إياكم والغلو في الصالحين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4422 - عددالزوار : 859958 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3954 - عددالزوار : 394302 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12547 - عددالزوار : 216335 )           »          معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 7847 )           »          انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 70 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 98 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 74 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 70 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 76 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 70 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-08-2020, 04:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي إياكم والغلو في الصالحين

إياكم والغلو في الصالحين


أحمد الجوهري عبد الجواد





إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد أيها الإخوة:
فإن المؤمن الحق لا يكون كذلك حتى يدور مع الكتاب والسنة في كل أموره صغيرها وكبيرها، بل حتى يعرض ما في نفسه قبل أن يصير واقعاً وحالاً عليهما، فما وافقهما عمل به وما خالفهما اجتنبه وحذره، سواء في ذلك المألوفات وغيرها، فلا يحتج الإنسان على الشرع بالعادة فهذا شأن الكافرين الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 22].

لذا يجب على العبد النظر في كل ما نشأ عليه ويعرضه على الكتاب والسنة فما وافقهما استمر عليه وما خالفهما نبذه وطرحه، ومما نشأنا عليه فرأينا الناس تفعله وتداوم عليه بل وتصر عليه لمجرد الإلف والعادة مع أنه يخالف كتاب الله وسنة نبينا كل المخالفة ذلك الغلو في الصالحين سواء من الأولياء أو الأنبياء وتعالوا بنا نقرب من واقعنا بلا مزايدة على الحقيقة ولا استكبار عن الإقرار بالواقع نفتح هذا الملف الذي كانت ولا تزال قضيته هي مفتاح كل شرور على الموحدين في الأرض من لدن نوح بل وحتى إلى قيام الساعة كما سنرى الآن سوياً من خلال تطرقنا له.

وكما تعودنا فسوف ننظم سلك هذا الموضوع في العناصر المحددة التالية:
أولاً: الموحدون يؤمنون بالكرامة للأولياء كما يؤمنون بالمعجزات للأنبياء.
ثانياً: مخالفات مرذولة ومبالغات غير مقبولة.
ثالثاً: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم.

فأعيروني القلوب والأسماع - أيها الإخوة - والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

أولاً: الموحدون يؤمنون بالكرامات للأولياء كما يؤمنون بالمعجزات للأنبياء:
أيها الإخوة! إن من أصول أهل السنة والجماعة: الإيمان بكرامات الأولياء وإثباتها والتصديق بها واعتقاد أنها حق وذلك باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة، وقد دل عليها القرآن في غير موضع والأحاديث الصحيحة والآثار المتواترة عن الصحابة والتابعين وغيرهم، وما كان هذا شأنه كان لابد من الإيمان به واستحال إنكاره، ولذا أودع أئمة أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى هذا الأصل العظيم في كتبهم كأصل من أصول العقيدة وثوابت الإيمان.

قال الإمام الطحاوي في عقيدة أهل السنة والجماعة: "وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل، ولا نفضل أحداً من الأولياء على أحد من الأنبياء عليهم السلام ونقول: نبي واحد أفضل من جميع الأولياء، ونؤمن بما جاء من كراماتهم وصح عن الثقات من رواياتهم[1]

وقال عبد الواحد التيمي في كتابه الماتع: اعتقاد الإمام المبجل أحمد بن حنبل: وكان يذهب إلى جواز الكرامات للأولياء وينكر على من رد الكرامات ويضلله. [2]

وقال الإمام السفاريني في الدرة المضية في عقيدة أهل الفرقة المرضية:
وكل خارق أتى عن صالح
من تابع لشرعنا وناصح

فإنها من الكرامات التي
بها نقول فاقف للأدلة

ومن نفاها من ذوي الضلال
فقد أتى في ذاك بالمحال

فإنها شهيرة ولم تزل
في كل عصر يا شقا أهل الزللْ[3]



وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الواسطية: "ومن أصول أهل السنة: التصديق بكرامات الأولياء وما يُجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات، كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة وقد تواترت نصوص الكتاب والسنة ودلت الوقائع قديماً وحديثاً على وقوع كرامات الله لأوليائه المتبعين لهدي أنبيائهم". [4]

وهذا شيخ الإسلام ابن القيم عقد فصلاً كاملاً في كتابه الرائع: "الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام وإظهار محاسن الإسلام"، عقد فصلاً كاملاً في ما ظهر على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم من الكرامات الخارقة للعادات وبين أنها من جملة الآيات والمعجزات التي أيد الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فإن كل كرامة لولي إنما هي آية للنبي الذي يتبعه ذلك الولي.

فلتسمع الدنيا كلها ولتصغ الآذان جميعها، نعم نؤمن بالكرامات ولا ننفيها ونثبت الكرامات ولا نلغيها يثبتها أحمد بن حنبل ويثبتها ابن تيمية وابن القيم ويثبتها محمد عبد الوهاب ويثبتها السنية والسلفية هذا كلامهم - أيها الإخوة - ولم لا؟ وهو كلام ربنا الجليل ونبينا العظيم ونحن المؤمنون بكلام الله وكلام رسول الله.

ألم يقل الله تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [يونس: 62 - 64] هذه كرامات الأولياء.

ألم يقل الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 33 - 37]. هذه كرامات الأولياء.

ألم يقص الله علينا في القرآن قصة أصحاب الكهف وما حدث لهم من الكرامات؟!

ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ " بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ يَتَمَاشَوْنَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ، فَمَالُوا إِلَى غَارٍ فِى الْجَبَلِ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ، فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ انْظُرُوا أَعْمَالاً عَمِلْتُمُوهَا لِلَّهِ صَالِحَةً، فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يَفْرُجُهَا. فَقَالَ أَحَدُهُمُ اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَلِى صِبْيَةٌ صِغَارٌ كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ فَحَلَبْتُ بَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ وَلَدِى، وَإِنَّهُ نَاءَ بِي الشَّجَرُ فَمَا أَتَيْتُ حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَجِئْتُ بِالْحِلاَبِ فَقُمْتُ عِنْدَ رُؤوسِهِمَا، أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَ بِالصِّبْيَةِ قَبْلَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قدميَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، فَفَرَجَ اللَّهُ لَهُمْ فُرْجَةً حَتَّى يَرَوْنَ مِنْهَا السَّمَاءَ. وَقَالَ الثَّانِي اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِي ابْنَةُ عَمٍّ، أُحِبُّهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، فَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا، فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَسَعَيْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ، فَلَقِيتُهَا بِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ يَا عَبْدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ، وَلاَ تَفْتَحِ الْخَاتَمَ. فَقُمْتُ عَنْهَا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فَفَرَجَ لَهُمْ فُرْجَةً. وَقَالَ الآخَرُ اللَّهُمَّ إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ أَعْطِنِي حَقِّي. فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَقَّهُ، فَتَرَكَهُ وَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا، فَجَاءَنِي فَقَالَ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَظْلِمْنِي، وَأَعْطِنِي حَقِّي. فَقُلْتُ اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا. فَقَالَ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَهْزَأْ بِي. فَقُلْتُ إِنِّى لاَ أَهْزَأُ بِكَ، فَخُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَرَاعِيَهَا. فَأَخَذَهُ فَانْطَلَقَ بِهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ مَا بَقِىَ، فَفَرَجَ اللَّهُ عَنْهُمْ ". [5]

وهذا من الكرامات وقد ذكرها الله تعالى في قوله: ﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا ﴾ [الكهف: 9] وأصحاب الرقيم هم هؤلاء المذكورون في هذا الحديث.

ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : "إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لي وَلِيًّا من عادى أي من آذى أو حارب وليس من عاد من العودة والرجوع إلى الله "فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بشيء أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ التي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ التي يَمْشِى بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شيء أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ". [6]

وهذه أقوال أهل السنة والجماعة قدمناها في إثبات الكرامات للأولياء - أيها الإخوة - وعمليًّا لا تخلو كتب أهل السنة والسلف من كتب الحديث والسيرة وكتب التاريخ والتراجم من ذكر الكرامات عن أولياء الله الصالحين من السابقين واللاحقين ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتًا في سَحَابَةٍ اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ في حَرَّةٍ فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ فَقَالَ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ قَالَ فُلاَنٌ. لِلاِسْمِ الَّذِى سَمِعَ في السَّحَابَةِ فَقَالَ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ لِمَ تسألني عَنِ اسْمِى فَقَالَ إني سَمِعْتُ صَوْتًا في السَّحَابِ الَّذِى هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ لاِسْمِكَ فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا قَالَ أَمَّا إِذَا قُلْتَ هَذَا فَإِنّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ ".[7]

وها هم الصحابة وهم سادات الأولياء جرت على أيديهم الكرامات الكثيرة ومن ذلك: ما روى البخاري من حديث أنس - رضي الله عنه - أن رجلين خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، وَإِذَا نُورٌ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا حَتَّى تَفَرَّقَا، فَتَفَرَّقَ النُّورُ مَعَهُمَا. [8]

والرجلان - أيها الإخوة - هما الصحابيان الجليلان أسيد بن حضير وعباد بن بشر، وأسيد هذا أيضاً هو الذي تنزلت السكينة لقراءته القرآن ففي مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن أسيد بن حضير - رضي الله عنه - وعن أبي سعيد - بينما هو ليلة يقرأ القرآن في مربده إِذْ جَالَتْ فَرَسُهُ فَقَرَأَ ثُمَّ جَالَتْ أُخْرَى فَقَرَأَ ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا قَالَ أُسَيْدٌ فَخَشِيتُ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فَوْقَ رَأْسِي فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ عَرَجَتْ فِي الْجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا - قَالَ - فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيْنَمَا أَنَا الْبَارِحَةَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ أَقْرَأُ فِى مِرْبَدِي إِذْ جَالَتْ فَرَسِى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -" اقرأ ابْنَ حُضَيْرٍ ". قَالَ فَقَرَأْتُ ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -" اقرأ ابْنَ حُضَيْرٍ ". قَالَ فَقَرَأْتُ ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -" اقرأ ابْنَ حُضَيْرٍ "، قَالَ فَانْصَرَفْتُ. وَكَانَ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا خَشِيتُ أَنْ تَطَأَهُ فَرَأَيْتُ مِثْلَ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ عَرَجَتْ فِى الْجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -" تِلْكَ الْمَلاَئِكَةُ كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ وَلَوْ قَرَأْتَ لأَصْبَحَتْ يَرَاهَا النَّاسُ مَا تَسْتَتِرُ مِنْهُمْ ".[9]

ومن أروع ما قرأت ما روى أبو نعيم في الحلية عن أبي البختري قال: "بينما أبو الدرداء يوقد تحت قدر له وسلمان رضي الله تعالى عنه عنده إذ سمع أبو الدرداء في القدر صوتاً، ثم ارتفع الصوت بتسبيحه كهيئة صوت الصبي قال ثم ندرت –أى: وقعت- فانكفأت ثم رجعت إلى مكانها لم ينصب منها شيء فجعل أبو الدرداء ينادي: يا سلمان انظر إلى العجب، انظر إلى ما لم تنظر إلى مثله أنت ولا أبوك، فقال سلمان: أما إنك لو سكت لسمعت من آيات الله الكبرى، فكان أبو الدرداء إذا كتب إلى سلمان أو سلمان كتب إلى أبي الدرداء كتب إليه يذكره بآية الصحفة[10]

ومن ينابيع الكرامة ما فاض فكثر وتوارد فتواتر على أيدي التابعين وقد كانت حاجتهم إلى ذلك أكثر من حاجة الصحابة إليها فقد رأى الصحابة المعجزات وشهدوا تنزل الآيات فكثرت الكرامات في التابعين عنها في الصحابة لذلك، ومن صحيح ما يروى في كرامات التابعين ما روى مسلم في صحيحه من حديث أسيد بن جابر قال كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد من أهل اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر حتى أتى على أويس فقال أنت أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ نَعَمْ. قَالَ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ قَالَ نَعَمْ. قَالَ لَكَ وَالِدَةٌ قَالَ نَعَمْ. قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ " يأتي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ ". فَاسْتَغْفِرْ لي. فَاسْتَغْفَرَ لَهُ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ الْكُوفَةَ. قَالَ أَلاَ أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا قَالَ أَكُونُ في غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَىَّ. قَالَ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَوَافَقَ عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ قَالَ تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ قَلِيلَ الْمَتَاعِ. قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ " يأتي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ ". فَأَتَى أُوَيْسًا فَقَالَ اسْتَغْفِرْ لي. قَالَ أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لي. قَالَ اسْتَغْفِرْ لي. قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لي. قَالَ لَقِيتَ عُمَرَ قَالَ نَعَمْ. فَاسْتَغْفَرَ لَهُ. فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ. قَالَ أُسَيْرٌ وَكَسَوْتُهُ بُرْدَةً فَكَانَ كُلَّمَا رَآهُ إِنْسَانٌ قَالَ مِنْ أَيْنَ لأُوَيْسٍ هَذِهِ الْبُرْدَةُ [11]

ومن الكرامات والشيء بالشيء يذكر ما حدث لعمر - رضي الله عنه - نفسه فيما ذكره ابن الأثير في أسد الغابة عن ابن عمر، عن أبيه: أنه كان يخطب يوم الجمعة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرض له في خطبته أن قال: "يا سارية بن حصن، الجبل الجبل - من استرعى الذئب ظلم". فتلفت الناس بعضهم إلى بعض، فقال علي: صدق، والله ليخرجن مما قال. فلما فرغ من صلاته قال له علي: ما شيء سنح لك في خطبتك؟ قال: وما هو؟ قال: قولك: "يا سارية، الجبل الجبل، من استرعى الذئب ظلم" قال: وهل كان ذلك مني؟ قال: نعم، وجميع أهل المسجد قد سمعوه. قال: إنه وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا، فركبوا أكتافهم، وأنهم يمرون بجبل، فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوا وقد ظفروا، وإن جاوزوا هلكوا، فخرج مني ما تزعم أنك سمعته. قال: فجاء البشير بالفتح بعد شهر، فذكر أنه سُمع في ذلك اليوم في تلك الساعة، حين جاوزوا الجبل صوت يشبه صوت عمر، يقول: "يا سارية بن حصن، الجبل الجبل" قال: فعدلنا إليه، ففتح الله علينا. [12]

ولا زالت الكرامات - أيها الإخوة - في هذه الأمة يتحف الله بها أهلها جيلاً بعد جيل ولا تنقطع إلى قيام الساعة وهذا كله من كرامة الأمة على ربها ومن قبل ذلك من كرامة نبي الأمة صلى الله عليه وسلم على ربه.

ومن عجيب ما اطلعت عليه في هذا الصدد ما ذكره الحافظ ابن كثير في التفسير في تفسير سورة الحجرات قال روى ابن جرير: عن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس، قال: لما نزلت هذه الآية: ﴿ لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ ﴾ قال: قعد ثابت بن قيس في الطريق يبكي، قال: فمر به عاصم بن عدي من بني العَجلان، فقال: ما يبكيك يا ثابت؟ قال: هذه الآية، أتخوف أن تكون نزلت فيَّ وأنا صيَّت، رفيع الصوت. قال: فمضى عاصم بن عدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وغلبه البكاء، فأتى امرأته جميلة ابنة عبد الله بن أبي بن سلول فقال لها: إذا دخلتُ بيت فَرَسي فشدّي عَلَيّ الضبَّة بمسمار فضربته بمسمار حتى إذا خرج عَطَفه، وقال: لا أخرج حتى يتوفاني الله، عز وجل ، أو يرضى عني رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وأتى عاصم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره، فقال: "اذهب فادعه لي". فجاء عاصم إلى المكان فلم يجده، فجاء إلى أهله فوجده في بيت الفَرَس، فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك. فقال: اكسر الضبة. قال: فخرجا فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك يا ثابت؟". فقال: أنا صيت وأتخوف أن تكون هذه الآية نزلت في: ﴿ لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ ﴾. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما ترضى أن تَعِيش حَميدًا، وتقتل شهيدًا، وتدخل الجنة؟". فقال: رضيت ببشرى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أرفع صوتي أبدًا على صوت النبي صلى الله عليه وسلم. قال: وأنزل الله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ﴾.

وجاء في بعض الروايات عن أنس قال: فكنا نراه يمشي بين أظهرنا رَجلٌ من أهل الجنة.

فماذا حدث له بعد موته؟ جاء في سير أعلام النبلاء عن أنس أن ثابت بن قيس جاء يوم اليمامة، وقد تحنط، ولبس ثوبين أبيضين، فكفن فيهما، وقد انهزم القوم، فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء يعنى المشركين، وأعتذر من صنيع هؤلاء يعنى المسلمين، ثم قال: بئس ما عودتم أقرانكم! خلوا بيننا وبينهم ساعة، فحمل، فقاتل حتى قتل، وكانت درعه قد سرقت، فرآه رجل في النوم، فقال له: إنها في قدر تحت إكاف، بمكان كذا وكذا، وأوصاه بوصايا، فنظروا فوجدوا الدرع كما قال، وأنفذوا وصاياه.[13]

فهذا - أيها الإخوة - هو الرجل الوحيد الذى أوصى في المنام بعد موته ونفذت وصيته على يد الصديق أبى بكر رضى الله عنه وعن باقي الأصحاب.

واقرأ معي ما حدث للتابعي الجليل أبي مسلم الخولاني - رحمه الله - تعالى فقد ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء عن عطاء الخراساني، أن امرأة أبي مسلم قالت: ليس لنا دقيق.

فقال: هل عندك شيء؟ قالت: درهم بعنا به غزلًا.

قال: ابغينيه وهات الجراب، فدخل السوق، فأتاه سائل، وألح، فأعطاه الدرهم، وملأ الجراب نشارة مع تراب، وأتى وقلبه مرعوب منها، وذهب، ففتحته، فإذا به دقيق حوارى [14] أي: أبيض صافي، قال: فعجنت وخبزت، فلما جاء ليلا، وضعت له الطعام، فقال: من أين هذا؟ قالت: من الدقيق، فأكل وبكى. [15]

إذاً فالكرامات ثابتة مستقرة لأولياء الله نؤمن بها ونقر، كما أن المعجزات ثابتة مستقرة لأنبياء الله نؤمن بها ونقر، لكن- أيها الإخوة- ينبغي أن توضع هذه الكرامات في مكانها الشرعي الصحيح دون زيادة بها أو نقصان وهذا هو عنصرنا الثاني من عناصر اللقاء:

مخالفات مرذولة ومبالغات غير مقبولة:
أيها الإخوة! الولي عبد كريم على ربه نال كرامته من عبوديته، فلا ينبغي على الإطلاق أن يزعم ذلك العبد أو يُزعَم فيه ما يهز هذا السبب، لأن باهتزازه حتماً تهتز مكانته التي تبوأها بهذا السبب، فتضيع هذه المكانة، ولذا كان من عقيدة أهل السنة والجماعة أن للكرامة شروطاً حتى تكون فعلاً كرامة وإلا كانت استدراجاً وإهانة، كما في الحديث الذي أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح كما في صحيح الجامع من حديث عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيت الله يُعْطِي العبدَ من الدنيا على مَعاصيه ما يُحِبُّ، فإنما هو اسْتِدْرَاج". ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾}. [16]

نعم للكرامة شروط وآداب حتى تكون كرامة وإلا تحولت إلى استدراج وإهانة فمن شرائط الكرامة ألا تخرج عن الشرع المطهر فلا تحل حراماً أو تحرم حلالًا فمن انقطع عن الصلاة بزعم أنه وصل إلى حد اليقين وأن الله تعالى يقول ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99] ويقول هذا الذي لم يفهم عن الله مراده: خلاص أنا وصلت إلى حد اليقين ويزعم من هنا أنه أسقطت عنه التكاليف فيترك الصلاة ويشرب الخمر ويزني ويأتي المنكرات ويدع الواجبات ويسمونه ولي، نعم والله يسمونه ولى، لقد صمت أذناي وأنا أسمع رجلاً يشغل أحد أخطر المنصبين الدينيين في بلدنا وهو يحكي قصة شيخ من شيوخه العظام الكبار الذي يسلك عندهم في سلك كبار الأولياء، هذا الولي دخلت عليه امرأة جميلة تسأله وتستفتيه فأشار إليها ذلك الولي إلى حجرة عنده واستجابت المرأة للإشارة فدخلت الحجرة ودخل الولي! وراءها وأغلق الباب وبعد زمان خرجا فلما خرج لم يجد أحداً من طلابه إلا واحداً فقال: أين إخوانك، أين الطلبة؟ قال: ذهبوا جميعاً قال: ولم؟ قال لما دخلت بالمرأة الحجرة وخلوت بها نفروا وذهبوا مغضبين، قال: وأنت ما أجلسك؟ يقول الشيخ القاصُّ: فقال له الطالب: أسخن لك الماء، جلس يسخن له الماء فقال: ولماذا ما ذهبت مع زملائك؟ قال: ما اتبعتك على أنك نبي؟ ثم أردف الشيخ الكبير القصة ليداري ويوارى عوارها بقوله: قيل لعبد القادر: أيزني الولي؟ قال: "وكان أمر الله قدراً مقدورًا"، ثم قال الشيخ الكبير!: وتلميذ المرسي أبي العباس ضبطوه يزني بامرأة فذهبوا ليمسكوه فأفلت فلاحقوه حتى أتى على شاطئ فمشى في البحر على الماء، فما استطاعوا أن يمشوا وراءه وذهبوا إلى المرسي أبي العباس وقالوا: كيف يزني ويمشي على الماء؟ فقال: "إن الكريم إذا وهب ما سلب".

