الإخلاص سبيل الخلاص - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-08-2020, 03:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي الإخلاص سبيل الخلاص

الإخلاص سبيل الخلاص


د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري





ألقاها ثم هذبها وزاد عليها:

أبو عبد العزيز طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري، خطيب مسجد الريَّان، غفر الله له ولوالديه وللمسلمين.



عناصر الخطبة:

فضل الإخلاص وآثاره.

علامات المخلصين.

أخبار الذين أخلصوا لربهم.

مظاهر عدم الإخلاص.

كيف نكون منهم؟

تنبيهات لدقائق تنافي الإخلاص.



الخطبة الأولى

الحمد لله الذي استأنس بذكره المخلصون، ولهج بمحبته الصادقون، وفرح بحسن بلائه الراضون، الحمد لله الذي أحب عباده المخبتين، ونجى عباده المخلصين، واصطفاهم لنفسه وقربهم منه وهو رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة الإخلاص، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبتمامهما يكون الخلاص، اللهم برحمتك اجعل لنا عندك قدم صدق، اللهم بفضلك منّ علينا بالثبات على الحق، اللهم يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون اجعلنا من أهل السبق.



﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [آل عمران: 102]، أما بعد:

فبأي شيء أمرت عبد الله، ولأي شيء تسعى ومن الذي تبغي رضاه، قد قالها خالقك ومتوفيك: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5]، دين القيمة أن تفرد الله تعالى بقصدك، دين القيمة أن تبغي وجه الله بعملك، دين القيمة أن تجعل أملك وهدفك أن تفوز برضا الله ربك، وأبشر إن كنت من أهلها، وأبشر إن فزت بها، (ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن).



إخوة الإيمان: ما ذكر الله تعالى العمل الصالح وقبِله إلا بالإخلاص، ما عظم الأجر وتضاعفت الحسنات، إلا بإخلاص العمل لرب الأرض والسماوات، عند النسائي بسند جيد" إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا وابتغي به وجهه"، فأعيدوا سمعًا لهذه الأحاديث التي تعرفون، وانتبهوا لشرط الإخلاص فيما تسمعون، يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: "ما مِن مسلمٍ يسجد لله سجدةً إلا رفعَه الله بها درجةً وحطَّ عنه بها خطيئة"، وانتبهوا لقوله: ما من مسلم يسجد لله، يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: "من بنى مسجدًا يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة"، وتأملوا قوله: من بنى مسجدًا يبتغي به وجه الله، "من صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غفَر الله له ما تقدَّم من ذنبه"، "من تبِع الجنازةَ إيمانًا واحتسابًا حتى يصلَّى عليها وتدفَن فله قيراطان"، وهل تقبل الأعمال بل باحتساب الأجر من الله، وهل تضاعف أجور غير ما أريد به وجه الله، ثم تأمل أخي في الله حديث البطاقة، رجل جاء بذنوب ملأت تسعًا وتسعين سجل، وجاء ببطاقة مكتوب عليها لا إله إلا الله، فثقلت البطاقة وطاشت السجلات، وغفرت السيئات، وليس كل من قال لا إلا إله الله يغفر له جميع ذنبه، لكنه الإخلاص، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمل فيه إخلاصه وعبوديته لله، فيغفر الله به كبائر الذنوب؛ كما في حديث البطاقة، غفرت له بإخلاصه ذنوبٌ ملأت تسعًا وتسعين سجلاً، كل سجلٍ مد البصر، وهل رأيتم -أخوة الإيمان- أعمالاً كأعمال الثلاثة الذين دخلوا الغار، فانحدرت عليهم صخرة فسدت عليهم فم الغار، فما وجدوا إلا أن يدعو الله بصالح أعمالهم، ما وجد الواحد منهم أصدق من أن يقول في دعائه: " اللهمّ إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهك فافرُج عنا ما نحن فيه"، فانفرجت عنهم الصخرة وخرجوا يمشون.



يا الله لن تقبل عملاً حتى يخلص لك من كل شائبة شرك، نعم، هو القائل: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري، تركته وشركه"، أيها الأخوة: "إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم القيامة، ليوم لا ريب فيه نادى مناد: من كان أشرك في عمله لله أحدًا فليطلب ثوابه من عنده، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك"، يا الله لن تنظر إلى عمل أشركنا فيه معك ثناء الناس، أشركنا فيه معك مدح الناس، أردنا به حظًا من حظوظ الدنيا، نعم، يقول عليه الصلاة والسلام: " فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب"، والحديث رواه أبي بن كعب رضي الله عنه وأخرجه الإمام أحمد.



أيها الساعون إلى الجنة: رب عمل صغير تعظمه النية ورب عمل كبير تصغره النية، أيها الباحثون عن الأجر: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى"، راجعوا أنفسكم قبل أن تقدموا على الله؛ ف " إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"، حاسبوا أنفسكم قبل الفضيحة بين يدي الله: وفي المتفق عليه من حديث جندب رضي الله عنه يقول النبي الأمين: "من سمّع سمّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به"، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من سمّع الناس بعمله، سمّع الله به مسامع خلقه، وصغره، وحقره"، وفي حيث آخر: "ما من عبد يقوم في الدنيا مقام سمعة ورياء، إلا سمّع الله به على رؤوس الخلائق يوم القيامة"، يا أمة الإسلام أتطلبين النصر والظفر، أما إنك لو طلبتِ النصر لوجدتيه في الإخلاص، وصدق صلى الله عليه وسلم وقد قال: إنما ينصر الله هذه الأمة بضعفيها؛ بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم، يا عبد الله إنك إن أخلصت لله؛ فلست تعمل عملاً إلا أجرت عليه حتى ما تضع في فيّ امرأتك، إنك إن أخلصت وصدقت الوجهة لله وحده؛ يومها أحسنت ما بينك وبين الله، وسيحسن الله ما بينك وبين العباد، عباد الله: إنه لا يجاور الرحمن في الجنة قلب دنس، إن الجنة دار طيبة أعدت للطيبين وليس فيها لمن تدنس بأوساخ الشهوات والرياء مكان، بل لابد من طهور إما هنا وإما هناك، واللبيب الفطن منكم لمن آثر أسهل الطهورين وأنفعهما، جعلنا الله وإياكم من المخلصين، واكتبني وإياكم في عباده المخبتين.



فأيُّ شيء هو الإخلاص؟ ما رسمه؟ ما وصفه؟ من هم أهله؟ لا تزكوا أنفسكم - أيها الأخوة- لكن ابحثوا عن الإجابة بين هؤلاء، يقول يعقوب المكفوف رحمه الله: "المخلص من كتم حسناته كما يكتم سيئاته"، فمن منا ذا الرجل لا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من عمله، ولو ذهبت كل محبة له في صدورهم، فائتوني بالمخلصين، كم هم وربي فينا قليل، قالوا عن الإخلاص: نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق، فالسر كالعلانية، والخفاء كالجهر، المخلص من استوت أعماله في السر وأعماله في الجهر، يصلي سرًا كعدد ما يصلي جهرًا، يبكي لقراءة القرآن سرًا مثلما يبكي له جهرًا، فأيّنا قصد الله فأنس بالتقرب منه، أيّنا أسلم وجه وعمله لربه فما بالى ما فاته من حظ الدنيا، يقول أحد العلماء: نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا: أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته لله تعالى، لا يمازجه نفسٌ ولا هوىً ولا دنيا، فأين أين أمثال هؤلاء؟ سأحدثكم عنهم من بطون كتاب، وأصفهم لكم وهم تحت التراب:

فرحم الله سلفنا الصالح: يقول عنهم الحسن البصري رحمه الله: إن كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه عبرته، فيردها فإذا خشي أن تسبقه قام، ويقول عنهم: إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده زوار وما يشعرون به، ولقد أدركت أقوامًا ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السر فيكون علانية أبدًا، رحم الله السلف الصالح: كان من دعاء مطرف بن عبد الله: اللهم إني استغفرك مما زعمت أني أردت به وجهك فخالط قلبي منه ما قد علمت.



هذا داود بن أبي هند صام أربعين يومًا، أربعين شهرًا لا أربعين سنة لا يعلم به أهله، كان يخرج بغدائه إلى السوق، فيتصدق به في الطريق، فيقول أهل السوق: تغدى في بيته، ويقول أهل البيت: تغدى في السوق، فإذا جاء العشاء تعشى مع أهله، وكان رحمه الله يقوم الليل أكثر من عشرين سنة ولم تعلم به زوجته، يا سبحان الله: أربعين سنة يخلص لله الصيام، عشرين سنة يخفي لأجل الله القيام؛ فكم ستوزن عند الله أعمالهم؟ فأعظِم وربي بأعمال المخلصين.



وصاحب النقب الذي غامر بنفسه، أيها الأخوة، تلثم ودخل من نقب إلى حصن للروم، وفتح الباب للمسلمين، لم يعرفه أحد من الناس، ثم نادى منادي القائد مسلمة بن عبد الملك رحمه الله: عزمت على صاحب النقب أن يأتيني، فجاءه رجل متنقب، وقال: أنا رسول صاحب النقب، إنه يأتيكم وله شروط ثلاثة: - ما هي شروطه، كم هي طلباته- قال: الطلب الأول: لا تكتبوا اسمه في صحيفة وترفعوها إلى الخليفة، والطلب الثاني: ولا تأمروا له بشيء، والثالث: ولا تسألوه ممن هو؟ - ما يريد شيئًا منهم! إنما يطلب بها وجه الله، ما يريد أن يذكر ويشهر إلا عند الله- فرضي مسلمة بهذه الشروط، فقال: أنا هو، ثم انصرف، فكان مسلمة بن عبد الملك يقول في صلاته: اللهم اجعلني مع صاحب النقب، اللهم فاجعلنا مع المخلصين، اللهم فاكتبنا مع الصادقين، اللهم واحشرنا في زمرة النبيين والصديقين، قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله الذي إليه وحده ترفع الأيدي بالحاجات، والذي يجب أن تخلص له الطاعات والعبادات، أحمده حمداً كثيراً طيّباً مباركاً فيه، يملأ الأرض والسموات، وأعوذ بالله واستغفره من فساد النيات واختلال الطويّات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد المرسل بالآيات الواضحات، والدلائل القاطعات، الآمر أمته بإصلاح النيات، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الهداة، وأصحابه الثقات، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى الممات.



﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 15، 16]، معاشر طلبة العلم الشرعي، معاشر العاملين بطاعة الله، معاشر الداعين إلى دين الله، يقول لكم الربيع بن خثيم رحمه الله: كل ما لا يراد به وجه الله يضمحل، معاشر الساعين لمرضاة الله: يقول لكم إبراهيم بن أدهم رحمه الله: ما صدق الله عبدٌ أحب الشهرة، فما بالك أخي في الله: تزور رحمك إن أثني عليك، فإن لم يثن عليك لم تزر رحمك، ما بالك أخي الكريم: تتصدق إن مدحت وشكرت؛ فإن لم تمدح وإن لم تشكر ما تصدقت، ما بالنا أخوة الإيمان: نعمل الأعمال الصالحة بشرط أن نشهر وأن نذكر، فإن فارقتنا الشهرة والوجاهة تركنا العمل الصالح.



إن من مظاهر عدم الإخلاص: أن يحب العبد أن يرى الناس عمله أو يسمعوا به، أو أن يطلب العوض منهم، أو أن ينشط عند مدحهم وثنائهم ويفتر عند ذمهم، إن من مظاهر عدم الإخلاص: انتهاك حرمات الله في الخلوة، وطلب الشهرة، ورفض النصيحة، وحسد الأقران، فلنتق الله تعالى، ف "إن الله يحب العبد التقي النقي الخفي"، إن الله قال في كتابه: ﴿ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ * فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ [الصافات: 40 - 43].



لنعالج جميعًا أنفسنا، فالقضية تحتاج إلى معالجة ومجاهدة، إن أشد شيء على النفس الإخلاص؛ لأنه ليس لها فيه نصيب، سئل الإمام أحمد رحمه الله كيف النية في العمل؟ فقال: يعالج نفسه، إذا أراد عملاً لا يريد به الناس، وقيل لنافع بن جبير: ألا تشهد جنازة؟ قال: كما أنت حتى أنوي، ففكر هنيهة، ثم قال: امضِ، أخي المسلم قبل أن تعمل عملاً فقف وسل نفسك، لماذا وكيف؟ فإن كان لله وإن كان على هدي رسول الله، وإلا فلا تتعنَ.



أخي المسلم: راقب نفسك وحاسب نيتك أثناء عملك، فكم هي وربي تتقلب عليك، والله لتخليص النية من فسادها أشد على العاملين من طول الاجتهاد، أخي المسلم: جاهد نفسك بعد العمل أيضًا، جاهدها برؤية التقصير في العمل وعدم استحسانه والعجب به واستحقاقه الثواب عليه.



فإذا أردت الإخلاص - أخ الإسلام - فاسمع لكلام ابن القيم رحمه الله وهو يقول: "لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت"، وقال رحمه الله: "فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص, فأقبل على الطمع أولاً فاذبحه بسكين اليأس, وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة, فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص, فإن قلت: وما الذي يسهل علي ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح؟ قلت: أما ذبح الطمع فيسهله عليك يقينك أنه ليس شيء يطمع فيه إلا هو بيد الله وحده, لا يملكه غيره, ولا يؤتي العبد منه شيئًا سواه، وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين، ويضر ذمه ويشين إلا الله وحده, فازهد في مدح من لا يزينك مدحه, وفي ذم من لا يشينك ذمه, وارغب في مدح من كل الزين في مدحه, وكل الشين في ذمه".



أيها المؤمنون: يقول رسولكم صلوات ربي وسلامه عليه لأبي بكر الصديق رضي الله عنه:" الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل، وسأدلك على شيء إن فعلته أذهب الله عنك صغار الشرك وكباره، تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم، تقولها ثلاث مرات"، فالزمها أخي الصالح، قلها وقل: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 9] [الإنسان: 9]، قلها وقل: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ﴾ [الأنعام: 162، 163]، ثم احذر رحمك الله من مسالك الرياء الدقيقة:

الدقيقة الأولى: نبه عليها شيخ الإسلام ابن تيمية قال رحمه الله: "حُكى أن أبا حامد الغزالي بلغه أن من أخلص لله أربعين يوماً تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه، قال: فأخلصت أربعين يوماً فلم يتفجر شيء، فذكرت ذلك لبعض العارفين، فقال لي: إنك إنما أخلصت للحكمة ولم تخلص لله تعالى"، فإياك أن تعمل العمل الصالح لتتزين بآثاره بين الناس!.



والدقيقة الثانية: ما ذكره أبو حامد الغزالي رحمه الله حيث قال أثناء ذكره للرياء الخفي: "وأخفى من ذلك أن يختفي العامل بطاعته، بحيث لا يريد الاطلاع، ولا يسّر بظهور طاعته، ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب أن يبدؤوه بالسلام، وأن يقابلوه بالبشاشة والتوقير وأن يثنوا عليه، وأن ينشطوا في قضاء حوائجه، وأن يسامحوه في البيع والشراء، وأن يوسعوا له في المكان فإن قصر فيه مقصر ثقل ذلك على قلبه، ووجد لذلك استبعاداً في نفسه، كأنه يتقاضى الاحترام مع الطاعة التي أخفاها مع أنه لم يطلع عليه، ولو لم يكن قد سبق من تلك الطاعة لما كان يستبعد تقصير الناس في حقه، وكل ذلك يوشك أن يحبط الأجر ولا يسلم منه إلا الصديقون".




وثالث هذه المسالك الدقيقة ما أشار إليه الحافظ ابن رجب رحمه الله بقوله: "ههنا نكتة دقيقة، وهي أن الإنسان قد يذم نفسه بين الناس، يريد بذلك أن يري الناس أنه متواضع عند نفسه، فيرتفع بذلك عندهم ويمدحونه به، وهذا من دقائق أبواب الرياء، وقد نبه عليه السلف الصالح".



ورابعها قول الفضيل رحمه الله: "ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما"، فاعمل لله أخي الفاضل، ولا تبال بالناس فتقدم على عمل، ولا تبال بهم فتترك عملاً صالحًا، بل أفرد وجهك لله، وصحح نيتك لمولاك.



اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك..



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 64.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 62.92 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.66%)]