عالم السحر (1) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-08-2020, 04:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي عالم السحر (1)

عالم السحر (1)


أحمد الجوهري عبد الجواد







إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

وأنا المحب ومهجتي لا تنثني
عن وجدها وغرامها بمحمَّدِ

قد لامني فيه الجهول ولو درى
معنى الهيام به لكان مساعدي

يا رب صل على الحبيب المصطفى
واجعله شافعنا بفضلك في غدِ


أما بعد فيا أيها الإخوة نحن الآن على موعد مع الحديث عن موضوع له تعلق كبير وخطر عظيم بعقيدة المسلم حديث عن عالم عجيب تختلط فيه الحقيقة بالخرافة والعلم بالشعوذة وكما تختلط فيه الدوافع والبواعث والغايات والأهداف.

عالم ظاهره جميل خلاب يفتن قلوب البسطاء ويخدع السذج والرعاع وباطنه قذر يتجافى عنه أولوا الألباب وينأى عنه أصحاب القلوب المستنيرة والفطر السليمة.

أظنكم عرفتموه نعم نعم إنه السحر، لقاؤنا - أيها الإخوة - اليوم عن عالم السحر والشعوذة.

وتاريخ السحر - أيها الإخوة - تاريخ أسود قاتم فهو خدعة شيطانية يضل بها شياطين الإنس والجن عباد الله فيوقعونهم بالسحر في أعظم جريمة ألا وهي جريمة الكفر بخالق السموات والأرض يجذبونهم الى الهاوية والشرك والضلال[1].

فتعالوا بنا - أيها الإخوة - نستضيء بنور الوحي ونتعرف إلى معالم هذا العالم الغامض ونستكشف بعض خفاياه.

فما هو السحر، ما حقيقته وماهيته؟ وهل يسري السحر في عمله ومهمته بنفسه؟ وما هو حكم الشرع المطهر في السحر وتعلمه وتعليمه؟ وما حكمه في الساحر؟، وأخيراً كيف نقي أنفسنا شر السحر وشرور السحرة والمشعوذين، وإذا وقع بنا شيء من ذلك فما السبيل إلى علاجه وحله؟

أسئلة مهمة - أيها الإخوة - ينبغي أن لا نخرج من لقائنا هذا إن شاء الله تعالى إلا وقد تعرفنا على إجاباتها فهذا الموضوع من الأهمية بمكان وهو مما يحتاج إليه الخاص والعام من الناس أسأل الله - عز وجل - أن يجنبنا الشرور والفتن ما ظهر منها وما بطن.

أيها الإخوة..
ما هو السحر وما هي حقيقته وماهيته؟ السحر يطلق في اللغة على كل شيء خفي ولطف ودق سببه ولهذا سمي آخر الليل سحرًا لأنه خفي وسمي السحور سحوراً لأنه يقع خفيّاً آخر الليل وهكذا...

وقد تعددت عبارات العلماء في تحديد معنى السحر اصطلاحاً تعدداً كبيراً حتى كثرت جدّاً وذلك لأن السحر ليس نوعاً واحداً يمكن حده بحد يميزه عن غيره بل هو أنواع كثيرة متداخلة، ومن أجمع ما قرأت في تعريفه ما قال الإمام ابن قدامة -رحمه الله- في المغني فقد عرفه بقوله: "هوعقد ورقى وكلام يتكلم به أى الساحر أو يكتبه أو يعمل شيئًا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له بإذن الله تعالى".[2]

وأيضاً سمي الساحر بهذا الاسم لأنه يعمل أشياء خفية فيها التمويه والخداع، وأيضاً - والله أعلم- لأنه إنما يفعل ذلك في الخفاء حيث لا يعمل هؤلاء إلا في ظلمة الليل ولذا ذكر الله تعالى السحر آمراً بالاستعاذة منه عقب دخول الليل. قال تعالى: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾. والغاسق إذا وقب هو الليل إذا غربت الشمس وأقبل المساء ثم قال ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾، فغالب ما يعمل من السحر إن لم يكن أجمعه يكون في الليل والله تعالى أعلم.

ولكن - أيها الإخوة - هل السحر يؤثر؟
قلنا في تعريف السحر: "يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله"، فهل السحر يؤثر؟ هل للسحر تأثير فعلًا؟ يحسن بنا قبل الجواب عن هذا السؤال أن نتعرف أولاً إلى أنواع السحر فما هي أنواع السحر؟

السحر يطلق على ثلاثة أنواع: (سحر حقيقي، وسحر خيالي، وسحر مجازي).

النوع الأول: السحر الحقيقي وهو ما له حقيقة في الخارج وله أثر وتأثير. نعم فالسحر له حقيقة وأثر كما دل عليه الكتاب والسنة والواقع كما سنعرف الآن بالتفصيل، المهم أن النوع الأول هو: السحر الحقيقي.

النوع الثاني: سحر الخيال أو التخييل وهذا إنما يتم بطريقة يعمد فيها الساحر إلى قوى الخيال الموجودة في الإنسان فيتصرف فيها ويلقي فيها خيالات وصور يريدها ثم ينزلها إلى حس المقصودين بقوة نفسه المؤثرة فينظرها الراءون كأنها في الخارج وهي لا يوجد لها أصل في الواقع وهذا ما يسمى أو يعرف بالشعوذة أو الشعبذة. [3]

وكذلك من سحر التخييل ما يعتمد على شغل البصر بشيء معين حتى يمرر شيء آخر لحين قلب الشيء المراد قلبه وهذا يعتمد على خطأ البصر ويدخل ضمن هذا النوع ما يلقيه الساحر في قلب الإنسان وفكره من صور قبيحة للزوجة عند زوجها أو للزوج عند زوجته فيتخيلان تلك الصور فيكرها بعضيهما فيحصل التفريق بينهما بسبب إحداثه لتلك الصور القبيحة وهذا هو سحر الصرف وضده العطف ويكون بالتحبيب. فالنوع الثاني هو سحر الخيال أو التخييل.

النوع الثالث: هو السحر المجازي وهو عبارة عن خيالات وتمويهات وحيل علمية وعملية وإنما يقال له سحر على سبيل المجاز وليس سحراً فى الحقيقة وإنما هو حيل وخيالات ومعرفة ببعض خواص المواد كما يقوم على خفة اليد في الحركة وكذا على الكذب على ضعاف العقول كالذي يدخل يده في النار فلا تحترق بسبب أنه دهنها بدهان مقاوم للنار والحرارة أو يحول لون الوجه من البياض إلى السواد بواسطة دهن الوجه بمادة أكسيد البزموت ويعرضه لمادة الهيدروجين في إناء يشمه فيتغير إلى اللون الأسود أو نحو ذلك من ألعاب السيرك وما شابهها من الحيل.[4]

هذه باختصار - أيها الإخوة - أنواع السحر ولا زال السؤال معنا هل السحر يؤثر؟
أظن الجواب الآن صار واضحاً فالسحر حقيقة لا سبيل أبداً لإنكارها وهو مؤثر وله حقيقة في الخارج ولا طريق إلى إنكار ذلك على الإطلاق، لأنه مما قامت عليه الأدلة من الكتاب الكريم، ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن الواقع وهو بعد القرآن والسنة خير دليل.

ألم تسمع إلى قول الله تعالى: "﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 102].

انتبه أيها الحبيب ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ﴾، وهذا يدل على أن السحر له تأثير في الحب وفي البغض، ألم تسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سحر؟ وإن كان الله - عز وجل - قد عصمه من أثر السحر في قلبه ورسالته لكنه أثر في بدنه صلى الله عليه وسلم وسيأتي الحديث معنا إن شاء الله تعالى، والإجماع فقد أجمع أهل السنة والجماعة على أن السحر له حقيقة وهذه كتب علماء المسلمين من أهل السنة والجماعة تتحدث عنه في الجانب العقدي في كتب العقيدة وفي الجانب الفقهي في كتب الحدود والتعزيرات وغير ذلك.

والواقع بعد هذا كله خير شاهد - أيها الإخوة - على ما نقول، لماذا نذهب مع المكابرين في مكابراتهم ونحن نسمع ونرى ونلابس أحوال أناس نعرف فعلاً أنهم مسحورون، كانوا بالأمس بيننا بحالة طبيعية جيدة فصاروا اليوم إلى حالة سيئة تصدر عنهم خلالها تصرفات لا تعقل ولا يمكن أن تصدر من أمثالهم نعرف ذلك منهم ونوقن به، وهاهم يعجز الأطباء عن وصف حالتهم فضلاً عن علاجها، ثم يشفون بإذن الله تعالى على يد من يعالجهم بكتاب الله والأذكار، لماذا المكابرة؟ والواقع بعد الوحي خير دليل؟!

فالسحر - أيها الإخوة - له أثر وحقيقة، ولذا أمر ربنا سبحانه بالاستعاذة من السحرة والسواحر وإن كان بعض السحر ليس له حقيقة وإنما هو تخييل وتمويه وحركات كما فصلت فليس معنى هذا إنكار ما له حقيقة فبعض الناس يستدل بقوله تعالى: ﴿ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾ [طه: 66] على أن السحر كله تخيل وينسى هذا أو يتناسى أن الله الذى قال هذه الآية هو الذي قال أيضا: ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ﴾ أم أننا نؤمن ببعض القرآن دون بعض، نعوذ بالله من ذلك سبحانك هذا بهتان عظيم.

ولكن السؤال الأهم من هذا: هل السحر يباشر عمله وأثره ومهمته بنفسه ويؤثر بذاته؟
والجواب: لا طبعاً.. وإنما ذلك كله بمشيئة الله تعالى وبإذنه وإرادته وقدره فلا يحدث في الكون شيء أبداً إلا بتقدير الله ومشيئته كما قال سبحانه: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، فالسحر وكل شيء غيره لا يحدث في الكون إلا بتقدير الله وعن إذنه ومشيئته كما أوضحت آية السحر التي سقناها.

فهل سمعتم - أيها الإخوة - هذا التعبير القرآني الراقي الرائق: ﴿ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾!!

فطب نفساً وقر عيناً واهدأ بالاً أيها الحبيب فلا يتم شيء في كون الله تعالى إلا بإذنه ومشيئته.
دع الأيام تفعل ما تشاء
وطب نفساً إذا حكم القضاء

إذا نزل القضاء بأرض قوم
فلا أرض تقيه ولا سماء


﴿ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
قال سفيان الثوري: إلا بقضاء الله.

قال ابن إسحاق: إلا بتخلية الله بينه وبين ما أراد.

قال الحسن البصري: ﴿ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ قال: نعم من شاء الله سلطهم عليه ومن لم يشأ الله لم يسلط ولا يستطيعون من أحد شيئاً إلا بإذن الله كما قال الله، ﴿ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾[5]

فهل عندك – أخي - ثقة في الله - عز وجل -؟ اعلم أنه على قدر هذه الثقة منك تكون الحماية من ربك سبحانه لك، وسأزيد هذه النقطة إيضاحاً عند الحديث عن: كيف تحمي نفسك من السحر وشروره؟

أيها الإخوة.. فإذا كان هذا هو تعريف السحر وهذه أنواعه فما هو موقف الشرع المطهر من السحر والسحرة؟
هل يجيز الشرع المطهر تعلم السحر ولو للدفاع عن النفس وحمايتها من شروره على حد قول من قال: تعلموا السحر ولا تعملوا به، ما هو حكم الشرع الحنيف في هذه المسألة؟

والجواب - أيها الإخوة - .. في آيات وأحاديث وأقوال للعلماء الكرام الأجلاء أسردها على مسامع حضراتكم فأعيروني القلوب والأسماع في هذه النقطة بالذات فإنها من الأهمية بخطر ومكان..

قال الله تعالى: ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 102، 103] هذه الآية معنا من أول اللقاء إلى آخره فهي عمدة الحديث عن هذا الموضوع في كتاب الله - عز وجل - وفيها - أيها الإخوة - .. الجواب عن سؤالنا من كافة جوانبه وها هى قد بينت حكم السحر وأنه كفر أكبر وذلك أن الله تعالى قال: "وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ "فنفي الكفر عن سليمان لأنه لم يكن ساحراً وكفر الشياطين السحرة لأنهم عملوا بالسحر، فدل هذا على أن السحر كفر، وكذا قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشتراه مَا لَهُ فِي الآخرة مِنْ خَلاَقٍ ﴾.

قال العلامة الشنقيطي: وهذا الوعيد لم يطلق إلا فيما هو كفر لا بقاء للإيمان معه فإنه ما من مؤمن إلا ويدخل الجنة وكفى بدخول الجنة خلاقاً ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة". وأيضا: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشتراه مَا لَهُ فِي الآخرة مِنْ خَلاَقٍ ﴾ [البقرة: 102] أي من نصيب، ونفي النصيب في الآخرة بالكلية لا يكون إلا للكافر عياذاً بالله تعالى.

وهذه الآيات أدلة واضحة على أن من السحر ما هو كفر بواح، وذلك مما لا شك فيه.[6]

وكذا قوله سبحانه: ﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ﴾.

وقال - عز وجل - في غير هذه الآية: "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت"قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الجبت: السحر، وقال جابر: الطاغوت: كهان كان ينزل عليهم الشياطين في كل حي واحد الآن، أكمل الآية والتي بعدها ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ﴾.

هذا كتاب الله - عز وجل - أوضح لنا أن السحر كفر وأن الساحر كافر، وأما في السنة على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليم فقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ". قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ قَالَ "الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّى يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ".[7]

فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالسحر بعد الشرك ليدلنا على خطورة أمره ومعنى الموبقات: المهلكات. فتعلم السحر وتعليمه واستعماله مهلك وموقع في الشرك والكفر بالله تعالى حتى لو تعلمه الإنسان ولم يعمل به، وليس هناك حديث ولا أثر بمعنى ما يفترى الناس على رسول الله أنه قال: تعلموا السحر ولا تعملوا به،لا، ما قال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ورد عنه، لا في كتب السنة ولا غيرها وقد نص أهل العلم على ما ذكرنا قال الإمام مالك -رحمه الله-: "إن تعلم السحر وتعليمه كفر وإن لم يعمل به.

قال العلامة الدردير: وهذا ظاهر إذ تعظيم الشياطين ونسبة الكائنات إليها لا يستطيع عاقل يؤمن بالله أن يقول فيه: إنه ليس بكفر. [8]

وقال الخرشي: "والمشهور أن تعلم السحر كفر وإن لم يعمل به". [9]

وقال ابن قدامة: إن تعلم السحر وتعليمه حرام ولا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم قال أصحابنا: ويكفر الساحر بتعلمه وفعله سواء اعتقد تحريمه أو إباحته. [10]

نعم - أيها الإخوة - .. ولا ريب فيما سمعتم من أقوال أهل العلم فإن السحر لا يتأتى إلا بالشرك وعبادة الشياطين والكواكب فأنى لهذا الإيمان وقد قال ربنا سبحانه ﴿ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ فنفى عنه الفلاح وأي خير فيه بعد ذلك يبقى، وأيضاً فقد قال القرآن عقب آية السحر التي في البقرة ﴿ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ فجعل الله تعالى ضد هذا الإيمان فعل السحر ولا شك أن هذا يدل على أن الساحر كافر.

ولذلك - أيها الإخوة - من عمل بالسحر كانت عقوبته في الشرع المطهر أن يقتل ضربة بالسيف كما ثبت ذلك عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وحفصة بنت عمر وعبد الله بن عمر وجندب بن عبد الله رضي الله عنهم ومعلوم أن دماء المسلمين محظورة لا يحل أبداً إراقتها إلا ما استثناه الشرع بقوله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة[11] وليس الساحر زانياً ولا قاتلاً فتعين أن يكون مرتداً ولذلك ثبت عن هؤلاء الصحابة أنهم قالوا: حد الساحر ضربة بالسيف كما جاء عن جندب.[12]

وفي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب إلى عماله أن اقتلوا كل ساحر وساحرة قال: فقتلنا ثلاث سواحر. [13]

وصح عن حفصة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم وبنت عمر أنها أمرت بقتل جارية سحرتها فقتلت [14] قال الإمام أحمد ورد ذلك عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الرغم من هذا - أيها الإخوة - على الرغم من أن الشرع شدد في حكم الساحر فعده كافراً وجعل حده القتل ضربة بالسيف وعلى الرغم من أن الإسلام شن حرباً لا هوادة فيها على السحر والسحرة والكهان وأشياعهم وجعل السحر من الموبقات وحارب كل مظاهر السحر والشعوذة، وبالتالي نظر المسلمون في أعصار الإسلام المتتابعة إلى السحروفاعليه نظرة احتقار وازدراء. وكانت سيوف الحكام في الخلافة الإسلامية تلاحق السحرة بالقتل، فكسدت سوق السحرة في صدر الخلافة الإسلامية، على الرغم من كل ذلك سرعان ما انتشرت مظاهر السحر والشعوذة في العالم الإسلامي بسبب البعد عن الله تعالى وانصراف ولاة الأمور عن حماية الدين وحراسته على يد مجموعة من غلاة المتصوفة والفلاسفة كما ذكر ابن خلدون في مقدمته[15]، وذلك بسبب ظهور الجهل بأحكام الشريعة الإسلامية، وسذاجة الكثير من المسلمين وجهلهم بأحوال هؤلاء السحرة والمشعوذين، وكذا بسبب تعطيل أحكام الله تعالى في السحرة، وفي هذا العصر تزداد ظاهرة السحر نفوذًا وانتشارًا، فأكثر شعوب العالم تقدمًا ماديًّا تجرى فيها طقوس السحر على نطاق واسع، وبطرق متنوعة، بل إن السحر قد واكب هذا التطور المادي، فأقيمت الجمعيات والمعاهد لتعليم السحر سواء عن طريق الانتظام أو الانتساب، كما نظمت المؤتمرات والندوات في هذا المجال. [16]

والذي يتابع أخبار السحرة والمشعوذين في بلادنا العربية والإسلامية يجد أن الأمر لا يقل سوءًا عما يحدث في بلدان العالم غير الإسلامي، مع أن المفروض أن لا يجد السحرة سوقًا رائجة لهم في بلاد الإسلام التي يحرم دينها ممارسته ويعده إحدى المحرمات والموبقات[17]

والسؤال المهم الذى ينبغي أن نشترك جميعا في الإجابة عليه: لماذا يروج السحر ويكثر السحرة في بلاد المسلمين؟والجواب بعد جلسة الاستراحة هذا وأستغفر الله لي ولكم.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20-08-2020, 04:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عالم السحر (1)

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأغنى وأقنى، وجعلنا من خير أمة تأمر وتنهى، والصلاة والسلام على خير الورى، وما ضل وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى.

أما بعد، فيا أيها الإخوة!
والسؤال المهم الذى ينبغي أن نشترك جميعا في الإجابة عليه: لماذا يروج السحر ويكثر السحرة في بلاد المسلمين؟
وللإجابة عنه يمكن رصد عدد من الأسباب، ومنها:
1- ضعف الإيمان فى نفوسنا أحيانا، إذ الإيمان دعامة كبرى، ووقاية عظمى من كل فتنة وشر ومكروه" وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ".

وفى الحديث: "إن الإيمان ليَخلََق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم" فحين يضعف الرجاء بالله، ويقل الخوف منه ويهتز جانب التوكل على الله، والرضاء لما قدر، واليقين بما قسم يتسامح بعض الناس بالذهاب للسحرة والمشعوذين فيزيدهم ذلك وهنا على وهنهم، وتستلب أموالهم وعقولهم.

2- الجهل بأحكام الشريعة، وما جاء فيها من زواجر عن الذهاب إلى هؤلاء السحرة والعرافين، وما ورد فى ذلك من ضرر على المعتقد والدين.

وهل يذهب إليهم من عرف وقدر قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة".

أما إن سألهم وصدقهم فالخطب أكبر، والخطر أعظم، فقد روى الحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" وعند البزار بسند صحيح عن ابن مسعود رضى الله عنه موقوفا قال: "من أتى كاهنا أو ساحرا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم".

3- سذاجة بعض المسلمين وجهلهم بحال أولئك السحرة والمشعوذين فتراهم يذهبون يستطبون عندهم، وأولئك لا يملكون من أنواع العلاج إلا ما يضر ولا ينفع، تخرصات وأوهام وفصد للعروق تسيل منه الدماء وتمتمات وطلاسهم وكتابات وربط تباع بغالي الأثمان، وهي لا تساوي فلسا عند أولي الألباب.

بل ولو ذهبت ترقب أحوال هؤلاء المشعوذين الدينية والخلقية لرأيت العجب العجاب، ولأيقنت أنهم أحوج الناس إلى العلاج والاستصلاح وإن نصبوا أنفسهم على هيئة الشيوخ وحذاق الأطباء؟

4- طغيان الحياة المادية المعاصرة قست له القلوب وجفت ينابيع الخير في أرواح كثير من الناس ونتج عن ذلك العقد النفسية والمشكلات الوهمية وارتفاع مؤشر القلق، وزاد الطين بلة ظن أولئك المرضى أن شفاءهم يتم على أيدي السحرة والمشعوذين، فراحوا يطرقون أبوابهم ويدفعون أموالهم وينتظرون الشفاء على أيديهم، فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار.

5- وباتت بعض بيوت المسلمين مرتعاً للشياطين يقل فيها ذكر الله، وقلَّ أن يقرأ فيها كتاب الله أو تردد فيها التعاويذ والأوراد الشرعية التي لا يستقر معها الشياطين، وفي مقابل ذلك تجد هذه البيوت ملأى بأنواع المنكرات المرئي منها والمسموع والصور العارية وغير العارية وألوان الكتب والمجلات السيئة، وقد لا تخلو من مأكول أو مشروب محرم، وهذه البيوت الخربة وإن كان ظاهرها العمران تصبح مأوى للشياطين وتصطاد أهلها وتصيبهم بالأدواء، فلا يجدون في ظنهم سبيلًا للخلاص إلا عن طريق السحر والشعوذة والكهانة، وهكذا يسري الداء، وكلما ابتعد الناس عن الله ومنهجه عظمت حيرتهم وكثر بلاؤهم، ووجد شياطين الجن والإنس لدجلهم رواجًا.

6- ضعف دور العلماء والمفكرين وأهل التربية في التحذير من السحرة وبيان الأضرار الناجمة عن الذهاب للمشعوذين والعرافين، وتلك وربي تستحق أن تعقد لها الندوات وأن تسلط عليها الأضواء في وسائل الإعلام المختلفة حتى يتم الوعي ولا يؤخذ الناس بالدجل.

7- وإذا عطل أو قلّ تنفيذ حكم الله في السحرة أو ضعف المتابعة لهم انتشروا وراج دجلهم وقد يكون من أسباب ذلك عدم الإثبات وضعف تعاون الناس فى البلاغ، إذ من الناس من يقل أو ينعدم خوفه من الله، فيسعى في الأرض مفسدًا إلا أن تردعه قوة أو يخاف الحد، ومن المعلوم أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وقد جاء فى حديث يصح وقفه - دون رفعه - "حد الساحر ضربة بالسيف" وينبغي أن يتعاون الناس في الرفع للجهات المسئولة لمن يثبت تعاطيه السحر.

استمرار المرض وضيق الصدر. وقلة الصبر وضعف الاحتساب للأجر عند الله. وكل ذلك قد يدفع البعض للذهاب لهؤلاء. وإن لم يكن مقتنعا فى البداية.

وربما أقنع نفسه أو أقنعه غيره أن ذلك من فعل الأسباب.

و الإنسان لاشك مأمور بفعل الأسباب. ولكنها الأسباب المشروعة دون المحرمة.

8- والدعاية الكاذبة سبب للرواج وذهاب لهؤلاء الدجالين، فقد يكتب الله شفاء لمريض على أيدي هؤلاء لتكون له فتنة.

فيطير بالخبر و ينشر في الآفاق الدعوة للذهاب لهؤلاء ليفتن غيره كما فتن، وبعض الناس لديه القابلية للتصديق لأي خبر دون تمحيص أو نظر في العواقب.

وهكذا يفتن الناس بعضهم بعضًا. و يكونون أداة للدعاية الكاذبة الخاسرة من حيث يشعرون أو لا يشعرون؟

أيها الإخوة!
هذه بعض الأسباب لرواج السحر والذهاب للسحرة، وقد يكون هناك غيرها.

ومن العدل و الإنصاف أن يقال: إنه على الرغم من انتشار السحر ووجود من يذهب إليهم، فثمة فئات من المسلمين يربأون بأنفسهم ومن تحت أيديهم عن الذهاب لهؤلاء الدجالين من السحرة والكهنة والعرافين والمشعوذين، يحميهم الدين، ويبصرهم العقل، وملاذهم التوكل واليقين، وزادهم الصبر و احتساب الأجر من رب العالمين، و تلك شموع تضيء، وهي نماذج للعلم والعقل والدين، جعلنا الله منهم وإخواننا المسلمين.[18]

وبعد أيها الإخوة! ما هو حكم إتيان السحرة والمشعوذين والكهان فإن كثيراً من المسلمين قد استهان بهذه المسألة ولا حول ولا قوة إلا بالله على الرغم من أن الشريعة شددت وعظمت وأنكرت على من فعل هذا تعظيماً وإنكاراً شديداً ففي الحديث الذي أخرجه أبو داود وغيره بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى حائضًا أو امرأة في دبرها، أو كاهنًا فصدقه، فقد كفر بما أنزل على محمد". [19]

وبعض الناس يقول: أنا لا أصدقه ولكنى آتيه للفرجة والترفيه ولا أصدقهم بالغيب بل أنا أعتقد بطلان السحر والسحرة فهذا أيضاً لا يخرج من الإثم بل عليه منه الكثير فإتيانه هذا حرام وهو من الكبائر لحديث حفصة الذي أخرجه مسلم أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أتى عرافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين ليلة"[20]

فسبحان الله يبقى أربعين يوماً لا يقبل الله منه صلاة واحدة. ولذلك كان الشرع حازماً في أمره حين قال النبي صلى الله عليه وسلم : "اجتنبوا السبع الموبقات الشرك بالله والسحر......"[21] فلم يقل لا تصدقوا السحرة وإنما قال: اجتنبوا وذلك لايحصل الا بأن نجتنبهم ونبتعد عنهم مطلقاً.

فاجتناب السحر واجب وتجنيبه لمن استرعانا الله آمانتهم واجب كذلك فلنتق الله فيما يشاهده أبناؤنا من أعمال السحرة والمشعوذين إما عن طريق التلفاز أو المشاهدة عياناً في بعض البلدان وذلك بقيام المشعوذ بعمل أعمال خفية فتصرف الأبصار إليها كإماتة طير وإحيائه أو إخراج الطائر من البيضة على يديه وهكذا ونحن نحتاج الى معرفة هل هذه الأشياء من ناحية الشرع تعد من السحر؛ فما حكم مشاهدة هذه الأشياء وهل هي من السحر؟

والجواب:هذه الأشياء ضرب من ضروب السحر وهو سحر التخييل الذي قدمنا الحديث عنه وهو يشبه سحر سحرة فرعون الذي قال الله فيه: ﴿ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾ (طه).

وقال فيه أيضا: ﴿ قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾ (الأعراف). [22]

فرؤية هذه الأعمال غير جائز يحرم على الإنسان رؤيتها وينبغي عليه أن يحذر أبناءه من مشاهدة هذه الأشياء.

ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 68].

وقوله تعالى للمؤمنين: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً ﴾ [النساء: 140].

نعم.. فكيف يقر المسلم بحضوره و مشاهدته الشرك بالله وهو أعظم المنكرات فى حين أنه مأمور أن ينكر المنكر لا أن يقره؟ كيف تروق للمسلم مشاهدة الكفر بالله وهو يتفرج وهو على يقين بأن هذه الخدمة من الشياطين للسحرة يعينونهم على ما يفعلونه لقاء ثمن دفعوه لهم هو الشرك بالله وعبادتهم والتقرب إليهم بالكفر فالعلاقة التي بين الساحر والشيطان - أيها الإخوة - علاقة معاوضة وعبودية فمن الساحر تذلل واستغاثة وخضوع ونظير ذلك يقوم الجني بإسداء بعض الخدمات لهذا الساحر فهو إذن اتفاق وعقد بين طرفين فمن الأول العبادة ومن الثاني التسلط والتنفيذ والإعانة.

"ولكن الثمن الذي يدفعه السحرة لقاء السحر الذي يحصلون عليه ثمن باهظ كبير، ذلك أنهم يدفعون في مقابل السحر أنفسهم، فلا يرضى الشيطان بأقل من العبودية له، وإذا دان العبد للشيطان فإنَّ نفسه تصبح خبيثة، وقلبه مظلمًا، وأخلاقه دنسة فاسدة، وتصرفاته معواجة هوجاء، فتراه دائمًا يغرس الشر حيثما حلَّ، ويشع في كل مكان وصل إليه خبث نفسه وسوء سلوكه..."[23] أ.هـ فياله من عوض بخس تافه، ويا لعظم الخسارة التي تنزل بأمثال هؤلاء؟!

فلنتق الله في أنفسنا وديننا ولننأى عن هذه المواطن حتى لا تزل أقدامنا فيما يهلكنا ويدمر حياتنا ويذهب بآخرتنا.

ولسائل فطن أن يسأل الآن هل هناك علامات يعرف بها الساحر؟:
والجواب: إن من رحمة الله بعباده أنه أوضح لهم بل كشف لهم خبايا أهل الزيغ والضلال من السحرة والمشعوذين ليكونوا منهم على حذر حتى أصبح العامي والجاهل يعرف الساحر من غيره.

فمن العلامات التي يمكننا أن نستدل بها على الساحر:
1. أنه يسأل المريض عن اسمه و اسم أمه.

2. أنه يأخذ أثراً من آثار المريض مثل ثوب، غترة، منديل، فانيلة، سروال، طاقية وغيرها من ملابس أو غيرها مما يستخدمه المصاب.

3. أحيانا يطلب حيواناً بصفات معينة ليذبحه ولا يذكر اسم الله عليه، وربما لطخ بدمه أماكن الألم من المريض أو يرمي به في مكان خرب.

4. كتابة الطلاسم والتعوذات الشركية.

5. تلاوة الطلاسم والعزائم غير المفهومة.

6. إعطاء المريض حجاباً يحتوي على مربعات بداخلها حروف أو أرقام.

7. أن يأمر المريض أن يعتزل الناس فترة معينة في غرفة لا تدخلها الشمس ويسميها العامة "الحجبة".

8. أحيانًا يطلب من المريض ألا يمس الماء مدة معينة غالباً تكون أربعين يومًا.

9. يعطي المريض أشياء يدفنها في الأرض.

10. يعطي المريض أوراقاً يحرقها ويتبخر بها.

11. يتمتم بكلام غير مفهوم وخارج تماماً عن اللغة العربية.

12. أحيانًا يخبر الساحر المريض باسمه واسم بلده ومشكلته التي جاء من أجلها بدون أن يذكر له المريض ذلك.

13. يكتب للمريض حروفاً مقطعة في ورقة "حجاب" أو في طبق من الخزف الأبيض ويأمر المريض بإذابته وشربه.

14. يقضي معظم الأوقات بعيداً عن الناس ولايعاملهم ولايتصل بهم لأنه دائماً يخلو بشيطانه الذي يسخره لأعمال سحرية أو إلحاق الضرر بالناس فإذا جاء إليه من يريد منه سحراً قام إليه.

15. أنه يدعي معرفة الأمراض بغير أسبابها المعتادة.

فهذه جملة من العلامات التي يُستدل بها على الساحر فعلى كل مسلم ومسلمة أن يتنبهوا لهذه العلامات وإلا وقعوا في المحظور وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ". [24]

وتبقى فراسة المؤمن تدله على الصالح والطالح فكما أن هناك من الناس من إذا رءوا ذكر الله فهناك من إذا رءوا عرفت فى وجوههم المعصية والذنوب، فالوجوه صحائف القلوب وكما قال الحسن: "إنهم وان هملجت بهم البغال وطقطقت بهم البراذين فإن ذل المعصية لا يفارق وجوههم أبد الدهر أبى الله إلا أن يذل من عصاه".

فلنحذر السحرة والسحر ولا نقربهم، وأظن الآن أن الوقت داهمنا ولم نجب عن السؤال الأخير من اللقاء ألا وهو كيف نحمي أنفسنا من السحرة وشرورهم وأرجئ الجواب عن هذا السؤال إلى الجمعة المقبلة إن قدر الله لنا اللقاء لنعرف كيف نتقي السحر قبل وقوعه وكيف نعالج المسحور بعد وقوع السحر عليه؟ وهل سحر النبي صلى الله عليه وسلم فعلاً؟ السؤال الذي رأيته ولازلت أراه يلح على الأذهان: كيف وهو رسول الله؟ وكيف سحر؟ ومن سحره؟ وكيف انجلى عنه السحر صلى الله عليه وسلم؟.......... إلى آخر هذه السؤالات المثيرة ونلتقى مع إجاباتها فى اللقاء القادم بمشيئة الله تعالى..

أسأل الله أن يحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بالله أن نغتال من تحتنا.... الدعاء


[1] عالم السحر والشعوذة (ص 7، وما بعدها)، للدكتور عمر الأشقر، بتصرف.

[2] المغني نقلا عن خطب الشيخ حسان (2/ 188).

[3] مقدمة ابن خلدون (2/ 194) نقلًا عن عون العلى الحميد (1/ 387)

[4] عالم السحر والشعوذة نقلا عن عون العلى الحميد(1/ 388).

[5] تفسير ابن كثير - (1 / 364).

[6] أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن - (4 / 112).

[7] أخرجه البخاري (2766) ومسلم (89).

[8] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (6/ 282)، نقلًا عن عون العلي الحميد 1/ 390. بتصرف.

[9] الخرشي على مختصر سيدي خليل (8/ 63)، نقلًا عن السابق.

[10] المغني (12/ 301).

[11] أخرجه البخاري (6878) ومسلم (1676).

[12] أخرجه البخاري في التاريخ (2/ 222) والبيهقي (8/ 136).

[13] أخرجه البخاري (3156).

[14] أخرجه عبد الله بن أحمد في مسائله (1543)، وعبد الرزاق (10/ 180).

[15] انظر: "المقدمة" لابن خلدون (2/ 193) وما بعدها.

[16] عالم السحر والشعوذة (55، 56).

[17] عون العلى الحميد (1/ 385).

[18]السحر حقيقته وحكمه، خطبة للشيخ سليمان حمد العودة.

[19] أخرجه أحمد (2/ 408) وأبو داود (3904) والترمذي (135)، وابن ماجه (639)، وصححه الألباني في آداب الزفاف (31)، الإرواء (2006)، المشكاة (551).

[20] أخرجه مسلم 5957.

[21] أخرجه البخاري (2766) وأخرجه مسلم (89).

[22] كيف تتخلص من السحر؟ (ص10) عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار.

[23] عالم السحر للأشقر (ص85) وما بعدها.

[24] كيف تتخلص من السحر؟ (ص11، 12) عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 98.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 96.25 كيلو بايت... تم توفير 2.18 كيلو بايت...بمعدل (2.21%)]