|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الهجرة والإيجابية نحو التغيير السيد طه أحمد الحمد لله رب العالمين ميزنا وشرفنا وجعلنا خير أمة أخرجت للناس فقال تعالى ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير. وصف المسلمين بالإيجابية فقال تعالى ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71]. وأشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالإيجابية فعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا.) الترمذي. فاللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعـد: فيا أيها المؤمنون، إن الهجرة موسم عظيمٌ من مواسم التحولات الإيمانية والتربوية والحضارية، موسمٌ يتجدَّد ولا يتوقَّف أبدَ الدهر، فلا زمن يَحُدُّه، ولا مكان يُحيطه، بل إن الهجرة تَنبِض في قلوبنا وتَدفعنا للتغيير والإصلاح الذي نَنشُده، فنتَّخذ من إيماننا وعقيدتنا الصافية زادًا نسعى لترجمته في منجزات حضارية تَخدُم الأُمة، وتَغرِس في صحرائها الأزاهير، وتبني في مُدنها القِلاع والحصون قلاع العلم، وحصون المعرفة فتدفع عن شبابنا الغزو الهدَّامَ، وتُزوِّدهم بأسلحة من العلم والمعرفة؛ تُؤهِّلهم لاختراق الآفاق، ونشْر العلم والدين ومكارم الأخلاق، وتُحصِّنهم من نوازع الشيطان ودعواته الهدَّامة. إن الأمة تحتاج لاستحضار معاني الهجرة؛ لتكون نِبراسًا يُضيء لها كلَّ تحوُّلاتها ومواقفها الإيجابية. فإن الله تعالي خلق الإنسان وندبه للعمل والسعي في الحياة وذم فيه السلبية واللامبالاة فأمر المسلم أن يكون إيجابيا نحو المجتمع لذلك كان حديثنا عن (الهجرة والإيجابية نحو التغيير).. وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية: 1- مفهوم الإيجابية والهجرة. 2- قيمة الإيجابية وأهميتها. 3- نماذج إيجابية في الهجرة النبوية المباركة. 4- الإيجابية في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. 5- دوافع الإيجابية. 6- إيجابية أحيت أمة. العنصر الأول: الإيجابية والهجرة: الإيجابية: هي الرغبة الحقيقية في إصلاح الذات وإصلاح المجتمع، ووجود إرادة التغيير للأفضل، والقدرة على التفاعل الجيد مع الآخرين. وذلك أن الهجرة لم تكن فرارًا من الجهاد أو تهربًا منه، كلا وإنما كانت إعدادًا لأعبائه، ولم تكن خوفًا من الأذى، ولكن توطيدًا لدفعه، ولم تكن جزعًا من المحنة، ولكن توطينًا للصبر عليها، أجل لم تكن فرارًا من القدر، ولكنها كانت فرارًا إلى القدر. ولم تكن الهجرة فرارًا من المحنة، أو مجرد انتقال مكاني، وإنما كانت فاتحة العمل الجاد المتواصل لتغيير الأرض، وتحويل مجرى التاريخ، ووضع أسس البناء الإسلامي الشامخ؛ ولذلك كانت أكبر أحداث التاريخ البشري بلا مبالغة، بل أعظم هجرة في تاريخ النبوات جميعا من حيث النتائج والآثار، ومن حيث التفاعلات التي تولدت عنها، والأحداث التي تعاقبت بعدها، وترتبت عليها. وبذلك كان يوم بدر وفتح مكة وما تبعه، وتطهير الجزيرة العربية من أرجاس اليهود والشرك، وإسلام العرب، ودخول الناس في دين الله أفواجًا، وتقويض ممالك الفرس والروم، ووصول الإسلام إلى الصين شرقا والأندلس غربا؛ كل هذا وأكثر منه سيظل مدينًا بقدرٍ كبير لهذه الهجرة النبوية المباركة. العنصر الثاني: قيمة الإيجابية وأهميتها الإيجابية هي الروح التي تدب في الأفراد فتجعل لهم قيمة في الحياة وتدب في المجتمع فتجعله مجتمعًا نابضًا بالحياة، وهي الدليل الهادي والخريت الحاذقالذي لا يضل الطريق والأمل الذي لا يتبدد والمطية التي لا تكبو. وهي صمام أمان للجميع، وهي جماع عدة أمور من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر وبر ووفاء وصدق وعهد مع الله.... إلخ، ومن أهميتها: 1- تمنع من عذاب الله عز وجل: المسلم الفطن هو الذي يعرف كيف يقي نفسه من السوء، بل ويقي غيره منه، وأعظم السوء أن يحل بقوم غضب الله وعقابه وانتقامه لذنوب اقترفوها ولم يرجعوا عنها. ولا يحل العذاب بقوم إلا إذا فشا فيهم المنكر غير عابئين بنصح ناصح أو إرشاد مرشد، والطامة الكبرى أن يقع الجميع في المنكر ولا يوجد من يردهم عنه. ولاشك أن الذي يتحرك لتغيير المنكر هو الذي ينجيه الله عز وجل من سوء العذاب، ويتضح هذا من تلك القصة التي أمر الله عز وجل رسوله محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم أن يذكّر يهود بها، فقال: ﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾. انقسم سكان القرية الواحدة إلى ثلاث أمم:ـ 1- أمة عاصية محتالة. 2- وأمة تقف في وجه المعصية والاحتيال وقفة إيجابية بالإنكار والتوجيه والنصيحة. 3- وأمة تدع المنكر وأهله، وتقف موقف الإنكار السلبي ولا تدفعه بعمل إيجابي.. وهي طرائق متعددة من التصور والحركة، تجعل الفرق الثلاث أممًا ثلاثًا! فلما لم يُجْدِ النصح، ولم تنفع العظة، وسدر السادرون في غيهم، حقت كلمة الله، وتحققت نذره. فإذا الذين كانوا ينهون عن السوء في نجوة من السوء. وإذا الأمة العاصية يحل بها العذاب فأما الفرقة الثالثة أو الأمة الثالثة - فقد سكت النص عنها ربما تهوينًا لشأنها وإن كانت لم تؤخذ بالعذاب- إذ إنها قعدت عن الإنكار الإيجابي، ووقفت عند حدود الإنكار السلبي. فاستحقت الإهمال وإن لم تستحق العذاب. فأصحاب الدعوة إلى ربوبية الله وحده، وتطهير الأرض من الفساد الذي يصيبها بالدينونة لغيره، هم صمام الأمان للأمم والشعوب وهذا يبرز قيمة كفاح المكافحين لإقرار ربوبية الله وحده، الواقفين للظلم والفساد بكل صوره إنهم لا يؤدون واجبهم لربهم ولدينهم فحسب، إنما هم يحولون بهذا دون أممهم وغضب الله، واستحقاق النكال والضياع وهناك إلى جانب آيات الله أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي تدل على هذا الباب؛ حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوْا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ- فَلاَ يُنْكِرُوهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ). فهذا الحديث الشريف يبين لنا فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة إلا إذا انتشر المنكر بين الناس وأقروه ولم يحاولوا مقاومته، فهنا ينزل العذاب على العامة جزاءً وفاقًا؛ لأنهم لم تتغير وجوههم، ولم تحزن قلوبهم على حرمات الله المنتهكة. وقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حديث يبين هذا حينما سألته أمنا زينب بنت جحش -رضي الله عنها- فقالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَث. فالإيجابية تحمي العامة من عذاب الله؛ حيث إنها تعد بمثابة الشمعة المضيئة التي تهدي الحيارى، وترشد التائهين إلى طريق رب العالمين. 2- تمنع من الانحراف في الدين: لو أن هذا الدين الذي ختم الله به الرسالات، وأكمل به الشرائع، تُرك لكل واحد أن يدلو فيه بدلوه بالزيادة أو النقصان، ماذا سيكون حال هذا الدين؟! لابد أن النتيجة الحتمية هي التحريف في هذا الدين، وضياع صورته الحقيقية، وتشويه شكله، وطمس معالمه الأصيلة، وتزييف أهدافه النبيلة. ولكن لو أن كل مسلم علم أنه على ثغر من ثغور الإسلام، وأنه مطالب بالحفاظ على هذا الدين من تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، لظل هذا الدين في حصن منيع يستعصي على من يتربصون به الدوائر. ومشكلة أي دين تكمن في الابتداع فيه؛ لذلك حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم منه، بل هدد وأوعد من يقدم على هذا الفعل فقال: "مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي فَعَمِلَ بِهَا النَّاسُ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لاَ يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ ابْتَدَعَ بِدْعَةً فَعُمِلَ بِهَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْزَارُ مَنْ عَمِلَ بِهَا لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِ مَنْ عَمِلَ بِهَا شَيْئًا"). أخرجه ابن ماجه وصح عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ )، أي: مردود عليه غير مقبول منه. أخرجه البخاري. فإيجابية صديق الإسلام وثاني رجل في أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم- إيجابية مشرقة، فهو مثال ونموذج أعلى في الإيجابية، فقد وقف الصديق رضي الله عنه متوعدًا مانعي الزكاة قائلًا قولته المشهورة: (وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ)، وبذلك قضى على مانعي الزكاة الذين كانوا يريدون أن يتملصوا من تعاليم الدين، ويتحللوا من فرائضه رويدًا رويدًا، لكنه رضي الله عنه أدبهم فأحسن أدبهم، وردهم