أحكام الأضاحي - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         وما أدراك ما ناشئة الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          كف الأذى عن المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          انشراح الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          فضل آية الكرسي وتفسيرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          المسارعة في الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          أمة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الصحبة وآدابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          البلاغة والفصاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          مختارات من كتاب " الكامل في التاريخ " لابن الأثير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          ماذا لو حضرت الأخلاق؟ وماذا لو غابت ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-08-2020, 03:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي أحكام الأضاحي

أحكام الأضاحي
الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي







الحمدُ لله ربِّ العالمين، شرَعَ لعبادِه المؤمنين التقربَ إليه بذبحِ القرابين، وقرَن ذلك بالصلاةِ في كتابِه المبين. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، إلهُ الأولين والآخرين. وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، إمامُ المتقين، وقائدُ الغرِّ المحجَّلين، وقدوةُ الناسكين، صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليه، وعلى اله وأصحابه الطيبين الطاهرين، ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين. أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واشكروا الله تعالى على نِعَمه التي لا تُـحصى، وآلائِه التي لا تُستقصَى.
ألا، وإنَّ مِن عظيمِ مِنَّة ربِّنا السلام، ولُطْفِه بسائرِ الأنام، ما خَلَق لهم مِن بهيمةِ الأنعامِ، وزادَهم مِن كريمِ فضْلِه والإنعام؛ ليقوموا بِشُكْره على الدوام، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ} [يس]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة: ١]، {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [المؤمنون].
معاشر المسلمين: إنَّ مِن أعظمِ ما يتقرَّب به العبادُ إلى ربِّهم ومولاهم في هذه الأيامِ الشريفةِ، أعنى يومَ النحرِ وأيامَ التشريق: ذبحَ الأضاحي. وهو مِن أجلِّ العباداتِ وأعظمِ القُرباتِ، وهى قرينةُ الصلاةِ في كتاب الله، قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر]. قال المفسرون: المرادُ به الأضحيةُ بعد صلاةِ العيد(1)، {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام].
قال شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وأجلُّ العباداتِ الماليةِ النَّحرُ، وأجلُّ العباداتِ البدنيةِ الصلاةُ، وما يجتمعُ للعبدِ في الصلاةِ لا يجتمعُ له في غيرِها مِن سائرِ العبادات، كما عَرَفَهُ أربابُ القلوبِ الحيةِ وأصحابِ الهممِ العاليةِ، وما يجتمعُ له في نَحْرِه مِن إيثارِ الله وحُسْنِ الظنِّ به وقوةِ اليقينِ والوثوقِ بما في يدِ الله أمرٌ عجيبٌ إذا قارن ذلك الإيمان والإخلاص».ا. هـ (2).
ولهذا كان التقرُّبُ إلى الله تعالى بذبْحِ القرابين مشروعًا في جميعِ مِلل المرسلين كما قال ربُّنا الرحمن الرحيم: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: ٣٤], قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «يخبر تعالى أنه لم يزل ذبحُ المناسكِ وإراقةُ الدماء على اسمِ الله مشروعًا في جميعِ الِملل»(3).
وذبْحُ الضحايا - أيها المؤمنون- أفضلُ مِن التصدُّقِ بثمنِها؛ لأنَّ الصدقةَ عبادةٌ ماليةٌ محضةٌ، والضَّحيَّةُ عبادةٌ ماليةٌ وبدنيةٌ، لأنَّ مجردَ سفكِ دَّمِ الأضحية عبادةٌ منفردةٌ مقصودةٌ لذاتِها، سواء أُكِلَ اللحم أم لم يُؤكَل.
فالأضحيةُ مِن أظهر شعائرِ الإسلامِ وأعْلامِ الدِّين، ولهذا كان نبيُّنا صلى الله عليه وسلم يُضحي في المصلَّى إظهارًا لتلكم الشعيرةِ العظيمةِ, والصدقةُ بثمنِها أو نقلُها إلى بلدٍ آخر يُعطِّل تلك الشعيرةَ العظيمةَ في بلدِ المضحِّي ويَفوت بنقلِها مصالحُ كثيرةٌ.
فمِن تلك المصالح التي تفوت: عدمُ مباشرةِ المضحِّي ذبحَها بنفسِه اقتداءً بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم, ومما يفوت بذلك -أيضا- مِن المصالحِ: ذِكْرُ المضحِّي لربِّه - جلَّ وعَلا- حين الذبحِ، لقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج:٣٦] .
ويفوت أيضًا: الأكلُ منها، فإنَّ المضحِّي مأمورٌ بالأكلِ مِن أضحيتِه على خلافٍ بين أهل العلم في وجوب ذلك مِن استحبابه, ومَن كان عنده سعةٌ فليبعث إلى إخوانِه المسلمين في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها ما يُعينهم على ذبحِ
الأضاحي، وإقامةِ الشعيرةِ في بلادِهم، «وَاللهُ في عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ» (4), «وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ»(5).
فَضَحُّوا - أيها المؤمنون-، تقبَّل اللهُ ضحاياكم، واذبحوا ضحاياكم طيبةً بها نفوسُكم، منشرحةً بها صدورُكم.
واعتبروا هذه الضحايا مطايا إلى ربِّ البرايا، مستشعرين نعمةَ الله عليكم بتيسيرها لكم وحرمانِ غيركم منها، {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} [النحل].
واختاروا - رحمكم الله - مِن الأضاحي أطيبَها وأحسنَها تعظيمًا لشعائرِ الله، لا رياءً وفخْرًا ومباهاةً، {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج], {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج].
قال ابن عباس رضي الله عنه: «تعظيمُها: استسمانُها واستحسانُها»(6).
وقال أبو أمامة بنُ سهل: «كنا نُسمِّن الأضحيةَ بالمدينة، وكان المسلمون يُسمِّنون»(7).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «والأجْرُ في الأضحيةِ على قدْرِ القيمةِ مطلقًا»(8).
واجتنبوا - رحمكم الله - مالا يُـجزئ في الأضاحي, فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قامَ فينا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: «أَرْبَعٌ لاَ تَجُوزُ فِي الضَّحَايَا: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْـمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقِي»(9).
قال الإمامُ النووي رحمه الله: «أجمعَ العلماءُ على أنَّ العيوبَ الأربعةَ المذكورةَ في حديث البراء، وهي: المرضُ والعجفُ والعَورُ والعرَجُ البيِّن لا تُجزئ في التضحيةِ بها، وكذا ما كان في معناها وأقبح منها، كالعمى و قطْعِ الرِّجل وشبهه»(10).
وقال رحمه الله أيضًا: «مقطوعةُ بعضِ الأَلْيةِ(11) لا تُـجزئُ عندنا- يعنى الشافعية -، وبه قال مالكٌ وأحمدُ»(12)؛ لأنه عضوٌ مستطَابٌ ومقصودٌ .
وقال العلَّامة ابن باز والعلَّامة ابن عثيمين - رحمة الله عليهما-: «لا تجزئ مقطوعة الأَلْية، وأما الخَصي، وهو ما قطعت أنثياه، فمجزئ بلا خلاف بين العلماء لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ضحَّى به»(13).
قال الإمام أحمد رحمه الله: «والخصيُّ أحبُّ إلينا مِن النعجةِ؛ وذلك لأن لحمَه أوفرُ وأطيبُ»(14).
ويجزئ من الضحايا مكسورة القرن مع الكراهة , وذات القرن أفضل.
واعلموا - رحمكم الله- أنه لا بدَّ في الأضحيةِ مِن السنِّ المعتبرةِ شرعًا، ففي الإبل خمسُ سنين، وفي البقر سنتان، وفي الـمَعْز سَنة، وفى الضأن ستة أشهر, قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلاَّ أَنْ يَعْسُرَ ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ»، رواه مسلم(15).
والـمُسِنَّة: هي الثَّنية مِن كلِّ شيءٍ.
ودلَّت الأحاديثُ على إجزاءِ الجذعِ مِن الضأنِ مُطلقًا, بخلافِ الجذع مِن الـمَعْزِ والإبلِ والبقرِ فلا يُجزئ إلا الـمُسِن وهو الثَّنِي.
قال العلماء: والواحدُ مِن الضأنِ أفضلُ مِن التشريكِ في بدنَة، لأنَّ إراقةَ الدَّمِ مقصودٌ في الأضحيةِ كما سلف، والمنفردُ يتقربُ بإراقتِه كلِّه.
وسُبع البدنةِ والبقرةِ يقومُ مقامَ الشاةِ في الإجزاء, والحمد لله.
قال الشيخُ ابنُ عثيمين رحمه الله: «إذا ضحَّى بالبهيمة كاملةً فالأفضلُ الإبل، ثم البقر، ثم الغنم، والضأن أفضل مِن الماعز، أما إذا ضحَّى بسُبعٍ مِن البدنة أو البقرة فإنَّ الغنمَ أفضلُ، والضأنُ أفضلُ مِن الماعز»(16).
واعلموا، رحمكم الله، أنَّه لا يُشرَعُ الاشتراكُ في ثمنِ الأضحية اشتراكَ ملْكٍ مِن الغنم ضأنِها ومعْزِها بخلاف البُدن والبقر. وإذا اشتركَ جماعةٌ في كبشٍ واحدٍ صارَ ذلك صدقةً من الصدقات، توزَّع على الفقراء وينتفعون بلحمها.
أما التشريكُ في الثوابِ فلا حرج أن يُضحي الإنسانُ عن نفسه، وعن أهل بيته، أو غيرهم، وإن كثروا.
وفي جوازِ تشريك الرجل أهلَ بيته في هذا السُّبع خلافٌ بين أهل العلم، فمنهم مَن أجازَه قياسًا على الشاة، ومنهم مَن منعه لأنَّ التشريكَ وردَ في الشاة فقط، كما أفتى بذلك الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله مفتي الديار السعودية سابقًا.
وليُعلَم أنَّ الأضحيةَ إنما شُرِعت للأحياء، ولهذا لم يرِد عن النبيِّ أنَّه ضحَّى عن أحدٍ مِن أهل بيتِه الميتين على جهةِ الاستقلال والانفراد. فقد ماتت زوجتُه خديجةُ رضي الله عنها وقُتِلَ عمُّه حمزة رضي الله عنه، ولم يضحِّ عن أحدٍ منهما استقلالا.
وتُـجزئ الشاةُ الواحدةُ عن الرَّجلِ وأهلِ بيتِه، الأحياء منهم والأموات، وفضلُ اللهِ واسعٌ، فقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُضحي بالشاةِ الواحدةِ عنه وعن أهلِ بيتِه، قال أبو أيوب رضي الله عنه: «كَانَ الرَّجُلُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ، مِنْهَا ثُمَّ تَبَاهَى النَّاسُ فَكَانَ كَمَا تَرَى»، رواه الترمذي وابن ماجه(17).
قال العلَّامة ابنُ باز رحمه الله: «ومَن كان في البيتِ مِن خدَمٍ وأيتامٍ فهُم تابعونَ لأهلِ البيتِ, وأمَّا الوصايا فيجبُ تنفيذُها حسب ما جاء في الوصيةِ لقول اللهِ تعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة].
ولا يجزئُ ذبحُ الأضحيةِ قبل وقتِها ولا بعدَه, فأوَّلُ وقتِها بعد صلاةِ العيدِ، فإنْ ذبحَ قبل الصلاةِ فشاتُه شاةُ لحم، وعليه أنْ يذبحَ بدلَها؛ لأنها عبادةٌ مؤقتةٌ، فلم تصحَّ قبل وقتها ولا بعده، والأفضلُ التأخيرُ إلى فراغِ الإمامِ مِن الخطبةِ تأسِّيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم». ا.هـ.
فعن جندبِ بن سفيان البَجَلي رضي الله عنه قال: ضحَّينَا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُضحيةً ذات يومٍ، فإذا أُناسٌ قد ذبحوا ضحايَاهم قبْل الصلاةِ، فلمَّا انصرَفَ، رآهُم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنهمْ قدْ ذبحوا قبْل الصلاةِ ، فقالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ حَتَّى صَلَّيْنَا فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللهِ»، رواه الشيخان(18).
ويمتدُ وقتُ الأضحيةِ إلى أخرِ يومٍ مِن أيام التشريق: يوم النَّحرِ وثلاثة أيامٍ بعدَه؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «كُلِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ»(19).
أيها المؤمنون: اشكروا اللهَ تعالى، وكُلُوا مِن ضحاياكم، وتصدَّقوا، وادَّخِروا، {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج:٣٦] , {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج].
ومَن كان يُـحسن الذبحَ فليذْبَحْ أضحيتَه بنفْسِه تأسيًّا بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإلا فليحضُرها؛ فإنَّ فِعل القُرَبِ أوْلى مِن الاستنابةِ فيها، وإذا ذُبِحت عمَّن هو غائبٌ عنها فلا بأس.
وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتولى أضحيتَه وهدايَاه بنفْسِه، فقد ذبح في مِنى في حجَّتِه ثلاثًا وستين بدنةً بيده الكريمة صلى الله عليه وسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يتولى أضحيتَه أيضًا، فعن أنسٍ رضي الله عنه قال: «ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا»، رواه الشيخان(20).
ولا بأسَ - أيها المؤمنون- أن تَلِيَ المرأةُ الذبحَ، إذا كانت تُـحسِنُ الذبحَ.
واسألوا اللهَ القبولَ عند الذبحِ، ففي «صحيح مسلم» أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ الْكَبْشَ, فَأَضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثم َقَالَ: «بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ»، ثُمَّ ضَحَّى بِهِ. (21)
ومَن لم يجد سَعةً وعجزَ عن الأضحيةِ، فقد ضحَّى عنه محمدٌ صلى الله عليه وسلم (22)، وجزاه عن أُمتِه خيرًا, فليهنأ مَن ضحَّى عنه محمدٌ صلى الله عليه وسلم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل]. بارك اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيه مِن الآياتِ والذِّكْرِ الحكيم. أقولُ ما تسمعون، واستغفِرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين مِن كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرَّحيم.





الخطبة الثانية
الحمدُ لله على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، الداعي إلى رضوانِه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وإخوانِه، ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين وسلَّم تسليمًا. أما بعد:
فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
معاشر المسلمين: لقد امتنَّ اللهُ تعالى على أهلِ الأمصارِ بما يُشاركون به إخوانَهم الحجيج في بعضِ مناسكِهم وشعائرِهم, فلِلحُجاجِ الـهدايا، ولأهل البُلدان الضَّحايا.
فاشكروا اللهَ على نِعمِه وآلائِه، وأَرُوا اللهَ تعالى مِن أنفُسِكم خيرًا، {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:١٩٧], وأكثروا مِن ذِكرِ الله تعالى وتكبيرِه وتعظيمِه، فإنكم في أعظمِ أيامِ الدنيا، {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [فاطر].
هذا، واعلموا أنَّ اللهَ أمرَكم بأمرٍ بدأ فيه بنفْسِه، فقال جلَّ مِن قائلٍ عليمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب].






(1) ينظر: «تفسير جامع البيان» لابن جرير الطبري (24/694)، و«تفسير معالم التنزيل» للبغوي (8/559)، و«تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (8/504).
(2) «مجموع الفتاوى» (16/532).
(3) «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (5/424).
(4) حديث أبي هريرة رضي الله عنه: رواه مسلم في الذكر والدعاء، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذِّكر، رقم (2699).
(5) حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه: رواه البخاري في المظالم والغصب، باب لا يظلم المسلمُ المسلمَ ولا يُسلمه، رقم (2442)، ورواه مسلم في البر والصلة، باب تحريم الظلم، رقم (2580).
(6) «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (5/421).
(7) رواه البخاري معلَّقًا في الأضاحي، باب في أضحية النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين، ويُذكر سمِينين.
(8) «الفتاوى الكبرى» (5/385).
(9) رواه أبو داود في الضحايا، باب ما يُكره من الضحايا، رقم (2802)، ورواه ابن ماجه، واللفظ له، في الأضاحي، باب ما يكره، أن يضحَّى به، رقم(3144)، وصحَّحه الألباني.
(10) «شرح صحيح مسلم» (13/120).
(11) أَلْية – بفتح الهمزة-، «قال ابن السِّكِيت: هي أَلْية النّعْجة، مفتوحة الألف. والجمع: أَلَيات. ولا تقُل: لِيّة، ولا إِلْية، فإنهُما خطأ»، «تهذيب اللغة» (15/311).
(12) ينظر: «فتاوى نور على الدرب» للشيخ ابن باز، (17/354)، و«مجموع فتاوى ابن عثيمين» (25/49-50)، و(25/168).
(13) «المغني» (5/457). ط دار عالم الكتب ط 1417 هـ.
(14) «المغني» (5/457).
(15) حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: رواه مسلم في الأضاحي، باب سن الأضحية، رقم (1963).
(16) «مجموع فتاوى ابن عثيمين»، (25/34).
(17) رواه الترمذي في الأضاحي، باب ما جاء أن الشاة الواحدة تجزي عن أهل البيت، رقم (1505)، ورواه ابن ماجه في الأضاحي، باب من ضحى بشاة عن أهله، رقم (3147)، وصحَّحه الألباني.
(18) رواه البخاري، واللفظ له، في الذبائح والصيد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللهِ»، رقم (5500)، ورواه مسلم في الأضاحي، باب وقتها، رقم (1960).
(19) حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه: رواه أحمد، رقم (16752)، وابن حبان في «صحيحه»، رقم (3854)، وأورده الألباني في «الصحيحة» (5/617)، رقم (2476).

(20) رواه البخاري في الأضاحي، باب التكبير عند الذبح، رقم (5565)، ورواه مسلم، واللفظ له، في الأضاحي، باب استحباب الضحية، وذبحها مباشرة بلا توكيل، والتسمية والتكبير، رقم (1966).
(21) حديث عائشة رضي الله عنه: رواه مسلم في الأضاحي، باب استحباب الضحية، وذبحها مباشرة بلا توكيل، والتسمية والتكبير، رقم (1967).
(22) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بكبْشٍ فذبحهُ بيده وقال: «بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، هَذَا عَنِّي، وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي»، رواه أبو داود في الضحايا، رقم (2810)، الترمذي في الأضاحي، رقم (1521)، وصحَّحه الألباني.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.74 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.03 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.54%)]