التوسط والاعتدال (3) التفريط والتقصير - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الأمل اكسير الحياة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          التربية بالقدوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الشباب وصناعة التغيير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          مطامع اليهود في الأردن!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          كشمير - كشمير السملمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          كتب لابُدَّ من قراءتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          بطولات إنكار الذات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          التعبئة الروحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          تأملات في سورة الفاتحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          المسجد الأقصى أم هيكل اليهود؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-08-2020, 04:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,112
الدولة : Egypt
افتراضي التوسط والاعتدال (3) التفريط والتقصير

التوسط والاعتدال (3) التفريط والتقصير


أحمد عماري







الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

إخوتي الكرام؛ مرة أخرى مع خلق التوسط والاعتدال، وحديثنا اليوم عن طرف آخر مذموم لأنه يتنافى مع خلق التوسط والاعتدال؛ ألا وهو التفريط والتضييع. فكما أن الغلو والتطرف والإفراط مذموم شرعاً وعقلاً، فكذلك التفريط والتقصير والتضييع مذموم شرعاً وعقلاً، فلا توسط ولا اعتدال إلا بالبعد عن الإفراط والتفريط، والغلو والتقصير، فذاك هو منهج التوسط والاعتدال الذي جاء به الإسلام؛ ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143].

والتفريطُ يعني التضييعَ والتقصير في أداء الحق والقيام بالواجب.

فلا وسطية مع التفريط في طاعة الله، ولا وسطية مع التقصير في أداء حقوق العباد. فالوسطية في الإسلام لا تخضع للأهواء والرغبات، فليست تنصلاً من الثوابت والمقوّمات، ولا تمرداً على المبادئ والأهداف والغايات، وإنما الوسطية التزام بمبادئ الإسلام وأخلاقه وتعاليمه.

فمِن الجهل وسوء الفهم أن يخلط بعض الناس بين الغلو المذموم وبين الالتزام بدين الله والاجتهاد في طاعته؛ فالغلو خلق مذموم نهى الله ورسوله عنه، والاجتهاد في طاعة الله والمسارعة إلى الخيرات خلق محمود أمر الله به ورسوله، قال تعالى: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة: 148]. وقال نبينا صلى الله عليه وسلم لربيعة بن كعب الأسلمي حين سأله مرافقته في الجنة: «فأعني على نفسك بكثرة السجود».

ومن الجهل وسوء الفهم أن يظن البعض أن الدعوة إلى التمسك بسنة رسول الله والتخلق بأخلاقه دعوة إلى التخلف والرجعية. فهل ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف ورجعية وظلامية؟ أم أنه الرسول الذي بعثه الله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور؟ كما قال ربنا سبحانه: ﴿ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16]. ألم يقل نبينا صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء من بعدهم قوم تسبق شهادتهم أيمانهم، وأيمانهم شهادتهم».؟ أخرجه البخاري ومسلم من حديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

ومن الجهل وسوء الفهم أن ننظر إلى كل متمسك بدينه على أنه متزمت ورجعي ومتخلف... فمن الناس من يحمل على كل ملتزم بدينه، ويصفهم بالغلو والتزمت، يعتبرون من التزم بالسنة باطناً وظاهراً متحجراً متشدداً، ومن يدعو إلى الإسلام في نظرهم غالٍ متنطع، والغيورون على الدين رجعيون متأخرون... بينما ينظرون إلى المفرّطين في القيم، المتلاعبين بالثوابت والمبادئ على أنهم متمتعون بسعة الأفق، متحررون متنورون، متفتحون على الآفاق المعاصرة، واقعيون في النظر والسلوك!..

فمن الخلل والخطأ أن نقابل التشدد بسم الدين بالتشدد ضد الدين، ومن الخطأ أن نقابل المنكر بالمنكر، والغلو بالغلو... فهل الحل والعلاج من التطرف والغلو ما نسمعه من شعارات ترفع من أجل القضاء على القيم والأخلاق والحياء والمروءة وغير ذلك من مبادئ الدين وأخلاقه وثوابته التي لا تتبدل ولا تتغير؟. كلا كلا؛ فهذا منكر لا يزيد النار إلا اشتعالا. فلا حل ولا علاج إلا بالعودة إلى الدين بفهم صحيح ووعي عميق. لا بالإعراض عنه الدين وصد الناس عنه. قال عز وجل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19]. وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ﴾ [البروج: 10، 11].

مظاهر التَّفريط وصوره:
1- تضييع الفرائض والواجبات؛ كالتقصير في أداء الصلاة والزكاة والصوم والحج وغير ذلك من فرائض الإسلام وواجباته...

قال ربنا سبحانه: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ [الماعون: 1 - 7].

وقال عز وجل: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ﴾ [مريم:59]. أضاعوا الصلاة؛ ضيعوها بتركها أو بإخراجها عن أوقاتها.

فترك الصلاة تفريط وتقصير ومعصية، والتهاونُ في أداء الصلاة وإخراجُها عن وقتها تفريط وتقصير، ولذلك قال نبينا عليه الصلاة والسلام: «أما إنّه ليس في النوم تفريط، إنَّما التَّفريط على من لم يصلّ الصّلاة حتى يجيء وقت الصَّلاة الأخرى، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا، فَإِذَا كَانَ الْغَدُ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا». أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي قتادة.

وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبذل النصح للمسلمين مع القدرة على ذلك تفريط وتقصير. فالمؤمن من ينصح الناس، ويحب الخير لهم، ويدلهم على الخير، ويحذرهم من الشر، وهذه سمة من سمات هذه الأمة الميمونة، قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]. ولا خير في قوم لا يتناصحون، ولا خير في قوم لا يقبلون النصيحة. قال سبحانه: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 78، 79].

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده؛ لتأمُرُنّ بالمعروف ولتنهَوُنّ عن المنكر، أو لَيُوشِكن الله أن يبعَث عليكم عقابا منه، ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم». أخرجه أحمد والترمذي وقال هذا حديث حسن.

2- التقصير في حقوق الآخَرين؛ كالتقصير في حق الوالدين، وحقوق الأبناء والأقارب، وحق الجار، وحق اليتيم والمسكين وغيرهم من ذوي الحقوق، فقد قال عز وجل: ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ﴾ [الإسراء: 26]. وقال عز وجل: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النساء: 36، 37].

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثما أن يُضَيّعَ مَن يَقوت». أخرجه الإمام أحمد والنسائي وأبو داود وابن حبان، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.

فالتقصير في حقوق الآخَرين مجانبة لخُلق التوسّط والاعتدال.

3- الوقوع في المعاصي والمنكرات؛ فهل من التوسط والاعتدال أن يتجرأ العبد على معصية الله ومخالفة أمره؟ إنه التفريط المفضي إلى الخسران في الدنيا والآخرة؛ فقد قال سبحانه: ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [الأنعام: 31]. حين يتجرأ المرء على الذنوب ويدعو غيره إلى المعاصي ويظن ذلك تحضرا وتحررا وتقدما!. دعوات تخرب العقول وتنسف القيم، وتثير الفتن، وتصد عن سبيل الله؛ يعتبرها البعض تقدما وتحضرا!. ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴾ [الكهف: 103 - 106].

4- الغفلة عن طاعة الله، والانشغال بالدنيا عن الآخرة؛ فإن الله عز وجل خلق الخلق لغاية عظيمة، هي أشرف الغايات وأولاها بالاهتمام، ومن أجلها بعث الله الرسل وأنزل الكتب، وإلى هذه الغاية دعا جميع الرسل من أولهم إلى آخرهم؛ ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 59] قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]. وقال سبحانه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25].

فأين مَن تخلى عن وظيفته التي خلق مِن أجلها، أين هو مِن خُلق التوسط والاعتدال؟ فهل من الوسطية أن يكون العبد غافلا عن طاعة الله وعن ذكر الله؟.

فالتفريط في طاعة الله غفلة، وربنا سبحانه وتعالى يحذرنا من الغفلة، ومن سوء عاقبة الغافلين؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].

﴿ أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ ﴾ [الأعراف: 179] في هِمّتها الموقوفة على الأكل والشرب والتمتع بالشهوات، كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ﴾ [محمد: 12].

﴿ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ﴾ [الأعراف: 179]، لماذا كانوا أضل من الأنعام؟ لسببين اثنين:
الأول: أن البهائم تميز بين ما يضرها وينفعها، فتأتي ما ينفعها ولا تأتي ما يضرها. أما هؤلاء الغافلون فترى أحدهم بتركه إعمال نعمةِ الفِكر والعقل يَقدُم على النار ولا يبالي.

الثاني: أن الأنعام تذكر الله وتسبّحه وتصلي له، كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ [النور: 41]. وقال سبحانه: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44].

أما هؤلاء الغافلون فمنهم من لا يذكر الله تعالى في اليوم ولو مرة واحدة. يستنكف ويستكبر عن عبادة الله، والسجود لله. ﴿ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [النساء: 172، 173].

روى مسلم في صحيحه عن ابْن عُمَرَ وأبي هريرة رضي الله عنهما أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثم لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ». وماذا بعد الغفلة إلا الخسران المبين؛ قال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يونس: 7، 8].

إخوتي الكرام: احذروا التفريط؛ فإنه خسارة في الدنيا، وخزي وندامة في الآخرة. قال تعالى مخبرا عن تحسّر أهل النار وندمهم يوم لا ينفع الندم: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك: 10، 11].

وقال تعالى: ﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر: 54 - 56].

وقال سبحانه: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 9 - 11].

إياكم والتفريط وأنتم في هذه الأيام المباركة؛ في العشر الأولى من ذي الحجة، فاغتنموها بكثرة الطاعات والقربات، من صلاة وصيام وقيام وصدقة وذكر ودعاء وقراءة للقرآن وغير ذلك من صالح الأعمال. فقد قال عليه الصلاة والسلام: «ما مِن أيامٍ العملُ الصالح فيها أحبّ إلى الله من هذه الأيام»، يعنى أيام العشر. قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟، قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء». أخرجه الإمام أحمد وابن حبان وأبو داود وابن ماجة والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما.

ولا تنسوا صيام يوم عرفة؛ لِتشاركوا حجاج بيت الله الحرام أجرَ ذلك اليوم العظيم عند الله عز وجل. ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «... صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ؛ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ...».

ولا تحرموا أنفسكم وذويكم من أجر أضحية العيد، واختاروا من الأضاحي أحسنها وأسلمها من العيوب، فلا تضحوا بالعوراء البين عورها، ولا بالعرجاء البين عرجها، ولا بالمريضة البين مرضها، ولا بالهزيلة التي اشتد هزالها.


فلا تحْرِموا أنفسَكم الأجر والثواب، ولا تنسوا إخوانكم من الفقراء والأرامل والأيتام، أدخلوا البهجة والسرور على قلوبهم في هذه الأيام، وتزودوا ليوم ترجعون فيه إلى الله، ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا ﴾ [آل عمران: 30]. ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المزمل: 20].

فاللهم اجعلنا من عبادك الصالحين ومن أوليائك المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا رب العالمين.
اللهم وفقنا لكل عمل صالح يرضيك، وجنبنا كل عمل لا يرضيك يا رب العالمين.
وصل اللهم وسلم وبارك على حبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 65.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.22 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.61%)]