إلى الجادة، وجعلهم يسيرون في قافلة التوحيد مرة أخرى، بعدما كادوا أن يَضلوا ويُضلوا. فلولا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ووقوفه في وجه المرتدين لكان حال الإسلام في الجزيرة العربية، بل والعالم أجمع غير تلك الصورة التي نعيشها الآن. وكذلك الحال مع المتوكل الذي أبطل فتنة القول بخلق القرآن التي ابتدعها المعتزلة، واحتضنها ثلاثة من خلفاء بني العباس، وهم: المأمون، والمعتصم، والواثق. هذه الفتنة التي لم يثبت أمامها من العلماء إلا إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل طيب الله ثراه- الذي رفض الإذعان لأهل السلطان، ولم يخش الصولجان، وضحك في وجه المنايا بعين راضية، ونفس أبية، وشخصية قوية، وعقيدة صافية لا دخن فيها ولا شوائب، وتصدى لأعدائه وهو شامخ البنيان، ثابت الجنان، فصيح اللسان؛ فقد حاول أعداؤه أن يفرضوا عقيدتهم السقيمة بالقوة، واستعانوا بذوي المناصب، فأدخل أبو عبدالله السجن، وتكسرت السياط على البساط، وهو كالجبل الأشم الذي يصعب على الأعاصير المسمومة أن تنال منه شيئًا، وبعد ذلك منَّ الله تعالى عليه، وخرج من تلك المحنة مرفوع الرأس، مشرق الوجه، عالي الجبين، وثبت الله به المؤمنين، وهذا ما حدا بعلي بن المديني أن يقول: أيد الله هذا الدين برجلين لا ثالث لهما: أبو بكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة). 3- أنه صمام أمان للمجتمع يقيه ويحفظه من كل نازلة: فالإيجابية هي التي تبني الفرد بناءً سليمًا وإذا شعر الفرد بمسؤوليته تجاه مجتمعه أهمه ما قد يجده من سلبيات فيه فيعمل على تغييرها أو إزالتها بالتعاون مع من ينتهجون نفس المنهج وتجمعهم نفس التصورات. وقد صور النبي صلى الله عليه وسلم في تصوير دقيق حال الأفراد إذا كانوا إيجابيين ونتيجة ذلك علي المجتمع الذي يعيشون فيه والذي صوره بسفينة تسير وسط الأمواج المضطربة وحالهم إذا كانوا سلبيين وأثر ذلك علي المجتمع نفسه فقال:ـ فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ـ رَضِيَ اللهٌ عَنْهُمَا ـ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:[ مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ، وَالوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا علَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا]) رواه مسلم. أما إذا أصبح الناس سلبيين غير مبالين بما يحدث لهم وحولهم، فهنا يتحقق فيهم قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم عند خطابه للمهاجرين: "يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ". (رواه ابن ماجه في سننه). ففي هذا الحديث إنذار شديد اللهجة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم - يحذر فيه الأمة من انتشار السلبية واللامبالاة، ويحثها على الإيجابية، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. فانظر كيف أن السلبية مقيتة، وأن عواقبها وخيمة. 4- تجعل المرء يتحمَّل مصاعب الحياة ويتغلَّب عليها: الحياة لا تسير دائمًا على وتيرةٍ واحدة؛ فيوم حلو وآخر مر، وكما قال الشاعر أبو البقاء الرندي: لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ ![]() فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ ![]() هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ ![]() مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ ![]() والإنسان السلبي هو الذي تغلبه الأزمات، وتصرعه الملمات، وربنا عز وجل يأمر المسلمين بقوله: ﴿ وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا ﴾ (آل عمران:139) تهنوا: أي تضعفوا؛ فالوهن هو سبب تكالب الأعداء علينا؛ فالهزيمة داخلية قبل أن تكون خارجية، وهذا هو الواضح من قوله- صلى الله عليه وسلم (يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا". فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ" فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ. وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ) ( أبو داود وأحمد). فما قيمة العدد الكثير الذي لا يقوى على تحمُّل المشاق، وينكص على عقبيه عند ملاقاة الأهوال؟! يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |