غزوة أحد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أسماء العقل ومشتقاته في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          كيف نكتسب الأخلاق الفاضلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: المؤمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          وقفات تربوية مع سورة التكاثر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          {وما كان لنبي أن يغل} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          بين الاجتهاد الشخصي والتقليد المشروع: رد على شبهة «التعبد بما استقر في القلب» (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          الإسلام والحث على النظافة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          فتنة تطاول الزمن.. قوم نوح عليه السلام نموذج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          كيف أصبح مؤمنا حقيقيا وأفوز بالجنة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          شرح حديث: "أنتم أعلم بأمر دنياكم"‏ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-06-2020, 10:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,585
الدولة : Egypt
افتراضي غزوة أحد

غزوة أحد


الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل






قل هو من عند أنفسكم








الحمد لله رب العالمين؛ يبتلي عباده بالسراء وبالضراء؛ ليجزيهم على صبرهم أعظم الجزاء، نحمده كما ينبغي له أن يحمد، ونشكره فقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ عظيم في ملكه وربوبيته وألوهيته، حكيم في مقاديره وأحكامه، لا يقضي قضاء لمؤمن إلا كان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ ابتلي بالسراء فشكر، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ بذلوا أنفسهم وأموالهم، وأُخرجوا من ديارهم وأبنائهم في سبيل الله تعالى، وابتغاء مرضاته، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.



أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [البقرة:123].



أيها الناس: طاعة الله تعالى سبب للفلاح في الدنيا والآخرة، ومعصيته عز وجل شؤم وبلاء على العباد في الحال والمآل؛ ولذا جاءت النصوص من الكتاب والسنة تأمر بالطاعة، وتنهى عن المعصية، وتبين عاقبة الفريقين.



ومن أسباب النصر على الأعداء، وتآلف القلوب، واجتماع الكلمة التزامُ طاعة الله تعالى، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. كما أن المعصية سبب للتنازع والفشل والهزيمة، وذهاب القوة ﴿ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال:46].



وهذه الآية الكريمة نزلت في سياق الحديث عن غزوة بدر، وقد التزم المؤمنون فيها بطاعة الله تعالى، وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، فكان لهم الظفر على المشركين.



ولكن في غزوة أحد قدَّر الله تعالى عليهم الهزيمة لحكمة أرادها عز وجل، وكانت هذه الهزيمة بسبب معصية طائفة منهم، مما يدل على أن سنن الله تعالى لا تحابي أحدا من خلقه، ولو كانوا خيار هذه الأمة، ولو كان فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أكرم الخلق على الله تعالى.



لقد عاد المشركون للثأر من هزيمتهم في بدر بعد عام منها، وكان رأيُ النبي عليه الصلاة والسلام أن يتحصن المسلمون في المدينة، ولكن الحماسة للقتال دفعت كثيرا من المسلمين إلى أن يختاروا الخروج لملاقاة المشركين، فنزل النبي عليه الصلاة والسلام عن رأيه إلى رأيهم، ذكر عروة بن الزبير رحمه الله تعالى أن كثيرا من الناس أبو إلا الخروج إلى العدو، قال: (ولو تناهوا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره كان خيرا لهم، ولكن غلب القضاء والقدر، قال: وعامة من أشار عليه بالخروج رجال لم يشهدوا بدرا، وقد علموا الذي سبق لأهل بدر من الفضيلة) رواه البيهقي.



ولما بلغوا أحدا رتب النبي عليه الصلاة والسلام مواقع المسلمين، وجعل خمسين من الرماة على الجبل ليحموا ظهر الجيش، وأمرهم أن لا يبارحوا أماكنهم، وأمَّر عليهم عبد الله بن جبير رضي الله عنه وقال لهم: (إن رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فلا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هذا حتى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فلا تَبْرَحُوا حتى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ) رواه البخاري.



وتقابل الصفان، والتحم الجيشان، وانتصر المسلمون في بادئ المعركة، ورأى الرماة أن وقت الغنيمة قد حان، وأن المعركة انتهت؛ فعصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلوا عن مواقعهم فكشفوا ظهر الجيش، فالتفَّ عليهم طائفة من المشركين فأتوهم من خلفهم، ووقع قضاء الله تعالى، وانقلب النصر إلى هزيمة، وجُرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكُسرت رباعيته، وقُتل سبعون من أصحابه رضي الله عنهم، وأُشيع في الناس مقتلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففرَّ كثير من المسلمين لا يلوون على شيء.



يُحدِّث عن ذلك الموقف العصيب البراءُ بن عازب رضي الله عنه فيقول: (فقال أَصْحَابُ عبدِ الله بنِ جُبَيْرٍ: الْغَنِيمَةَ، أَيْ قَوْمِ الْغَنِيمَةَ، ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ فما تَنْتَظِرُونَ؟ فقال عبدُ الله بنُ جُبَيْرٍ:أَنَسِيتُمْ ما قال لَكُمْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: والله لَنَأْتِيَنَّ الناسَ فَلَنُصِيبَنَّ من الْغَنِيمَةِ، فلما أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمْ الرَّسُولُ في أُخْرَاهُمْ، فلم يَبْقَ مع النبي صلى الله عليه وسلم غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ) رواه البخاري.



وقال الزبير رضي الله عنه يحكي فعل الرماة: (فرغبوا إلى الغنائم وتركوا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوا يأخذون الأمتعة فأتتنا الخيل من خلفنا فحطمتنا وكرَّ الناس منهزمين) رواه ابن راهويه.



وذكر ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام أقام الرماة في مَوْضِعٍ ثُمَّ قال: (احْمُوا ظُهُورَنَا فَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلاَ تَنْصُرُونَا وإنْ رَأَيْتُمُونَا قد غَنِمْنَا فَلاَ تَشْرَكُونَا، فلما غَنِمَ النبي صلى الله عليه وسلم وَأَبَاحُوا عَسْكَرَ الْمُشْرِكِينَ أَكَبَّ الرُّمَاةُ جَمِيعاً فَدَخَلُوا في الْعَسْكَرِ يَنْهَبُونَ، وَقَدِ الْتَقَتْ صُفُوفُ أَصْحَابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَهُمْ كَذَا -وَشَبَّكَ بين أَصَابِعِ يَدَيْهِ- وَالْتَبَسُوا، فلما أَخَلَّ الرُّمَاةُ تِلْكَ الْخَلَّةَ التي كَانُوا فيها دَخَلَتِ الْخَيْلُ من ذلك الْمَوْضِعِ على أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم فَضَرَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَالْتَبَسُوا، وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَاسٌ كَثِيرٌ) رواه أحمد.



ولما عرض الله تعالى لهذا الموقف من كتابه العزيز بيَّن عز وجل أن المعصية هي سبب ما لحق المسلمين من التنازع والفشل والهزيمة، وأخبر عز وجل أنه سبحانه قد أنالهم ما وعدهم من النصر لولا معصيتهم فقال عز وجل ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران:152].



فكان النصر أولاً، ثم كان فشلُ الرماة وضجرهم من ملازمة أماكنهم خشية فوات الغنيمة، ثم تنازعهم مع أميرهم في النزول عن الجبل، ثم تصميم معظمهم على ما أرادوا متأولين أن المعركة قد انتهت، وأن النصر تحقق؛ فلحقهم شؤم المعصية، وانقلبت موازين المعركة، وكان وبال معصيتهم عليهم وعلى سائر الجيش، فاختلطوا يضرب بعضهم بعضا، وطوقهم المشركون من كل جانب، فحمى الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام من كيد المشركين وشرهم.



والمعصية هي سبب الخلاف والتنازع، ثم هي سبب الفشل والهزيمة، كما أن الطاعة هي سبب التآلف واجتماع الكلمة كما أنها سبب النصر والظفر.



وفي مقام آخر بيَّن الله تعالى أن الهزيمة ما لحقتهم إلا بمعصيتهم له عز وجل ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران:165] فهو سبحانه قدير على نصركم وعلى خذلانكم، فلما عصيتم وجررتم لأنفسكم الغضب قدَّر الله سبحانه لكم الخذلان؛ فالنصر يطلب من الله تعالى، ومن أسبابه لزوم طاعته، ومن خذله الله تعالى فلن ينتصر مهما كان جمعه وقوته، ومن أعظم أسباب الخذلان معصية الله تعالى، وفي سياق الآيات التي أخبرت عن هذه الغزوة العظيمة تأتي هذه القاعدة الجليلة ليستفيد منها قُرَّاءُ القرآن في كل زمان ومكان ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران:160].



فيا لها من قاعدة عظيمة كانت غزوة أحد مثالا واضحا عليها، فهل ندرك ذلك يا عباد الله في زمن تكالبت فيه قوى الشر والطغيان على المسلمين يريدون تبديل دينهم، وسلبهم ما بقي من مقومات عزهم وقوتهم، ولن يظفروا بشيء منهم إلا إذا عصى المسلمون ربهم جل جلاله حيث يكون الخذلان، ومن خذله الله تعالى فلن ينتصر أبدا.



﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد:7-8].



بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.....






الخطبة الثانية



الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.




أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون وأطيعوه؛ فإن في طاعته عز وجل فوز الدنيا والآخرة ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ ﴾ [النور:52].









أيها المسلمون: بلاء المعصية يتعدى أصحابها حتى يكون عاما على جماعة المسلمين، وفي غزوة أحد كان عدد الرماة قليلا بالنسبة لمجموع الجيش، ومن عصى منهم لا يشكلون إلا نسبة ضئيلة من المسلمين، ولكن شؤم هذه المعصية لحق الجيش كله فانكسر وقد كان منتصرا، ومن قتلوا من خيار الصحابة رضي الله عنهم كانوا أكثر من عدد الرماة كلهم، وكل هذا يدل على أن عموم الناس قد يؤخذون بذنوب بعضهم.



ولو نظرنا بعين البصيرة لمعاصينا لعلمنا كيف هانت أمتنا وخُذِلت وسُلِّط عليها أعداؤها؛ فكم فينا من العصيان، ومن التقصير في طاعة الله تعالى؟!



والذين فروا من معركة أحد بعد الهزيمة وهم الأكثر، ولم يثبت إلا النبي عليه الصلاة والسلام في نفر قليل جدا، إنما كان فرارهم وعدم ثباتهم بسبب ذنوبهم، وكان هذا أيضا من شؤم الذنوب وبلائها على المسلمين، وقد يكون في ثباتهم لو ثبتوا عودةُ نصر الله تعالى وتأييده، فَتُقْلَبُ موازين المعركة مرة أخرى للمؤمنين، فكانت معصية الرماة سببا في الهزيمة، وكانت معاصي الأفراد سببا في عدم ثباتهم لما دارت الدائرة على المؤمنين، يقول الله عز وجل عن أولئك الفارين يوم أحد ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [آل عمران:155]. فقد سُلِّط عليهم ببعض ما كسبوا فكيف لو أخذوا بجميع ما كسبوا؟!



إن من الناس من يظن أن دين الله تعالى هو سبب البلاء، وأن المحنَّ إنما تتوارد عليه بسبب استمساكه بالدين، وهذا هو ظنُّ المنافقين الذين قالوا يوم أحد فيمن قُتِلوا ﴿ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ﴾ [آل عمران:168] فكانت حجة الله تعالى عليهم ﴿ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ المَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آل عمران:168].



يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وإذا أصابت العبدَ مصيبةٌ كانت بذنبه لا باتباعه للرسول، بل باتباعه للرسول صلى الله عليه وسلم يُرحم وينصر، وبذنوبه يعذب ويخذل قال تعالى ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشُّورى:30] ولهذا لما انهزم المسلمون يوم أحد وكانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم واستظهر عليهم العدو بيَّن الله تعالى لهم أن ذلك بذنوبهم.



وقال أيضا: وإذا كان في المسلمين ضعفا، وكان عدوهم مستظهرا عليهم؛ كان ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم، إما لتفريطهم في أداء الواجبات باطنا وظاهرا، وإما لعدوانهم بتعدي الحدود باطنا وظاهرا.



وقال رحمه الله تعالى: ومن المعلوم بما أرانا الله تعالى من آياته في الآفاق وفى أنفسنا، وبما شهد به في كتابه أن المعاصي سبب المصائب؛ فسيئاتُ المصائبِ والجزاءِ من سيئات الأعمال، وأنَّ الطاعة سبب النعمة؛ فإحسانُ العمل سببٌ لإحسانِ الله تعالى.اهـ



عباد الله: إذا كان الأمر كذلك، وكانت هزيمة المؤمنين في غزوة أحد بمعصية بعضهم فإنه لا مخرج للأمة من ذلها وهوانها وتخلفها إلا بطاعة الله تعالى، واجتناب معصيته التي هي سبب البلاء والمصائب، ولا رادَّ لتسلط الأعداء على المسلمين إلا اللهُ تعالى، ونصر الله تعالى وتأييده وحفظه إنما يستجلب بطاعته. كما أن معصيته سبب للفشل والهزيمة والخذلان، ولا بدَّ أن يدرك كل مسلم هذه الحقيقة المقررة في القرآن، والتي دلت عليها سنن الله تعالى في عباده؛ فكل عاصٍ من أفراد الأمة مسئول أمام الله تعالى عن ضعف الأمة وهزيمتها بما ينتهك من حرمات الله تعالى، ويأتي من معاصيه، ويفرط في طاعته؛ إذ هو سبب من أسباب الهزيمة والخذلان، ومن منا يزكي نفسه عن المعصية، فإذا كان الأمر كذلك فلنتب من ذنوبنا طلبا لرضى ربنا، وخلاصا لأمتنا من ضعفها وانحطاطها، وتسلط الأعداء عليها.



وأما ما يردده كثير ممن ينعتون أنفسهم بالمفكرين والمثقفين من زعمهم أن الدين هو سبب تخلف الأمة وتقهقرها، وأن التخلي عنه سبب لعزها ورفعتها فلا يعدو أن يكون كمقولة المنافقين حين ظنوا أن دين الله تعالى هو السبب في قتل من قتلوا من المسلمين في غزوة أحد، ولئن أطاعهم الناس فيما يريدون من تبديل دين الله تعالى فلن يزدادوا إلا انحطاطا مع انحطاطهم، مع ما يستوجبونه لأنفسهم من عقوبة الله تعالى في الدنيا والآخرة.



فخذوايا عباد اللهمن غزوة أحد معتبرا، واعلموا أن سنن الله تعالى لا تحابي أحدا، وأن معصية بعض المسلمين جرَّت هزيمة قاسية إلى جيش فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه خيار هذه الأمة، فكيف بنا ونحن في القرون المتأخرة، عسى الله تعالى أن يرحمنا ويعفو عنا.



وصلوا وسلموا....




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18-06-2020, 10:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,585
الدولة : Egypt
افتراضي رد: غزوة أحد

غزوة أحد(1)


الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل



الآيات، والكرامات، والمعجزات


الحمد لله؛ مالكِ الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعزُّ من يشاء، ويذل من يشاء. لا يذل من والاه، ولا يعز من عاداه، وهو على كل شيء قدير. أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا يخرج شيء عن أمره، ولا يعجزه أحد من خلقه، وله الحكمة البالغة في أمره وشرعه: ï´؟ لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ï´¾ [القصص: 88].

وأشهد أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا محمَّدًا عبد الله ورسوله؛ في غزوة أحد جرح وجهه، وكسرت رَبَاعِيَته، وهشمت البيضة على رأسه، فجعل يسلت الدم عن وجهه ويقول: ((كيف يفلح قوم شجّوا نبيهم، وكسروا رَبَاعِيَتَهُ وهو يدعوهم إلى الله))[1].

صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ قوم بذلوا لله نفوسهم وأموالهم، ï´؟ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ï´¾ [آل عمران: 146]. والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.


أما بعد: فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عزَّ وجلَّ فنعم العدة للشدة تقوى الله تعالى وهي المخرج من الفتن، وهي المنجاة من عذابه تبارك وتقدس: ï´؟ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ï´¾ [الزمر: 61]، ï´؟ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ï´¾ [مريم: 71 - 72].

أيها المسلمون: كانت غزوة أحد غزوة عظيمة في أحداثها ومجرياتها، عجيبة في آياتها ومعجزاتها، شديدة في ضرائها وابتلاءاتها، غزيرة في عبرها ودروسها.

وقعت في مثل هذه الأيام في شوال من السنة الثالثة من الهجرة، بعد عام واحد من غزوة بدر التي غَشِيَ المشركين فيها ما غشيهم من هزيمة جيشهم، وقتل سادتهم، وذهاب هيبتهم؛ فأجْمَعُوا أمرهم، وجمعوا حلفاءهم، وأعدوا عُدَّتهم، وعزموا على غزو المسلمين في المدينة، والثأر لما أصابهم في غزوة بدر الكبرى؛ فجرت أحداث عظام في هذه الغزوة المباركة، وظهر صدق الإيمان والتضحية والفداء، وابتلي المسلمون ابتلاءً عظيمًا؛ حتى رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وصل إليه المشركون، ونالوا منه، وكانت الصاعقة الكبرى ما أشيع من قتله عليه الصلاة والسلام ولكن الله تعالى حَفِظَ نَبِيَّه صلى الله عليه وسلم وثبت قلوب المؤمنين، وتلك من أعظم النعم، وأكبر الآيات والمعجزات التي زخرت بها هذه الغزوة!


لقد أكرم الله تعالى الطائفة المؤمنة في غزوة أحد بآيات عظيمة، وخص نبيه صلى الله عليه وسلم بمعجزات باهرة، كانَتْ مُعِينًا للمؤمنين على ثباتهم رغم هزيمتهم، ومقوية لهم في مِحْنَتِهم رغم قلتهم وكثرة عدوهم. ولما اشتد الكرب على المؤمنين، وقوِيَ كَلَبُ الكافرين، وتمكنوا من رِقَاب المُؤْمِنين، وعظم خوف الصحابة رضي الله عنهم من نتائج هذه الغزوة، ودَبَّتِ الفوضى في أوساطهم، ونالهم من التعب ما نالهم، وعلاهم من الغم ما علاهم، وغشيهم من الكرب ما غشيهم؛ ألقى الله تعالى عليهم النعاس وهو النوم الخفيف؛ لينسيهم غمهم، ويزيل تعبهم، ويجدد نشاطهم، فكان ذلك كرامة من الله تعالى لهم، وسكينة عليهم: ï´؟ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ ï´¾ [آل عمران: 154].

قال الزُّبَيْر بن العوام رضي الله عنه: "لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين اشتدَّ علينا الخوف، وأرسل علينا النوم، فما منا أحد إلا وذقنه في صدره..."[2].


وقال أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه: "كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد، حتى سقط سيفي من يدي مرارًا، يسقط وآخذه، ويسقط فآخذه"؛ رواه البخاري[3].

وفي رِوَاية قال أبو طلحـة: "رفعت رأسـي يوم أحد فجعلت أنظر، وما منهم يومئذ من أحد إلا يميد تحت جحفته من النعاس؛ فذلك قوله تعالى: ï´؟ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا ï´¾ [آل عمران: 154][4].


كان من آيات الله تعالى في هذه الغزوة، وإكرامه لعباده المؤمنين: استجابته تبارك تعالى لدعاء بعضهم، وإعطاؤهم ما سألوا؛ كما روى سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه: "أن عبدالله بن جحش قال له يوم أحد: ألا نَدْعُو الله، فَخَلَوَا في ناحية، فدعا سعد فقال: "يا رب إذا لقيت العدو، فلقني رجلاً شديدًا بأسه، شديدًا حَرَدُه - أي غضبه - أقاتله فيك ويقاتلني، ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله، وآخذ سلبه، فأمَّن عبدالله بن جحش، ثم قال: "اللهم ارزقني رجلاً شديدًا حرده، شديدًا بأسه، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني، فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدًا، قلـت: "يا عبدي، فيم جُدِع أنفك وأذنك، فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول: صدقت". قال سعد: "يا بني، كانت دعوة عبدالله بن جحش خيرًا من دعوتي، لقد رأيته آخر النهار وإن أنفه وأذنه لمعلقان في خيط"؛ رواه الحاكم، وقال الذهبي: "صحيح مرسل"[5].


ولما دعا أحد المشركين على نفسه بالسوء استجاب الله دعاءه، فأصابه العذاب كما روى بُرَيْدَة رضي الله عنه: "أن رجلاً قال يوم أحد: اللهم إن كان محمدًا على الحق فاخسف بي، قال: فخسف به"؛ رواه البزار[6].

ومن الآيات العظيمة في غزوة أحد: أن الملائكة حضروها، ودافعوا عن النبي صلى الله عليه وسلم كما روى الشيخان من حديث سعد رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عنه، عليهما ثياب بيض كأشدِّ القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد"[7].

وقد ذكر العلماء أن الملائكة كانوا لحراسة النبي صلى الله عليه وسلم وأن الله تعالى قد وعد المؤمنين بأنهم إن صبروا واتقوا أمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، وكان قد فعل، فلما عصوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوا مصافهم، وترك الرماة عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يبرحوا منازلهم رفع الله عنهم مدد الملائكة، فصدقهم الله وعده، وأراهم الفتح، فلما عصوا أعقبهم البلاء[8]. وبقي من بقي من الملائكة للدفع عن النبي صلى الله عليه وسلم وحفظه من العدو.

ومن أعمال الملائكة في أحد: أنهم غسلوا من كان جُنُبًا من الصحابة رضي الله عنهم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن حنظلة ابن أبي عامر: ((إن صاحبكم تغسله الملائكة فاسألوا صاحبته))، فقالت: "إنه خرج لما سمع الهائعة وهو جُنُب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لذلك غسلته الملائكة))؛ رواه الحاكم[9].


وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أصيب حمزة بن عبدالمطلب وحنظلة بن الراهب وهما جنب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رأيت الملائكة تغسلهما))؛ رواه الطبراني بإسناد حسن[10].

وأظلت الملائكة عبدالله بن حرام رضي الله عنه كما روى ابنه جابرٌ رضي الله عنه قال: "لما قتل أبي جعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي، وينهوني عنه وهو لا ينهاني، فجعلت عمتي فاطمة تبكي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تبكين أو لا تبكين، فما زالت الملائكة تُظِلُّهُ بأجنحتها حتى رفعتموه))؛ رواه الشيخان[11].


وكان رضي الله عنه حريصًا على الشهادة، طالبًا لها، صادقًا في طلبه إيَّاها، قال جابر: "لمَّا حضر أحدٌ دعاني أبي من الليل فقال: "ما أراني إلا مقتولاً في أول من يقتل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإني لا أترك بعدي أعز عليَّ منك، غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن عليَّ دينًا فاقض، واستوص بأخواتك خيرًا، فأصبحنا فكان أول قتيل، ودفن معه آخر في قبر، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر، فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته هُنَيَّةً غير أذنه"؛ رواه البُخَارِيّ[12].

وقد أكرمه الله تعالى بكرامة عظيمة، قال جابر رضي الله عنه: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم": ((يا جابر، مالي أراك منكسرًا؟)) قال: "قلت: يا رسول الله، استشهد أبي وترك عيالاً ودينًا"، قال: ((أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟)) فقال: "بلى يا رسول الله". قال: ((ما كلم الله أحدًا قط إلا من وراء حجاب، وكلَّم أباك كفاحًا، فقال: "يا عبدي، تمن عليَّ أعطك". قال: "يا رب، تحييني فأقتل فيك ثانية"، فقال الرب سبحانه: "إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون"، قال: "يا رب، فأبلغ من ورائي"، قال الله تعالى: ï´؟ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ï´¾ [آل عمران: 169]))؛ رواه الترمذي وابن ماجه[13].


ومن أعظم الآيات في هذه الغزوة: مصير قتلى الصحابة رضي الله عنهم فقد روى ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله عزَّ وجلَّ أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طِيْبَ مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: "من يُبلِّغ إخواننا عنَّا أنا أحياءٌ في الجنة نرزق؛ لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عند الحرب"، فقال الله عزّ وجلَّ: "أنا أبلغهم عنكم؛ فأنزل الله عزَّ وجلَّ: ï´؟ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ï´¾ [آل عمران: 169]))؛ أخرجه أحمد، وأبو داود بإسناد صحيح[14].

أيها الإخوة: كانت تلك بعض الآيات والكرامات التي منَّ الله تعالى بها على المؤمنين في هذه الغزوة العظيمة. وآياتها عظيمة، وكراماتـها كثيـرة، وما لا نعلمه منها أكثر وأكثر. ورغم مُصاب المُسلمين فيها فإن فيها خيرًا عظيمًا، لهم بما ناله الشهداء منهم من الدرجات، والمنازل العالية عند ربهم، وبما استفاده الأحياء منهم من الدروس والعبر، وفي مقدمة ذلك: التزام الطاعة، والبعد عن المعصية التي كانت من أهم أسباب الهزيمة.

أسأل الله تعالى أن يرزقنا الشهادة في سبيله، وأن يعزَّ دينه، ويُعْلِي كلمته، وينصر عباده المؤمنين، إنه سميع مجيب، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.


الخطبة الثانية
الحمد لله، حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واستقيموا على أمره، ولا تغرنكم الدنيا وزخرفها، ولا يغرنكم بالله الغرور.

أيها المؤمنون: من رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين أن يجعل المِحَن والابتلاءات فرصة لمراجعة أنفسهم، وتصحيح أخطائهم، وتجديد العهد مع ربهم؛ فما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة.


ولقد كانت معصية الرماة سببًا للهزيمة في أحد؛ إذ أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بعدم مبارحة أماكنهم مهما كان الأمر، فتركوا مواقعهم، ورأوا أن النصر تحقق، واشتغلوا بجمع الغنائم؛ فجاءهم عدوهم من حيث لم يحتسبوا، وانقلب ميزان المعركة، وتحول النصر إلى هزيمة؛ ليعلم المسلمون خطورة المعصية، وخطورة الأثرة بالرأي والفعل.


وعزا الله تعالىهذه المصيبة التي أصابتهم إلى أنفسهم؛ لأنها كانت بسبب ما كسبوا من العصيان الذي هو أكبر سبب للهزيمة في المعارك فقال سبحانه: ï´؟ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ï´¾ [آل عمران: 165].

فهو سبحانه وتعالى كان قادرًا على نصرهم، بدليل إنزاله الملائكة معهم للقتال، وبدليل نصرهم على المشركين في بدر: ï´؟ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ï´¾ [آل عمران: 123]، ولكن طائفة منهم - هي طائفة الرماة رضي الله عنهم غيروا وبدلوا، وعصوا أميرهم الذي ثبت في نفر قليل، وكان ينهاهم عن ترك مواقعهم، فزال بمعصية الرماة سبب من أسباب تنزل نصر الله تعالى وهو الطاعة، وحلَّت محله المعصية، فتخلف النصر، وأحجم الملائكة عن القتال مع المؤمنين بسبب هذه المعصية، فكانت الهزيمة.


فإذا كان النصر قد تخلف في غزوة أحد بسبب معصية واحدة؛ فهل يستحق المسلمون النصر على أعدائهم، وتأييد الله تعالى لهم وفيهم من العُصاة ألوف بل ملايين، وفيهم من أنواع المعاصي والموبقات ما لا يعلمه إلا الله تعالى؟! معاص في البيوت والأسواق، معاص في الرجال والنساء، معاص في الشيب والشباب، معاص في الإعلام والتعليم والسياسة والاقتصاد، وفي كثير من شؤونهم.

إن الله تعالى ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، ولن يحابي أحدًا من خلقه مهما عظمت منزلته، فعدله - وهو العدل تبارك وتعالى - يأبى ذلك، وقد جعل في الكون سننًا لا تحابي أحدًا من الناس، وقوانين لا تجامل كائنًا من كان، ومن هذه السنن: أن المستحق لنصر الله تعالى هو من يقيم دينه، وينصر شريعته، ويلتزم طاعته؛ ويباعد عن معصيته، فمن حقق ذلك نصره الله تعالى سواء كان شريفًا أم وضيعًا، قريبًا كان أم بعيدًا، وسواء كان جيشه كثيرًا أم قليلاً.


وكم تحتاج الأمة المُسْلِمَة في هذا العصر الذي تكالبت فيه عليها اللأواء والمحن، واجتمع الشر كله من كفار ومنافقين؛ لإنهاء حياتها بإقصاء دينها، وفرض الكفر والنفاق عليها، تحتاج إلى صدق التوجه إلى الله تعالى وترك المعاصي والمحرمات، والاجتهاد في الطاعات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله تعالى حتى لا نكون نحن سببًا في تخلف نصر الله تعالى عن الأمة المسلمة، فمن نصر دين الله تعالى استحق النصر العظيم، والفتح المبين: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ï´¾ [محمد: 7].

وإن اختار المسلمون طريقًا غير ذلك، فبقوا على عصيانهم، وتخلفوا عن طاعة ربهم؛ فإن العاقبة ستكون أليمة، والمصيبة عظيمة، ï´؟ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ï´¾ [محمد: 38].


فانصروا الله عباد الله بإقامة دينه، والتزام طاعته، والبعد عن معصيته؛ ينصركم على أعدائكم. أصلحوا بيوتكم وأولادكم، وانشروا الصلاح فيما بينكم فإنكم إن حققتم ذلك نصرتم على عدوكم، وإن حققه بعضكم، وتخلف الآخرون؛ فقد برئت ذمة الذين أصلحوا أنفسهم، ولن يعذبهم الله في الآخرة بذنوب غيرهم.

ألا وصَلُّوا وسلموا على نبيكم محمد، كما أمركم بذلك ربكم...

[1] أخرجه من حديث أنس رضي الله عنه البخاري معلقًا في المغازي في ترجمة باب: ï´؟ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ï´¾ [آل عمران: 128]، انظر: "الفتح" (7/ 365)، ومسلم في الجهاد والسير باب غزوة أحد (1791).
ونحوه حديث سهل رضي الله عنه عند البخاري في المغازي باب ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد (4075)، ومسلم (1790). ومثله أحاديث أخرى عن أبي هريرة وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم.
[2] عزاه البوصيري في "مختصر اتحاف السادة المهرة" إلى إسحاق بن راهويه (5210)، و(5211)، وسكت عنه، وسكت عنه الحافظ أيضًا في "المطالب العالية" (4259)
[3] أخرجه البخاري في المغازي، باب ï´؟ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا ï´¾ [آل عمران: 154] (4068)، والترمذي في تفسير القرآن باب ومن سورة آل عمران (3008)، وأحمد (4/ 29).
[4] هذه الرواية للترمذي في تفسير القرآن باب، ومن سورة آل عمران (3007).
[5] أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 307 - 308)، وابن الأثير في "أُسْد الغابة" (3/ 195)، وابن سعد في "الطبقات" (3/ 63)، والحاكم مرسلاً وقال: "صحيح على شرطهما لولا إرساله"، وقال الذهبي: "صحيح مرسل" (3/ 199 - 200)، وقال الهيثمي: "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح" (9/ 301 - 302).
[6] أخرجه البزار كما في "كشف الأستار" (1799)، وقال الهيثمي في "الزوائد": "ورجاله رجال الصحيح" (6/ 122).
[7] أخـرجـه البـخـاري في المغازي بـاب: ï´؟ إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُمَا ï´¾ [آل عمران: 122]، (4054)، ومسلم في الفضائل باب قتال جبريل وميكائيل عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد (2306).
[8] رواه البيهقي عن عروة، وقال مجاهد: "لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر" قال البيهقي: "مراده لم يقاتلوا يوم أحد عن القوم، عصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصبروا على أمرهم به". انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (2/ 149 - 150)، و"سبل الهدى والرشاد" للصالحي (4/ 205 - 206).
[9] أخرجه من حديث عبدالله بن الزبير البيهقي (4/ 15)، والحاكم وصححه وقال: "على شرط مسلم، ووافقه الذهبي" (3/ 204 ـ 205)، والطبراني في "الكبير" بنحوه، وحسنه الهيثمي في "الزوائد" (3/ 23).
[10] أخرجه الطبراني في الكبير، وحسنه الهيثمي (3/ 23).
[11] أخرجه البخاري في الجنائز باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه (1244)، ومسلم في الفضائل باب من فضائل عبدالله بن عمرو بن حرام (2471).
[12] أخرجه البخاري في الجنائز باب هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة؟ (1351)، و (1352)، والحاكم (3/ 203).
[13] أخرجه الترمذي في تفسير القرآن باب ومن سورة آل عمران وحسنه (3010)، وابن ماجه في المقدمة باب فيما أنكرت الجهمية واللفظ له (190)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (2043)، والطبري في تفسيره (4/ 173).
[14] أخرجه أحمد (1/ 265)، والآجري في "الشريعة" (392)، وعبد بن حميد في "المنتخب من مسنده" (667), وأبو داود في الجهاد باب فضل الشهادة واللفظ له (2520)، والطبري في "تفسيره" (4/ 113)، والحاكم وصححه وقال: "على شرط مسلم، ووافقه الذهبي" (2/ 88).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18-06-2020, 10:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,585
الدولة : Egypt
افتراضي رد: غزوة أحد

غزوة أحد(2)


الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل



الابتلاءات والمصائب


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ï´¾ [آل عمران: 102]، ï´؟ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ï´¾ [النساء: 1]، ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ï´¾ [الأحزاب: 70 - 71].

أما بعد: فإن أحسن الحديث كلام الله تعالى وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


أيها المسلمون: لم يجعل الله تعالى الدنيا دار نعيم لأوليائه، ولا مستقرًّا دائمًا لعباده؛ ولكنه أرادها بحكمته دار ابتلاء واختبار وتمحيص، يمحصُ عباده بالبلايا، ويختبرهم بالمحن، ويبتليهم بالضراء؛ ليظهر الصادقُ من الكاذب، ويتمايز الخبيث من الطيب: ï´؟ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ العَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ المُنَافِقِينَ ï´¾ [العنكبوت: 10 - 11].

إنها ابتلاءات ومِحَن ذاق مصيبتها وألمها خير الناس، وأفاضل الخلق من النبيين والمرسلين، وأتباعهم المؤمنين المستضعفين، ولم يسلم من البلاء والمحنة خيارُ هذه الأمة الخاتمة: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وكان من عظيم ما مرَّ بهم من بلاء، وما أصابهم من مصيبة: ما وقع عليهم في شهر شوال من السنة الثالثة من الهجرة[1]، حينما تسلط كفارُ مكة وحلفاؤهم عليهم، وغزوهم في ديارهم؛ فكانت وقعة أُحُد التي كانت مصيبتها شديدة، ومحنتها أليمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.

سمى الله تعالى ما أصابهم في هذه الغزوة من قتل وجراحات مصيبة، ونسب سبب هذه المصيبة إلى أنفسهم؛ لأنَّ الرُّمَاة عَصَوْا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ما كان من قدر الله تعالى الذي قدَّره على عباده المؤمنين، وكان في هذا الابتلاء من الخير العظيم ما كشف نفاق كثير من المنافقين، قال الله تعالى في شأن هذه المصيبة التي نزلت بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام رضي الله عنهم: ï´؟ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ المُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ï´¾ [آل عمران: 165 - 166].


كانت بوادر المصيبة قبل وقوعها في رؤيا رآها النبي صلى الله عليه وسلم قبل الغزوة، روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((رأيت في سيفي ذِي الْفَقَارِ فَلًّا، فَأَوَّلْتُهُ فَلًّا يكون فيكم - أي انهزامًا - ورأيت أني مُرْدِفٌ كبشًا فأولته كبش الكتيبة، ورأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة، ورأيت بقرًا تذبح، فبقر والله خير، فبقر والله خير، فكان الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم"؛ رواه أحمد والترمذي[2].

وفي حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رأيت في رؤياي أني هَزَزْتُ سيفًا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء به الله من الفتح، واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها بقرًا والله خير، فإذا هم المؤمنون يوم أحد))؛ رواه الشيخان[3].


لقد كان من بِدَايات ابتلاءات غزوة أحد ومصيبتها ما فعله المنافقون من التخذيل والإرجاف، وانخذالهم من الجيش، ورجوعهم عن الغزو في ساعة حرجة عصيبة، يقودهم في إرجافهم وانخذالهم من الجيش عبدالله بن أبي ابن سلول، الذي كان يقول وهو يخذل: "ما ندري علام نقتلُ أنفسنا ههنا أيها الناس"، فرجع بِمَنْ تَبِعَهُ من قومه من أهل الريب والنفاق، فأتبعهم عبدالله بن عمرو بن حرام يناصحهم وينشدهم الرجوع ويقول: "يا قوم، أذكركم الله ألا تخذلوا قَوْمَكُم ونبِيَّكم عند من حضر من عدوهم"، فقالوا: "لو نعلم أنَّكم تقاتلون لما أسلمناكم، ولكن لا نرى أنه يكون قتال"، قال: "فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف قال: أبعدكم الله، أعداء الله، فسيغني الله عنكم نَبِيَّه"[4].

وعلى إثر انسحاب المنافقين كادَتْ أن تنسحب قبيلتان من الأنصار عن القتال؛ ولكن الله تعالى ثبتهم فبَقُوا. قال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: "نزلت هذه الآية فينا: ï´؟ إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا ï´¾ [آل عمران: 122] بني سلمة وبني حارثة، وما أحب أنها لم تنزل والله يقول: ï´؟ وَاللهُ وَلِيُّهُمَا ï´¾ [آل عمران: 122]"؛ رواه الشيخان[5].


مضى الجيش بعد انسحاب المُنَافِقِين إلى أرض المعركة، ورصَّ النبي صلى الله عليه وسلم الصُّفُوف، وقَسَّمَ المُهِمَّات، ووضع الرماة على الجبل وقال لهم: ((إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا من مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم))[6].

وبدأت المعركة، والتحم الجيشان، وانتصر المسلمون، ولكن الرماة بارحوا أماكنهم، واشتغلوا بجمع الغنائم، فالتفت خيَّالة المشركين عليهم من ورائهم، قال الزبير بن العوم رضي الله عنه: "والله إني لأنظر يومئذ إلى خَدَم النساء مشمّرات يسعين حين انهزم القوم، وما أرى دون أخذِهِنَّ شيئًا، وإنا لنحسبهم قتلى ما يرجع إلينا منهم أحد.. فوالله إنا لكذلك قد علوناهم، وظهرنا عليهم؛ إذ خالفت الرماة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذون الأمتعة، فأتتنا الخيلُ فحطمتنا، وكرَّ الناس منهزمين، فصرخ صارخ يَرَوْنَ أنّه الشيطان: ألا إنَّ محمَّدًا قد قتل، فأعظم الناس، وركب بعضهم بعضًا، فصاروا أثلاثًا: ثلثًا جريحًا، وثلثًا مقتولاً، وثلثًا منهزمًا"[7].


ونال النبي صلى الله عليه وسلم نصيبه من ابتلاءاتها ومصيبتها؛ فجرح صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، فجعل يسلت الدم عن وجهه ويقول: ((كيف يفلح قومٌ شجوا نبيهم، وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم إلى الله))، فأنزل الله تعالى: ï´؟ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ï´¾ [آل عمران: 128]"؛ رواه الشيخان[8].

لقد أصاب المسلمين شدةٌ شديدة، وكربٌ عظيم لما سمعوا بإشاعة مَقْتَل النبي صلى الله عليه وسلم ورأى منهم من رأى وجهه يدمى، واضطربت صفوفهم، وركبهم المشركون يقتلون ويجرحون، وصار المسلمون يضارب بعضهم بعضًا خطأ من شدة ما نزل بهم من ألم المصيبة، وعظيم البلاء.

روى البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "لما كان يوم أحد هُزم المسلمون فصرخ إبليس لعنة الله عليه: "أي عباد الله، أُخراكم، فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم، فبصر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان، فقال: أي عباد الله، أبي، أبي. قالت: فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه"، فقال حذيفة: "يغفر الله لكم"[9].


فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَدِيَه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين، فزاده ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا[10].

وبلغ من شدة مصيبة هذه الغَزْوة، وما لحق المسلمين فيها من ألم أن عليًّا رضي الله عنه ظَنَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد رفع إلى السماء، قال رضي الله عنه: "لما انجلى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد نظرت إلى القتلى فلم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم، فقلتُ: واللهِ ما كان ليفِرَّ، وما أراه في القتلى، ولكن أرى اللهَ غضب علينا بما صنعنا فرفع نبيه صلى الله عليه وسلم فما فيَّ خير من أن أقاتل حتى أُقتل، فكسرت جفن سيفي، ثم حملته على القوم فأفرجوا إلي فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم"؛ رواه أبو يَعْلَى بإسناد حسن[11].


ومع إصابة النبي صلى الله عليه وسلم بالجِرَاحات، ومقتل جمع من أصحابه رضي الله عنهم فإنه أصيب أيضًا بمقتل عمه حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه روى كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أُحُد: "من رأى مقتل حمزة؟ فقال رجل أعزل: أنا رأيت مقتله، فقال: فانطلق وأرِنَاه، فخرج حتى وقف على حمزة، فرآه قد شُق بطنه، وقد مُثِّل به، فقال: يا رسول الله، مُثِّل به والله، فكَرِهَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينظر إليه، ووقف بين ظهرانَيِ القتلى فقال: ((أنا شهيد على هؤلاء، كفنوهم في دمائهم، فإنه ليس جرح يجرح في الله إلا جاء يوم القيامة يدمَى، لونه لون الدم، وريحه ريح المسك، قدموا أكثرهم قرآنًا فاجعلوه في اللحد))[12].

اللهم ارْضَ عن شُهداء أحد، وعن الصحابة أجمعين، وعن شهداء المسلمين في كل زمان ومكان، واحشرنا في زمرتهم يا رب العالمين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ï´؟ مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ï´¾ [الأحزاب: 23].

بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم..


الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعْدُ: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واثبتوا عباد الله على دينكم، واشكروا في النعماء، واصبروا في البلاء.

أيها الإخوة المؤمنون: لقد كان من ابتلاءاتِ غزوة أحد كثرة القتلى وقلة الثياب، قال أنس رضي الله عنه: "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة يوم أحد فوقف عليه فرآه قد مُثِّل به"، فقال: ((لولا أن تجد صفية في نفسها لتركته حتى تأكله العافية حتى يحشر من بطونها))، قال: ثم دعا بنَمِرَة فكفَّنه فيها فكانت إذا مُدَّت على رأسه بدت رجلاه، وإذا مُدَّتْ على رجليه بدا رأسه، قال: فكثر القتلى، وقلَّت الثياب، قال: "فكُفن الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد، ثم يدفنون في قبر واحد"[13].


وعن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: "أنه أُتي بطعام، وكان صائمًا، فقال: قُتل مصعب بن عمير، وهو خير مني، كفن في بردة، إن غُطي رأسه بدت رجلاه، وإن غُطي رجلاه بدا رأسه، وأراه قال: وقُتل حمزة وهو خير مني، ثم بُسط لنا من الدنيا ما بسط، أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام"؛ رواه البخاري[14].

وعن خَبَّاب بن الأَرَت رضي الله عنه قال: "هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نُريد وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمِنَّا مَنْ مَضَى لم يأخذ من أجره شيئًا، منهم: مصعب بن عمير قتل يوم أحد، وترك نَمِرة، فكنا إذا غطينا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجليه بدا رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه، ونجعل على رجليه شيئًا من الإذخر، ومنا من أيْنَعَتْ له ثمرته فهو يهدبها"؛ رواه الشيخان[15].

وبعد انتهاء المعركة، ورغم ما أصابهم فيها من ألم المصيبة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ((استووا حتى أثني على ربي، فصاروا خلفه صفوفًا، ووقف طويلاً يثني على الله تعالى بما هو أهل له))[16].


إن ألم المصيبة، والجراحات التي نالته، وشدة الفاجعة بعمه حمزة وبأصحابه رضي الله عنهم ما أنساه نعم الله تعالى عليه، وعلى البقية الباقية من المؤمنين، وهي نعم كثيرة ليست هذه المصيبة أو غيرها من المصائب توازيها أو تدانيها. ثُمَّ إنَّ ما أصابهم كان بمعصية منهم؛ كما قال سبحانه: ï´؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ï´¾ [آل عمران: 165].

وهكذا يجب أن يكون حال المؤمن إذا أحاطت به الابتلاءات، وعظمت في حقه المصائب والنكبات أن ينظر إلى نِعَم الله تعالى عليه، ويقارنها بما أصابه؛ حتى يشكر الله تعالى على نعمه، ويصبر على مُصابه، ثم ليبحث عن أسباب هذه المصائب والابتلاءات فإنه سيجد أنها من عند نفسه بسبب ذنوب أصابها، أو حقوق ضيعها؛ فتكون تلك المصائب والابتلاءات تمحيصًا لذنوبه، وتكفيرًا لسيئاته؛ كما قال الله تعالى في سياق الحديث عن ابتلاء المؤمنين ومصيبتهم في غزوة أحد: ï´؟ وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ ï´¾ [آل عمران: 141].


ألا فاتقوا الله ربكم، واشكروه على نعمه، واصبروا على ابتلاءاته، واعبدوه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون والمنافقون.

وصلوا وسلموا على نبيكم، كما أمركم بذلك ربكم...

[1] كانت غزوة أحد يوم السبت النصف من الشوال في السنة الثالثة من الهجرة، انظر: "مغازي الواقدي" (1/ 199)، و"طبقات ابن سعد" (2/ 36)، و"تاريخ خليفة" (97)، و"سيرة ابن إسحاق" (324)، و"تفسير الطبري" (4/ 70)، و"المعجم الكبير" للطبراني (3/ 141)، برقم: (2929)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (6/ 124)، ورجاله ثقات.
[2] أخرجه أحمد (1/ 271)، واللفظ له، والترمذي في السير باب النفل (1561) وحسنه، وابن ماجه في الجهاد باب السلاح (2808)، والبيهقي (7/ 41)، والطبري في تفسيره (4/ 165)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (2/ 128)، وحسنه ابن كثير في "البداية والنهاية" (4/ 11)، وصححه الساعاتي في "الفتح الرباني" (7/ 221)، والشيخ أحمد شاكر في "شرحه على المسند" (2445)، وكبش الكتيبة المذكور في الحديث هو: عثمان بن أبي طلحة حامل لواء المشركين؛ كما جاء مُصرّحًابه في رواية الطبري.
وفي "الطبقات" (2/ 40)، أنه طلحة بن أبي طلحة، وقد بارزه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله، فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[3] أخرجه البخاري في المغازي باب من قتل من المسلمين يوم أحد (4081)، ومسلم في الرؤيا باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم (2272).
[4] "سيرة ابن هشام" (4/ 10)، و"الاكتفاء" للكلاعي (2/ 67)، و"تفسير الطبري" (4/ 168)، و"تاريخه" (2/ 60)، و"البداية والنهاية" (4/ 13)، و"السيرة الحلبية" (2/ 494).
[5] أخرجه البخاري في المغازي باب: ï´؟ إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا ï´¾ [آل عمران: 122] (4051)، ومسلم في فضائل الصحابة باب فضائل الأنصار (2505).
[6] أخرجه من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه البخاري في المغازي باب غزوة أحد (4043)، وأبو داود في الجهاد باب في الكمناء (2662) واللفظ له، وأحمد (4/ 293 - 294).
[7] أخرجه إسحاق بن راهويه من حديث وهب بن جرير بن حازم حدثنا أبي قال: سمعت محمد بن إسحاق، يقول: حدثني يحيى بن عباد عن أبيه عن عبدالله بن الزبير رضي الله عنه فذكره كما في "المطالب العالية" لابن حجر، وقال: هذا إسناد صحيح له شاهد في الصحيح من حديث البراء (4257)، وصححه البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة" (4562)، والمقصود بخدم النساء: خلاخيلهن التي في أرجلهن، وهو جمع (خَدَمَة) ويجمع على (خِدَام) كما في "النهاية" (2/ 15)، و"القاموس" (1421) مادة (خدم).
[8] أخرجه من حديث أنس رضي الله عنه البخاري معلقًا في المغازي باب: ï´؟ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ï´¾ [آل عمران: 128]، من حديث حميد الطويل وثابت "الفتح" (7/ 422)، وحديث حميد وصله أحمد (3/ 99) والترمذي في تفسير القرآن؛ باب من سورة "آل عمران" (3002 - 3003)، وابن ماجَهْ في الفتن باب: "الصبر على البلاء" (4027)، وأما حديث ثابت فوصله مسلم في الجهاد والسير؛ باب غزوة أحد (1791).
[9] أخرجه البخاري في "المغازي" باب: ï´؟ إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا ï´¾ (4065)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (36743)، والبيهقي (8/ 131).
[10] هذه الزيادة لابن إسحاق كما في "سيرة ابن هشام" (2/ 87 - 88)، وأخرجها دون الجملة الأخيرة: "فزاده ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا" أحمد في "المسند" (5/ 429)، والحاكم (3/ 380).
[11] أخرجه أبو يعلى (546)، وحسنه البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة" (4571).
[12] أخرجه ابن أبي شيبة في "مسنده" (502)، وفي "مصنفه" (7/ 372)، برقم: (36787)، وأحمد (5/ 431)، والبيهقي (4/ 11)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (3/ 13)، وقال البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة" (4576): "رواته ثقات".
[13] أخرجه أحمد (3/ 128)، وأبو داود في الجنائز باب في الشهيد يغسل (3136)، والترمذي في الجنائز باب ما جاء في قتلى أحد وذكر حمزة وحسنه (1016)، واللفظ له، وابن أبي شيبة (7/ 367)، برقم (36752)، وابن سعد في "الطبقات" (3/ 14)، والدارقطني (4/ 116)، والبيهقي (4/ 10)، والحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي (3/ 196)، والطبراني في "الكبير" (3/ 144)، برقم: (2939).
[14] أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة أحد (4045)، وابن المبارك في الجهاد (1/ 83) برقم: (96).
[15] أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة (3897)، ومسلم في الجنائز باب كفن الميت (940).
[16] أخرجه أحمد (3/ 424)، والبخاري في "الأدب المفرد" (699)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (609)، والطبراني في "الكبير" (5/ 47) برقم: (4549)، وأبو نُعَيْم في "الحلية" (10/ 127)، وصححه الألباني في صحيح "الأدب المفرد" (538).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 113.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 111.07 كيلو بايت... تم توفير 2.63 كيلو بايت...بمعدل (2.32%)]