أهذا كلام يعقل يا أولي الألباب؟ وهل مثل هذه السخافات تعد كرامات؟ إن الكرامة لا تكون لعاص أبداً، إنما هذه إهانة ومذلة من الله لمن عصاه واستدراج له من الله.

فمن شرائط الكرامة أن لاتحل حرامًا ولاتحرم حلالًا، ذلك أن الولى تابع للشرع الذى جاء به النبى صلى الله عليه وسلم .

ومن شرائط الكرامة أن تكون لحي يرزق بين الأحياء أو ميت لكن يبلغ بها عن طريق حي، لكن الميت لا يظهر كرامة بنفسه فليس هناك ميت مثلًا يستعصي أو يتأبى على حاملي نعشه يقول بلسان حاله لحامليه: لا تذهبوا بي إلى القبور واذهبوا بي إلى المسجد لتدفنوني فيه، أو يرغمهم بالقوة على ذلك، هذه ليست كرامة وإنما هي حيلة وجريمة شيطانية، إذ كيف تكون كرامة وقد نهى النبي أن تتخذ المساجد قبوراً وأن ندفن فيها موتانا ولعن الذي يفعل ذلك كما روى البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". قالت عائشة: يحذر ما صنعوا. [17]

وليس هناك نعش يطير في الهواء إنما الميت الكريم على ربه يدفن في الأرض كما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الخلق وكما دفن الأنبياء والصحابة والأئمة بين قبور المسلمين هذه كلها لا تكون كرامات بل إهانات.

ومن شرائط الكرامة أيضاً: أن تكون لحاجة فالكرامة ليست ألعوبة في يد الذي تجري على يديه إنما يعطيها الله إياه في وقت يحتاجها بل في وقت أشد ما يكون حاجة إليها أما ما سوى ذلك فلا؛ كما صاح عمر بن الخطاب رضي الله عنه "يا سارية الجبل الجبل"تلك الصيحة نجت بها جيوش المسلمين من بين فكي أعداء الله الكافرين وكما نجا أبو مسلم الخولاني من نار الأسود العنسي حين كان وحده ولم يكن به طاقة للدفاع عن نفسه.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17-08-2020, 04:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: إياكم والغلو في الصالحين



والإمام القرطبي - رحمه الله تعالى - يذكر في تفسيره عند قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا ﴾ [الإسراء: 45] قال: ولقد اتفق لي ببلادنا الأندلس بحصن "منثور" من أعمال قرطبة شيء من الكرامة، وذلك أني هربت أمام العدو وانحزت إلى ناحية عنه، فلم ألبث أن خرج في طلبي فارسان وأنا في فضاء من الأرض قاعد ليس يسترني عنهما شيء وأنا أقرأ أول سورة يس وغير ذلك من القرآن فعبرا علي ثم رجعا من حيث جاءا وأحدهما يقول للآخر: هذا ديبكه، يعنون شيطاناً، وأعمى الله عز وجل أبصارهم فلم يروني، والحمد لله حمداً كثيراً على ذلك.[18]

ويقص الحافظ ابن عساكر في كتابه العظيم تاريخ دمشق كرامة لولي من الأولياء هو عبد الواحد بن واقد فيقول: حدثني محمد بن إسماعيل الفرغاني قال: كنت مع عبد الواحد بن واقد فخرجنا نحو الزبداني – مكان- فإذا نبطية معها حمارة قد سخرها جندي فلما خلي بها راودها عن نفسها فمنعه عبد الواحد من ذلك، وقال: دع المرأة فأبى ولح فغضب عبد الواحد من ذلك غضبًا شديدًا وقال: ويلك دع المرأة فأبى وقال لغلمانه: خذوه أي يأخذوا عبد الواحد، فالتفت إليه عبد الواحد وقال: يا أرض خذيه فأخذته الأرض ومضت المرأة يقول الفرغاني: فقلت له: لا أصحبك فقال: ولم؟ قلت: أنا بشر لا آمن أن أزل زلة فتفعل بي مثل ما رأيت فقال: يا أبا بكر ما هذا حالي ولكن الله أراد أن يريكم آية. [19]

ولذلك - أيها الإخوة - فمن آداب الكرامة الاستتار بها وعدم المراءاة بإظهارها إلا إذا كانت هناك حاجة تدعو إلى إظهارها فيظهرها صاحبها ولذلك قالوا: إن الولي يستتر من كرامته كما تستتر المرأة من حيضتها، وكانوا يقولون: "كل ما ظهر من عملنا لا نعده شيئاً" فإذا تحقق لدى الناس صدق ولاية من ظهرت ولايته لحفاظه على الواجبات وتركه وهجره لسائر المنكرات وجب عليهم أن يتعاملوا معه أيضاً بحدود الشرع دون مبالغة أو إطراء فيقفون به عند حده، إن هو إلا عبد أنعم الله عليه وجعله مثلاً وقدوة تحتذى فيهم، فليعرفوا له مكانته وليقتدوا به في عمله، هذا هو الحد الشرعي للولي سواء كان حيّاً أو ميتاً، أما المبالغات والغلو والإطراء والمزايدة على ما ذكرنا فكل ذلك مرفوض في دين الله عز وجل ، لأن أصحابه هالكون بتنطعهم وغلوهم ذلك، هلك من سبق ويهلك من لحق بالغلو في الصالحين كما بيّن ذلك خير بيان سيد الأنبياء والمرسلين، نعم لا يجوز الغلو في أحد من الأولياء بل ولا الأنبياء بل ولا سيدهم وإمامهم ومسك ختامهم المصطفى عليه الصلاة وأتم التسليم، والأدلة على ذلك متوافرة متكاثرة.

نحن لا نلقى بالكلام جزافًا ولا نطلقه عبثًا بل هذا ما علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

روى البخاري ومسلم من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم وإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله".[20]

قال الإمام القرطبي معناه: لا تصفوني بما ليس فيّ من الصفات تلتمسون بذلك مدحي، كما وصفت النصارى عيسى بما لم يكن فيه، فنسبوه إلى أنه ابن الله فكفروا بذلك وضلوا وهذا يقتضي أن من رفع امرءًاً فوق حده وتجاوز مقداره بما ليس فيه فمعتد وآثم لأن ذلك لو جاز في أحد لكان أولى الخلق بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ولا يتعللن أحد بأنه يعظم بذلك الغلو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن التعظيم محله القلب واللسان والجوارح، والتعظيم النافع هو تصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر وطاعته فيما أمر والانتهاء عما نهى عنه وزجر، والموالاة والمعاداة والحب والبغض لأجله، وتحكيمه وحده والرضا بحكمه، وألا يتخذ من دون شرعه شرع ولا قانون، وإنما يكون بالتحاكم إلى أقواله فما وافقها من قوله صلى الله عليه وسلم قبله وما خالفها رده وأعرض عنه.

فهل هؤلاء المطرون الذين يغالون في رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك؟ اللهم لا.

فإن من قال:
ومن تك برسول الله نصرته إن تلقه الأسد في آجامها تجم
ولقد ترى من ولى غير منتصر به ولا من عدو غير منفصم
ليس كذلك.

ومن قال:
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم

ليس كذلك أيضاًَ.

هؤلاء جميعاً لا يعرفون قدر المصطفى ولا يعرفون رسالته، فإنه نهى عن الإطراء والغلو فيه وفي غيره.

روى الإمام أحمد بسند صحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو"[21]

يحذر صلى الله عليه وسلم من الغلو في كل شيء في الاعتقاد وفي العمل وفي العادة وفي الأشخاص وفي الهيئات، لأنه هو الداء العضال الذي ضرب الأمم السابقة بسهام الهلاك والقتل والضياع ضاعت بسبب الغلو أمم فقد غلت أمة نوح في الصالحين فهلكت، وغلت اليهود في عزير فهلكوا، وغلت النصارى في عيسى فهلكوا، قال تعالى عن قوم نوح: ﴿ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا ﴾.

وفي الصحيح عن ابن عباس في هذه الآية قال: "أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِى كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا، وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ....". [22]

وقال ابن القيم: "قال غير واحد من السلف: لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم". [23]

وقال تعالى عن حال اليهود مع العبد الصالح عزير، والنصارى مع نبي الله عيسى عليه وإخوانه النبيين أفضل الصلاة وأتم التسليم: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: 30]، ولا زال الغلو في الأمم يبيدها ويحيق بها اللعنات المتتالية من رب الأرض والسموات.

قال الله عز وجل : ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا * لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [النساء: 171 - 173].

يا قوم! اتبعوا ولا تبتدعوا وعليكم بالكتاب والسنة، هذا هو الطريق هذا هو الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، أن نلزم ما كان عليه السلف الأول على نهج محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه عليهم رضوان الله أجمعين فدعوا عنكم بنيات الطريق، هذه معالم الطريق واضحة، دعوا الغلو في القبور، دعوا الغلو في الأولياء والصالحين دعو الغلو في الأضرحة والمقامات، إن قرون الإسلام المتتالية من بعد النبي صلى الله عليه وسلم عشرة قرون لم تعرف قبراً يزار إلا للعظة ولا ضريحاً يؤتى إلا للدعاء لصاحبه لا يعرفون مطلقًا ميتاً يدعى ويرجى ويتوسل به بل أبناؤه وذريته يعملون الأعمال الصالحة لتجري عليه في قبره صدقة جارية من الأحياء عليه، ثم جاءت هذه الآفات التي أخذت بالمسلمين من الطريق الصحيح إلى عوج الطريق فكان الحال ما نرى، ضعف ثقة وخور همة، وانخرام عزيمة ومروءة، وذلة وهوان وضعة أمام أعداء الله تعالى بسبب بعدنا عن حقيقة ديننا.

والحل.. اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء:
أيها الإخوة! إن النصر والفرج واليسر والخير كله يرجى من الله، والله لا يحتاج منا إلى واسطة فعليكم بالقرآن العظيم والسنة المطهرة فهما خير دليل على طريق الله وإياكم والغلو في الصالحين فإنه الهلاك المبين لكن ما هو الدواء لهذه المسألة مسألة الغلو في القبور والغلو في الصالحين والجواب بعد جلسة الاستراحة أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأغنى وأقنى، وجعلنا من خير أمة تأمر وتنهى، والصلاة والسلام على خير الورى، وما ضل وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى.

أما بعد.. فيا أيها الإخوة!
لا ينكر منصف عاقل أن الغلو في القبور بشتى صوره وأنواعه قد عمّ وطمَّ في غالب البلاد، وتلبس بهذه المظاهر الشركية وطرائقها الكثير من الناس، وصارت هذه القبور مزارات بل و(مشاعر) يقصدها الناس، ويشدون إليها الرحال من سائر الأمصار؛ وسدنة هذه الأضرحة وعلماء الضلالة يزيّنون الشرك للعامة بشتى أنواع الدعاوى والشبهات، ويأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله - تعالى -.

إنها وثنية في ثوب جديد تحتاج إلى وقفة صادقة من كل مخلص صادق، وإن على المنتسبين للعلم والدعوة واجباً كبيراً تجاه هذا التيار الوثني الذى يسرى في الأمة سريان النار في الهشيم، ونشير في عجالة سريعة إلى بعض الأمور التي تسهم في حل وعلاج هذه الظاهرة.

فمن هذه الأمور:
أولًا- الدعوة إلى التوحيد من العلماء والدعاة وطلاب العلم في تلك المجتمعات المولعة بتعظيم القبور والغلو فيها، وأن يجتهدوا في تجلية مفهوم التوحيد - من خلال القصص القرآني وضرب الأمثال - وضرورة تعلق القلب بالله - سبحانه وتعالى -، وأن الله - عز وجل - هو المتفرد بالنفع والضر والخلق والتدبير، ومن ثَمّ فهو المألوه المعبود الذي تألهه القلوب محبة وإجلالاً وخشية ورجاءً.

وبيان عجز المخلوقين وضعفهم، وأنهم لا يملكون لأنفسهم - فضلاً عن غيرهم - نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.

وإلى تحبيب هذا التوحيد إلى الناس من خلال الحديث عن فضائل التوحيد وبيان ثمراته وآثاره، وأخبار الأنبياء - عليهم السلام - والصالحين الذين حققوا التوحيد، كما ينبغي الاهتمام بإظهار أثر التوحيد على الحياة العامة.

ثانيًا- تربية الأمة عموماً - وهذه المجتمعات المعظمة للقبور خصوصاً - على أهمية التسليم لنصوص الكتاب والسنة والتحاكم إليها وانشراح الصدر لها.

يقول سبحانه: ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [النساء: 65].

وإذا كان طواغيت هذا العصر يفرضون على الناس احترام الشرعية الدولية والإذعان والتسليم لقرارات الأمم المتحدة؛ فإن علينا - معشرَ الدعاة إلى الله - أن ندعو المسلمين إلى ما أوجبه الله عليهم من التسليم والانقياد لنصوص الوحيين وعدم معارضتها بأي نوع من المعارضات سواءً أكان تقليداً، أو معقولاً، أو ذوقاً، أو سياسة أو غيره؛ فالإيمان مبني على التسليم لله - تعالى - والإذعان لشرعه[24]

يقول أبو الزناد - رحمه الله -: (إن السنن لا تخاصم ولا ينبغي لها أن تتبع بالرأي، ولو فعل الناس ذلك لم يمضِ يوم إلا انتقلوا من دين إلى دين، ولكنه ينبغي للسنن أن تُلزَم ويُتمسك بها على ما وافق الرأي أو خالفه)[25]

ثالثًا- الدعوة إلى الالتزام بالشرع والعمل بالسنة؛ فإن إظهار السنن والتمسك بها يستلزم زوال البدع واندثارها، وكذا العكس فإنه ما ظهرت بدعة إلا رفع مثلها من السنة، والنفوس إن لم تشتغل بسنة وتوحيد؛ فإنها ستشتغل ببدعة وشرك؛ فالنفوس خلقت لتعمل لا لتترك[26].

وقد تتثاقل النفوس تجاه الالتزام بالأحكام الشرعية، وتنشط تجاه ما أحدثته من بدع ومحدثات، ومن ثم يتعين على دعاة الإصلاح أن يأخذوا على أيدي هؤلاء ويذكّروهم بفضل التمسك بالشرائع، وأن هذه الشرائع غذاء وروح، وقرة عين وسرور قلب[27] يقول أبو الوفاء ابن عقيل - متحدثاً عن تلك النفوس المتثاقلة تجاه الشرائع -:
(لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم؛ إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم، قال: وهم كفار عندي بهذه الأوضاع، مثل: تعظيم القبور وإكرامها بما نهى الشرع عنه، ومن: إيقاد النيران، وتقبيلها، وخطاب الموتى بالألواح، وكتب الرقاع فيها: يا مولاي افعل بي كذا وكذا...)[28]

رابعًا- الدعوة إلى تدبر آيات القرآن الحكيم، والحث على التأمل والتفكر في معاني القرآن، كما قال - سبحانه -: ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾ [ص: 29].

وقال عز وجل: ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ﴾ [النساء: 82].

وإن من أعظم أسباب الضلال واستفحال الشرك: الإعراض عن تدبر آيات القرآن، والاقتصار على مجرد قراءته دون فهم أو فقه.

يقول الشيخ العلاّمة عبد الرحمن بن حسن - رحمه الله - في هذا المقام -:
(فمن تدبر عرف أحوال الخلق وما وقعوا فيه من الشرك العظيم الذي بعث الله أنبياءه ورسله بالنهي عنه، والوعيد على فعله، والثواب على تركه، وقد هلك من هلك بإعراضه عن القرآن وجهله بما أمر الله به ونهى عنه)[29]

وعلينا أن نتواصى بتطهير القلوب وتزكيتها لكي يحصل الانتفاع بمواعظ القرآن وأحكامه.

يقول ابن القيم عند قوله: ﴿ لا يَمَسُّهُ إلاَّ المُطَهَّرُونَ ﴾ [الواقعة: 79]:
(دلّت الآية بإشارتها وإيمائها على أنه لا يدرك معانيه ولا يفهمه إلا القلوب الطاهرة، وحرام على القلب المتلوّث بنجاسة البدع والمخالفات أن ينال معانيه وأن يفهمه كما ينبغي)[30].

خامسًا- يجب علينا - أيها الإخوة - نحو المغالين في القبور والأضرحة مخاطبة عقولهم، ودعوتهم إلى التفكير والتأمل؛ فإن الولوع في تقديس الأضرحة والغلو فيها لا يظهر إلا عند أقوام ألغوا عقولهم، وعطلوا تفكيرهم، وأشربوا حبّ التقليد ومحاكاة الآباء دون حجة أو برهان.

سادسًا وأخيرًا- يجب علينا التحذير من الوسائل المؤدية إلى هذا الغلو فكل ما كان وسيلة أو ذريعة تؤول إلى الشرك فينبغي التحذير منها ومنعها حماية لجناب التوحيد؛ فالتهاون في هذه الوسائل حتمًا يفضي إلى الوقوع في الشرك بالله - عز وجل - والخروج عن الملة، فمثلاً الصلاة عند القبور والبناء عليها أمور حرمها الشارع؛ لأنها طريق ووسيلة تفضي إلى الشرك بالله - تعالى -، وقد أشار العلامة الشوكاني - رحمه الله - إلى أن البناء على القبور سبب رئيس في عبادة القبور فقال: (فلا شك ولا ريب أن السبب الأعظم الذي نشأ منه هذا الاعتقاد في الأموات هو ما زينه الشيطان للناس من رفع القبور ووضع الستور عليها وتجصيصها وتزيينها بأبلغ زينة، وتحسينها بأكمل تحسين؛ فإن الجاهل إذا وقعت عينه على قبر من القبور قد بنيت عليه قبة فدخلها، ونظر على القبور الستور الرائعة، والسرج المتلألئة، وقد سطعتْ حوله مجامر الطيب، فلا شك ولا ريب أنه يمتلئ قلبه تعظيماً لذلك القبر، ويضيق ذهنه عن تصور ما لهذا الميت من المنزلة، ويدخله من الروعة والمهابة ما يزرع في قلبه من العقائد الشيطانية التي هي من أعظم مكائد الشيطان للمسلمين، وأشدّ وسائله إلى إضلال العباد ما يزلزله عن الإسلام قليلاً قليلاً، حتى يطلب من صاحب ذلك القبر ما لا يقدر عليه إلا الله - سبحانه -، فيصير في عداد المشركين)[31].

هذه - أيها الإخوة - أمور ينبغى الأخذ بها لإنهاء وعلاج هذا الوضع المزرى وحتى نلقى الله تعالى مع الذين أنعم الله عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا اللهم احفظنا من الغلو وطرقه......... الدعاء


[1] شرح العقيدة الطحاوية - (ص / 494)، المكتب الإسلامي – بيروت، الطبعة الرابعة،1391.

[2] اعتقاد الإمام ابن حنبل - (1 / 306).

[3] العقيدة السفارينية (الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية) - (ص / 89)، محمد بن أحمد بن سالم بن سليمان السفاريني، مكتبة أضواء السلف – الرياض، 1998، تحقيق: أبو محمد أشرف بن عبدالمقصود.

[4] شرح العقيدة الواسطية - (ص / 349)، للعلامة محمد خليل هراس، الأولى، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

[5] أخرجه البخاري 3465.

[6] أخرجه البخاري 6502.

[7] أخرجه مسلم 7664.

[8] أخرجه البخاري 3805.

[9] أخرجه مسلم 1895.

[10] حلية الأولياء (1 / 119).

[11] أخرجه مسلم 6656.

[12] أسد الغابة (2 / 323).

[13] أخرجه الحاكم 3 / 234 - 235، وصححه ووافقه الذهبي، وذكره الهيثمي في"المجمع" 9 / 322، وقال: هو في الصحيح غير قصة الدرع، وأخرجه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وانظر سير أعلام النبلاء- (1 / 311).

[14] سير أعلام النبلاء - (4 / 12)، وابن عساكر(9 / 19 ب).

[15] الدقيق الحوارى: الأبيض.

[16] أخرجه أحمد (4 / 145)، ابن جرير في "التفسير"(7 / 115)، عن أبي الصلت والدولابي في "الكنى" (1 / 111)، وابن أبي الدنيا في كتاب الشكر (32)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة"1 / 700.

[17] أخرجه البخاري (435) ومواضع، ومسلم (531).

[18] تفسير القرطبي (10 / 270).

[19] تاريخ دمشق - (37 / 290).

[20] أخرجه البخاري (3445).

[21] أخرجه أحمد 1 / 215، 347 وابن ماجه (3064)، وابن أبي عاصم في السنة (98)، وقال النووى في (المجموع) (8/137): إسناده صحيح على شرط مسلم، وكذا قال شيخ الإسلام في "اقتضاء الصراط المستقيم" ص106، وهو مخرج في" الصحيحة" (1283).

[22] أخرجه البخاري (4920).

[23] إغاثة اللهفان (ص 552).

[24] انظر: الصواعق المرسلة، لابن القيم، 4/1560.

[25] الحجة لقوام السنة، الأصفهاني، 1/281.

[26] انظر: اقتضاء الصراط المستقيم، 2/617.

[27] انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية، 1/25، 26.

[28] تلبيس إبليس، لابن الجوزي، ص455، وانظر: اقتضاء الصراط المستقيم، 2/611، وإغاثة اللهفان، 1/133.

[29] قرة عيون الموحدين، ص33.

[30] التبيان في أقسام القرآن، ص143.

[31] انظر شرح الصدور بتحريم رفع القبور، ص 17، وقد نقلت عنصر الدواء كله عن: انحرافات القبوريين... الداء الدواء د. عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف، مختصرًا تارة ومتصرفًا أخرى.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 106.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 104.06 كيلو بايت... تم توفير 2.18 كيلو بايت...بمعدل (2.05%)]