|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() بين عقوق الأولاد وعقوق الآباء الرهواني محمد الخطبة الأولى الحمد لله الذي أمرنا ببرِّ الوالدين ونهانا عن عقوقهما، سبحانه جعل رضاه في رضاهما وسخطه في سخطهما، وأشهد أن لا إله إلا الله، قَرَن شكرَه بشكرهما، فقال: ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، فاللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين. معاشر الآباء والأولاد: قد مرّ بنا في الجمعة السابقة موضوع "بر الوالدين" والإحسان إليهما، والعطف عليهما، وخفضِ الجناح لهما والترحم عليهما، ومخاطبتهما باللين والرفق واليسر والحسنى، وما ذلك إلا لعِظم ومكانة الوالدين عند الله. فالله سبحانه في عدة آيات من كتابه الحكيم وصى الإنسان بوالديه، فقال جل جلاله:﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ﴾ [العنكبوت: 8]. وفي مقابل ذلك، نهى سبحانه عن عقوقهما، وذلك في أعظم حال ووقت يشق على الولد بِرَّهما فيه، فقال تعالى: ﴿ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23]، ففي حال بلوغ الوالدين الكِبر، وربما وصلا إلى أرذل العمر الذي هو سبب للضجر والملل منهما، وفي حال كهذه، نهى الله الولد أن يتضجر أقل تضجر من والديه، وأمره أن يقول لهما قولاً كريماً وأن يخفض لهما جناح الذل من الرحمة، ويخاطبهما ويعاملهما رحمة بهما وإحسانا إليهما، ويدعو الله لهما بالرحمة كما رحماه في صغره ووقت حاجته فربياه صغيراً. والرسول صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث، حذر من عقوق الوالدين، بل عد صلى الله عليه وسلم عقوق الإنسان لوالديه من أكبر الكبائر التي تُحبط الأعمال وتَذهب بالحسنات، ففي صحيح البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أنبِّئُكم بأكبرِ الكبائرِ، ثلاثًا، قالوا: بلَى يا رسولَ اللهِ، قال: الإشراكُ باللهِ، وعقوقُ الوالدينِ، وجلَس وكان متكئًا، فقال: ألا وقولُ الزُّورِ، قال: فما زال يكرِّرُها حتَّى قلنا: ليتَه يَسكت). وفي صحيح الترغيب بسند حسن صحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثةٌ لا ينظرُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ إليهم يومَ القيامةِ، العاقُّ لوالِدَيهِ والمرأةُ المترجِّلةُ، والدَّيُّوثُ، وثلاثةٌ لا يدخُلونَ الجنَّةَ: العاقُّ لوالِدَيهِ، والمدمِنُ على الخمرِ، والمنَّانُ بما أعطى). فهذه الوصايا الإلهية، والأحاديث النبوية ناطقة بأن إحسان الإنسان لوالديه وبِرَّه بهما من أمهات الواجبات التي أمر بها ديننا، وأن عقوق الوالدين والإساءةَ إليهما بالجحود، ومقابلةَ رحمتهِما ومحبتهما بالقَسوة والعداوة والبغضاء، من أكبر الكبائر التي تستوجب غضب الله وسخطَه في الدنيا والآخرة. وفي الأثر، إن الله ليعجل هلاك العبد إذا كان عاقا لوالديه ليعجل له العذاب، وإن الله ليزيد في عمر العبد إذا كان باراً بوالديه ليزيده بِرّاً وخيرا. لذلك، أحرى بالولد بأن يحرص كل الحِرصِ على بر والديه، وأن يتجنب عقوقَهما، رغبة فيما عند الله من جزيل الثواب، ورهبة مما لديه من شديد العقاب، العاجل والآجل. ومما يثير الأحزان والآلام، أن أكثر الأولاد اليوم، لا يتعظون بما وصى به الله، ولا يبالون بما حذرهم منه رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يقومون بما تتطلبه الفطرة الإنسانية من مجازاة الإحسان بالإحسان. فقصص وأخبار عقوق الأولاد التي أصبحنا نسمعها ونراها لينفطر لها الفؤاد أَسى وتذوب النفس لها حسرة، فكثيرٌ من الأولاد لا يتقون ربهم في معاملةِ آبائِهِم، فيُسيئون إليهِم، ويُعاملونهم أسوأ المعاملات، ولا يُراعون حقوق الأبوة والأمومة ولا يذكرون للوالدين فضلًا ولا جهداً، ولا يبالي الواحد منهم أن يسيء إليهما أو يهينهما، ولا يعبأ برضاهما أو سخطهما. بل وصل الحد بكثيرٍ من الأولاد إلى الاستخفاف بآبائهم واحتقارهِم وضربِهِم والعياذ بالله، وإن لم نقل القتل، حتى أصبح غايةُ ما يتمناه الوالدان من البِر أن يأْمنا شرَّ أولادهم وفُحشَهم وسوءَهم. فكم من أم باتت باكية ساخطة من سوء معاملة أولادها وقسوتهم عليها. وكم من أب قضى وقته حزيناً مهموماً من عقوق أولاده وإساءتهم إليه. بل إننا نجد أن كثيرا من الأولاد من يتخذ أباه أو أمه في تجمعاته مع أصدقائه هزؤاً وسخرية ويتبادل مع رفاقه سب الآباء والأمهات، حتى أصبحنا نرى ذلك جهارا، وهذا مرض خلقي جعل الأبوة شقاءً وجعل الأمومة مذلة، ونعوذ بالله من العقوق والعاقِّينَ. ألا فليعلم كلُّ ولد أن من أهان والديه، أو كان سببا في إهانتهما فهو مهين ذليل لا كرامة له، ومن لا خير فيه لوالديه لا خير فيه لأحد. ألا فليعلم كل ولد أن عقوق الوالدين جزاؤه مُعجل في الدنيا قبل الآخرة، وله في الآخرة من الله عذاب عظيم، لأن الله وصى بالوالدين فما نفذ هذا الولد وصيةَ الله، والرسول صلى الله عليه وسلم حذر فما انتبه لتحذيره، والله عزيز ذو انتقام. ففي الحديث الصحيح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ![]() فأي قطيعة للرحم أشد من العقوق وأي بغي أشد من إيذاء الوالدين أو أحدهما والاعتداءِ عليهما. فاحذر أيها العاق لوالديه من عقوبة اللهِ العاجلة لك واحذر مكره بك ولا تغتر بقوتك وشبابك مقابل ضعف والديك وقلةِ حيلتِهما، فإن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. الخطبة الثانية الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. مما لاشك فيه أن بر الوالدين فريضةٌ وأمر إلهي وواجب شرعي، ومن خالف كان عاقا لوالديه ومرتكبا لكبيرة من الكبائر. فهذا عن عقوق الأولاد للآباء. فماذا عن عقوق الآباء للأولاد؟ نعم ماذا عن عقوق الآباء للأولاد؟ قد يستغرب الكثير منكم من هذا النوع من العقوق، ولكنه موجود وحاضر في واقعنا، ولن أبالغ لو قلت أن نسبةً كبيرة من عقوق الأولاد، سببها عقوقٌ مسبق من الآباء. فكثيراً ما نسمع عن بر الوالدين وعن عقوق الأولاد لوالديهم، ولكن قليلا ما نسمع عن عقوق الآباء للأولاد. صحيح نحن لا نملك الحق في محاسبة آباءنا مهما فعلوا، وليس ذلك من حقنا، ولكن ما أهدف إليه بل أرجوه، أن يضع الآباء الذين يشكون عقوق أولادهم، أن يضعوا سلوكياتهم ومعاملاتهم لأولادهم تحت مجهر هذه الآية: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾ [النساء: 11]، ويراقبوا مدى التزامهم بأداء الدور المطلوب منهم ويحاسبوا هم أنفسهم. فكم من أب قد نُزعت الرحمة من قلبه، نجده ظالما لأولاده أو مقصرا في حقهم أو يمارس عليهم أسلوب القمع والإرهاب النفسي والبدني في التربية دون أن يحاسب نفسه بما فعل أو يتقي الله فيهم. وكم من أم أضاعت مستقبَل أولادها بتهورها واستهتارها وما قدمت لهم إلا الهم والشقاء والحزن والبكاء. بل بعضُ الآباء قد جعلوا من الآية: ﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا ﴾ [الإسراء: 23] سيفا مسلطا على الأولاد يُرهبونهم ويُؤذونهم بحجة أنهما والدين. كيف نطالب من الأولاد بأن يكونوا بارين بآبائهم، والبعض من الآباء يقسون على أولادهم، معتقدين خطأ أن الشدة والعنف هما السبيلُ للتربية الصحيحة؟ كيف يكون الأولاد بارين بآبائهم، وبعض الأولاد يشعرون عند مجيء آبائهم بالرعب والخوف من العقاب والبطش، لدرجة تجعل الأولاد يتحاشون طريق الآباء أو الجلوس معهم؟ كيف يكون الأولاد بارين بآبائهم، وبعض الآباء يعتقدون أن ملاطفة أولادهم أمام الغير والضحك معهم وتقبيلهم خروج عن الأدب؟ كيف يكون الأولاد بارين بآبائهم، وبعض الآباء يُسفّهون كل تصرفات أولادهم ويشعرونهم بالعجز عن تحقيق أية نجاحات؟ كيف يكون الولد بارا بوالديه، والأب شارد مستهتر متفلت، لا دين له ولا أخلاق، لا يراقب ولا يحاسب ولا يقدم القدوة لأولاده، والأم لاهيه لا هم لها إلا نفسها...؟ كيف يكون الأولاد بارين بآبائهم وبعض الآباء يدفعون بأولادهم ويشجعونهم ويفتحون لهم أبواب المعاصي؟ وصدق الشاعر في قوله: إذا كان ربُ البيتِ بالدفِ ضاربًا ♦♦♦ فشيمةُ أهلِ البيتِ كلهم الرقصُ. إنني أريد منك أيها الأب أيتها الأم أريد من منكم جميعا أن تكون لدينا الشجاعة على مواجهة النفس، وأن نضع كل تلك التساؤلات وغيرها أمامنا، ونجيب عليها بصدق وتجرد حتى نرى هل نحن بحق حققنا البِرَّ بأولادنا قبل أن نطالبهم ببِرِّنا؟ قبل أن يشكو كلُّ أب وأمٍّ عقوقَ أولاده له، عليه أن يراجع نفسه ويسأل: هل يمارس العقوقَ تجاه أولاده أم البر؟ وكل ذلك سلف ودَيْن. وكما تَدين تدان. فالأولاد أمانة: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾ [النساء: 11]، ومن ضيع الأمانة ضيعه الله. وإنه على قدر ما نعطي أولادنا من الرعاية والاهتمام والحب والحنان في الصغر، على قدر ما يعاملوننا به إذا كبُرنا وكنا في أمس الحاجة إليهم. والعكس صحيح. فالقسوة طريق العقوق، والعطف والحنان طريق البر، والآباء هم المسؤولون أولاً وأخيراً من حرمان أنفسهم من أولادهم في صغرهم وكبرهم. واسمعوا جواب أحدهم وهو يجيب والده الذي عاتبه على العقوق، قال: يا أبت، إنك عققتني صغيراً، فعققتك كبيراً، وأضعتني وليداً، فأضعتك شيخاً.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |