|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() من آثار الإيمان باسم الله تعالى العفُوِّ (2) ناصر عبدالغفور 8- الله تعالى يحب صفة العفو كما يحب جميع صفاته: من أهم ما يستفاد من حديث عائشة رضي الله عنها: ((اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو...)) محبةُ الله تعالى لصفة العفو، فالله تعالى عفوٌّ يحب العفو ويحب أهل العفو؛ لذا فقد رغب فيه أيما ترغيب - كما سيأتي - وهذا شأن كل الصفات العلى، فالله تعالى يحب صفاته ويحب من اتصف بها[1]، فهو "سبحانه كامل في أسمائه وصفاته، فله الكمال المطلق من جميع الوجوه، الذي لا نقص فيه بوجه ما، وهو يحب أسماءه وصفاته، ويحب ظهور آثارها في خلقه، فإن ذلك من لوازم كماله"[2]؛ فالله تعالى كريم يحب الكرم وأهله، رحيم يحب الرحمة وأهلها، حليم يحب الحلم وأهله، ستير يحب الستر وأهله، حيي يحب الحياء وأهله، عليم يحب العلم وأهله، معطٍ يحب العطاء وأهله. كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل حليم حيي ستير، يحب الحياء والستر))، ((إن الله تعالى جميل يحب الجمال))، ((إن الله تعالى جواد يحب الجود ويحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها))، ((إن الله رفيق يحب الرفق))، ((إن الله كريم يحب الكرماء))، وفي رواية: ((إن الله كريم يحب الكرم))، ((إن الله محسن يحب الإحسان))، ((إن الله تعالى وتر يحب الوتر))[3]، وبالمقابل فهو سبحانه يبغض أضداد صفاته وأهلها. 9- لعفوه سبحانه ومحبته للعفو خَلَقَ الخلق على هيئة تقتضي عفوه: إن الله تعالى يحب ظهور آثار صفاته، ومن ذلك صفة العفو؛ لذا فقد خلق الخلق على هيئة تقتضي ظهور هذه الصفة؛ فخلقهم ضعفاء يذنبون ويخطئون ولم يجعلهم معصومين، فلو أن الخلق عصموا من الخطأ ونزهوا عن الزلل، فعمن يعفو الله تعالى، وعمن يصفح ولمن يغفر؟ يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "وهو سبحانه لمحبته للعفو والتوبة، خلق خلقه على صفات وهيئات وأحوال تقتضي توبتهم إليه واستغفارهم، وطلبهم عفوه ومغفرته"[4]، ويقول في موضع آخر: "فإذا كان يحب العفو والمغفرة والحلم والصفح والستر - لم يكن بدٌّ من تقديره للأسباب التي تظهر آثار هذه الصفات فيها، ويستدل بها عباده على كمال أسمائه وصفاته، ويكون ذلك أدعى لهم إلى محبته وحمده، وتمجيده والثناء عليه بما هو أهله؛ فتحصل الغاية التي خلق لها..."[5]. وفي الحديث الصحيح: ((والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم))؛ [مسلم]. وعن ابن مسعود رضي الله عنه يرفعه: ((لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلًا، وبه مهلكةٌ، ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش، قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه، فأنام حتى أموت، ثم رفع رأسه، فإذا راحلته عنده عليها زاده: طعامه وشرابه، فالله أشد فرحًا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده))؛ [متفق عليه]. 10- الفرق بين عفو الله تعالى وعفو المخلوق: من الصفات الإلهية ما يتصف به بعض الخلق، ومن ذلك صفة العفو، فالله تعالى عفوٌّ ومن خلقه من هو عفوٌّ، لكن ليس هذا الاشتراك من قبيل التماثل، وإنما هو تشابه في أصل الصفة لا غير، أما حقيقة الصفة وتمامها فشتان شتان بين عفو الله وعفو المخلوق[6]؛ فالله تعالى كامل في ذاته وصفاته، أما المخلوق فناقص في ذاته وصفاته. أ- فعفو الله تعالى يكون عن غِنًى: فهو سبحانه الغني عن جميع الخلائق؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]، فإذا عفا عن بعض خلقه، لم يكن عفوه عن حاجة أو افتقار إلى من عفا عنه، بخلاف المخلوق فقد يعفو عن بعض من أساء إليه؛ لحاجته إليه وافتقاره إليه في تحقيق مصلحة، أو دفع مضرة. ب- عفو الله تعالى يكون عن علم وإحاطة بمن عفا عنه، وبكل أحواله وإساءاته سواء الظاهرة أو الخفية، أما المخلوق فلا يتعدى علمه ما ظهر له عيانًا، فيكون عفوه حسب هذا العلم القاصر، فمثلًا شخص أساء إلى آخر بالسب والشتم مع حقد وغل مدفونين في قلب المسيء، فإذا عفا عنه، فإنما يعفو بحسب ما يعلم من السب والشتم دون ما أضمر من حقد وغل. يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "إذ المخلوق قد يغفر بعجزه عن الانتقام وجهله بحقيقة ما صدر من المسيء..."[7]. ج- عفو الله تعالى يكون عن قدرة لا عن عجز: فليس العجز أو الضعف سببَ عفوِ الله تعالى عن عباده؛ فهو العزيز القادر المقتدر الذي قهر كل شيء ولا يعجزه شيء؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾ [فاطر: 44]، فالله تعالى قادر على البطش والانتقام بكل من عصاه، لكنه الحليم سبحانه الذي سبقت رحمته غضبه، وليس أجمل من عفو مع قدرة، فإنه يدل على الكمال الذي لا كمال بعده. أما المخلوق فإنه قد يعفو لضعفه وعجزه عن الانتقام ممن أساء إليه، ولو قدر عليه لما عفا عنه، وقد مر معنا قول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "فما كل من قدر عفا، ولا كل من عفا يعفو عن قدرة"؛ [المدارج]. د- المخلوق قد يعفو لكن يبقى بقلبه شيء تجاه المسيء إليه، فيكون عفوه ناقصًا، أما الله تعالى فهو الكامل في ذاته، الكامل في صفاته، الكامل في عفوه، فإذا عفا عن عبده، فإنه يعفو عفوًا كاملًا لا يدخله شيء. ذ- عفو الله تعالى تام ليس فيه عتاب ولا منٌّ، بخلاف المخلوق فإنه قد يعفو عمن أساء إليه، لكنه لا يلبث أن يعاتب المذنب في حقه ولو بعد حين، أو يمن عليه بأنه عفا عنه ولم يؤاخذه بإساءته، خاصة إذا كان العفوُّ ذا سلطة وقدرة على الانتقام والمؤاخذة. 11- دعاء الله تعالى باسمه العفو: قال الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180]، ومن أسمائه سبحانه التي أمرنا أن ندعوه بها اسمه (العفو)، وهذا الدعاء ينقسم إلى ثلاثة أقسام: دعاء مسألة، دعاء ثناء، ودعاء عبادة[8]: أ- سؤال الله تعالى باسمه (العفو): وهو أن يتوسل العبد لله تعالى بهذا الاسم في سؤاله، فذلك أرجى لقبول مسألته، والفوز بعفو الله عنه. ومن ذلك الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأمنا عائشة رضي الله عنها: ((اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني))، ولسائل العفو أن يقول: "اللهم يا عفو اعف عني"، أو: "اللهم اعف عني يا عفو"، ونحو ذلك. ومما ورد في دعاء الله تعالى باسمه العفو دعاء المسألة: حديث معاذ بن رفاعة قال: ((قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه على المنبر لما استُخلف، ثم بكى فقال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الأول على المنبر ثم بكى، فقال: اسألوا الله العفو والعافية؛ فإن أحدًا لم يعطَ بعد اليقين خيرًا من العافية))[9]. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ((لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي))[10]. ب- الثناء على الله تعالى باسمه العفو: فالله تعالى يحب أسماءه ويحب من يثني عليه بها، وذلك بأن يكثر الإنسان من ذكرها وحمد الله على اتصافه بها، فهو سبحانه أهل الحمد والثناء، ومما يُثنَى به عليه أسماؤه وصفاته، بل إنه جل في علاه "لا يُثنَى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وكذلك لا يُسأل إلا بها"[11]. ج- التعبد باسم الله تعالى العفو: التعبد لله تعالى باسمه العفو يتضمن أمرين اثنين: ♦ اتخاذ الأسباب لنيل عفوه سبحانه. ♦ مجاهدة النفس للتحلي بصفة العفو. 1- اتخاذ الأسباب الموصلة لعفو الله تعالى: لا ريب أن كل منا يرجو عفو الله تعالى، فمن عفا الله عنه، فقد نال الخير بحذافيره، وسلم من الشر بحذافيره، فلا أسلم للعبد ولا أنجى له في دينه ودنياه من الفوز بعفو الله عنه، ولا أدل على هذا الأمر من ذلك الإرشاد النبوي العظيم لأم المؤمنين ولأهل الإسلام أجمعين بسؤال العفو من رب العالمين في ليلة القدر التي تعظم في قدرها عشرات السنين: ((يا رسول الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أدعو؟ قال: تقولين: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني))[12]، ولو علم صلى الله عليه وسلم دعاء أعظم من سؤال العفو، لعلمه إياها رضي الله عنها وأرضاها في تلك الليلة المباركة التي ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 4]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |