والله يعصمك من الناس - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         نباتات منزلية تمتص رطوبة الصيف من البيت.. الصبار أبرزها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          طريقة عمل برجر الفول الصويا.. وجبة سريعة وصحية للنباتيين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          4 وسائل علمية لتكون أكثر لطفًا فى حياتك اليومية.. ابدأ بتحسين طاقتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          وصفة طبيعية بالقهوة والزبادى لبشرة صافية ومشرقة قبل المناسبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          3 عادات يومية تزيد من تساقط الشعر مع ارتفاع درجات الحرارة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          6 خطوات فى روتين الإنقاذ السريع للبشرة قبل الخروج من المنزل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          تريندات ألوان الطلاء فى صيف 2025.. الأحمر مع الأصفر موضة ساخنة جدًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          طريقة عمل كرات اللحم بالبطاطس والمشروم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          وصفات طبيعية لتقشير اليدين بانتظام.. من السكر لزيت جوز الهند (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          أبرز 5 تريندات ديكور منزلى في صيف 2025.. لو بتفكر تجدد بيتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-06-2020, 09:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي والله يعصمك من الناس

والله يعصمك من الناس(1)


الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل






عصمته صلى الله عليه وسلم من المشركين








الحمد لله الولي الحميد؛ ابتلى عباده بالدين، وهداهم إلى الحق المبين، نحمده على نعمه العظيمة، وآلائه الجزيلة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ اتسعت رحمته فشملت من شاء من خلقه، وعظم حلمه فلم يعاجل بالعقوبة عباده ﴿ وَرَبُّكَ الغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ العَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا ﴾ [الكهف:58] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ بلغ رسالة ربه، ونصح لأمته، واحتمل في ذات الله تعالى جفوة القريب والبعيد، وصبر على أذى المشركين واليهود والمنافقين، حتى أقام الله تعالى به الدين، وأظهر الحنيفية، ودحر الكفر والكافرين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ فَدَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنفسهم وأولادهم وأموالهم، فَسِهروا في الحراسة لينام، وجاعوا في المخمصة ليشبع، وبذلوا ما يملكون لنصرة دعوته، وأعانوه على تبليغ رسالة ربه، وقد قيل للصديق: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله؛ فرضي الله عنهم وأرضاهم، وجزاهم عن المسلمين خير الجزاء، ونبرأ إلى الله تعالى ممن تنقصهم وآذاهم من الملاحدة والرافضة والمنافقين، ورضي الله تعالى عن أتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.



أما بعد: فاتقوا الله ربكم، واستمسكوا بدينكم، والزموا سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ﴿ وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلَاغُ المُبِينُ ﴾ [المائدة:92].



أيها الناس: من طبيعة الباطل أنه لا يقف أمام الحق، ومن شأن أهل الضلال أذيتهم لأهل الهدى؛ خوفا على باطلهم من كشف أهل الحق له. وما من سبيل في غواية الناس وإضلالهم إلا سلكوه، فإن جادلوا عن باطلهم لم يكونوا من أهل الصدق والعدل، بل يلبسون الحق بالباطل، ويفترون الكذب، ويخفون الحق، وتلك هي طبيعة الكفار والمنافقين قديما وحديثا ﴿ وَمَا نُرْسِلُ المُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ ﴾ [الكهف:56]. وفي الآية الأخرى ﴿ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ ﴾ [غافر:5].



وما من أهل هدى وحق من النبيين وأتباعهم إلا حوربوا وأوذوا في ذات الله تعالى من لدن نوح عليه السلام إلى يومنا هذا، وقد قتل عدد كبير من الأنبياء والمصلحين لا لشيء إلا لدعوتهم للحق، ووقوفهم ضد الباطل وأهله.



ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم هو إمام أهل الحق والهدى، وأكبر من جاهد الباطل وأهله قديما وحديثا، فاحتمل في سبيل الله تعالى أذية المشركين في مكة، ثم أذية اليهود والمنافقين في المدينة، ثم أذية النصارى خارج الجزيرة، وقد حاول الأعداء قتله غير مرة، فعصمه الله تعالى منهم إلى أن اختاره إلى جواره.



كيف؟! وقد خاطبه ربه عز وجل فقال سبحانه ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة:67] وفي آية أخرى ﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ﴾ [البقرة:137].



لقد أحاط الله تعالى نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام بحفظه ورعايته، وعصمه من مكر المشركين أفرادا وجماعات، رجالا ونساء، قبل الهجرة وبعدها، ورد كيدهم عليهم فانقلبوا خاسرين خائبين.



كان رأس الكفر أبو جهل أكثر الناس عداوة للنبي عليه الصلاة والسلام، وحاول قتله غير مرة، فحال الله تعالى بينه وبين نيته الخبيثة، وذات مرة قال أبو جَهْلٍ: (هل يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بين أَظْهُرِكُمْ؟ فَقِيلَ: نعم، فقال: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذلك لَأَطَأَنَّ على رَقَبَتِهِ أو لَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ في التُّرَابِ قال فَأَتَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو يُصَلِّي زَعَمَ لِيَطَأَ على رَقَبَتِهِ، قال: فما فَجِئَهُمْ منه إلا وهو يَنْكُصُ على عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ، فَقِيلَ له: مالك؟ فقال: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا من نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.



وكان أبو جهل يَعتزُّ بعصبته، ويهدد النبي عليه الصلاة والسلام بعزوته من المشركين، ولكن الله تعالى أقوى وأعز، روى ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فَجَاءَ أبو جَهْلٍ فقال: أَلَمْ أَنْهَكَ عن هذا؟ أَلَمْ أَنْهَكَ عن هذا؟ فَانْصَرَفَ النبي صلى الله عليه وسلم فَزَبَرَهُ، فقال أبو جَهْلٍ: إِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما بها نَادٍ أَكْثَرُ مِنِّي، فَأَنْزَلَ الله تعالى ﴿ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ﴾ [العلق:17 - 18] فقال ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: فَوَالله لو دَعَا نَادِيَهُ لَأَخَذَتْهُ زَبَانِيَةُ الله تعالى) رواه الترمذي وصححه.



وكان من عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام، وكفايته له حفظه إياه من سلاطة لسان امرأة أبي لهب، حمالة الحطب، وكانت خبيثة بذيئة؛ كما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لما نزلت تبت يدا أبي لهب جاءت امرأة أبي لهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله، إنها امرأة بذيئة وأخاف أن تؤذيك فلو قمت، قال: إنها لن تراني، فجاءت فقالت: يا أبا بكر، إن صاحبك هجاني، قال: لا وما يقول الشعر قالت: أنت عندي مصدق، وانصرفت، فقلت: يا رسول الله، لم ترك؟ قال: لا، لم يزل ملك يسترني عنها بجناحه) رواه أبو يعلى وصححه ابن حبان.



وعلى مستوى الجماعة يتذاكر الرهط من قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون أذيته، وصده عن دعوته، ويتنادون على عمل شيء ضده فما أن يراهم ويكلمهم حتى يقذف الله تعالى الرعب في قلوبهم، فلا ينطقون بما عزموا عليه من أمرهم؛ كما روى عبد الله بنُ عَمْرِوٍ رضي الله عنهما: أن قريشا اجْتَمَعَ أَشْرَافُهُمْ يَوْماً في الْحِجْرِ فَذَكَرُوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: ما رَأَيْنَا مِثْلَ ما صَبَرْنَا عليه من هذا الرَّجُلِ قَطُّ: سَفَّهَ أَحْلاَمَنَا وَشَتَمَ آبَاءَنَا وَعَابَ دِينَنَا وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا وَسَبَّ آلِهَتَنَا، لقد صَبَرْنَا منه على أَمْرٍ عَظِيمٍ أو كما قالوا قال: فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إذا طَلَعَ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلَ يمشي حتى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ طَائِفاً بِالْبَيْتِ فلما أَنْ مَرَّ بِهِمْ غَمَزُوهُ بِبَعْضِ ما يقول، قال: فَعَرَفْتُ ذلك في وَجْهِهِ ثُمَّ مَضَى، فلما مَرَّ بِهِمْ الثَّانِيَةَ غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا، فَعَرَفْتُ ذلك في وَجْهِهِ ثُمَّ مَضَى، ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ الثَّالِثَةَ فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا فقال: تَسْمَعُونَ يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَمَا والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيده لقد جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ، فَأَخَذَتِ الْقَوْمَ كَلِمَتُهُ حتى ما منهم رجلا إلا كَأَنَّمَا على رَأْسِهِ طَائِرٌ وَاقِعٌ، حتى إن أَشَدَّهُمْ فيه وصاةً قَبْلَ ذلك ليرفأه بِأَحْسَنِ ما يَجِدُ مِنَ الْقَوْلِ حتى إنه لَيَقُولُ: انْصَرِفْ يا أَبَا الْقَاسِمِ، انْصَرِفْ رَاشِداً؛ فَوَالله ما كُنْتَ جَهُولاً) رواه أحمد وصححه ابن حبان.



وذات مرة تآمر جمع من المشركين على النبي عليه الصلاة والسلام، وتواصوا فيما بينهم على قتله، وبيتوا الغدر به، ولكن الله تعالى عصمه منهم؛ كما روى ابنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: (إِنَّ الْمَلأَ من قُرَيْشٍ اجْتَمَعُوا في الْحِجْرِ فَتَعَاقَدُوا بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى ومنات الثَّالِثَةِ الأُخْرَى وَنَائِلَةَ وَإِسَافٍ لو قد رَأَيْنَا مُحَمَّداً لقد قُمْنَا إليه قِيَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فلم نُفَارِقْهُ حتى نَقْتُلَهُ فَأَقْبَلَتِ ابْنَتُهُ فَاطِمَةُ رضي الله عنها تبكي حتى دَخَلَتْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: هَؤُلاَءِ الْمَلأُ من قُرَيْشٍ قد تَعَاقَدُوا عَلَيْكَ لو قد رَأَوْكَ لقد قَامُوا إِلَيْكَ فَقَتَلُوكَ فَلَيْسَ منهم رَجُلٌ إلا قد عَرَفَ نَصِيبَهُ من دَمِكَ، فقال: يا بُنَيَّةُ، أريني وضوءً، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ دخل عَلَيْهِمُ الْمَسْجِدَ فلما رَأَوْهُ قالوا: هَا هو ذَا، وَخَفَضُوا أَبْصَارَهُمْ، وَسَقَطَتْ أَذْقَانُهُمْ، في صُدُورِهِمْ وَعُقِرُوا في مَجَالِسِهِمْ فلم يَرْفَعُوا إليه بَصَراً، ولم يَقُمْ إليه منهم رَجُلٌ فَأَقْبَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام على رؤوسهم فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ فقال: شَاهَتِ الْوُجُوهُ، ثُمَّ حَصَبَهُمْ بها، فما أَصَابَ رَجُلاً منهم من ذلك الْحَصَى حَصَاةٌ إلا قُتِلَ يوم بَدْرٍ كَافِراً) رواه أحمد وصححه ابن حبان.



ولما هاجر عليه الصلاة والسلام، واختبأ في الغار، واشتد طلب المشركين له؛ خاف أبو بكر رضي الله عنه أن يدركوه، ولكن عصمه الله تعالى منهم، قال أبو بكر رضي الله عنهما: (نَظَرْتُ إلى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ على رُءُوسِنَا وَنَحْنُ في الْغَارِ فقلت: يا رَسُولَ الله، لو أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إلى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فقال: يا أَبَا بَكْرٍ، ما ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا) رواه الشيخان، فأنزل الله تعالى خبر ذلك في كتابه العزيز ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40].



وفي هجرتهما إلى المدينة اشتدَّ الطلب عليهما، قال أبو بكر رضي الله عنه: (وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بنُ مَالِكٍ فقلت: أُتِينَا يا رَسُولَ الله، فقال: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَدَعَا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فَارْتَطَمَتْ بِهِ فَرَسُهُ إلى بَطْنِهَا أُرَى في جَلَدٍ من الأرض فقال: إني أُرَاكُمَا قد دَعَوْتُمَا عَلَيّ،َ فَادْعُوَا لي فَاللَّهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ، فَدَعَا له النبي صلى الله عليه وسلم فَنَجَا فَجَعَلَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إلا قال: كَفَيْتُكُمْ ما هُنَا فلا يَلْقَى أَحَدًا إلا رَدَّهُ، قال: وَوَفَى لنا) رواه الشيخان.



وهذا من المعجزات العظيمة، الدالة على عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام؛ إذ ساخت قوائم الفرس إلى بطنها حتى لا تتحرك في أرض صلبة لم تجر العادة أن الدواب تسيخ فيها.



فالحمد الله الذي حفظ نبيه صلى الله عليه وسلم من كيد المشركين، والحمد لله الذي هدانا على يديه لدينه العظيم ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلَا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشُّورى:52].



أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.....





الخطبة الثانية




الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما ينبغي لجلاله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.




أما بعد: فاتقوا الله ربكم أيها المسلمون واعرفوا للنبي عليه الصلاة والسلام حقه، واتبعوا دينه، وادعوا بدعوته، وادرؤوا عنه أذى الكافرين والمنافقين والمرتدين؛ فإن اتباعه عليه الصلاة والسلام وتوقيره وتبجيله من أسباب الفلاح ﴿ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف:157].




أيها المسلمون: تشتد في هذا الزمن حملات الكفار والمنافقين على النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى ما بلَّغ من القرآن والدين.. لقد دنسوا القرآن ومزقوه وأهانوه، ورفضوا أحكام الشريعة ونفَّروا الناس منها، وصدوا عن سبيل الله تعالى، وسخروا بالنبي عليه الصلاة والسلام.





لقد أعلن أئمة الكفر في هذا العصر عداءَهم للإسلام، وأظهروا ما كانوا يبطنون من شدة عداوتهم لأهل الإيمان، واستوى في ذلك ساستهم ورهبانهم، وقبل عامين من الآن نظمت إحدى المجلات الدانمركية مسابقة في رسم النبي عليه الصلاة والسلام، وتصويره للناس في أبشع صورة، ونشرت صورا عدة، فانتفضت الشعوب الإسلامية غضبا لله تعالى أن ينتقص نبيه عليه الصلاة والسلام، وتمايزت حينها صفوف المؤمنين من المخذلين والمنافقين الذين كانوا يقللون من أهمية الحدث، وعملت الشعوب ما تستطيع من مقاطعة بضائع الظالمين حتى كسدت تجارتهم في بلاد المسلمين، فوقفت بعض دول الكفر معهم تعينهم على إثمهم، وتستقبل بضائعهم، وتنشر رسومهم الآثمة في صحفهم، وما اعتذروا عن فعلتهم الفاجرة، ولا أبدوا ندما عليها. ولكن طائفة من المسلمين ذهبوا إليهم في ديارهم لعقد مؤتمر عن النبي عليه الصلاة والسلام، وفي نهايته نشروا بيانا يدعون فيه إلى إنهاء المقاطعة، ففتوا في عضد المسلمين، وتبعهم فيما قرروا كثير من الناس، فهدأ هذا الحدث سنتين، وكاد الناس أن ينسوا تلك الجريمة البشعة، فعاد النصارى الحاقدون إلى توسيع فعلتهم النكراء إذ تناقل الإعلام بالأمس أن الرسوم الساخرة بالنبي عليه الصلاة والسلام قد نُشرت في سبع عشرة صحيفة دنمركية، وهذا يدل على شدة عداوتهم للإسلام وأهله، وأنهم لن يرضوا عن المسلمين حتى يخرجوهم من إسلامهم.







لقد دلت هذه الحادثة النكراء -كما دلت أحداث كثيرة غيرها- دلت على أن دعاة السلام وحملة الشعارات الإنسانية والتعايش السلمي ما هم إلا جهلة واهمون حالمون، قد أعرضوا عن كتاب الله تعالى، وجهلوا التاريخ، ولم يبصروا الواقع، وأن ذِلتهم واستجداءهم للكفار والمنافقين، وتسولهم على أبوابهم وصحفهم قد حجب أبصارهم، وطبع على قلوبهم، فلم يدركوا الحقائق كما هي، بل نظروا إليها بأبصار الأعداء، وهاهم أولاء أعداء النبي عليه الصلاة والسلام ينشرون جريمتهم في نطاق أوسع، فماذا سيقول الحالمون بالشعارات الإنسانية؟ وبأي وجه يقابل المخذلون أمتهم؟ وماذا سيقولون لربهم يوم القيامة؟



إن هذه المصائب العظيمة من إزارء الكافرين والمنافقين بربنا جل جلاله، وبقرآننا الكريم، وبرسولنا محمد عليه الصلاة والسلام، وسخريتهم بالشريعة الربانية؛ باتت تتكرر وتتنوع، ويقتسم الكفار والمنافقون والمخذلون أدوارها وفصولها؛ ليخدروا الأمة المسلمة، ويُمِيتوا قلوب المسلمين عن الشعور بفداحة ما يفعلون؛ فيألف المسلمون التعدي على مقدساتهم، وانتهاك حرمات دينهم، فلا تتحرك قلوبهم بشيء.



إن الله تعالى قد انتصر لنبيه عليه الصلاة والسلام من المشركين ومن اليهود ومن المنافقين، وعصمه من دسائسهم ومكرهم، وجعلهم الأذلين الأرذلين المهزومين، ورفع رسوله صلى الله عليه وسلم مكانا عليا، وهو سبحانه قادر على أن ينتصر له في هذا العصر من كفرة أهل الكتاب الذين تنقصوه، ولكنه الابتلاء والامتحان لعباده المؤمنين، وكم على وجه الأرض من مسلم يؤمن بالنبي عليه الصلاة والسلام؟! أفلا ينتصرون له؟!



إن من قرأ التاريخ وعرفه لن يجد حقبة من الزمن استطال فيها الكفار والمنافقون على مقدسات المسلمين كهذا الزمن الذي نعيشه، فويلٌ للمسلمين وقد تجاوزا المليار مسلم من أقلام التاريخ وتدوينه لهذه الأحداث العظيمة، ولولا تخاذل المسلمين حكاما ومحكومين عن النصرة لما أحدث الكفار والمنافقون كل حين قارعة أخرى.



إن الكفار والمنافقين في زمننا هذا لم يروا النبي عليه الصلاة والسلام، وليس بينهم وبينه عداوة شخصية، وإنما نقموا منه ما جاء به من الدين الذي ندين به، والقرآن الذي نقرؤه، والشريعة التي نلتزمها، أفلا يكون فينا -عباد الله- غيرة لله تعالى على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وقد كان الناصح لنا، المشفق علينا، الرحيم بنا؟ كيف!! وأعظم خير نلناه وهو الإيمان إنما كان عن طريقه عليه الصلاة والسلام، وأعظم شرٍ نجانا الله تعالى منه وهو الكفر إنما نجينا منه بتحذيره عليه الصلاة والسلام.



إن أعظم شيء أغاظ الكفار والمنافقين هو التزام الإسلام، وانتشار مظاهره وشعائره بين الناس، وإن أعظم شيء ننصر به نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم التزام سنته، ونشر هديه، والدعوة إلى دينه، وإن أكبر المظاهر التي تغيظ الكفار والمنافقين في هذا العصر اللحى للرجال، والحجاب للنساء، ومن نظر إلى سخرية الكفار والمنافقين وجد أنها ترتكز على هاتين الشعيرتين كرمزين عظيمين يدلان على تمسك المسلم بدينه، وإغاظته لمن يعارض الدين، ويقدح فيه، وما معركةُ الحجاب في أوربة ثم في تركيا قبل أيام إلا من أبين الأدلة على ذلك. فأغيظوا أعداء الملة والدين بهاتين الشعيرتين العظيمتين، وانشروهما في الناس، وأحيوا سنة النبي عليه الصلاة والسلام في بيوتكم ومساجدكم وأسواقكم وأعمالكم، وعلموها نساءكم وأولادكم، وانتصروا لنبيكم عليه الصلاة والسلام بما تستطيعون من مجالات النصرة..



وصلوا وسلموا عليه كما أمركم بذلك ربكم.....





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-06-2020, 09:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي رد: والله يعصمك من الناس

والله يعصمك من الناس(2)


الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل


عصمته صلى الله عليه وسلم من اليهود


الحمد لله اللطيف الخبير؛ هدى عباده إلى دينه، ودلَّهم على طريقه، فمنهم من قبل عن الله تعالى هداه فكان من السعداء، ومنهم من استكبر عنه فكان من الأشقياء ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ﴾ [الشُّورى:7].


نحمده على وافر نعمه، ونشكره على جزيل عطائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ حفظ أولياءه من كيد أعدائه، ومكن في الأرض لأهل دينه، وكتب الذل والصغار على المخالفين لأمره ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ﴾ [الطًّارق:15 - 17].


وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أعلى الله تعالى ذكره في العالمين، وعصمه من اليهود والمشركين والمنافقين، وأظهر دينه على الدين كله وإن رغمت أنوف الكافرين والكارهين، ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33] صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.


أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وذبوا عن دينه، وانصروا شريعته، ولا تحيدوا عن صراطه؛ فإن الثبات على الدين في الدنيا سبب للثبات في القبر ويوم النشر ﴿ يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم:27].


أيها الناس: من عادة أهل الباطل اجتماعُهم على أهل الحق، وتحالفهم ضدهم، ومنابذتهم بالعداء، ولو اختلفت أديانهم ومذاهبهم ومشاربهم؛ لأن الحق خطر على باطلهم الذي به يستغلون الضعفاء، ويبخسونهم حقوقهم، ويأكلون أموالهم.


وهكذا تحالف المشركون في مكة مع يهود يثرب ومنافقيها ضد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.

وكان اليهود من أخطر الناس في عدائهم للإسلام وأهله؛ لأنهم أهل مكر وخديعة ودهاء؛ ولأنهم أُوتوا كتابا يفاخرون به على الناس، ويجادلونهم به؛ وقد أُعطوا قدرة فائقة على قذف الشبهات ولبس الحق بالباطل، وبذلك عابهم الله تعالى، وأنكره عليهم، ونهاهم عنه ﴿ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران:71].


لقد عزم اليهود على تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم منذ سمعوا دعوته، وقابلوه إبَّان هجرته، وعلموا وصفه، وأيقنوا صدقه، قال الله تعالى مخبرا عنهم ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ﴾ [البقرة:89].


وروى ابن إسحاق في سيرته عن أم المؤمنين صفيةَ بنتِ حُيَّيِّ بنِ أخطب رضي الله عنها قالت:.... لما قدم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قباءً في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي حُيَّيُّ بنُ أخطبَ وعمي أبو ياسرٍ بنُ أخطبَ مغلسين فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس، فأتيا كالَّين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى، قالت: فهششتُ إليهما كما كنت أصنع فو الله ما التفت إليَّ واحد منهما مع ما بهما من الغم، قالت: وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي: أهو هو؟ قال: نعم والله، قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم، قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت.


إنه عزم من كبار اليهود على العداوة والحرب من أول يوم وطئ فيه النبي صلى الله عليه وسلم المدينة لما عرفوا أنه المبشر به في كتبهم.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخشاهم على نفسه، ويخاف من غدرهم، ويحذر خديعتهم، مع أنه كتب كتابا وادعهم فيه، وأبان لهم حقوقهم وواجباتهم كَوْنَهم يشاطرون المسلمين سُكنى المدينة روى مسلم عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: (سَهِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ لَيْلَةً فقال: لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا من أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ، قالت: فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ سَمِعْنَا خَشْخَشَةَ سِلَاحٍ فقال: من هذا؟ قال: سَعْدُ بنُ أبي وَقَّاصٍ، فقال له: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جاء بِكَ؟ قال: وَقَعَ في نَفْسِي خَوْفٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فَجِئْتُ أَحْرُسُهُ، فَدَعَا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ نَامَ) وفي رواية: (فَنَامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعتُ غَطِيطَهُ).


ولكن الله تعالى أمَّنَ نبيه عليه الصلاة والسلام في المدينة من شر اليهود والمنافقين، كما حفظه في مكة من شر المشركين، فما احتاج إلى حراسة بعد تأمين الله تعالى له؛ كما روت عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحْرَسُ حتى نَزَلَتْ هذه الْآيَةَ ﴿ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة:67] فَأَخْرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ من الْقُبَّةِ فقال لهم: يا أَيُّهَا الناس، انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي الله) رواه الترمذي وصححه الحاكم.


وتعاضد اليهود مع مشركي مكة، ومع منافقي المدينة لإطفاء نور الله تعالى الذي بلَّغه رسوله عليه الصلاة والسلام، وما ترك اليهود سبيلا للنيل من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا سلكوه، ولا حيلةً للصد عن دينه إلا أتوها، ولا شبهةً للتشكيك فيما جاءهم به إلا قذفوا الناس بها، ولكن الله تعالى عصم نبيه من شر اليهود ومكرهم، وحفظ دينه من لبسهم وشكوكهم، وحفظ الصحابة رضي الله عنهم من الاستماع إليهم، والتأثر بأقاويلهم وشبهاتهم.


وكان أكبر شيء اجترأ اليهود عليه محاولةَ قتلهم النبي عليه الصلاة والسلام، وليس ذلك ببعيد عن أخلاقهم فهم قتلةُ الأنبياء بخطاب الله تعالى لهم في قوله سبحانه ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ [البقرة:87].


وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام جاءهم ليستعين بهم على دية قتيلين فأجلسوه في حائط لهم ثم عزموا على قتله، بقذفه برحى عظيمة من فوق الحائط، ولكن الله تعالى عصمه من شرهم، وأحبط سبحانه كيدهم، وأبلغ رسوله بعزمهم ففارق موضعهم، وكان ذلك من أسباب جلائهم عن المدينة المذكور في سورة الحشر.


فلما عجزوا عن قتله سحروه عليه الصلاة والسلام بعد رجوعه من الحديبية على يدِ رجل منهم أظهر الإسلام وأبطن يهوديته فشفاه الله تعالى من سحرهم، وكان ما أصابه من أذاهم رفعةً لدرجاته، والأنبياء عليهم السلام يُبتلون بأعظم ما يبتلى به الناس، قالت عَائِشَةُ رضي الله عنها: (سُحِرَ النبي صلى الله عليه وسلم حتى إنه لَيُخَيَّلُ إليه أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وما فَعَلَهُ حتى إذا كان ذَاتَ يَوْمٍ وهو عِنْدِي دَعَا اللَّهَ وَدَعَاهُ ثُمَّ قال: أَشَعَرْتِ يا عَائِشَةُ أَنَّ اللَّهَ قد أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فيه؟ قلت: وما ذَاكَ يا رَسُولَ الله؟ قال: جَاءَنِي رَجُلَانِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ ثُمَّ قال أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: ما وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قال: مَطْبُوبٌ، قال: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قال: لَبِيدُ بنُ الْأَعْصَمِ الْيَهُودِيُّ من بَنِي زُرَيْقٍ، قال: فِيمَا ذَا؟ قال: في مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، قال: فَأَيْنَ هو؟ قال: في بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ، قال فَذَهَبَ النبي صلى الله عليه وسلم في أُنَاسٍ من أَصْحَابِهِ إلى الْبِئْرِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَعَلَيْهَا نَخْلٌ ثُمَّ رَجَعَ إلى عَائِشَةَ فقال: والله لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رؤوسُ الشَّيَاطِينِ، قلت: يا رَسُولَ الله أَفَأَخْرَجْتَهُ؟ قال: لَا، أَمَّا أنا فَقَدْ عَافَانِيَ الله وَشَفَانِي، وَخَشِيتُ أَنْ أُثَوِّرَ على الناس منه شَرًّا، وَأَمَرَ بها فَدُفِنَتْ) متفق عليه.


فلما نجاه الله تعالى من سحرهم حاولوا قتله بالسم في غزوة خيبر كما في حديث أَنَسٍ رضي الله عنه: (أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ منها فَجِيءَ بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهَا عن ذلك فقالت: أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ، قال: ما كان الله لِيُسَلِّطَكِ على ذَاك أو قال عَلَيَّ) رواه الشيخان.


وجاء في حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: (لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَاةٌ فيها سُمٌّ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجْمَعُوا إليَّ من كان هَا هُنَا من يَهُودَ فَجُمِعُوا له فقال: إني سَائِلُكُمْ عن شَيْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عنه.... فسألهم سؤالين ثُمَّ قال: هل أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عن شَيْءٍ إن سَأَلْتُكُمْ عنه؟ فَقَالُوا: نعم يا أَبَا الْقَاسِمِ، قال: هل جَعَلْتُمْ في هذه الشَّاةِ سُمًّا؟ قالوا: نعم، قال: ما حَمَلَكُمْ على ذلك؟ قالوا: أَرَدْنَا إن كُنْتَ كَاذِبًا نَسْتَرِيحُ وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لم يَضُرَّكَ) رواه البخاري.


وكان من عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام أن السم لم يقتله في الحال، بل مكث بعد أكله أربع سنوات؛ أكمل الله تعالى به الدين، وأتم به النعمة، ثم توفاه إليه بعد أن بلغ رسالات ربه، وامتثل أمر الله تعالى له حين أمره عز وجل بقوله ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ ﴾ [المائدة:67].


فالحمد لله الذي عصم نبيه صلى الله عليه وسلم من كيد اليهود والمشركين والمنافقين حتى بلغنا دين الله تعالى، وجزاه الله تعالى عنا خير ما جزى نبيا عن أمته. وأقول ما تسمعون وأستغفر الله....




الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله ربكم، واستمسكوا بدينكم ﴿ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾[الأنفال: 1].


أيها المسلمون: كان اليهود معادين للنبي صلى الله عليه وسلم ولدينه ولا يزالون. حاولوا قتله غدرا، فعصمه الله تعالى منهم، وسحروه فشفاه الله تعالى من سحرهم، ووضعوا له السم فأكله فأبقاه الله تعالى ليرى اليهود من كمال دينه ما يسوءهم. وكان موته صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بسمهم حجة له يوم القيامة عليهم، وشهادة له صلى الله عليه وسلم أن يقتله قتلة الأنبياء عليهم السلام، قالت عَائِشَةُ رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فيه: يا عَائِشَةُ، ما أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الذي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي من ذلك السُّمِّ) رواه البخاري.


قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: الأبهر عرق يكتنف الصلب والقلب متصل به فإذا انقطع فلا حياة لصاحبه.

ولأجل ذلك كان ابن مسعود رضي الله عنه يحلف بالله تعالى أن الله سبحانه قد جمع للرسول صلى الله عليه وسلم بين النبوة والشهادة، فيقول رضي الله عنه: (لأَنْ أَحْلِفَ بِالله تِسْعاً أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قُتِلَ قَتْلاً أَحَبُّ إليَّ من أَنْ أَحْلِفَ وَاحِدَةً أَنَّهُ لم يُقْتَلْ وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل اتَّخَذَهُ نَبِيًّا وَجَعَلَهُ شَهِيداً) رواه أحمد.


وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم زرع اليهود الفتنة بين المسلمين، وحاول عبد الله بن سبأ اليهودي أن يقوم في الإسلام بالمهمة التي قام بها في الدين النصراني شاؤول اليهودي حين نقله من التوحيد إلى التثليث، وأدخل فيه من العقائد الفاسدة ما أبطل على النصارى دينهم، فأدخل ابن سبأ على المسلمين المذاهب الباطنية، والغلوَ في عليٍّ رضي الله عنه وآل البيت عامة، ولكن الله تعالى عصم دين محمد صلى الله عليه وسلم من أن يجري عليه ما جرى على النصرانية من التحريف والتغيير والتبديل، فبقي الإسلام هو الإسلام، وإن انحرف عنه كثير من الناس بفعل اليهود ومؤامراتهم وتحريفاتهم، ولن يضروا دين الله تعالى شيئا بل يضرون أنفسهم ومن يتبعهم في ضلالهم وانحرافهم.


وأكثر المذاهب المادية الإلحادية التي أُحدثت في العصور المتأخرة من ماركسية ووجودية وليبرالية وقومية ووطنية وغيرها كان لليهود أيادٍ خبيثة في إنشائها ونشرها في العالم، واجتهدت منظماتهم السرية وجمعياتهم الخبيثة في تعميمها على بلاد المسلمين، وانخدع بها من أبناء المسلمين من ضل عن الصراط المستقيم، وانبرى لها من أهل الإسلام من كشف شرها، وحذَّر من ضررها، وبقي دين الله تعالى الذي بلغه محمد عليه الصلاة والسلام محفوظا من التبديل، معصوما من التحريف، وسيظل كذلك إلى آخر الزمان.


وما طَعْنُ أهلِ الضلال يهودا كانوا أم نصارى أم ملاحدة أم منافقين أم مرتدين في النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الدين الذي جاء به، وفي الشريعة التي فرضها، وفي القرآن الذي بلغه، وسخريتهم منه، واستهزاؤهم به، في رسوم أو روايات أو مسلسلات أو مسرحيات أو أفلام أو غيرها إلا امتداد لمحاولات السابقين في النيل من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن دينه ومن أتباعه، وهو نتيجةُ أحقاد امتلأت بها قلوبهم، فنفسوا عنها في طعنهم هذا.


وما ازدياد أعداد الداخلين في الإسلام من غير المسلمين، وعودةُ كثير من المسلمين إلى دينهم رغم حملات التشويه الضخمة الجبارة إعلاميا وسياسيا وثقافيا إلا من عصمة الله تعالى لدين محمد صلى الله عليه وسلم من أن ينال الأعداء منه مرادهم، أو يحققوا فيه مبتغاهم، ولو أنفقوا في سبيله خزائنهم كلها، ولو أعانهم عليه أهل الأرض جميعا.


هذا، ومن بواقع اليهود المعاصرة أن جمعية من جمعياتهم تعتزم محاكمة النبي صلى الله عليه وسلم غيابيا على قتله لبني قريظة، وإجلائه لبقية اليهود من المدينة.

وجمعية أخرى تخطط لمرحلة ما بعد السلام مع العرب؛ للمطالبة بتعويضات عن دماء بني قريظة، وأملاكهم وأملاك بقية اليهود الذين أجلوا بسبب غدرهم وخيانتهم، واليهود من أقدر الناس على ذلك، ومن نظر إلى خضوع العالم الغربي لهم لم يعجب من ذلك، ولا زال الألمان يدفعون أموالا طائلة عما يسمى بمحارق اليهود النازية مع أن الألمان خاصة والأوربيين عامة قد عانوا من الحكم النازي الجائر كما عانى منه اليهود وأكثر، ولكن لا اعتراف إلا باليهود، ولا عزاء إلا لضحاياهم، في زمن سيطرت القوى الصهيونية على كثير من سياسات الدول والأمم. عصم الله تعالى المسلمين من شرهم، ورد عليهم كيدهم ﴿ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا ﴾ [النساء:84].


وصلوا وسلموا على نبيكم....



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11-06-2020, 09:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي رد: والله يعصمك من الناس

والله يعصمك من الناس(3)


الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل


عصمته صلى الله عليه وسلم من المنافقين


الحمد لله رب العالمين؛ امتن على عباده فشرع لهم الدين، وهداهم صراطه المستقيم، وفضلهم على أمم العالمين ï´؟ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ï´¾ [الشُّورى: 13] نحمده على نعمه وآلائه، ونشكره على فضله وعطائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ ينصر أولياءه، ويكبت أعداءه، وهو القوي العزيز، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أشرقت ببعثته الأرض بعد طول ظلام، وربعَّت القلوب بماء وحيه بعد جدب وإقفار، هداه الله تعالى وهدى به، وابتلاه وابتلى العباد به، وعصمه من كيد اليهود والمشركين والمنافقين، وردهم على أعقابهم خاسئين خاسرين صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.


أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ï´؟ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ï´¾ [البقرة: 123].


أيها الناس: بعث الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وخاطبه ربه سبحانه بذلك فقال تعالى ï´؟ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ ï´¾ [إبراهيم: 1].


وكل دعوة إلى الخير والرشاد، وفيها نفع للناس، وإخراج لهم من العبودية لغير الله تعالى فإن شياطين الجن والأنس تتربص بها، وتأتمر عليها، وتحول بين الناس وبينها؛ ليبقوا في عبوديتهم للملأ والسادة والكبراء من دون الله تعالى، وهكذا فعل المشركون في مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى هاجر إلى المدينة، فقابله المشركون في المدينة بمثل ما قابله أهل مكة.


لقد كان المشركون في المدينة من الأوس والخزرج أقلَّ من الأنصار الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبايعوه في العقبة على النصرة ولكنهم كانوا منذ الهجرة إلى السنة الثانية يجاهرون بشركهم ولا يخشون شيئا، ويؤذون النبي صلى الله عليه وسلم علانية، ويصدون الناس عن دعوته؛ كما دلت على ذلك حادثة وقعت قبل غزوة بدر رواها أُسَامَةَ بن زَيْدٍ رضي الله عنهما وفيها: ((أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِمَجْلِسٍ فيه عبد الله بن أُبَيٍّ بن سَلُولَ وَذَلِكَ قبل أَنْ يُسْلِمَ عبد الله بن أُبَيٍّ فإذا في الْمَجْلِسِ أَخْلَاطٌ من الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ وَالْمُسْلِمِينَ وفي الْمَجْلِسِ عبد الله بن رَوَاحَةَ فلما غَشِيَتْ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ عبد الله بن أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ ثُمَّ قال: لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إلى الله وَقَرَأَ عليهم الْقُرْآنَ فقال عبد الله بن أُبَيٍّ: أَيُّهَا الْمَرْءُ إنه لَا أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ، إنْ كان حَقًّا فلا تُؤْذِنَا بِهِ في مجالسنا، ارْجِعْ إلى رَحْلِكَ فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عليه فقال عبد الله بن رَوَاحَةَ: بَلَى يا رَسُولَ الله فَاغْشَنَا بِهِ في مَجَالِسِنَا فَإِنَّا نُحِبُّ ذلك، فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حتى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ فلم يَزَلْ النبي صلى الله عليه وسلم يُخَفِّضُهُمْ حتى سَكَنُوا)) رواه البخاري.


ولكن الشرك المعلن في أهل المدينة لم يَطُل وقتُه كما طال شرك أهل مكة؛ إذ انتهى بعد غزوة بدر، وعِزِّ الإسلام وانتصار المسلمين، وكان المشركون في المدينة وهم قلة يأملون أن يقتل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، فلما انتصر نصرا عظيما علموا أنهم لا يستطيعون النيل منه ولا أذيته بعد ذلك، فأظهروا إسلامهم، وأبطنوا كفرهم، وتحولوا من مشركين معلنين بشركهم إلى منافقين يظهرون خلاف ما يبطنون، وتلك هي بداية النفاق والمنافقين في هذه الأمة؛ كما قال أسامة بن زيد رضي الله عنهما: ((فلما غَزَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَدْرًا فَقَتَلَ اللهُ بها من قَتَلَ من صَنَادِيدِ الْكُفَّارِ وَسَادَةِ قُرَيْشٍ فَقَفَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ مَنْصُورِينَ غَانِمِينَ مَعَهُمْ أُسَارَى من صَنَادِيدِ الْكُفَّارِ وَسَادَةِ قُرَيْشٍ قال ابنُ أُبَيٍّ بنِ سَلُولَ وَمَنْ معه من الْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ: هذا أَمْرٌ قد تَوَجَّهَ فَبَايِعُوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم على الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا)) رواه البخاري.


وبظهور النفاق بعد غزوة بدر أصبح النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم يعالجون ثلاثةً من الأعداء: المشركين خارج المدينة، واليهودَ المجاورين لهم، والمنافقين الداخلين معهم، فعظمت المحنة، وازداد البلاء والامتحان، ولكن الله تعالى عصم نبيه صلى الله عليه وسلم، وحفظ دينه من شرهم ومكرهم.


وكان أخطر هؤلاء الأعداء الثلاثة أهل النفاق الذين خَذَلوا المسلمين في أشد المواقف، وأحلك الساعات:

ففي غزوة أحد خذَّلوا في المسلمين وأرجفوا، وانسحبوا بثلث الجيش رجاء أن يُقتل النبي صلى الله عليه وسلم، فخذلهم الله تعالى، وعصم نبيهصلى الله عليه وسلم من شر المشركين.

وفي الخندق بثوا الإشاعات، وأضعفوا المعنويات، وقالوا ï´؟ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ï´¾ [الأحزاب: 12] ولما اشتد الأمر انسحبوا ï´؟ وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ï´¾ [الأحزاب: 13]. فخَذَل الله تعالى الأحزاب، وعصم رسوله صلى الله عليه وسلم.


وفي غزوة بني المصطلق أشعل المنافقون نار الفتنة بين المهاجرين والأنصار رجاء أن يقتتلوا، ويُفني بعضهم بعضا، فلا يبقى للنبي صلى الله عليه وسلم أصحاب يذبون عن دعوته، وينشرون دينه، فلم يتحقق للمنافقين ما أرادوا.


وكان من دناءَة المنافقين وحقارتهم أذيتُهم النبيَّ صلى الله عليه وسلم في عرضه، وقذفُ زوجه عائشة رضي الله عنها بالإفك، وإشاعة هذه الفرية العظيمة في الناس؛ حتى داخل القلوب ما داخلها، وخاضت فيه بعض الألسن، وأوذي خير البشر أشدَّ الأذى، فعصم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من القدح والسُبَّة، وذبَّ عن عرضه بقرآن يتلى إلى يوم الدين، وطهر عائشة المصونة المطهرة، وتوعد أصحاب الإفك بأليم العذاب ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ï´¾ [النور: 11].


وفي غزوة تبوك عزم المنافقون على قتل النبي صلى الله عليه وسلم بإثارة دابته من عقبةٍ عالية رجاء أن تُسقطه فتهلكه، ولكن الله تعالى عصم نبيه صلى الله عليه وسلم من كيدهم، وحفظه من مكرهم، وردهم على أعقابهم خاسرين، روى أبو الطُّفَيْلِ رضي الله عنه قال: ((لَمَّا أَقْبَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غَزْوَةِ تَبُوكَ أَمَرَ مُنَادِياً فَنَادَى أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَخَذَ الْعَقَبَةَ فَلاَ يَأْخُذْهَا أَحَدٌ فَبَيْنَمَا رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُودُهُ حُذَيْفَةُ وَيَسُوقُ بِهِ عَمَّارٌ إِذْ أَقْبَلَ رَهْطٌ مُتَلَثِّمُونَ على الرَّوَاحِلِ غَشَوْا عَمَّاراً وهو يَسُوقُ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَأَقْبَلَ عَمَّارٌ يَضْرِبُ وُجُوهَ الرَّوَاحِلِ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لِحُذَيْفَةَ: قُدْ قُدْ حتى هَبَطَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما هَبَطَ رسول الله صلى الله عليه وسلم نَزَلَ وَرَجَعَ عَمَّارٌ فقال: يا عَمَّارُ، هل عَرَفْتَ الْقَوْمَ؟ فقال: قد عَرَفْتُ عَامَّةَ الرَّوَاحِلِ وَالْقَوْمُ مُتَلَثِّمُونَ، قال: هل تدري ما أَرَادُوا؟ قال: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قال: أَرَادُوا أن يَنْفِرُوا بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَيَطْرَحُوهُ)) رواه أحمد، وفيه أنهم كانوا أربعة عشر رجلا.


وفي رواية: ((أنهم كانوا قد أجمعوا أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوا يلتمسون غِرَّتَه، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسلك العقبة أرادوا أن يسلكوها معه، وقالوا: إذ أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي، فأخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بمكرهم)).


فعصم الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم من غدر المنافقين وشرهم كما عصمه عز وجل من غدر اليهود وشرِّ المشركين، وحفظه من كيدهم ووقع قول الله تعالى ï´؟ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ ï´¾ [المائدة: 67] وقوله سبحانه ï´؟ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ï´¾ البقرة: 137].


فالحمد الله الذي عصم نبيه، وحفظ دينه، وأظهره على الدين كله حتى بَلَغَنَا نقيا محفوظا، والحمد لله الذي هدانا له، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله تعالى.


وأقول ما تسمعون...



الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ï´؟ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ï´¾ [البقرة: 281].


أيها المسلمون: قضى الله تعالى وقضاؤه واقع، ووعد سبحانه ووعده نافذ بحفظ دينه من التحريف والضياع؛ فكما أنه سبحانه قد عصم نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم من كيد الكافرين والمنافقين؛ فإنه قد تأذن بحفظ دينه من محاولاتهم القضاء عليه، أو إبدال غيره به ï´؟ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ï´¾ [الحجر: 9].


وفي أخريات عهد الصحابة رضي الله عنهم -أي في العقد الرابع من القرن الهجري الأول- وقعت محاولات خبيثة على يد المنافقين للقضاء على دين الإسلام، وإدخال فيه ما ليس منه، وإخراج ما هو منه، ولبس ما فيه من حق ناصع بباطل مزيف، تولى كبر ذلك عبد الله بن سبأ اليهودي المنافق الذي أظهر الإسلام وأبطن الكفر؛ لهدم الإسلام من داخله، وتقويض دعائمه، وإخراج أهله منه، وإدخالهم فيما أحدثه من مذاهب باطنية خبيثة تتدثر بالولاء لآل البيت، وتبطن عقائد فاسدة، وأفكار منحرفة، كثير منها منقول عن اليهود والزنادقة، ورغم تمكن هذه الأفكار من قلوب كثير من الناس في بعض الأزمان والأمصار فإن الدين الصحيح بقي محفوظا بحفظ الله تعالى له، وردَّ الله تعالى كيد المنافقين عليهم فما ضروا إلا أنفسهم ومن اتبعهم في باطلهم، ووافقهم على إفكهم.


واستمر المنافقون عبر القرون وفي كثير من أمصار المسلمين يتآزرون مع الكفار للقضاء على الإسلام، وإخراج المسلمين منه، ومسخ شريعته ولكن الله تعالى حفظ شريعته من كيدهم، وعصم أمة محمد صلى الله عليه وسلم من موافقتهم في ضلالاهم وانحرافهم.


وفي عصرنا هذا تتآزر الإنجيلية البروتستانتية النصرانية المتطرفة والصهيونية العالمية المتنفذة مع الرأسمالية الغربية المتوحشة في تحالف مع الكاثوليكية المتعصبة بقصد القضاء على الإسلام، وإخراج المسلمين منه، ويعينهم في إثمهم هذا الليبراليون الجدد، المسمون بالمارينز العرب، مع أصحاب المذاهب الباطنية المنحرفة من صوفية ورافضة إمامية وإسماعيلية ودرزية وغيرهم، تحت لافتة محاربة الإرهاب، وتجفيف منابعه، وما يريدون إلا القضاء على الإسلام الأثري النصوصي المستند إلى الكتاب والسنة، الذي يدين به جمهور المسلمين في الأرض، ويسمونه إسلاما رجعيا أصوليا، يريدون استبداله بما يسمونه إسلاما ليبراليا متسامحا، لا شيء يجب فيه غير الحرية، ولا مكان للمحرمات فيه، وكل شيء فيه مباح، إنْ هو إلا الإلحاد على الطريقة الغربية التي جاء بها ملاحدة الغرب إبَّان ثورتهم على الدين النصراني المحرف.


وكما بآت محاولات أسلافهم بالفشل الذريع فإن الفشل سيكون حليفهم بإذن الله تعالى هذه المرة أيا كان جمعهم وقوتهم، ومهما عظم مكرهم وكيدهم ï´؟ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ï´¾ [الطًّارق: 15-17].


وسيكون كسرهم، ودحر قوتهم، وإفشال خططهم، وفضح مؤامراتهم على أيدي رجال وهبوا أنفسهم وأموالهم وأوقاتهم لنصرة دين الله تعالى، والذبِّ عن شريعته، وتحذير الناس من مكر الكافرين والمنافقين؛ كما جاء في حديث ثَوْبَانَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ من أُمَّتِي ظَاهِرِينَ على الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ من خَذَلَهُمْ حتى يَأْتِيَ أَمْرُ الله وَهُمْ كَذَلِكَ)) رواه مسلم.


وفي حديث أبي عِنَبَةَ الْخَوْلَانِيِّ رضي الله عنه قال: سمعت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لَا يَزَالُ اللهُ يَغْرِسُ في هذا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ في طَاعَتِهِ)) رواه ابن ماجه.


فاتقوا الله ربكم أيها المؤمنون واثبتوا على دينكم مهما كانت التبعات، ولا تتبعوا الكافرين والمنافقين في باطلهم وإن اجتمعوا عليكم من كل حدب وصوب، ولو كانوا يملكون من القوة ما لا تملكون؛ فإن القوة لله جميعا، وإن ما معكم من الحق أقوى من باطلهم ï´؟ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ الله وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ï´¾ [آل عمران:173، 174].


وصلوا وسلموا على نبيكم....



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 105.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 103.31 كيلو بايت... تم توفير 2.59 كيلو بايت...بمعدل (2.45%)]