|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() التشاؤم لا يأتي بخير أحمد الجوهري عبد الجواد إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد: فيا أيها الإخوة إن الله - تبارك وتعالى - هو المدبر لكل ما في الكون من عرشه إلى فرشه ومن سمائه إلى أرضه لا يخرج من ذلك شيء عن أمره ولا يصدر إلا بإذنه ولذلك وجب على كل إنسان أن يثق أنه لا يضره إلا ما جعل الله له فيه ضررًا ولا ينفعه إلا ما قدر الله له به نفعًا" واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد قدره الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف"[1] هذه هي عقيدة المسلم الراسخة في ربه - عز وجل - وقدره. لكن الشيطان الرجيم لا يفتأ يلقي في القلب من وسوسته ما يزعزع به هذه العقيدة أو يهزها حين يجد من الإيمان ضعفًا أو نقصانًا وقد يستجيب له القلب أو لا بحسب الإيمان فيه، ومن هذه الوساوس التي يجب أن تحذرها القلوب المؤمنة: "التطير" بالأشياء، فما هو التطير؟ وما حكمه؟ وما علاقته بالتوحيد؟ وما علاج التطير وطريقة التخلص منه؟ وفي هذا اللقاء بمشيئة الله تعالى نجيب عن هذه التساؤلات الكبيرة الخطيرة فأعيروني القلوب والأسماع - أيها الإخوة - والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعلنا ممن أوتي بصيرة فصار له سراج يضيء له الظلمات حتى نصل إلى الأمن والأمان في الدنيا والآخرة، محفوظين بعين الله التي لا تنام، مكلوئين بكلئه الذي لا يرام ولا يضام. أيها الإخوة ما هو التطير؟ التطير هو التشاؤم بالأشياء سواء كانت مشاهدة مرئية أو مسموعة أو معلومة ومن العلماء من قصره على التشاؤم بالطيور، فقد سُمِّيَ التشاؤم تطيرًا؛ لأنَّ العرب كانُوا في الجاهلية إذا خرج أحدُهم لأمرٍ قصد عش طائر فيهيجه، فإذا طار الطيرُ من جهة اليمين تيمن به ومضى في الأمر، ويسمون هذا الطائر في هذه الحالة: (السانح). أما إذا طار جهة يسار الإنسان تشاءم به، ورجع عما عزم عليه، وكانوا يسمون الطير في هذه الحالة: (البارح). وهذا وإن كان أصل التطير إلا أنه ليس قاصرا عليه اليوم، فالصحيح أنه يعم كل ما يتشاءم منه من الطيور والألفاظ والأماكن وغيرها. كأن يعتقد الإنسان أنه يضره شيء حتمًا لو ذهب إلى المكان الفلاني، أو يرجع إلى بيته لا يذهب إلى عمله لأنه قابل في طريقه وهو خارج طائرًا أسود، أو يقعد عن عمله لأن أول كلمة سمعها كلمة شر، أو يحدد الذهاب إلى موعد فينفي يوم الأربعاء أو يوم الجمعة من حسابه ويلغيه لأنه يعتقد أن فيهما شرًّا وسوءًا كما انتشر على ألسنة بعض الجهال أن يوم الأربعاء يوم نحس أو أن في بعض يوم الجمعة شر ومن أقوالهم في ذلك في يوم الجمعة ساعة نحس وكذبوا بل الأيام كلها أيام الله وما هي إلا ظروف المقادير إن شاء قدر فيها ربنا خيرًا وإن شاء قدر فيها شرًا لا بحسبها هي نحس أو سعد بل بحسب تقديره سبحانه ومشيئته وإرادته. روى مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ "لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ". [2] وروى البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -" قَالَ اللَّهُ يَسُبُّ بَنُو آدَمَ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بيدي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ".[3] وروى أحمد عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -" لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ - عز وجل - قَالَ أَنَا الدَّهْرُ الأَيَّامُ والليالي لي أُجَدِّدُهَا وَأُبْلِيهَا وَآتِى بِمُلُوكٍ بَعْدَ مُلُوكٍ".[4] وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قال الله تعلى: "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار. [5] ففي هذه الأقوال والاعتقادات خطآن عظيمان: الأول: أنه ينسب السعد والنحس إلى غير الله - عز وجل - وهما إنما يجريان بقدره، والثاني: أن فيه سبًّا لله عز شأنه وعظم جاهه. فلا ينبغي أن يقال: هذا يوم أسود أو لا بارك الله في هذه الساعة أو هذا يوم مشئوم، أو هذا يوم أغبر أو زمان أسود ونحوها من الألفاظ والعبارات التي فيها شرك بالله تعالى و إيذاء لرب البرية - سبحانه وتعالى -. فلننأَ بأنفسنا عن هذا كله - أيها الإخوة - الكرام ولنعلم أن كل شيء بقدر وكل شيء بأمر الله - عز وجل -: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]. وهؤلاء الذين يقولون في يوم الجمعة ساعة نحس يقلبون الحقيقة المقررة في الشرع العظيم، كذبوا والله إن في يوم الجمعة ساعة إجابة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي أخرجه النسائي وابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَيْتُ الطُّورَ فَوَجَدْتُ ثَمَّ كَعْبًا فَمَكَثْتُ أَنَا وَهُوَ يَوْمًا أُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحَدِّثُنِي عَنْ التَّوْرَاةِ فَقُلْتُ لَهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُهْبِطَ وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ وَفِيهِ قُبِضَ وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ تُصْبِحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُصِيخَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ إِلَّا ابْنَ آدَمَ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا مُؤْمِنٌ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ فَقَالَ كَعْبٌ ذَلِكَ يَوْمٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَقُلْتُ بَلْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ. فَخَرَجْتُ فَلَقِيتُ بَصْرَةَ بْنَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ جِئْتَ قُلْتُ مِنْ الطُّورِ قَالَ لَوْ لَقِيتُكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَهُ لَمْ تَأْتِهِ قُلْتُ لَهُ وَلِمَ قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَقُلْتُ لَوْ رَأَيْتَنِي خَرَجْتُ إِلَى الطُّورِ فَلَقِيتُ كَعْبًا فَمَكَثْتُ أَنَا وَهُوَ يَوْمًا أُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحَدِّثُنِي عَنْ التَّوْرَاةِ فَقُلْتُ لَهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُهْبِطَ وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ وَفِيهِ قُبِضَ وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ تُصْبِحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُصِيخَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ إِلَّا ابْنَ آدَمَ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ قَالَ كَعْبٌ ذَلِكَ يَوْمٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ كَذَبَ كَعْبٌ قُلْتُ ثُمَّ قَرَأَ كَعْبٌ فَقَالَ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ صَدَقَ كَعْبٌ إِنِّي لَأَعْلَمُ تِلْكَ السَّاعَةَ فَقُلْتُ يَا أَخِي حَدِّثْنِي بِهَا قَالَ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ فَقُلْتُ أَلَيْسَ قَدْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يُصَادِفُهَا مُؤْمِنٌ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَتْ تِلْكَ السَّاعَةَ صَلَاةٌ قَالَ أَلَيْسَ قَدْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى وَجَلَسَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ لَمْ يَزَلْ فِي صَلَاتِهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ الصَّلَاةُ الَّتِي تُلَاقِيهَا قُلْتُ بَلَى قَالَ فَهُوَ كَذَلِكَ.[6] فلنحذر من هذه الألفاظ التي فيها تطير وتشاؤم لأن خطرها عظيم ومصابها في الدنيا - قبل الآخرة- جسيم وبيان ذلك أن نجيب عن السؤال الثاني ما حكم التطير والتشاؤم بالأشياء والأسماء؟ قال العلماء: وذلك ينقسم إلى أقسام: 1- أن يعتقد في الطير ونحوه من كل مسموع أو مرئي أو معلوم، أن له تأثيرا في جلب النفع أودفع الضرر، وأنها تنفع بذاتها، فهو شرك أكبر شرك في الربوبية لأنه اعتقد النفع والضرر في غير الله، وأيضًا شرك في الألوهية لأن قلبه تعلق بغير الله فيما لا يقدر عليه غير الله. 2- أن يعتقد أنها سبب للخير أو للشر وهو موقن أن الله هو الفاعل فهذا من الشرك الأصغر لأنه جعل ما ليس سببا لا شرعا ولا قدرا سببا. 3- أن يجعلها علامة يخبر بها عن الغيب، وهذا من الشرك الأكبر لأنه ادعاء لعلم الغيب والقاعدة: أن ادعاء علم الغيب بأي وسيلة يعتبر شركًا أكبر.[7] وانتبه معي أيها الحبيب لهذا السيل من الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية التي تؤصل لنا هذه القضية فها هو ذا القرآن العظيم يذكر عن فرعون وقومه أنهم تطيروا بموسى والمؤمنين معه وتشاءموا منهم فقال: "فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون". وذكر - عز وجل - عن القوم الذين كذبوا الرسل وهم أصحاب القرية أنهم: ﴿ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [يس: 18] وقبل هؤلاء وهؤلاء قوم صالح - عليه السلام - حكى القرآن عنهم أنهم ﴿ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ﴾. وهكذا لا تجد الله تعالى ذكر التشاؤم والتطير إلا عن أعدائه الكفار فدل ذلك على أن التطير والتشاؤم ليس من أمر الإسلام في شيء وإنما هو من أمور الجاهلية ولذا نهى الله ورسوله عنه وجعل الشرع اعتقاده مناقضًا للتوحيد وأخبرا أنها وسيلة من وسائل الشرك وزعزعة يقين القلب في رب العالمين. والتفت إلى هذه اللطيفة الأخرى في هذه الآيات وهي أن الله تعالى قال: "ألا إنما طائرهم عند الله"قال ابن عباس في معناها أي إلا من قبل الله، فمن عند الله - تبارك وتعالى - ذلك كله ﴿ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ﴾. وهكذا قال المشركون للرسول صلى الله عليه وسلم : ﴿ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 78]. فاحذروا أحبتي من التطير ولا يستجرينكم الشيطان ويستميلكم إلى شركه فإنه الشرك. روى أبو داود والترمذي وصححه من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الطيرة شرك الطيرة شرك الطيرة شرك".[8] ومن روائع ما قرأت من التعليق على هذا الحديث ما قاله الإمام الشوكاني في نيل الأوطار يقول - رحمه الله -: "وإنما جعل الطيرة من الشرك، لأنهم كانوا يعتقدون أن التطير يجلب لهم نفعًا أو يدفع عنهم ضررًا إذا عملوا بموجبه، فكأنهم أشركوا مع الله تعالى..."[9] وهذا الاعتقاد منافٍ لما قرره الله تعالى في قوله تعالى في غير ما آية: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾ [يونس:107]، فالله هو الضار النافع، وهذه الطيور لا تعلم الغيب، وسنوحها لا ينفع، وبروحها لا يضر. ومن قرع باب التطير فقد قرع باب الشرك بل ولجه، وبرئ من التوكل على الله سبحانه، فيفسد عليه قلبه وإيمانه وحاله، ويبقى هدفا لسهام الطيرة..."[10] ومن العجب العجيب أن "للناس في التشاؤم أيام معينة أو ساعات محددة أو أعداد معينة مما لا ينقضي منه العجب. فالرافضة قبحهم الله (يكرهون التكلم بلفظ العشرة، أو فعل شيء يكون عشرة حتى البناء لا يبنون على عشرة أعمدة، ولا بعشرة جذوع ونحو ذلك؛ لكونهم يبغضون خيار الصحابة، وهم العشرة المشهود لهم بالجنة)[11] وكثير من الناس في الغرب يتشاءمون بالرقم (13)؛ ولذا حذفته بعض شركات الطيران من ترقيم المقاعد كما حذفوه في ترقيم المصاعد والأدوار في العمائر الكبار. وآخرون يتشاءمون بنعيق البوم والغراب، ورؤية الأعور والأعرج والعليل والمعتوه".[12] قال الشيخ ابن عثيمين[13]: (والإنسان إذا فتح على نفسه باب التشاؤم فإنها تضيق عليه الدنيا، وصار يتخيل كل شيء أنه شؤم، حتى إنه يوجد أناس إذا أصبح وخرج من بيته ثم قابله رجل ليس له إلا عين واحدة تشاءم، وقال: اليوم يوم سوء وأغلق دكانه، ولم يبع ولم يشتَرِ -والعياذ بالله- وكان بعضهم يتشاءم بيوم الأربعاء، ويقول: إنه يوم نحس وشؤم، ومنهم من يتشاءم بشهر شوال، ولاسيما في النكاح، وقد نقضت عائشة -رضي الله عنها- هذا التشاؤم بأنه- صلى الله عليه وسلم -عقد عليها في شوال؛ وبنى بها في شوال، فكانت تقول: أيُّكن كانت أحظى عنده مني؟)[14] ولذلك نفى النبي صلى الله عليه وسلم الطيرة كلها فقال كما روى مسلم من حديث أبي هريرة: "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول". [15] لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول فهذه ستة ينفيها النبي صلى الله عليه وسلم أما الطيرة فقد عرفناها، وعمومًا فما نفرك من المكان أو الشخص أو أي شيء رأيته أو سمعته وفررت منه تأثرًا بالتشاؤم فهو التطير وهو الشرك الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وغيره. والواجب عليك حينما يحصل لك شيء من هذا مما تكرهه في نفسك أن ترفضه متوكلًا على الله - سبحانه وتعالى - وأن تمضي في حاجتك وسنذكر العلاج الكامل بمشيئة الله بعد استكمال شرح هذا الحديث. فهذا هو معنى "لا طيرة" وأما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا عدوى" فمعناه: أن انتقال المرض من شخص إلى شخص أو من بهيمة إلى بهيمة أو من مكان إلى مكان لا يكون من تلقاء نفسه فالأشياء لا تعدى بنفسها ولكن عن تقدير من الله - سبحانه وتعالى - فالمقدر لانتقالها هو الله فقد يقرب الصحيح من المريض فيعدي وقد يقرب فلا يحصل له شيء، لأن الله قدر له العدوى في المرة الأولى ولم يقدرها له في المرة الثانية. روى البخاري عن أََبِي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ "لاَ عَدْوَى وَلاَ صَفَرَ وَلاَ هَامَةَ". فَقَالَ أعرابي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا بَالُ إبلي تَكُونُ في الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ فيأتي الْبَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ بَيْنَهَا فَيُجْرِبُهَا. فَقَالَ "فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ"[16] فالنبي صلى الله عليه وسلم يقرر أنه "لا عدوى" مع أنه هو صلى الله عليه وسلم الذي قال فر من المجذوم فرارك من الأسد[17] والسؤال الآن: هل هنا تعارض؟ هل هنا تضاد؟ فمرة يأمر بالفرار ومرة يقول: "لا عدوى"؟ فهل بين هذين القولين من تعارض؟ والجواب بكل ثقة واطمئنان: لا، فهو صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وإنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مخالطة المجذوم ونهى صلى الله عليه وسلم عن القدوم على الأرض الموبوءة ونهى من كان في أرض فيها وباء أن يخرج منها ومن كان خارجها لا يدخل فيها، لأن هذه أسباب لانتشار المرض والامتناع عنها أخذ بالأسباب الواقية والإقدام عليها إلقاء إلى التهلكة والله يقول: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" - انتبه أيها الحبيب اللبيب - إلا من قوى إيمانه وكمل توكله ووثق قلبه واطمأنت نفسه بقضاء الله وقدره فهذا يقدم على الوباء ويخالط المرض ولا يصاب لأنه متوكل على الله - سبحانه وتعالى -، لكن هذا لا يكون إلا لأهل الإيمان القوي أما أهل الإيمان الضعيف فهؤلاء يبتعدون عن هذه المواقف لئلا يصابوا ثم تسوء عقيدتهم وبالجملة فالأخذ بالأسباب الواقية حسن، وإذا كان هناك مصلحة راجحة فالإقدام أحسن وهذا كله بحسب الأحوال.[18] قال العلامة الألباني: واعلم أنه لا تعارض لأن المقصود إثبات العدوى وأنها تنتقل بإذن الله تعالى من المريض إلى السليم وأما نفي العدوى فمعناه نفي العدوى التي كان أهل الجاهلية يعتقدونها، وهي انتقالها بنفسها دون النظر إلى مشيئة الله في ذلك كما يرشد إليه قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "فمن أعدى الأول؟". فقد لفت النبي صلى الله عليه وسلم نظر الأعرابي بهذا القول الكريم إلى المسبب الأول ألا وهو الله - عز وجل - ولم ينكر عليه قوله "ما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها الأجرب فيجربها"، بل إنه صلى الله عليه وسلم أقره على هذا الذي كان يشاهده، وإنما أنكر عليه وقوفه عند هذا الظاهر فقط بقوله له: "فمن أعدى الأول؟". وجملة القول: أن الحديثين يثبتان العدوى وهي ثابتة تجربة ومشاهدة. والأحاديث الأخرى لا تنفيها وإنما تنفي عدوى مقرونة بالغفلة عن الله تعالى الخالق لها. وما أشبه اليوم بالبارحة، فإن الأطباء الأوربيين في أشد الغفلة عنه تعالى لشركهم وضلالهم وإيمانهم بالعدوى على الطريقة الجاهلية، فلهؤلاء يقال: "فمن أعدى الأول؟" فأما المؤمن الغافل عن الأخذ بالأسباب، فهو يذكر بها، ويقال له كما في الحديث: "لا يورد الممرض على المصح" أخذًا بالأسباب التي خلقها الله تعالى، وكما في حديث: "وفر من المجذوم فرارك من الأسد". [19] قال صلى الله عليه وسلم : "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة" ما معنى ولا هامة؟ كان العرب يتشاءمون بطائر البومة ويقولون: البوم لا يقع إلا على الخراب، ولا يزال من هذا شيء في نفوس بعض الناس في أيامنا هذه فربما تسمع من بعض الناس إذا صوتت بومة يقول لك: سوف يموت واحد بلا شك، لماذا؟ لأن هذه البومة لا تأتي إلا لنعي وهذا بلا شك خطأ. بل أشنع من هذا فاسمع، كان بعض أهل الجاهلية يزعمون أن القتيل الذي لم يأخذ أهله بثأره فإنه يخرج منه طائر يسمى البومة "الهامة" ويصوت ويقول: اسقوني اسقوني يعني خذوا لي بالثأر! ولا شك أن واضع مثل هذه الأفكار والذي يعمل على بثها وتهييجها إرهابيون دمويون أو انتهازيون مستفيدون وكلاهما يجب الأخذ على أيديهم بشدة، إن هذه المزاعم الباطلة لتصب في جانب إشباع رغبة الانتقام أو التربح من باب التحريش بين الناس، ولا شك أن هذه عادات جاهلية جاء الإسلام بإبطالها، ولا شك أيضًا أن هذا خطأ فلا شيء من هذا يكون - أيها الإخوة - لأنه لم يعلمنا به ربنا ولم يجعله الله سببًا فهو شرك أصغر بل وفيه شرك أكبر كاعتقاد أن البوم يعلم بموت فلان أو بحاله بعد الموت أو غير ذلك. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |