|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الاعتكاف فضله وأحكامه د. كامل صبحي صلاح الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: إن مما ينبغي للعبد المؤمن أن يحرصَ عليه هو استثمار مواسم الخيرات والطاعات والعبادات، وإن من هذه المواسم شهر رمضان المبارك الذي كله خيرات وبركات، ومن بركات هذا الشهر مشروعية الاعتكاف في العشر الأواخر منه، تحريًا لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، ولا شك أن الاعتكاف شرع لغايات وحكم عديدة، ومن أعظمها عكوف القلب على الله تعالى، والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه، والتفرغ لعبادته وذكره وتسبيحه واستغفاره، وقراءة كلامه جل وعلا، لذا شرعت في كتابة هذا المختصر في الاعتكاف، مبينًا فيه فضله وحكمه ومقاصده وأحكامه، لعل الله تعالى أن ينفع به، وبالله التوفيق: مفهوم الاعتكاف لغة وشرعًا: الاعتكاف لغة: لزوم الشيء والإقبال وحبس النفس عليه. ومنه قوله تعالى: ﴿ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ ﴾ [الأعراف من الآية:138]، وقوله تعالى: ﴿ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ التِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴾ [الأنبياء من الآية:52]، وقوله تعالى: ﴿ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ ﴾ [البقرة من الآية:187]. وقيل: هو الإقبالُ على الشَّيْءِ والاحتباسُ فِيهِ مِنْ: عَكَفَ على الشَّيءِ: أي إذا أقبَلَ عليه مواظبًا لا يَصرِفُ عنه وجهَه، ومنه قيلَ لِمَن لازَمَ المسجِدَ، وأقامَ على العبادَةِ فيه: عاكفٌ ومعتَكِفٌ؛ «لسان العرب، لابن منظور (9/ 255)». وقيل: هو المقام والاحتباس؛ « التعريفات، الجرجاني، ص23». الاعتكاف شرعًا: لزوم المسلم المميز مسجدًا لطاعة الله تعالى. وقيل: هو الانقِطاعُ للعبادةِ في المَسجِدِ مُدَّةً معيَّنةً. وقيل: هو الإقامةُ في المسجد بنيَّةِ التقرُّبِ إلى الله عز وجل ساعةً فما فوقها ليلًا أو نهارًا؛ «المحلى لابن حزم (5/ 179)». وقيل: هو لزومُ المسجِدِ على وجهٍ مخصوصٍ؛ «إحكام الأحكام، لابن دقيق العيد (1/ 292)». وقيل: «هو لبثُ صائم في مسجد جماعة بنيةٍ، وتفريغ القلب عن شغل الدنيا، وتسليم النفس إلى المولى، وقيل: الاعتكاف والعكوف: الإقامة»؛ «التعريفات، الجرجاني، ص23». حكم الاعتكاف: الاعتكاف سنة من السنن، ومستحب من المستحبات، وقُربة من القربات التي داوَم عليها النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفاه الله جل وعلا، وهو ثابت في الكتاب والسنة الصحيحة، والإجماع؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ [البقرة: 125]. بمعنى: أن طهِّرا بيتي من كل رجس ودنس للمتعبدين فيه بالطواف حول الكعبة، أو الاعتكاف في المسجد، والصلاة فيه، ولقد كان الاعتكاف مشروعًا في الشرائع السابقة، وقال الله تعالى: ﴿ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 187]. بمعنى: ولا تجامعوا نساءكم أو تتعاطوا ما يفضي إلى جماعهنَّ إذا كنتم معتكفين في المساجد؛ لأن هذا يفسد الاعتكاف، وهو الإقامة في المسجد مدة معلومة بنيَّة التقرب إلى الله تعالى. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتخذ مكانًا له يعتكف فيه من المسجد، فعن عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: أنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأواخِرَ مِن رَمَضانَ، قالَ نافِعٌ: وَقَدْ أَرانِي عبدُاللهِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: المَكانَ الذي كانَ يَعْتَكِفُ فيه رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ المَسْجِد»؛ «أخرجه مسلم/ ١١٧١». ولقد داوم النبي صلى الله عليه وسلم على الاعتكاف في كل سنة، حتى توفاه الله جل وعلا. فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهما «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأواخِرَ مِن رَمَضانَ حتى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أزْواجُهُ مِن بَعْدِهِ»؛ «أخرجه البخاري/ ٢٠٢٦». ويبيِّن هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ظلَّ على هذه الحالِ يَعتكِفُ كلَّ رَمَضانَ العَشْرَ الأواخِرَ منه ولم يَنقطِعْ عنه «حتى توفَّاه الله، ثُمَّ اعتَكَف أزواجُه مِن بعدِه»؛ أي: ثُمَّ اعتَكَف أزواجُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِن بعدِه مِثلَ اعتكافِه في العَشْرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ؛ وذلك أنَّهم كانوا يَعتكِفنَ في بيوتِهنَّ، وهو ما يُقال عليه مسجدُ بيتِها، وهو المَوضِع الذي تتَّخِذه في بيتِها مُصلًّى. وفي الحديث دليل على جواز اعتِكافُ النِّساءِ بالضَّوابِطِ الشَّرعيَّةِ. ولم يعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في أحد السنوات، فقضاها في العام الذي بعده، فعن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يعتكفُ العشرَ الأواخرَ منْ رمضانَ، فلمْ يعتكفْ عامًا، فلمَّا كانَ في العامِ المقبلِ، اعتكفَ عشرينَ ليلةً»؛ «الألباني، صحيح أبي داود/ ٢٤٦٣». وقوله: «فلم يَعْتَكِفْ عامًا»؛ لأنَّه سافَرَ في ذلك العامِ، فلمْ يَعتَكفْ، «فلمَّا كان في العامِ المُقبِلِ، اعْتَكفَ عِشْرينَ لَيلةً»؛ أي: تَعويضًا للعَشرِ التي لم يَعتَكفْ فيها في العامِ الذي قَبلَه، كما ورد ذلك في حديث أُبيِّ بنِ كَعبٍ رضِي اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم «كان يَعتكِفُ العشرَ الأواخِرَ مِن رمضانَ، فسافَرَ عامًا، فلمَّا كان مِن العامِ المُقبِلِ، اعتَكَفَ عِشرينَ يَومًا»؛ «شعيب الأرنؤوط، صحيح ابن حبان (٣٦٦٣)، وإسناده صحيح على شرط مسلم». وفي هذا الحديث إشارة إلى حِرصِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم على الاعْتِكافِ في رَمَضانَ. ويفهم من الحديث أنَّ النَّوافِلَ المعْتادَة تُقضى إذا فاتَتْ كما تُقضى الفَرائِضُ. وتَرَك النبي صلى الله عليه وسلم الاعتكافَ مرَّةً، فقضاهُ في شهر شوَّال، فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: «كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا أرادَ أن يعتَكِفَ، صلَّى الصُّبحَ ثمَّ دخلَ في المَكانِ الذي يريدُ أن يعتَكِفَ فيهِ، فأرادَ أن يعتَكِفَ العشرَ الأواخرَ من رَمَضانَ، فأمرَ فضُرِبَ لَهُ خِباءٌ، وأمَرَت حفصةُ فضُرِبَ لَها خِباءٌ، فلمَّا رأت زينبُ خباءَها أمَرَت فضُرِبَ لَها خِباءٌ، فلمَّا رأى ذلِكَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: البِرَّ تُردنَ؟ فلَم يعتَكِف في رمَضانَ واعتَكَفَ عشرًا من شوَّالٍ»؛ «الألباني، صحيح النسائي/ ٧٠٨». ويشير الحديثِ إلى بيان ما كان عليه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من الاجتهادِ في العِبادةِ وتَدارُك ما فاتَه من الخيرِ والأعمالِ؛ لأنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كان إذا عَمِلَ عملًا أثبتَه. • وأجمع العلماء على مشروعية الاعتكاف، ونقل ذلك الفقهاء دون منازع أو مخالف. شروط الاعتكاف: إن للاعتكاف شروطًا لا بد من تحققها ليصح اعتكاف المعتكف، وهي: 1- أن يكون المعتكِف مسلمًا عاقلًا ومميزًا، فلا يصح ولا يقبل الاعتكاف من الكافر، ولا المجنون، ولا الصبي غير المميز، ويصح الاعتكاف من الصبي المميز وغير البالغ، والمرأة يشرع لها الاعتكاف كما يشرع للرجل، لكن بشرط ألا يترتب على اعتكافها مفسدة أو فتنة، فإن ترتب على ذلك مفسدة أو فتنة كضياع أولادها في بيتها، أو أن تهدر حقَّ زوجها، فليس لها أن تعتكف. ولقد كان بعض أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهنَّ يعتكفنَ مع النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وبعد وفاته كذلك، فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهما قالت: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأواخِرَ مِن رَمَضانَ حتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أزْواجُهُ مِن بَعْدِهِ»؛ «أخرجه البخاري/ ٢٠٢٦». • ويستحب للمرأة أن تستتر بحاجز إذا اعتكفت في المسجد؛ لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا أردنَ الاعتكاف أَمَرَنَ بأبنيتهنَّ، فضُربنَ في المسجد، ولأن المسجد يحضره الرجال لصلاة الجمعة والجماعات، وخير للرجال وللنساء ألا يرى أحدهما الآخر. 2- أن يكون مكان الاعتكاف هو المسجد لا غيره، ولقد ورد ذكر الاعتكاف في المساجد صريحًا في كتاب ربنا جل وعلا؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 187]. بمعنى: ولا تجامعوا نساءكم أو تتعاطوا ما يفضي إلى جماعهنَّ إذا كنتم معتكفين في المساجد؛ لأن هذا يفسد الاعتكاف، (وهو الإقامة في المسجد مدة معلومة بنيَّة التقرب إلى الله تعالى). ودلت الأحاديث الصحيحة الصريحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في المسجد، ولم ينقل ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في غير المسجد، فدلَّ هذا على عدم صحة الاعتكاف في غير المساجد. 3- أن يكون الاعتكاف في مسجد تقام فيه صلاة الجماعة، لكونها واجبة عليه، ولئلا يتكرر خروجه من معتكفه للصلوات المفروضة، لكونه ينافي مقصود وغاية الاعتكاف، وهو المكث في المسجد. والأولى والأفضل أن يعتكف المعتكف في مسجد جامع تقام فيه صلاة الجمعة، لئلا يخرج من معتكفه لأدائها، وإن خرج لصلاة الجمعة، فلا يؤثر ذلك على صحة اعتكافه. ولا يشترط في حق المرأة أن تعتكف في مسجد تقام فيه الجماعة، فيصح اعتكافها في كلِّ مسجد، لعدم وجوب صلاة الجماعة في حقِّها. 4- النية، لكونها شرطًا لصحة سائر العبادات، فيمكث المعتكف في معتكفه في المسجد قربةً وتعبدًا لله جل وعلا، ويخلص النية لله جل وعلا في اعتكافه، فالأعمال بمقاصدها، لحديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: «سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: إنَّما الأعْمالُ بالنِّيَّةِ، وإنَّما لِامْرِئٍ ما نَوى، فمَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ، ومَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا يُصِيبُها أوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُها، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيْهِ»؛ «أخرجه البخاري/ ٦٦٨٩». 5- الطهارة من الحدث الأكبر؛ إذ يشترط لصحة الاعتكاف الطهارة من الحدث الأكبر، لعدم جواز مكث الجنب، ولا الحائض والنفساء في المسجد. • ولا يشترط الصوم لصحة الاعتكاف في المسجد، وخاصة في غير شهر رمضان المبارك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذِن لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام، ومن المعلوم أنه لا صوم في الليل، فعن عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: أنَّ عُمَرَ قالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنِّي نَذَرْتُ في الجاهِلِيَّةِ أنْ أعْتَكِفَ لَيْلَةً في المَسْجِدِ الحَرامِ، قالَ: أوْفِ بنَذْرِكَ»؛ «أخرجه البخاري/ ٦٦٩٧». وفي هذا الحديث دليلٌ على صحة الاعتكافُ ليلًا مِن غيرِ صومٍ، لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط ذلك على عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ومن المعلوم كذلك أن الصوم والاعتكاف عبادتان منفصلتان عن بعضهما، ولا يشترط لأحدهما وجود الأخرى؛ لكي يصح وقوعها، ولكن إن رافق الاعتكاف صيام فهو أفضل، وإلا إن اعتكف المعتكف وهو مفطر صحَّ اعتكافه. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |