|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() شكر النعم عبدالله رجا الروقي الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فإن نعم الله على عباده لا تحصى أنواعها فضلاً عن أفرادها قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [لقمان: 20]. وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: 18]. فإذا كانت نعم الله لا تحصى فكيف نقوم بشكرها فكيف إذا كان الشكر نفسه نعمة من نعم الله يوفق الله إليه من شاء من عباده رحمة منه وفضلاً. عباد الله: إن الشكر عبادة جليلة من العبادات قل من يقوم بها قال تعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]. وإن في كلام نبينا صلى الله عليه وسلم ما يبين سبباً عظيماً لشكر النعم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى من هو أسفل منكم. ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم" متفق عليه. يا لها من وصية نافعة، وكلمة شافية وافية. فهذا يدل على الحث على شكر الله بالاعتراف بنعمه، والتحدث بها، والاستعانة بها على طاعة المنعم، وفعل جميع الأسباب المعينة على الشكر. فإن الشكر لله هو رأس العبادة، وأصل الخير، وأوجبه على العباد؛ فإنه ما بالعباد من نعمة ظاهرة ولا باطنة، خاصة أو عامة إلا من الله. وهو الذي يأتي بالخير والحسنات، ويدفع الشر والسيئات. فيستحق أن يبذل له العباد من الشكر غاية ما يستطيعون، وعلى العبد أن يسعى بكل وسيلة توصله وتعينه على الشكر. وقد أرشد صلى الله عليه وسلم إلى هذا الدواء العجيب، والسبب القوي لشكر نعم الله، وهو أن يلحظ العبد في كل وقت من هو دونه في الدين والعقل والنسب والمال وأصناف النعم. فمتى استدام هذا النظر كان ذلك سببًا لكثرة شكر ربه والثناء عليه؛ فإنه لا يزال يرى خلقا كثيرا دونه بدرجات في هذه الأوصاف، ويتمنى كثير منهم أن يصل إلى قريب مما أوتيه من عافية ومال ورزق، وخَلق وخُلُق، فيحمد الله على ذلك حمدا كثيرا، ويقول: الحمد لله الذي أنعم علي وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا. يرى خلقًا كثيرًا قد سلبوا أعظم نعمة يمن الله بها على عباده، وهي نعمة الإسلام، فأكثر أهل الأرض ليسوا على الإسلام بل على اليهودية أو النصرانية أو غيرها من أنواع الكفر، وهو قد اختصه الله مع أهل الإسلام بهذه النعمة فيشكر الله أعظم الشكر، ويحمده على أن امتن الله عليه بها قال تعالى: ﴿ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ ﴾ [الحجرات: 17] ويحمده أن حبب إليه الإيمان وزينه في قلبه وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان يقول تعالى ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [الحجرات: 7، 8]. ويشاهد خلقا كثيرا قد ابتلوا بضعف الدين، والوقوع في قاذورات المعاصي. والله قد حفظه منها أو من كثير منها. وينظر إلى خلق كثير ممن سلبوا عقولهم، فيحمد ربه على كمال العقل. ويشاهد عالما كثيرا ليس لهم قوت مدخر، ولا مساكن يأوون إليها، وهو مطمئن في مسكنه، موسع عليه في رزقه. ويرى خلقا كثيرا قد ابتلوا بأنواع الأمراض، وأصناف الأسقام وهو معافى من ذلك، مسربل بالعافية. ويرى أناسًا قد ابتلاهم الله بالحروب وفقد الأمن فهم يعيشون في خوف عظيم، وهو آمن مطمئن على نفسه وأهله وماله. ويرى - أيضاً - أناسا كثيرين قد استولى عليهم الهم، وملكهم الحزن والوساوس، وضيق الصدر، ثم ينظر إلى عافيته وسلامته من هذا الداء، ومنة الله عليه براحة القلب. ثم من ابتلي في نفسه أو ماله يجد عالما كثيرا أعظم منه وأشد مصيبة، فيحمد الله على وجود العافية وعلى تخفيف البلاء، فإنه ما من مكروه إلا ويوجد مكروه أعظم منه. اللهم لك الحمد حمدا كثيرًا، لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم... الخطبة الثانية أما بعد فمن وفق للاهتداء بهذا الهدي الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل شكره في قوة وزيادة، ولم تزل نعم الله عليه تترى وتتوالى، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]. ومن خالف ذلك فصار ينظر إلى من هو فوقه في العافية والمال والرزق وتوابع ذلك، فإنه لا بد أن يزدري نعمة الله، ويفقد شكره. ومتى فقد الشكر ترحلت عنه النعم وتسابقت إليه النقم، وامتحن بالغم الملازم، والحزن الدائم، والتسخط لما هو فيه من الخير، وعدم الرضى بالله ربا ومدبرا. وذلك ضرر في الدين والدنيا وخسران مبين. واعلم أن من تفكر في كثرة نعم الله، وتفطن لآلاء الله الظاهرة والباطنة، وأنها محض فضل الله وإحسانه، وأن نعم الله لا يقدر العبد على إحصائها وتعدادها، فضلا عن شكرها. فإنه يضطر إلى الاعتراف التام بالنعم، وكثرة الثناء على الله، ويستحي من ربه أن يستعين بشيء من نعمه على ما لا يحبه ويرضاه، واستحيى من ربه أن يراه حيث نهاه، أو يفقده حيث أمره، فإن الشكر يكون بطاعة الله عز وجل واجتناب معاصيه، فإن كل عاص لله فهو كافر بنعمة الله عليه. وما حفظت نعم الله بمثل طاعة الله، ومازالت النعم بمثل معصية الله. ولما كان الشكر بهذه المنزلة العظيمة قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: "إني أحبك، فلا تدعن أن تقول دبر كل صلاة مكتوبة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". وقد اعترف أعظم الشاكرين بالعجز عن شكر نعم الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك" . عباد الله الحذرَ الحذرَ من كفران النعم فإنه سبب لسلبها وللعقوبة من الله قال تعالى ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾ [القصص: 58]. وقال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112]. فهذه القرية ذكر الله أنها كانت تعيش في نعمتين عظيمتين الأمن والرزق الطيب، فكفر أهلها بنعمة الله فسلبهم الله هاتين النعمتين، فأصبحوا يعيشون في الخوف والجوع. وقد ذكر الله عز وجل قصة قوم سبأ في كتابه فقد كانوا في نعمة عظيمة فالبساتين كثيرة فيها من أنواع الزروع والثمار ما يكفيهم فكفروا بهذه النعمة فسلط عليهم سيلًا عظيمًا أهلك زروعهم وثمارهم قال تعالى ذاكرًا قصتهم ليتعظ الناس بها ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾ [سبأ: 15 - 17]. اللهم أعنا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار... ♦ استفدت في هذه الخطبة من الكتاب النافع: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار شرح جوامع الأخبار للعلامة ابن سعدي، الحديث التاسع عشر.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |