بأهل المعاصي، والحرصُ على انتشالهم من أوحال الخطيئة بالأساليب الحسنة المؤثرة.


فإن الإنسان العاصي - خاصة في معصية الفاحشة - إنسان ضعيف استطاع الشيطان أن ينتصر عليه، وقدرت نفسه الأمارة بالسوء أن تغلبه وتستحكم عليه، ولم يكن لديه من دروع الحماية والحصانة ما يكفي لصدّ دعوة الخطيئة، فصار عند ذلك ضحية لذلك الشر المحدق به. وغالبًا أن المسلم الذي تبقى في نفسه خير يحس بالألم، ويشعر بالذنب، ويكتوي بالكرب، ويعاني غمًا وهمًا كبيرين، ويجد في نفسه أنه كالغريق في بحر عميق ينتظر قواربَ النجاة وأطواق الإنقاذ، وأيدي المنجدين يتشبث بها ليخرج من مهلكته. فهذا الإنسان أهلٌ لأن يُرحم، فيُساعد على الخروج من مستنقعه الآسن. فلتُسرع إليه خُطى المنقذين ولا يسلموه للشيطان والهوى، وإن جاء تائبًا فينبغي أن يُستقبل بالحنو والعطف والرأفة حتى يشعر بأنه يلامس كفًّا حانية، وقلوبًا عليه حريصة، تريد له الخير والسعادة. ولا يجوز أن يقابل بالسخرية والتقنيط، والإزراء والشتيمة؛ فييأسَ من رحمة الله، ويكره العفاف وأهله، فيرجع إلى خطيئته وأهلها محبًا متمسكًا.


فانظروا - رحمكم الله - كيف أنقذ رسولُ الله عليه الصلاة والسلام هذا الشاب، وكيف أعتقه من رِبقة الهوى، وكيف حرّره من أسر الشيطان، وكيف نصره على نفسه الأمارة بالسوء، وكيف خلّصه من بوتقة المعصية وعَذابها إلى رحابة الطاعة وعُذوبتها.


هكذا تصنع الأخلاق العالية، وهكذا تعمل الرحمة، وهكذا يداوي الطبيب الأسوة، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم:4]، وقال: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران:159]، وقال: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب:21].


فيا أيها المسلمون، الحكمةَ الحكمة في علاج المشكلات، والرحمةَ الرحمة بأهل الخطيئات.


ويا من أسرف على نفسه، سارع إلى التوبة، وبادر إلى الإنابة؛ فما عند الله خير وأبقى للتائبين المنيبين.


وما تجده في الحرام ستجد أطيب منه في الحلال، وتذكّر العواقبَ الوخيمة على مقارفة الجريمة، فإن فعلتَ فقد هُديت إلى طريق مستقيم.


فنسأل الله تعالى لمن واقع الفاحشة من المسلمين أن يردّهم إلى حصن العفاف، وأن يغفر ذنوبهم، وأن يطهر قلوبهم، ويحصّن فروجهم.


هذا وصلوا وسلموا على القدوة المهداة...


[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني، صنعاء، في 20/ 2/ 1436هـ، 12/ 12/ 2014م.

[2] متفق عليه.

[3] رواه مسلم.

[4] متفق عليه.

[5] رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد.

[6] رواه أحمد، وهو حسن.

[7] رواه البخاري.

[8] متفق عليه.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 73.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 71.99 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.33%)]