مشاهد من عرصات القيامة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1174 - عددالزوار : 131093 )           »          3 مراحل لانفصام الشخصية وأهم أعراضها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          متلازمة الشاشات الإلكترونية: كل ما تود معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          ما هي أسباب التعرق الزائد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          أضرار الوجبات السريعة على الأطفال: عواقب يُمكنك تجنبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          الوقاية من القمل بالقرنفل: أهم الخطوات والنصائح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          علاج جفاف المهبل: حلول طبيّة وطبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          الوقاية من القمل في المدارس: دليل شامل للأهل والمعلم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          الوقاية من التهاب الكبد: 9 خطوات بسيطة لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الوقاية من الجلطات: دليلك الشامل لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 23-08-2020, 03:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي مشاهد من عرصات القيامة

مشاهد من عرصات القيامة
عبدالله بن عبده نعمان العواضي



مشاهد من عرصات القيامة [1] [2]


إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب70 - 71].


أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


أيها الناس، فبعد أن تأفُل شمس الحياة، ويُطوى كتابُ الدنيا، ويمضي زمان الأحلام بوشاح الغروب، ويلمح أوان الحقيقة بالشروق، وتنتهي الزيارة إلى دنيا التكليف والعمل تُقبِل أيامُ الآخرة، ويُدعى الخلق للوقوف بين يدي الخالق؛ لحساب المكلفين على أعمالهم التي عملوها في حياتهم الدنيا. ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة:18].


إن الناس يبقون إلى آخر فصل من فصول كتاب الدنيا حتى يأذن الله تعالى عند ذلك بموت ما تبقى من الأحياء وفناء مظاهر الحياة الدنيا. فتذهب الشمس والقمر والنجوم والجبال، وتفجّر البحار، ويهلك كل شيء يدب في بالحياة في الأرض والسماوات، فلا يبقى إلا الله تعالى قال تعالى: ﴿ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾ [القيامة: 7 - 13].


وقال تعالى:﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ﴾ [الانفطار: 1 - 5]، وقال تعالى: ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص:88].


وذلك كائن عندما يأمر الله تعالى إسرافيل بالنفخ في الصور نفخةَ الموت، فيصعق الناس ويفزعون فلا يبقى أحد حيًا. قال تعالى: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ﴾ [الزمر:68]. وقال: ﴿ مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ * فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [يس: 49، 50].


فيبقى الخلق بعد هذه النفخة أربعين، ولا ندري: أهي أربعون يومًا أم شهراً أم سنة؟ ثم يأذن الله تعالى بعدها بالنفخة الثانية وهي نفخة البعث، وبها يُبعث الخلقُ أولُهم وآخرهم، حيث ينزِل الله تعالى من السماء ماءً فينبتون منه. قال تعالى: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ﴾ [يس:51].


وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بين النفختين أربعون، قيل: أربعون يومًا؟ قال: أبو هريرة: أَبيتُ، قيل: أربعون شهراً؟ قال: أبيت، قيل: أربعون سنة؟ قال: أبيت، ثم ينزل من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل، وليس من الإنسان شيء لا يبلى إلا عظمٌ واحد وهو عجب الذنب، منه يركب الخلق يوم القيامة)[3].


عباد الله، ثم بعد حصول نفخة البعث والمدة التي تعقبها يخرج الخلق من قبورهم إلى أرض المحشر، وهي أرض بيضاء مستوية ليس فيها دار ولا ملك لأحد من الخلق.


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي، ليس فيها علم لأحد) [4]. ويخرج الخلق كلهم إلى أرض المحشر للحساب لا يتخلف منهم أحد، ويقفون بين يدي الله جميعًا لا يخفى عليه أحد منهم. قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ﴾ [الكهف:47]. وقال: ﴿ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [غافر:16].


وحشرُ الله تعالى لعباده جميعًا سهلٌ عليه يسير؛ لكمال علمه وقدرته وقوته. قال تعالى: ﴿ وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ﴾ [ق:41] ﴿ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ﴾ [ق:42] ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ ﴾ [ق:43] ﴿ يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ ﴾ [ق:44].


ويحشر الخلق كما خلقهم الله تعالى: حفاةً غير منتعلين، عراة غير مكتسين، غرلاً غير مختتنين، بُهمًا ليس معهم شيء من الدنيا. عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً، قلت: يا رسول الله، النساء والرجال جميعًا ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال صلى الله عليه وسلم: يا عائشة، الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض)[5].



وفي رواية ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ [الأنبياء: 104]، وفي رواية عبد الله بن أنيس رضي الله عنه عند أحمد والبخاري في الأدب المفرد بسند حسن: ( قلنا: وما بُهمًا؟ قال: ليس معهم شيء).



قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [الأنعام:94].


أيها المسلمون، حينما يبعث الله تعالى الكفار من قبورهم يستغربون من البعث، ويسرعون إلى أرض المحشر وعليهم الذل والخوف والتفرق والشتات، مستقلين مدة الحياة الدنيا. قال تعالى: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴾ [يس: 51، 52]، وقال: ﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ ﴾ [القمر: 6، 8]، وقال: ﴿ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ [المعارج: 43، 44].


ويحشر الله الكافرين قد تغيرت من الهول والظمأ والخوف عيونُهم وألوانهم، يمشون على وجوههم السوداء عميًا وبكمًا وصمًا، ثم يُعاد لهم البصر والسمع والنطق بعد ذلك. يقول تعالى: ﴿ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ﴾ [طه: 102، 103]، وقال: ﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ﴾ [الإسراء:97]، وقال: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ﴾ [الروم:55]. وعن أنس رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ ﴾ [الفرقان: 34]. أيحشر الكافر على وجهه؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادراً، على أن يمشيه على وجهه)؟ قال: قتادة حين بلغه: بلى، وعزة ربنا)[6].


ويحشر أهل الربا كالمجانين، كما قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ﴾ [البقرة:275].


ويبعث الإنسان على آخر عمل عمله في الدنيا، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: (بينما رجل واقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة إذا وقع من راحلته فأقصعته أو قال: فأقعصته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين، ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه؛ فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيًا) [7]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمى، اللون لون دم، والريح ريح مسك) [8].


وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات على شيء بعثه الله عليه)[9].


عباد الله، إن الخلق يبقون في أرض المحشر مدة طويلة منتظرين ما الله فاعل بهم.


نعم، إنهم يقفون ذلك اليوم، في زمان عبوس قمطرير مستطير، لا يدرون ماذا يفعل بهم، وإلى أين يُساقون؟


في ذلك اليوم يقفون بين يدي ملك الملوك جبار السماوات والأرض الذي لا تخفى عليه خافية مما عملوا في حياتهم الدنيا. إن الناس في أرض المحشر يلاقون معاناة شديدة، فهم يعانون الخوفَ والقلق، حتى تصل القلوب إلى الحناجر. قال تعالى: ﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ [غافر:18]. ويعانون شدة الحر وكثرة الزحام، وكثرة العرق، ويكون ذلك على حسب أعمالهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل)، قال سليم بن عامر: والله ما أدري ما يعني بالميل: مسافة الأرض، أو الميل التي تكحل به العين؟ قال: (فتكون الناس على قدر أعمالهم في العرق: فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا)، وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه[10].


ومن شدة ذلك اليوم ينسى كلُّ حبيب حبيبه، وكل قريب قريبه؛ إذ لم يعد للإنسان همٌّ إلا في نجاة نفسه؛ لأنه مشغول بحاله عن غيره. قال تعالى: ﴿ وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا ﴾ [المعارج:10]، وقال: ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴾ [عبس:34] ﴿ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴾ [عبس:35] ﴿ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ﴾ [عبس:36] ﴿ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [عبس:37].


وفي تلك الشدة والكرب يزداد الظمأ والحاجة إلى الماء فيكون لكل نبي حوض في العرصات يرده مؤمنو قومه فيشربون منه، ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لكل نبي حوضًا، و إنهم يتباهون أيهم أكثر واردة، وإني أرجو الله أن أكون.


أكثرهم واردة)[11]. وقال عليه الصلاة والسلام: (هل تدرون ما الكوثر؟ هو نهر أعطانيه ربي في الجنة، عليه خير كثير، ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب، يختلج العبد منهم فأقول: يا رب، إنه من أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)[12].


أيها الأحبة، وحينما تبلغ الشدة مداها في العرصات يذهب الناس إلى الأنبياء ليستشفعوا بهم عند الله تعالى؛ ليقيم الحساب، فيعتذر كل نبي ويقول: نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، حتى يصل المستشفعون إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: (أنا لها، قال: فأستأذن على ربي فيؤذن لي، ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن، فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجداً، فيقال: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيقال: انطلق، فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجداً فيقال: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع)[13]. وفي رواية للبخاري: (فيشفع ليقضي بين الخلق، فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب، فيومئذ يبعثه الله مقامًا محموداً يحمده أهل الجمع كلهم).


عباد الله، وبعد هذا يُقام حساب الخلائق على ما قدموا، فيجيء الله تعالى مع ملائكته لفصل القضاء، فيسجد له كل مؤمن، ويبقى من كان يسجد رياء لا يستطيع السجود. قال تعالى: ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾ [الفجر:22]. وقال: ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ﴾ [البقرة:210]. وقال: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ [القلم:42].


وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى كل من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقًا واحداً )[14].


فعند ذلك يحاسب الله تعالى الإنسان الكافر على أعماله السيئة فينكرها، فينطق الله جوارحه لتشهد عليه. قال تعالى:﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 24، 25]. وقال: ﴿ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [فصلت:21، 22]. فينكشف للإنسان الكافر في ذلك اليوم غيرُ ما كان يتوقع، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ [الزمر:47].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 128.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 126.80 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.34%)]