أجهزة التواصل.. هل نخرجها من بيوتنا؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-08-2020, 03:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي أجهزة التواصل.. هل نخرجها من بيوتنا؟

أجهزة التواصل.. هل نخرجها من بيوتنا؟


الشيخ عبدالله بن محمد البصري





أَمَّا بَعدُ، فَـ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].



أَيُّهَا المُسلِمُونَ، تَبَيَّنَ مِنَ الحَوَادِثِ الَّتِي جَرَت في بِلادِنَا لِبَعضِ المُنحَرِفِينَ فِكرِيًّا، أَنَّ اعتِنَاقَهُم تِلكَ الأَفكَارَ كَانَ مِن جِهَاتٍ خَارِجِيَّةٍ مَشبُوهَةٍ، تَوَصَّلُوا إِلَيهَا أَو تَوَصَّلَت هِيَ إِلَيهِم عَن طَرِيقِ الجَوَّالاتِ وَالأَجهِزَةِ الذَّكِيَّةِ وَالشَّبَكَاتِ. وَهُنَا فَكَّرَ بَعضُ الآبَاءِ وَالمُرَبِّينَ في ضَرُورَةِ إِخرَاجِ هَذِهِ الأَجهِزَةِ مِنَ مَنَازِلِهِم، اتِّقَاءً لِشَرِّهَا وَدَرءًا لِخَطَرِهَا، وَمَنعِ الأَبنَاءِ مِنِ استِعمَالِ الجَوَّالاتِ وَالتَّعَامُلِ مَعَ الأَجهِزَةِ الذَّكِيَّةِ، وَقَطعِ تَوَاصُلِهِم بِالشَّبَكَاتِ، فَهَل هَذَا حَلٌّ؟!



نَعَم، هُوَ حَلٌّ وَلا شَكَّ، وَلَكِنْ لِنَنظُرْ بِتَأَنٍّ وَتَعَقُّلٍ في مَدَى تَحَقُّقِهِ، وَلْنَسأَلْ أَنفُسَنَا: هَل كُلُّ مَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ حَلاًّ مِن جِهَةِ النَّظَرِ مُمكِنٌ مِن حَيثُ الوَاقِعِ وَالعَمَلِ؟! وَهَل عَادَ أَمرُ التَّربِيَةِ مُحتِمَلاً لِلمَنعِ وَالحَجزِ وَفَصلِ الأَبنَاءِ عَنِ الوَاقِعِ المُحِيطِ بِهِم؟! لِنَأْخُذْ مَثلاً مِن وَاقِعِنَا هَذِهِ السَّيَّارَةَ الَّتي نَركَبُهَا، أَلَيسَ لَهَا في الحَقِيقَةِ أَخطَارٌ وَأَضرَارٌ؟! أَوَلَيسَت بَعضُ حَوَادِثِهَا قَاتِلَةً مُمِيتَةً؟! أَوَلَيسَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ في بِلادِنَا جَرَّاءَ الحَوَادِثِ يَبلُغُونَ العَشَرَاتِ يَومِيًّا؟! أَوَلَيسَ لِكُلِّ بَيتٍ مِن مَصَائِبِهَا نَصِيبٌ إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ؟! فَهَل فَكَّرنَا يَومًا في مَنعِ أَبنَائِنَا مِن قِيَادَتِهَا أَو الحَيلُولَةِ بَينَهُم وَبَينَ رُكُوبِهَا؟! إِنَّنَا لم نَفعَلْ ذَلِكَ، وَلا يُظَنُّ أَنَّنَا سَنَفعَلُهُ، لمَاذَا؟! لِقَنَاعَتِنَا بِعَظِيمِ فَائِدَتِهَا وَجَلِيلِ نَفعِهَا، وَأَنَّهُ لا بُدَّ لَنَا مِنهَا، لِنَقضِيَ عَلَيهَا حَاجَاتٍ في نُفُوسِنَا، وَلِتَحمِلَ أَثقَالَنَا إِلى بَلَدٍ لم نَكُنْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ، وَلَكِنَّنَا دَائِمًا مَا نُنَبِّهُ أَبنَاءَنَا إِلى خَطَرِ هَذِهِ السَّيَّارَاتِ وَنُحَذِّرُهُم مِن مَغَبَّةِ سُوءِ استِعمَالِهَا، وَخَاصَّةً كُلَّمَا رَأَينَا حَادِثًا شَنِيعًا، ذَهَبَ ضَحِيَّتَهُ أَنفُسٌ وَتَأَثَّرَت بِهِ أَجسَادٌ، وَفُجِعَت بِسَبَبِهِ قُلُوبٌ وَبَكَت عُيُونٌ. وَهَكَذَا الأَمرُ مَعَ كُلِّ جِهَازٍ أَو أَدَاةٍ فِيهَا خَيرٌ وَشَرٌّ، أَو وَسِيلَةٍ فِيهَا نَفعٌ وَضَرَرٌ، لَن يَجِدَ العَاقِلُ مُسَوِّغًا لِمَنعِهَا وَتَجَنُّبِ استِعمَالِهَا، أَو عَدَمِ الاستِفَادَةِ مِنهَا بِحُجَّةِ أَنَّ فِيهَا شَرًّا وَضَرَرًا ؛ مَا دَامَ يَعلَمُ في المَقَابِلِ أَنَّ فِيهَا خَيرًا وَنَفعًا. وَهَذِهِ الأَجهِزَةُ وَتِلكَ الشَّبَكَاتُ، لَيسَت شَرًّا كُلَّهَا، بَل فِيهَا خَيرٌ كَثِيرٌ لِمَن أَحسَنَ التَّعَامُلَ مَعَهَا، فَكَم قُضِيَت بها مِن حَاجَاتٍ! وَكَم نُشِرَ بِوَاسِطَتِهَا مِن عِلمٍ ! وَكَم اختُصِرَ بها مِن وَقتٍ وَجُهدٍ!



غَيرَ أَنَّ القَضِيَّةَ الصَّعبَةَ حَقًّا، وَالَّتي عَلَيهَا مَدَارُ الأَمرِ وَفِيهَا يَختَلِفُ النَّاسُ وَيَتَفَاوَتُونَ، هِيَ قَضِيَّةُ الرَّقَابَةِ، نَعَم... الرَّقَابَةُ. فَبِالرَّقَابَةِ تُضبَطُ المَسأَلَةُ، وَتُحَاطُ بِسِيَاجٍ يَحمِي الأَبنَاءَ.



وَالرَّقَابَةُ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - كَمَا لا يَخفَى نَوعَانِ:

خَارِجِيَّةٌ، مَصدَرُهَا أَبٌ مُشفِقٌ أَو أُمٌّ رَؤُومٌ، أَو أَخٌ عَاقِلٌ أَو مُعَلِّمٌ مُحتَسِبٌ، أَو غَيرُهُم مِمَّن يَملِكُ شَيئًا مِنَ السُّلطَةِ تُخَوِّلُهُ بِذَلِكَ.



وَدَاخِلِيَّةٌ، وَهِيَ الَّتي تَنبُعُ مِن ذَاتِ الشَّخصِ وَتَنبَعِثُ مِن دَاخِلِ نَفسِهِ، وَذَلِكَ عِندَمَا يَحيَا في نَفسِهِ حُبُّ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَيَقوَى لَدَيهِ رَجَاءُ رِضوَانِ اللهِ وَالخَوفُ مِن عِقَابِهِ، وَالطَّمَعُ في الجَنَّةِ وَالفَزَعُ مِنَ النَّارِ، وَيَكُونُ في دَاخِلِ قَلبِهِ وَاعِظٌ يَزجُرُهُ عَن فِعلِ مَا لا يَجُوزُ وَمَا لا يَنبَغِي، وَدَافِعٌ يَأمُرُهُ بِإِتيَانِ النَّافِعِ وَتَقدِيمِ المُفِيدِ لِنَفسِهِ وَلِمُجتَمَعِهِ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ.



وَلا شَكَّ وَلا رَيبَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - أَنَّ هَذِهِ الأَخِيرَةَ أَهَمُّ، وَهِيَ أَولى أَن نَهتَمَّ بها وَنُقَوِّيَهَا، فَإِنْ لم يَكُنْ فَلا بُدَّ مِنَ الأُولى وَلا مَنَاصَ وَلا مَفَرَّ، وَإِلاَّ فَهُوَ الهَلاكُ المُحَقَّقُ، وَالقَتلُ البَطِيءُ لِنَفسٍ كَانَ الأَحَقُّ بها أَن تَحيَا سَوِيَّةً وَتَنفَعَ نَفسَهَا وَمُجتَمَعَهَا، وَتُسَاهِمَ في إِصلاحِ شَأنِ أُمَّتِهَا. وَفي الأَثَرِ عَن عُثمَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: " إِنَّ اللهَ يَزَعُ بِالسُّلطَانِ مَا لا يَزَعُ بِالقُرآنِ ".



أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ مِنَّا مَن يُسَلِّمُ لابنِهِ أَوِ ابنَتِهِ جَوَّالاً أَو حَاسِبًا، وَيَترُكُ لَهُ الحَبلَ عَلَى الغَارِبِ، وَلا يُكَلِّفُ نَفسَهُ بِتَقوِيَةِ أَيِّ مِن تِلكُمُ الرَّقَابَتَينِ، بَل إِنَّ مِنَّا مَن يَفرَحُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ الجِهَازُ يُخَلِّصُهُ مِنِ ابنِهِ أَو ابنَتِهِ، وَيُرِيحُهُ مِن لَعِبِهِ في البَيتِ وَشَقَائِهِ الطُّفُولِيِّ، وَيُكُفُّ عَنهُ أَسئِلَتَهُ وَجُلُوسَهُ بِجَانِبِهِ يَنظُرُ أَو يَسمَعُ مَا يَفعَلُهُ ذَلِكَ الأَبُ أَو يَتَكَلَّمُ بِهِ أَو يُشَاهِدُهُ، وَقَد يَهنَأُ الأَبُ لأَنَّ ابنَهُ عَادَ لا يَخرُجُ لِلشَّارِعِ، وَلا يَمشِي مَعَ أَصدِقَاءِ السُّوءِ، وَالبِنتَ لا تَخرُجُ لِلسُّوقِ وَلا تُخَالِطُ أَحَدًا، بَل هُمَا مُستَتِرَانِ في أَقصَى البَيتِ بَعِيدَانِ عَنِ الأَذَى، وَمَا عَلِمَ أَنَّهُمَا في عَالَمٍ آخَرَ، تُبنَى فِيهِ شَخصِيَّاتُهُمَا بِنَاءً مَغَايِرًا لِمَا عَلَيهِ أُسرَتُهُمَا وَمُجتَمَعُهُمَا، وَيَتَلَقَّيَانِ تَدرِيبَاتٍ مُبَاشِرَةً وَغَيرَ مُبَاشِرَةٍ، عَلَى أَفكَارٍ شَاطِحَةٍ وَأَخلاقٍ سَافِلَةٍ، وَيَتَشَرَّبَانِ عَادَاتٍ غَرِيبَةً وَسُلُوكًا مُنحَرِفًا، وَيُوشِكُ أَن يُزَاحَ السِّتَارُ يَومًا مَا عَن فَصلٍ آخَرَ مِن فُصُولِ مَسرَحِيَّةٍ قَد تَطُولُ وَقَد تَقصُرُ، وَلَكِنَّ نِهَايَتَهَا سَتَكُونُ مُفَاجِئَةً أَو فَاجِعَةً وَلا شَكَّ.



وَحِينَ نَدعُو لِمُرَاقَبَةِ الأَبنَاءِ وَالبَنَاتِ - أَيُّهَا الإِخوَةُ - فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَعني أَن يَدخُلَ الأَبُ في كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، أَو يَتَخَوَّنَ ابنَهُ أَوِ ابنَتَهُ، أَو يَقِفَ لَهُمَا بِالمِرصَادِ عِندَ كُلِّ حَرَكَةٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ قَد يَكُونُ مُتَعَذِّرًا وَاقِعًا، بَل قَد لا يَكُونُ سَائِغًا شَرعًا، وَفي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعَت عَورَاتِ المُسلِمِينَ أَفسَدتَهُم أَو كِدتَ تُفسِدُهُم " أَجَلْ - أَيُّهَا الإِخوَةُ - إِنَّ المُرَاقَبَةَ تَعني أَن يَكُونَ الأَبُّ مُحِيطًا بما حَولَهُ، وَاعِيًا لِمَا يَجرِي وَيَدُورُ، مُطَّلِعًا عَلَى تَصَرُّفَاتِ أَبنَائِهِ وَبَنَاتِهِ، لاحِظًا لِكَلِمَاتِهِمُ الَّتي يُرَدِّدُونَهَا وَعِبَارَاتِهِمُ الَّتي يَتَخَاطَبُونَ بها، وَطَرِيقَةَ تَعَامُلِهِم مَعَ مَن حَولَهُم وَمَا حَولَهُم. وَإِنَّ ثَمَّةَ أُمُورًا يَذكُرُهَا بَعضُ التَّربَوِيِّينَ وَالمُطَّلِعِينَ، تَستَدعِي أَن يَقِفَ الأَبُ مَعَ ابنِهِ إِذَا رَآهَا بَادِيَةً عَلَيهِ، مِن ذَلِكَ - أَيُّهَا الإِخوَةُ - تَعَمُّدُ تَركِ الصَّلاةِ في المَسَاجِدِ، وَكَثرَةُ انتِقَادِ الابنِ لِمَا حَولَهُ وَخَاصَّةً العُلَمَاءَ والمَسؤُولِينَ وَرِجَالَ الأَمنِ، وَالحِرصُ الزَّائِدُ عَلَى إِغلاقِ الجَوَّالِ أَوِ الحَاسِبِ وَقَفلِهِ أَو إِخفَائِهِ حَتى لا يُعرَفَ مَكَانُهُ أَو مَا يَحوِي، وَكَثرَةُ تَغيِيرِ شَرَائِحِ الجَوَّالِ بِلا سَبَبٍ وَلا مُسَوِّغٍ، أَوِ الخُرُوجُ مِنَ المَجلِسِ وَالابتِعَادُ عِندَمَا تَأتِيهِ مُكَالَمَةٌ حَتى لا تُسمَعَ، وَمَن ذَلِكَ أَن يُحَاوِلَ الابنُ أَلاَّ يَتَعَرَّفَ أَبُوهُ عَلَى أَصحَابِهِ، أَو لا يُرِيدَ مِنهُ أَن يَرَاهُم أَو يَجلِسَ مَعَهُم. فَإِذَا رَأَى الأَبُ عَلَى ابنِهِ شَيئًا مِن هَذَا، فَمَا أَجمَلَ أَن يَحرِصَ عَلَى الجُلُوسَ مَعَهُ، وَتَقوِيَةِ الاتِّصَالِ بِهِ، وَاصطِحَابِهِ كُلَّمَا سَنَحَت لَهُ فُرصَةٌ مُنَاسِبَةٌ، مَعَ إِضفَاءِ جَوٍّ مِنَ الأَبَوِيَّةِ وَالحَنَانِ وَالحُبِّ في دَاخِلِ الأُسرَةِ، وَتَركِ مَسَاحَةٍ مِنَ العَفوِيَّةِ وَالحُرِّيَّةِ لِلنِّقَاشِ وَالحِوَارِ وَالأَخذِ وَالعَطَاءِ، وَتَنَاوُلِ مَا في هَذِهِ الأَجهِزَةِ وَتِلكَ الشَّبَكَاتِ بِالحِوَارِ وَالمُدَارَسَةِ المُقنِعَةِ، بَعِيدًا عَنِ الشَّحنِ النَّفسِيِّ وَكَبتِ المَشَاعِرِ، نَعَم – أَيُّهَا الإِخوَةُ – لِيُحَاوِرِ الأَبُ أَبنَاءَهُ حِوَارًا يُخَاطِبُ عُقُولَهُم وَيُحَرِّكُ وِجدَانَهُم، وَلْيُحَصِّنْهُم بِجَرعَاتٍ قَلِيلَةٍ وَدَائِمَةٍ مِنَ النُّصحِ وَالتَّوجِيهِ ؛ فَإِنَّ فَقدَ الحِوَارِ بَينَ الآبَاءِ وَالأَبنَاءِ، وَضَعفَ التَّوَاصُلِ بَينَهُم، وَإِهمَالَهُم وَعَدَمَ الاعتِمَادِ عَلَيهِم في شَيءٍ، هُوَ الَّذِي أَنتَجَ لَنَا جِيلاً مِنَ الشَّبَابِ مُتَقَلِّبِي الشَّخصِيَّاتِ وَالأَمزِجَةِ، قَد يَنضَبِطُونَ قَلِيلاً أَمَامَنَا، فَإِذَا غَابُوا عَنَّا أَو خَلَوا بِأَجهِزَتِهِم أَو أَصحَابِهِم، ظَهَرُوا بِوُجُوهٍ أُخرَى وَأَخلاقٍ مُغَايِرَةٍ لِلَّتي هُم عَلَيهَا أَمَامَنَا ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].

♦♦♦♦




أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ أَبنَاءَنَا أَمَانَةٌ في أَعنَاقِنَا، وَمَا لم نَصحَبْهُم وَنَقتَرِبْ مِنهُم، وَنَحرِصْ عَلَى دَمجِهِم في المُجتَمَعِ وَرَبطِهِم بِأَعمَالٍ تَنفَعُهُم وَتَحفَظُ أَوقَاتَهُم، وَتَحمِيهِم مِن مَخَاطِرِ هَذَا السَّيلِ الجَارِفِ مِنَ الأَجهِزَةِ وَالشَّبَكَاتِ وَالبَرَامِجِ المُوَجَّهَةِ، فَسَيَصحَبُونَ غَيرَنَا، وَسَيَقتَرِبُ إِلَيهِم مَن لا يُرِيدُ بِهِم وَلا بِأُمَّتِهِم وَمُجتَمَعِهِم خَيرًا، وَسَيَختَلُونَ بِمَا يُدَمِّرُ عَقَائِدَهُم وَيُفسِدُ أَخلاقَهُم، فَالفَرَاغُ مِن أَخطَرِ مَا يُوَاجِهُ الشَّبَابَ في هَذَا العَصرِ، وَهُوَ مَعَ الغِنى وَالتَّرَفِ مِن أَشَدِّ مَا يُفسِدُ الشَّخصِيَّةَ وَيَجعَلُهَا تَذُوبُ في غَيرِهَا وَتُقَلِّدُ مَن سِوَاهَا.

إِنَّ الشَّبَابَ وَالفَرَاغَ وَالجِدَة ♦♦♦ مَفسَدَةٌ لِلمَرءِ أَيُّ مَفسَدَة



وَمَا لم تُشغَلِ الأَذهَانُ وَتُملأِ القُلُوبِ بِالحَقِّ وَالصَّوَابِ، فَإِنَّهَا سَتَشتَغِلُ بِالبَاطِلِ وَتأخُذُ في طَرِيقِ الخَطَأِ.




وَأَخِيرًا - أَيُّهَا المُؤمِنُونَ - فَمَهمَا اجتَهَدَ الآبَاءُ في إِصلاحِ أَبنَائِهِم وَحَرِصُوا عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لا وَسِيلَةَ هِيَ أَعظَمُ وَلا سَبَبَ أَكبَرُ تَأثِيرًا في الأَبنَاءِ مِن صَلاحِ الآبَاءِ في أَنفُسِهِم، وَتَقوَاهُم لِرَبِّهِم، وَلُجُوئِهِم إِلَيهِ بِالدُّعَاءِ بِصَلاحِ الأَبنَاءِ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 82] وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 56.84 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.93%)]