|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() استقبال العشر والحرص على إتقان العمل الشيخ عبدالله بن محمد البصري أما بعدُ، فأوصيكم - أيُّها الناس - ونفسي بِتَقْوى الله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر: 18 - 20]. أيها المسلمون: مضى منَ الشهر الكريم أكثره، ولم يبق إلاَّ أقله وأفضله، لقد بدأت أيامه تنقص، وجعلت لياليه تنصرم، فهل حاسَبَ مؤمن نفسه على ما مضى، وفَكَّرَ فيما بقي؟ هل سأل سائل نفسه عن العمل الذي قدمه، ما مصيره؟ هل توفرت فيه شروط العمل الصالح ليقبل؟ هل سلم من الموانع والقواطع ليرفع؟ يقال هذا الكلام - أيها المسلمون - لأن في الأمة من يجتهد، ويكد، وينصب، وَيَتَقَرَّب إلى ربه، ويقدم ويرغب، ومع هذا فقد يُرَدُّ عمله ولا يقبل؛ لأنه لم يَتَحَرَّ فيه شروط الصلاح والقبول، وقد يكون اقترف بعض ما يحبطه ويذهب أجره. ومن هنا فإنه يحسن بالمسلم - وقد أقبلت ليالي العشر التي فيها ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر - أن يجتهد في إصلاح عمله وإتقانه، وأن يحذر مما يمنع قبوله أو يحبطه، فلعله يرفع فينال رحمة الله في شهر الرحمة؛ عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره)). وقالت: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر))، وعنها - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول: ((تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان)). أيها المسلمون: إن كثيرين قد يجتهدون ويقدمون؛ لكن قليلاً من أولئك الكثير من يحاسب نفسه على غايته ومقصوده مما قدم ويقدم؟ هل كان مخلصًا فيه لله، مبتغيًا به وجهه؟ هل كان محتسبًا الأجر من الله، راغبًا فيما عنده؟ هل كان مقتديًا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مُستنًا بسنته؟ ذلك أن الله لا يقبل من العمل، إلاَّ ما كان له خالصًا، واتبع فيه رسوله - عليه الصلاة والسلام -، قال - سبحانه -: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 3]، وقال: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5]، وقال: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى))، وقال - تعالى -: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65]، وقال - تعالى - في الحديث القدسي: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه"، وقال - تعالى -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، وقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]. أيها المسلمون: وإن من إتقان العمل أن يكون المؤمن فيه بين خوف ورجاء، خوف ألا يقبل منه عمله، ورجاء لرحمة الله وطمعًا في واسع فضله، وهو لهذا السبب يحذر أشد الحذر منَ المنِّ على الله بعمله، فقد وصف الله المتقين بأنهم {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 17، 18]، وقال - تعالى -: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60]. وإن ثمة أقوامًا إذا جلسوا في مجالسهم بعد أداء التراويح مثلاً، جعلوا يشكون من طول القيام وإطالة الإمام، وآخرون يَتَبَجَّحون بأنهم خرجوا قبل أولئك بخمس دقائق، أو عشر، أو أقل، أو أكثر، وفي هذا ما فيه منَ المَنِّ على الله، وإظهار الملل من عبادته، والتَّبَرُّم من طاعته، والله - جل وعلا - يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} [فاطر: 15، 16]، ويقول - سبحانه -: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17]، وقال - سبحانه -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ} [البقرة: 264]. أيها المسلمون: ومِن إتقان العمل الاستمرار عليه، والصبر في سبيل إتمامه، والإتيان به وافيًا غير منقوص، قال الإمام ابن رجب - رحمه الله -: "مَن عَمِل طاعة منَ الطاعات وفرغ منها، فعلامة قبولها أن يصلها بطاعة أخرى، وعلامة ردها أن يعقب تلك الطاعة بمعصية، ما أحسنَ الحسنةَ بعد السيئة تمحوها، وأحسن الحسنة بعد الحسنة تتلوها، وما أقبح السيئة بعد الحسنة تمحقها". انتهى كلامه. وإن مما يقع فيه بعض الناس في شهر رمضان، أنهم يجتهدون في أوله، وقد يَتَحَامَلون على أنفسهم ويَتَصَبَّرون في أوسطه، فإذا جاءت عشر الجد والاجتهاد ومضاعفة الجهد والعمل، تكاسلوا وتقاعسوا، وفتروا وضعفوا، وانشغلوا بأعمال مَفْضولة، وقد يَقْضون أفضل الليالي في التَّسَوُّق أو التَّسَكُّع. إن مثل هذا التَّصَرُّف قد يكون دليلاً على عدم القبول، وأمارة من أمارات الرد؛ بل هو نوعٌ من الخذلان وعدم التوفيق، ومما يجب الحَذَر منه وهو من محبطات الأعمال الفسق والنفاق قال - تعالى -: {قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ} [التوبة: 53]، وقال - تعالى -: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: 54]، ألا وإنَّ منَ الفُسُوق بل هو من أكبره، وقد يصل إلى الكفر، ترك الصلاة، وهو مما ورد فيه الدليل بخصوصه على أنه محبط للأعمال؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن ترك صلاة العصر، فقد حبط عمله))، فأين من الإتقان والقبول من ينام نهار رمضان كله ويترك الصلوات؟ ألا فاتقوا الله - عباد الله - واجتهدوا فيما يصلح أعمالكم، واختموا شهركم بخير ما عندكم، وأَرَوُا الله من أنفسكم خيرًا، وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون. الخطبة الثانية أما بعد، فاتقوا الله وأطيعوه ولا تعصوه. أيها المسلمون: إن ثمة أمرينِ خطيرين، يحولان دون قبول الأعمال ورفع الدعاء إلى السماء، ومع هذا فالمُصِرُّون عليهما كثير، والتائبون منهما - مع كثرة التذكير بخطرهما والوعظ عن الوقوع فيهما - قليل، أولهما: أكل الحرام والتهاون بالمشتبهات، وهو مما كثر في هذا الزمان، وعم البلاء به في المُعَامَلات المصرفيَّة الربويَّة، وفي المساهمات والمرابحات؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أيها الناس؛ إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنَّى يستجاب لذلك؟!)). وأما الأمر الخطير الآخر، الذي اسْتَحْكَم في قلوبٍ قَسَتْ وغلظ عن الله حجابها، وأخذت العزة بالإثم أصحابها - فهو قطيعة الأرحام، وانتشار البغضاء والشحناء، وتبادل التَّدابُر والتقاطع؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين، ويوم الخميس، فيغفر لكلِّ عبد لا يشرك بالله شيئًا؛ إلاَّ رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا))، وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلمٍ أن يهجرَ أخاه فوق ثلاث))، وقال: ((لا يحل لرجلٍ أن يهجرَ أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)). أيها المتقاطعون: إنَّ فساد ذات بينكم حالقة لدينكم، محبطة لأعمالكم، حائلة بينكم وبين ربكم، فما قيمة حياتكم وما طعم عيشكم؟ وما فائدة أعمال لا ترفع وحسنات لا تقبل؟ أأنتم بقول رسولكم تكذبون؟ أم أنكم عن رحمة ربكم راغبون؟ ألا فاتقوا ربكم وعودوا إلى رشدكم، لقد جاءتكم أيام العشر المباركة التي كان نبيكم يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها، أمامكم ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فيا خسارة مَن أَصَرَّ على ذنبه وطرد، ويا غبن من أعرض عن ربه فحُرم، اتقوا الله ربكم، ولا تكونوا ممن قال الله فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: 204 - 206]، فلا تأخذنَّكم العِزَّة بالإثم، فوالله لا طاقة لكم بعذاب الله، ولا غنى لكم عن رحمته طرفة عين، ألا فكونوا من المتقين، {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201]، تَذَكَّروا ثواب الله وعقابه، وأبصروا الحق وارجعوا إليه، فإن المؤمن إذا ذُكِّر تَذَكَّر، وإذا بصر تَبَصَّر، والله - تعالى - يقول: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55].
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |