ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216138 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7834 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 62 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 859690 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 394026 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 87 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-08-2020, 03:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله

ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله
الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع




﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الحديد: 16]








فاسألوا الله أن يُجدد الإيمان في قلوبكم



إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يَهديه الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن اتَّبع سنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.







أمَّا بعدُ:



فيا أيها الإخوة المؤمنون، إن نعمة الله جلَّ وعلا على العبد بالإيمان، واعتناق دين الإسلام - نعمة عظمى، ومنحة كبرى، إنما يوفَّق إليها مَن أراد الله بهم الخير، وأحب لهم النجاة في الدنيا والآخرة.







نعمة عظمى، ومنحة كبرى، يجب على المؤمن أن يحافظ عليها، وأن يستقيم على مقتضاها إلى أن يلقى ربه جلَّ وعلا؛ كما قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].







أيُّها الإخوة الكرام، إن المؤمن حينما يسير في هذه الحياة الدنيا وقد ارتضى هذا الدين، واستقام عليه، واتَّبع مِلَّة إبراهيم حنيفًا على منهاج نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فالمؤمن وهو على هذه الحال، تعرض له في كثير من الأحيان من أنواع الابتلاءات والصوارف عن هذا الدين - ما يجب عليه أن يكون معه على حذرٍ من أن تزل قدمٌ بعد ثبوتها، ومن أن يَتَّبع الشهوات، أو أن يَصرفه الشيطان إلى الضلال، فهذا أمرٌ لا بد أن يمر بالمسلم أن يتعرض للابتلاء والفتن المتنوعة؛ قال الله تعالى: ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾ [العنكبوت: 1، 2].







ولذلك فإن كثيرًا من الناس حينما يتعرض لهذه الفتن ولهذا الابتلاء، قد يحصل عنده نوع من الاهتزاز ونقص الثبات في إيمانه، وهذا يُوجب عليه أن يتعرف على أسباب الثبات على دينه، وعلى أسباب الزيغ والانحراف، ويوجب عليه قبل ذلك أن يَفزَعَ إلى ربه بأن يُثبِّته على إيمانه.







ولَمَّا كان هذا الابتلاء حاصلاً، ويحصل معه أيضًا صدود النفوس عن الإيمان، صدودًا جزئيًّا أو أكثر من ذلك - فإن الله سبحانه عاتب مَن حصل منهم مثل هذا؛ قال الله جلَّ وعلا: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16].







فهذه الآية الكريمة فيها عتابٌ من الله سبحانه لعباده المؤمنين الذين استبطأت نفوسُهم أن تتوجه للإيمان بالكلية، وقعدت بها أهواؤُها إلى بعض متاع الدنيا، ولم تتوجه كُليةً إلى الله سبحانه، وتأمَّلوا هذا الخطاب العظيم، خطاب العتاب ﴿ ألم يَأْنِ ﴾، ألم يحن لهؤلاء المؤمنين الذين حصل على قلوبهم ما حصل من الانصراف - أن تخشع قلوبهم لذكر الله؟!







قال الخليل رحمه الله الإمام اللغوي في شأن العتاب: هو خطاب المُحب، وموجدته على مَن أحب، فالله سبحانه هو الودود لعباده، خاطبهم بهذا الخطاب العظيم: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا ﴾، ألم يحن الوقت يا عبد الله أن تتأمل حالك؟ وهل أنت على الحال التي أراد الله منك، أم أنك على خلاف ذلك؟







فالله سبحانه يقول لعباده: ألم يأن لكم أيها المؤمنون الذين شُرِّفتم وأُنعم عليكم بهذه الخصلة العظيمة وهي الايمان - أن تخشع قلوبكم لذكر الله؛ أي: تلين عند الذكر والموعظة، وعند سماع القرآن؛ لتتفهَّمه وتنقاد له، وتسمع لربها وتُطيع، فهذا وصف أهل الإيمان: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ﴾ [الأنفال: 2].







هذا حال المؤمن المقبل على ربه جل وعلا، وبخاصة عند سماع كلامه أعظم الكلام، وأشرفه وأصدقه الذي هو شرفٌ لمن يستمع إليه، ولمن يقرأه، وأعظم الشرف لمن يعمل به؛ ولذا قال الله تعالى في شأن المؤمنين، أنهم إذا قُرِأَ عليهم القرآن وإذا سمعوا آيات الله، تَلين قلوبهم لذكر الله، وأنهم حينما يسمعون هذا الكلام يَحصُل عندهم خوف ووجل: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 23].







هذه الحال التي ينبغي أن يكون عليها المؤمن: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ﴾ [الحديد: 16]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إن الله استبطأ قلوب المؤمنين، فعاتَبهم على رأس ثلاثة عشرة سنة من نزول القرآن".







يعني: نزلت هذه الآية التي فيها العتاب الرباني بعد ثلاثة عشر عامًا من بدء نزول القرآن، وثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه في صحيح مسلم أنه قال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتَبنا الله جلَّ وعلا بهذه الآية: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾ - إلا أربع سنين.







وهذا العتاب كما تنزَّل على الأئمة الكرام والصحابة العظام، فنحن أحرى وأولى به بعد تطاوُل هذا الزمان، نعم تنزَّل هذا القرآن معاتبًا لبعض الصحابة أيام زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو عتاب المحبِّ لأحبابه، هو عتاب من الله لتلك الثُّلَّة الكريمة من الصحابة رضي الله عنهم، وهو عتاب لبعضهم، وإلاَّ فمنهم الكُمَّل مِن الذين كانوا على درجةٍ عظيمةٍ من رِفعة الإيمان، لكن في زمانهم - وهم ليسوا بمعصومين رضي الله عنهم - مَن حصل منه ما يقتضي العتاب، ولذلك هذه طريقة القرآن في أنه يُنبِّه على أخطاء البعض دون تحديد مَن يراد، وهكذا هي طريقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا! والله جل وعلا إذ يعاتب المؤمنين يُذكرهم بالمثلات السابقة من قبلهم، مما حصل للأمم المتقدمة: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ﴾ [الحديد: 16]، وفي القراءة الأخرى: ﴿ ومَا نَزَّلَ مِنَ الْحَقِّ ﴾، (لذكر الله): هو موعظة المواعظ التي يُلقيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، (وما نزل من الحق): هو القرآن العظيم الذي لو أُنزل على جبل، لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله، فقلب المؤمن أولى بهذا الخشوع من هذه الجمادات التي تُعظِّم القرآن حقَّ تعظيمه، والله ضرب لنا المثال بهذه الجبال الشُمِّ الراسيات: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [الحشر: 21].







فمن سمِع القرآن الكريم ولم يحضر قلبُه، ولم تدمع عينُه، ولم تخشع نفسُه - فإنه ينبغي أن يراجع نفسه، فهو على خطر عظيم أن يسمع القرآن ولا يُحدِث عنده تغيُّرًا، ولا يحمله على الاستقامة، هذا مؤشر عظيم على أن ثمة خللاً وهو الران الذي أحاط بالقلب؛ ولذلك قال الله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]، فمن سمع كلام الله ولم يتدبره، ولم يُحدِثْ له خشوعًا، فهذا مؤشرٌ على أن قلبه عليه قفل يَمنعه من أن يتدبَّر أو يخشع، وهذه علامة خطيرة أعظم من أي مرض جسميٍّ يَحِل بالإنسان؛ لأن القلب إذا خُتِم عليه، وصار بعيدًا عن خشية ربه، فإنه قد تُوُدِّع منه، إلا أن يشاء الله، ولذلك ضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثلًا لهذه القلوب التي لا تخشع للقرآن، فقال كما ثبت في صحيح مسلم: ((حتى يعود القلب كالكوز مُجخِّيًا))؛ يعني: كالكوب المقلوب، لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، إلا ما أُشرب من هواه، فالكوز المقلوب الذي قُلب على وجهه على فتحته، فإنه لا يمكن أن تُدخِلَ إليه أي شيء؛ لأنه مُغلق، وهكذا حال القلب الذي غشاه الران: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]، والله سبحانه ذَكَّر بأحوال مَن قبلنا، فقال: ﴿ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ ﴾ [الحديد: 16].







نهى الله سبحانه نهى عباده المؤمنين أن يتشبَّهوا بحال من كان من قبلنا، من أهل الكتاب الذين حُمِّلُوا الكتاب وحُمِّلوا أمانته، وأُمروا أن يؤمنوا به من اليهود والنصارى، لكن لَمَّا تطاول عليهم الأمد، وطالت بهم الحياة، فإنهم بدَّلوا كتاب الله، واشتروا به ثمنًا قليلاً، وحرَّفوا فيه، ونبذوه وراء ظهورهم، واتَّخذوا أحبارهم ورُهبانهم أربابًا من دون الله، فعند ذلك قست قلوبهم، فلا يقبلون موعظة، ولا تَلين قلوبهم لهذا الكلام المنزَّل عليهم في التوراة والإنجيل قبل أن يُحَرَّفَا؛







ولذا قال الله عنهم: ﴿ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16] في الأعمال، فقلوبهم فاسدة وأعمالهم باطلة؛ كما قال الله عنهم: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ﴾ [المائدة: 13]، فالمؤمن يَحْذَر أن يكون هذا حاله، والله سبحانه إذا غضب، فلا حد لغضبه، والله يقول: ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30].







فحريٌّ بالمؤمن أن يراجع نفسه، وأن يُكثر من دعاء الله: (اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن عين لا تَدمع، ومن دعاء لا يُسمَع)، فهذه موعظة، وأي موعظة؟ موعظةٌ عظيمة وعتاب من ربٍّ كريم: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16].







بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بهدي النبي الكريم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.







الخطبة الثانية



الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.







أمَّا بعدُ:



فيا أيها الإخوة في الله، إنَّ عناية المؤمن بقلبه واستقامته على شرع ربه، أولوية عظمى ومهمة كبرى، ينبغي على المؤمن أن يحرص عليها، فأعظم ما يملكه الإنسان هو الإيمان، فكل شيء يُعوَّض، وكل ما فات لا يضر الإنسان في أمور دنياه، ولكن الضرر الأعظم هو أن يُفتن في دينه، وأن يَزيغ عن إسلامه، وأن يلقى ربه خاسرًا، قل: إنَّ الخاسرين على الحقيقة وعلى الواقع، وأعظم الخسارة - هم هؤلاء الذين جاء وصفُهم: ﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الزمر: 15]، خَسِروا لَمَّا تنكَّبوا إيمانهم، وبعدوا عن صراط ربهم جلَّ وعلا.







فالمؤمن يتلمس الأحوال، ويتحرى الأمور التي يستقيم بها إيمانه، ويُحاذر مما يُضعف إيمانه، ويباعده عن ربه جلَّ وعلا، ولا شكَّ أن المعاصي والذنوب إذا توالت على القلب، فإنها تُحدث فيه من الضرر العظيم ما هو أشد من أي داءٍ يُصاب به الإنسان في بدنه، وأعظم ما تُؤثِّره هو هذا الران وهذا الحجاب الذي يَحولُ بينها وبين تدبُّر كلام الرحمن، ويدل على ذلك ما ثبت عند الإمام الترمذي رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إنَّ العبد إذا عمل الخطيئة، نُكِت في قلبه نكته سوداء، فإن هو تاب ورجع سُقِل قلبه، وإن هو زاد زِيدَ في تلك النكتة السوداء حتى يغشى قلبَه الرانُ))، ثم تلى النبي صلى الله عليه واله وسلم قول الله تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14].







فلا ينبغي أن يظنَّ ظانٌّ أن تلك المعصية التي اقتَرفها ذلك العبدُ، يظنُّ أنها تمر مرور الكرام؛ نظرة إلى مُحرَّم، أو سماع مُحرَّم، أو أذية وضرر أحدٍ من الخلق، أو ظلم أحدٍ من الناس، لا يظن ظانٌّ أنه يمر مرورًا عابرًا، دون أن يؤثِّر عن نفسه وعلى إيمانه، فهذه الذنوب وهذه المُحقَّرات من الخطايا، تجتمع على الإنسان حتى تُهلكه عياذًا بالله، ولذلك تجد بعض الناس لا يزال يقترف السيئات، وخاصة من خلال ما يكون من التساهل بالنظرات، وبما يسمع، وهكذا ما يأتي بعد هذا، فلا تزال تتوالى عليه، حتى تُضْعِفَ إيمانه، وتؤثِّر فيه أثرًا عظيمًا، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثلاً بهذا الأمر، بأناس نزلوا في وادٍ، ثم تفرَّقوا فيه، فلم يزالوا يجمعون من الأعواد الصغار التي أوقدوها، فأنشؤوا بها نارًا كبيرة، وهكذا السيئات الصغار التي يُتساهَل بها، تكون على هذه الحال، وهذه تؤثر في إيمان العبد، ولذلك حثَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن يَحرص المؤمن على حماية إيمانه وعلى تجديده مع ضَعفه، كما يدلُّ عليه ما ثبت عند الطبراني والحاكم وغيرهما أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إن الإيمان ليَخْلق في جوف أحدكم كما يَخْلق الثوب، فاسألوا الله أن يُجدد الإيمان في قلوبكم)).







إنَّ الإيمان ليخلق في جوف أحدكم، يعني أنه يَبلى ويتغيَّر، ويُصيبه الوهنُ، كما أن الثوب مع كثرة اللبس وكثرة الغسل، يُصيبه الوهن والضعف، ويتغير حتى يصل به الحال مع كثرة ذلك إلى أن يتمزَّق، هكذا الإيمان مع كثرة الشُّبهات الواردة عليه، والشهوات المؤثرة فيه، يَضعف ويَبلى، ولذلك حثَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن يَفزعَ الإنسان إلى ربه، وأن يسأله أن يُجدد الإيمان في قلبه، وبهذا تفاضَل عباد الله، مَن كانوا على الاستقامة وثبَتوا عليها، فكانوا كما قال الله عنهم: ﴿ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].







وأمَّا من كانوا دون ذلك، فلم يزل إيمانه يضعف، ولم يزل يصيبه ما يُصيبه من الوهن، ويَخْلُق في نفوس أهله، ولم يلتفت إلى تجديده، ولذلك يَلحَظ المؤمن أنَّ عباد الله المخلصين، كانوا يَفزعون إلى الله بأن يُثبتهم على الإيمان، وأن يَصرِف عنهم الشهوات والشُّبهات، ولذا حكى القرآن دعواتهم؛ كما أخبر الله على سبيل المثال، عن إبراهيم خليل الرحمن: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، وحكى الله عن عبده يوسف عليه السلام: ﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [يوسف: 33]، فقال الله: ﴿ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [يوسف: 34].







ولن يستطيع عبد أن يَثبُت ما لم يُثبته الله، ولن يتوجه المسلم إلى سؤال الله هذا السؤال العظيم، إلاَّ إذا استشعر حاجته، بل ضرورته إلى تثبيت الله جلَّ وعلا.







وتأمَّلوا كيف كان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم - وهو أفضل الخلق، وهو صاحب أعلى منزلة في الجنة - يُكثر الدعاء بالثبات على الإيمان؛ كما ثبت عن أم المؤمنين رضي الله عنها أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم ولَحَظتْه يكثر هذا الدعاء: ((اللهم مقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك))، قالت: رأيتك تكرِّر هذا الدعاء، قال: ((يا عائشة، إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، فإن شاء أقام قلب هذا، وإن شاء أزاغه)).







هكذا كان يكثر من هذا الدعاء: (اللهم مقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك)، وفي رواية: (اللهم مصرِّف القلوب، ثبِّت قلبي على طاعتك).







فنسأل الله الجَوَاد الكريم أن يُثبت قلوبنا على الإيمان، وأن يَصرفها إلى طاعته، ونعوذ به جلَّ وعلا أن يُزيغنا، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهبْ لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب.







اللهم ثبِّتنا على الإيمان حتى نَلقاك، اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.







اللهم ثبِّتنا على الإيمان، ونعوذ بك اللهم من قلبٍ لا يخشع، ومن عينٍ لا تَدْمَع، ومن دعاءٍ لا يُسمع.







اللهم أحسِن عاقبتنا في الأمور كلها، اللهم أعنَّا على ذِكرك وشكرك، وحُسن عبادتك.







اللهم حبِّب إلينا الإيمان، وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.







اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان.







اللهم فرِّج همَّ المهمومين، ونفِّس كرب المكروبين، واقضِ الدَّين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.







اللهم مَن أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا، فاشْغَله بنفسه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء.








اللهم أسْبِغ علينا في بلادنا النِّعم، وادفع عنَّا النِّقم، وأصلح لنا أئمتنا وولاة أمورنا يا رب العالمين.







اللهم اشْمَل بالخير وحُسن الحال وصلاح الأحوال - إخواننا المبتلين في فلسطين وسوريا وفي مصر وليبيا، وفي العراق وبورما، وفي غيرها من البلاد يا رب العالمين.







سبحان ربنا ربِّ العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله ربِّ العالمين.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 75.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 74.24 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.26%)]