ادعموا جمعيات التحفيظ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-08-2020, 03:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي ادعموا جمعيات التحفيظ

ادعموا جمعيات التحفيظ


الشيخ عبدالله بن محمد البصري








أَمَّا بَعدُ، فَـ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].


أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
حِينَ تَشتَدُّ الفِتَنُ وَتُحِيطُ بِالنَّاسِ المِحَنُ، وَتَتَخَطَّفُهُمُ المُضِلاَّتُ وَالمُشكِلاتُ، وَتَتَنَازَعُهُمُ الشُّبُهَاتُ وَالشَّهَوَاتُ، وَيَقَعُ في أَوحَالِ المَعَاصِي كِبَارٌ قَبلَ الصِّغَارِ، وَيَتَرَاجَعُ عَن سَبِيلِ الحَقِّ أَقوَامٌ كَانُوا عَلَيهِ في ظَاهِرِ الأَمرِ، حِينَئِذٍ لا يَثبُتُ في المَيدَانِ وَيَسمَعُ المُنَادِيَ، وَيَقِفُ صَامِدًا أَمَامَ الأَعدَاءِ وَالعَوَادِي، إِلاَّ مَن كَانَ القُرآنُ بَينَ جَنبَيهِ، قَد حَفِظَهُ وَوَعَاهُ، وَقَرَأَهُ حَتَّى صَارَ دَأَبَهُ وَهِجِّيرَاهُ، وَقَصَرَ عَلَيهِ أَوقَاتَهُ مُعَلِّمًا وَمُتَعَلِّمًا، وَعَاشَ عُمُرَهُ في حَلَقَاتِهِ مُقرِئًا وَمُتَلَقِّنًا، فَاستَوعَبَ مَعَانِيَ آيَاتِهِ، وَاستَظهَرَ أَحكَامَهُ وَعِظَاتِهِ، فَصَارَ لا يَخرُجُ عَمَّا خَاطَبَهُ اللهُ بِهِ فِيهِ، وَلا يُقدِمُ أَو يُحجِمُ إِلاَّ بِأَمرٍ مِنهُ أَو نَهيٍ أَو تَوجِيهٍ. إِنَّهُ كِتَابُ اللهِ وَهُدَاهُ، الَّذِي مَن أَخَذَ بِهِ سَعِدَ وَهُدِيَ، وَمَن أَعرَضَ عَنهُ خُذِلَ وَشَقِيَ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ أَنَّهُ المَنهَجُ الَّذِي أَنزَلَهُ خَالِقُ الإِنسَانِ عَلَى الإِنسَانِ ﴿ أَلا يَعلَمُ مَن خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ﴾ وَمَهمَا تَقَدَّمَ الإِنسَانُ في طَرِيقِ الحَضَارَةِ خُطُوَاتٍ، أَو تَرَقَّى في سُلَّمِ المَدَنِيَّةِ دَرَجَاتٍ، فَإِنَّ التَّأرِيخَ يَحكِي وَيَروِي، وَالوَاقِعَ يَدُلُّ وَيَشهَدُ، أَنَّهُ مَا تَرَكَت أُمَّةٌ كِتَابَ اللهِ، وَابتَدَعَت لِنَفسِهَا مَنهَجًا غَيرَهُ، إِلاَّ اضطَرَبَت أَنظِمَتُهَا وَانحَرَفَ سُلُوكُهَا، وَفَسَدَت أَخلاقُهَا وَازدَادَ قَلَقُهَا، وَعَصَفَت بها رِيحُ الانحِرَافَاتِ وَاشتَدَّ عَنَتُهَا، وَمَاتَتِ في مُجتَمَعَاتِهَا المُرُوءَاتُ، وَخَلَت مِن الآدَابِ صُدُورُهَا، فَقَسَت قُلُوبُهَا وَتَحَجَّرَت، وَجَفَّت مَنَابِعُ الإِيمَانِ مِن أَفئِدَتِهَا وَيَبِسَت، فَلا تَرَى فِيهَا حِينَئِذٍ إِلاَّ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنيَا مُؤثَرَةً وَإِعجَابَ كُلِّ ذِي رَأيٍ بِرَأيِهِ، وَشَهَوَاتٍ مُقتَحَمَةً وَرَغَبَاتٍ مُطَاعَةً، وَصَدَقَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ إِذْ قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 123، 124] وَفي المُقَابِلِ فَإِنَّهُ لم يَحمِلِ التَّنزِيلَ الحَكِيمَ قَومٌ وَيَحفَظُوهُ، وَيَهتَمُّوا بِتَعَلُّمِهِ وَتَعلِيمِهِ وَيَدعَمُوهُ، إِلاَّ أَنَارَ اللهُ بَصَائِرَهُم، وَمَنَحَهُم مَخَافَتَهُ وَرَزَقَهُم تَقوَاهُ، وَتَفَتَّحَت لَهُم أَبوَابُ العِلمِ وَالمَعرِفَةِ، وَزَكَت عُقُولُهُم وَأَحلامُهُم، وَاتَّسَعَت حَوَافِظُهُم وَأَفهَامُهُم، وَصَفَت أَذهَانُهُم وَتَهَذَّبَت أَفكَارُهُم.


أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
لم يُرَبِّ المُعَلِّمُ الأَوَّلُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - صَحبَهُ الكِرَامَ في مَدرَسَةٍ غَيرِ المَسجِدِ، وَلا أَصلَحَ قُلُوبَهُم بِمَنهَجٍ غَيرِ القُرآنِ ﴿ لَقَد مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِم رَسُولاً مِنهُم يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِن قَبلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ ﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [النمل: 91، 92] نَعَم - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - لَقَد كَانَ المَسجِدُ هُوَ المَدرَسَةَ، وَالقُرآنُ هُوَ المَنهَجَ، وَفي مَدرَسَةِ المَسجِدِ العَظِيمَةِ وَمَنهَجِ القُرآنِ الكَامِلِ المُحكَمِ، تَخَرَّجَ ذَلِكُمُ الرَّعِيلُ الأَوَّلُ، وَنَبَت جِيلٌ عَظِيمٌ اصطَفَاهُ اللهُ وَاختَارَهُ، جِيلٌ لم يَعرِفِ التَّأرِيخُ قَومًا مِثلَهُم في خُلُقٍ وَأَدَبٍ، وَصِدقٍ وَوَفَاءٍ، وَجِهَادٍ في سَبِيلِ اللهِ بِأَنفُسٍ وَأَموَالٍ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ أَنَّهُم عَايَشُوا التَّنزِيلَ الحَكِيمَ، وَتَلَقُّوا القُرآنَ الكَرِيمَ، وَشَافَهُوا صَاحِبَ الخُلُقِ العَظِيمِ وَالهَادِي إِلى الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ.
أَنتَجَ المَسجِدُ الكَرِيمُ أُنَاسًا
أَنجَبَتهُم مَدَارِسُ القُرآنِ

صَقَلَتهُم يَدُ الرَّسُولِ فَأَضحَوا
غُرَّةَ الدَّهرِ في جَبِينِ الزَّمَانِ


أَجَل - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّ القُرآنَ هِدَايَةٍ وَنُورٍ، وَطُمَأنِينَةٌ لِلقُلُوبِ وَشِفَاءٌ لِمَا في الصُّدُورِ، وَهُوَ الهَادِي إِلى الحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُستَقِيمٍ، التَّمَسُّكُ بِهِ هُدًى وَرَشَادٌ، وَالإِعرَاضُ عَنهُ ضَلالٌ وَخَسَارٌ، قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ -: تَكَفَّلَ اللهُ لِمَن قَرَأَ القُرآنَ وَاتَّبَعَ مَا فِيهِ أَلاَّ يَضِلَّ في الدُّنيَا وَلا يَشقَى في الآخِرَةِ. وَكَمَا أَصلَحَ القُرآنُ الكَرِيمُ المُجتَمَعَ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ وَمَا بَعدَهُ مِن مُجتَمَعَاتٍ أَخَذَت بِهَديِهِ وَاستَضَاءَت بِنُـورِهِ، فَهُوَ كَفِيلٌ بِأَن يُصلِحَ المُجتَمَعَاتِ المُعَاصِرَةَ، وَأَن يُعَالِجَ القَضَايَا المُتَجَدِّدَةَ؛ لأَنَّهُ آخِرُ كِتَابٍ أُنزِلَ عَلَى آخِرِ رَسُولٍ لآخِرِ أُمَّةٍ، وَلَن يَزَالَ إِلى أَن يَرِثَ اللهُ الأَرضَ وَمَن عَلَيهَا نِبرَاسًا لِلإِصلاحِ، وَحَلاًّ لِكُلِّ مُشكِلَةٍ، وَعِصمَةً مِن كُلِّ زَلَلٍ، وَحِمَايَةً مِن كُلِّ ضَلالَةٍ وَفِتنَةٍ، مِصدَاقًا لِقَولِ مَن لا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى: " إِنَّ هَذَا القُرآنَ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَطَرَفُهُ بِأَيدِيكُم، فَتَمَسَّكُوا بِهِ؛ فَإِنَّكُم لَن تَضِلُّوا وَلَن تَهلِكُوا بَعدَهُ أَبَدًا " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَإِنَّ لَنَا في هَذِهِ البِلادِ المُبَارَكَةِ وللهِ الحَمدُ وَالمِنَّةُ تَجرِبَةً نَاضِجَةً في تَعلِيمِ القُرآنِ الكَرِيمِ، وَرَبطِ النَّشءِ بِهِ في بُيُوتِ اللهِ، وَتَربِيَتِهِم عَلَى تَرتِيلِهِ وَحِفظِهِ وَتَدَبُّرِ آيَاتِهِ في حَلَقَاتِ التَّحفِيظِ، أَنجَبَت جِيلاً قُرآنِيًّا مُحَصَّنًا مِن أَدوَاءِ الفَرَاغِ القَاتِلَةِ، سَالِمًا مِن آثَارِ البَرَامِجِ الإِعلامِيَّةِ السَّاقِطَةِ، بَعِيدًا عَن مَسَاوِئِ الصُّحبَةِ الفَاسِدَةِ، تَجَاوَزُوا مَرحَلَةَ الإِيمَانِ النَّظَرِيِّ إِلى مَرحَلَةِ التَّطبِيقِ العَمَلِيِّ، حَيثُ عَاشُوا في المَسَاجِدِ أوقاتًا أَطوَلَ مِن غَيرِهِم، وَتَرَدَّدُوا عَلَيهَا أَكثَرَ مِمَّن سِوَاهُم، وَمَارَسُوا فِيهَا العِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ، وَحَافَظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالجَمَاعَاتِ، وَاستَمَعُوا المَوَاعِظَ وَالتَّوجِيهَاتِ، وَصَاحَبُوا الصَّالِحِينَ، وَبَنَوا عِلاقَاتٍ مَتِينَةً مَعَ المُصَلِّينَ، وَسَلِمُوا مِن مُصَاحَبَةِ المُنحَرِفِينَ، وَوَقَفُوا مَوَاقِفَ بُنِيَت فِيهَا شَخصِيَّاتُهُم بِنَاءً سَوِيًّا، وَغُرِسَ في نُفُوسِهِم تَعظِيمُ بُيُوتِ اللهِ، وَحُبِّبَ إِلَيهِم ارتِيَادُهَا، وَحُفِظَت أَوقَاتُهُم فِيهَا وَمُلِئَت بما يُزَكِّي عُقُولَهُم وَيُطَهِّرُ قُلُوبَهُم، وَيُقَوِّي عَزَائِمَهُم وَيَرفَعُ هِمَمَهُم، وَأُشبِعَت حَاجَاتِهِم بِطَرِيقٍ مَشرُوعَةٍ، بَدَلاً مِنَ التَّشَبُّعِ بِالأَفكَارِ الزَّائِغَةِ وَالمَبَادِئِ السَّاقِطَةِ، أَوِ اتِّبَاعِ المَنَاهِجِ الفَاسِدَةِ وَالطُّرُقِ المُنحَرِفَةِ، أَوِ الوُقُوعِ في الشُّبُهَاتِ المُضِلَّةِ وَالشَّهَوَاتِ المُهلِكَةِ، وَالَّتِي تَعَلَّمَهَا غَيرُهُم أَمَامَ القَنَوَاتِ، وَتَلَقَّاهَا في بَرَامِجِ التَّوَاصُلِ عَبرَ أَجهِزَةِ الاتِّصَالاتِ، وَطَبَّقَهَا مَعَ أَصحَابِ السُّوءِ وَأَصدِقَاءِ الفَسَادِ في المَقَاهِي وَالمُنتَدَيَاتِ، وَعَلَى أَرصِفَةِ الشَّوَارِعِ وَفي الطُّرُقِ وَالاستِرَاحَاتِ، إِنَّهُ الاجتِمَاعُ المُبَارَكُ عَلَى كِتَابِ اللهِ في بُيُوتِ اللهِ، انفَرَدَ عَن التَّعلِيمِ في مَحَاضِنِ التَّربِيَةِ الأُخرَى، بِأَنَّهُ اجتِمَاعٌ عَلَى ذِكرِ اللهِ، وَحَبسٌ لِلنُّفُوسِ على تَعَلُّمِ أَشرَفِ كِتَابٍ، وَمُرَابَطَةٌ عَلَى مُدَارَسَةِ خَيرِ كَلامٍ، اجتِمَاعٌ تَنزِلُ السَّكِينَةُ عَلَى مَن فِيهِ، وَتَغَشَاهُمُ الرَّحمَةُ، وَتَحُفُّهُمُ المَلائِكُةُ، وَيَذكُرُهُمُ العَلِيُّ الأَعلَى في المَلأِ الأَعلَى، وَصَدَقَ مُعَلِّمُ النَّاسِ الخَيرَ حَيثُ قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ مُسلِمٌ: " مَا اجتَمَعَ قَومٌ في بَيتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتلُونَ كِتَابِ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَينَهُم، إِلاَّ نَزَلَت عَلَيهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتهُمُ الرَّحمَةُ، وَحَفَّتهُمُ المَلائِكَةُ، وَذَكَرَهَمُ اللهُ فِيمَن عِندَهُ " أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَإِذَا أَرَدنَا الصَّلاحَ الحَقِيقِيَّ لأَبنَائِنَا، وَالخَيرِيَّةَ لِمُجتَمَعَاتِنَا، فَلْنَطلُبْ ذَلِكَ في رِحَابِ القُرآنِ تَعَلُّمًا وَتَعلِيمًا، وَمُدَارَسَةً وَحِفظًا، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ إِنَّ هَذَا القُرآنَ يَهدِي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ ﴾ وقال - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " خَيرُكُم مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ " أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ.


أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ ثُمَّ أَورَثنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصطَفَينَا مِن عِبَادِنَا فَمِنهُم ظَالِمٌ لِنَفسِهِ وَمِنهُم مُقتَصِدٌ وَمِنهُم سَابِقٌ بِالخَيرَاتِ بِإِذنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الفَضلُ الكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدنٍ يَدخُلُونَهَا يُحَلَّونَ فِيهَا مِن أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤلُؤًا وَلِبَاسُهُم فِيهَا حَرِيرٌ ﴾.


الخطبة الثانية



أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ، وَاحفَظُوا مَا أَنعَمَ بِهِ عَلَيكُم مِن نِعَمٍ بِشُكرِهَا، يَزِدْكُم وَيُبَارِكْ لَكُم فيها، وَيُمِدَّكُم بِخَيرٍ مِنهَا.

أَلا وَإِنَّ مِن نِعَمِ اللهِ عَلَينَا في هَذِهِ البِلادِ، هَذِهِ الجَمعِيَّاتِ الخَيرِيَّةَ الَّتِي خُصِّصَت لِتَحفِيظِ كِتَابِ اللهِ وَتَعلِيمِهِ وَتَجوِيدِهِ، وَانتَشَرَت حَلَقَاتُهَا وَدُورُهَا في كُلِّ مَدِينَةٍ وَقَريَةٍ، وَأَقبَلَ عَلَيهَا طَالِبُو الخَيرِيَّةِ رِجالاً وَنِسَاءً وَصِغَارًا وَكِبَارًا، وَكَثُرَ فِيهَا المُعَلِّمُونَ وَالمُعَلِّمَاتُ وَالمُشرِفُونَ وَالمُشرِفَاتُ، وَاحتَاجَت إِلى مِيزَانِيَّاتٍ ضَخمَةً لِتَشغِيلِهَا، وَأَموَالٍ كَثِيرَةٍ لِدَعمِ مَسِيرَتِهَا، فَكَانَ مِمَّا لا بُدَّ مِنهُ أَن تَتَظَافَرَ جُهُودُ المُحسِنِينَ لِلنُّهُوضِ بِذَلِكَ وَحَملِ هَذِهِ الخَيرِيَّةِ، وَعَدَمِ الغَفلَةِ عَنهَا وَتَركِهَا لِتَضعُفَ أَو تَتَوَقَّفَ.


وَإِنَّهُ لَمِنَ الخَسَارَةِ حَقًّا - أَيُّهَا الإِخوَةُ - أَن تُبَدَّدَ الأَموَالُ في وَلائِمَ وَمُنَاسَبَاتٍ وَحَفَلاتٍ، وَمَرَاسِمَ وَاجتِمَاعَاتٍ، وَشِرَاءِ سَيَّارَاتٍ وَبِنَاءِ عِمَارَاتٍ، بَل وَفي تَنوِيعِ أَجهِزَةٍ وَجَوَّالاتٍ، ثم لا يَجعَلَ أَحَدُنَا لِنَفسِهِ نَصِيبًا مِن دَعمِ تَعلِيمِ القُرآنِ وَالدُّخُولِ في الخَيرِيَّةِ الَّتي شَهِدَ بها النَّبيُّ - عَلَيهِ الصَّلاةُ - لِمَن تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ، إِذ إِنَّ تَعلِيمَ القُرآنِ - أَيُّهَا الكِرَامُ - لا يَقتَصِرُ عَلَى مُعَلِّمٍ في حَلَقَتِهِ، وَلَكِنَّهُ يَتَّسِعُ بِفَضلِ اللهِ؛ لِيَشمَلَ مَن دَعَمَ بِمَالِهِ وَجَاهِهِ، وَبَذَلَ وَأَعطَى، فَأَعطُوا مِمَّا أَعطَاكُمُ اللهُ يَزِدْكُم، وَأَنفِقُوا يُبَارِكْ لَكُم؛ فَإِنَّكُم إِلى اللهِ رَاجِعُونَ، وَلِمَا قَدَّمتُم وَاجِدُونَ ﴿ مَن ذَا الَّذِي يُقرِضُ اللهَ قَرضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لهُ أَضعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقبِضُ وَيَبسُطُ وَإِلَيهِ تُرجَعُونَ ﴾ وَإِنَّ لِلدَّعمِ طُرُقًا مُتَنَوِّعَةً وَقَنَوَاتٍ مُتَعَدِّدَةً، وَمَا عَلَى المُسلِمِ النَّاصِحِ لِكِتَابِ رَبِّهِ، إِلاَّ أَن يَضرِبَ لِنَفسِهِ بِسَهمٍ فِيمَا يَستَطِيعُ، إِمَّا بِاستِقطَاعٍ شَهرِيٍّ مِن رَاتِبِهِ، أَو كَفَالَةِ مُعَلِّمٍ أَو كَفَالَةِ طَالِبٍ، أَو كَفَالَةِ دَارٍ نِسَائِيَّةٍ أَو كَفَالَةِ مُجَمَّعٍ تَعلِيمِيٍّ، أَو بِالمُسَاهَمَةِ في وَقفٍ يُبنَى، أَو بِوَقفِ أَرضٍ لَهُ أَو مَبنًى، أَو بِتَخصِيصِ جُزءٍ مِن وَصِيَّتِهِ في ذَلِكَ الشَّأنِ العَظِيمِ، وَمَا أَجمَلَهُ بِنَا بَعدَ ذَلِكَ أَن نَدُلَّ غَيرَنَا عَلَى هَذَا البَابِ العَظِيمِ لِنَأخُذَ مِثلَ أَجرِهِ، وَخَاصَّةً أَقَارِبَنَا وَأَهلِينَا وَلا سِيِّمَا النِّسَاءُ اللاَّتي قَد يَكُونُ لَهُنَّ رَوَاتِبُ، فَيُضعِنْهَا في الكَمَالِيَّاتِ وَالتَّحسِينِيَّاتِ، وَيَنسَينَ أَنَّ عَلَيهِنَّ فِيهَا للهِ حَقًّا، وَأَنَّ لَهُنَّ بما بَذلَن ثَوَابًا وَأَجرًا ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ ﴾ [المائدة: 2].







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.26 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.91%)]