|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() سلامة الصدر، والذمُّ الحلال الشيخ عبدالمحسن بن محمد القاسم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مصل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: فاتقوا الله – عباد الله – حق التقوى، وراقِبوه في السر والنجوى. أيها المسلمون: صلاح الجوارح بصلاح القلب، وأعمال القلوب في الثواب والعقاب كأعمال الجوارح، يُثاب على الموالاة والمعاداة في الله، ويُعاقَب على الحسد والفخر والرياء، وإصلاح القلب أفضل من نوافل العبادات، ولا ينالُ المسلمُ الكمالَ إلا بزوال ما في قلبه من الحسد والأضغان، وسلامة الصدر من صفات الأنبياء، قال الله مُمتدحًا خليله – عليه السلام -: {إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيم} [الصافات: 84]، وشُقَّ صدر النبي - صلى الله عليه وسلم – مرتين؛ مرةً في صِباه وأُخرِج منه العَلَقة، وشُقَّ مرةً أخرى قبل الإسراء وغُسِل قلبُه في طَسْتٍ من ذهبٍ بماء زمزم؛ رواه ابن حبان. ومن دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم – مُعلِّمًا أمته: ((اللهم اهدِني واسلُل سخيمة قلبي))؛ أي: حِقْدَه. رواه أبو داود. وأثنى الله على الأنصار بسلامة صدورهم: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا} [الحشر: 9]؛ أي: ما أُوتِي إخوانهم المهاجرون من فضل، وأخبر عن الصالحين من بعدهم بقوله: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر: 10]. وهو من أسباب دخول الجنة: قال النبي - صلى الله عليه وسلم – للصحابة – رضي الله عنهم -: ((يطلُع عليكم الآن من هذا الفجِّ رجلٌ من أهل الجنة))، فطلع رجلٌ من الأنصار، فسألوه عن عمله، فقال: لا أجدُ في نفسي لأحدٍ من المسلمين غِشًّا، ولا أحسِد أحدًا على خيرٍ أعطاه الله إياه؛ رواه أحمد. وكان السلف يسعون لسلامة صدورهم، فنُعِتوا بذلك، قال ابن كثير – رحمه الله – واصفًا قرينه ابن القيم: (كان حسن القراءة والخُلُق، وكثير التودُّد، لا يحسِد أحدًا ولا يُؤذِيه ولا يستعيبه، ولا يحقِد على أحد). ولا ينفع يوم القيامة إلا سلامة الصدر مع الإيمان: قال – جل شأنه -: {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُون * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم} [الشعراء: 88- 89]. والله - سبحانه – فضَّل عبادَه بعضهم على بعضٍ في العطاء عدلًا منه وفضلًا ليظهر صبرهم وشكرهم، قال – جل شأنه -: {وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ} [النحل: 71]. والحسد خُلُقٌ ذميمٌ مُنعَتٌ دنيءٌ، يقصِد به الحاسد ذوي الفضائل والنِّعَم، اتصف به إبليس فامتنع أن يسجد لآدم حسدًا له: قال: {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِين} [ص: 76]، فكان أول ذنبٍ عُصِي الله به في السماء، وهو من صفات اليهود والنصارى، قال – عز وجل -: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ} [النساء: 54]. وهو من أقوال مرضى القلوب: قال – جل وعلا -: {فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا} [الفتح: 15]. وقد يُؤدِّي بصاحبه إلى الكفر بالله: قال – جل شأنه -: {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِين} [البقرة: 34]. ويتمنَّى غير المسلم إخراج أهل الإسلام عن دينهم: قال – عز وجل -: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم} [البقرة: 109]. وقد يمنع من الدخول في الإسلام: قال المِسْوَر بن مخرمة لأبي جهل: هل كنتم تتهمون محمدًا بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فقال: والله لقد كان محمدٌ فينا وهو شابٌّ يُدعَى الأمين، فما جرَّبنا عليه كذِبًا قط، قال: فما لكم لا تتبعونه؟ قال: تنازعنا نحن وبنو هاشم الشرف، فأطعموا وأطعمنا، وسقوا وسقينا، وأجاروا وأجرنا، حتى إذا تجاثينا على الرُّكَب وكنا كَفَرسي رهانٍ قالوا: منَّا نبيٌّ، فمتى نُدرِكُ مثل هذه؟ ولله لا نُؤمن به، ولا نُصدِّقُه أبدًا. وقد يقتل صاحبَه الآخرين: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ} [المائدة: 27]. وهو فتنة لقلوب الناس: قال – عز وجل -: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَـؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا} [الأنعام: 53]. قال ابن رجب – رحمه الله -: (الحسد مركوزٌ في طِباع البشر، والسعيد من سعى إلى دفعه). وهو مُنافٍ لكمال الإيمان: قال – عليه الصلاة والسلام -: ((لا يجتمعان في قلب عبدٍ: الإيمان والحسد))؛ رواه النسائي. وقد حذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم – أمته من هذا الداء، فقال لهم: ((لا تَحاسَدوا، ولا تناجَشوا، ولا تَبَاغضوا، ولا تدابروا))؛ رواه مسلم. الحسدُ منبع الشرور، ويُوجِبُ الظلمَ، ويُورِثُ القطيعة: قال ابن عقيلٍ – رحمه الله -: (اعتبرتُ الأخلاق – أي: تأمَّلتُها -، فإذا أشدُّها وبالًا الحسد، والحاسد ضعيف النفس، كل نعمة على غيره يراها عظيمة، مُبغِضٌ لنعم الله على عباده، يتألم من فضيلةٍ تظهر، أو منقبةٍ تُشكَر، إن رأى فضل الله على خلقه اغتمّ، وإن عايَنَ زوالها سُرّ، فلا راحة لحاسد، يفرح لحزن الناس، ويحزن لفرحهم، لا يرى قضاء الله عدلًا، ولا لنعمه على الناس أهلًا، ولسانه يُخرِجُ سواد قلبه، قال – سبحانه -: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُم} [محمد: 29]، قال معاوية – رضي الله عنه -: إياك والحسد، فإنه يتبيَّن فيك قبل أن يتبيَّن في عدوك)، يُردِي صاحبه ويقُودُه إلى الذل والمهانة، كما حصل لإخوة يوسف حينما طلبوا من أخيهم الذي حسدوه الصدقة عليهم، قالوا: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ} [يوسف: 88]). ليس في خِصال الشر أعدن من الحسد، ينتقم من نفسه بنفسه قبل أن يصل إلى المحسود، ومن رأى حال الحاسد في همِّه وغمِّه وكمَدِه أشفق عليه، والحاسد اشتغل بما لا يعنيه، فأضاع ما يعنيه. الحسد رفعةً للمحسود؛ إذ النفوس لا تحسُد إلا العظيم، وكم من نعمةٍ خافيةٍ أظهرها حسود، وكم من عبدٍ أُثنِي عليه بعد أن حُسِد، حُسِدَ هابيل ابن آدم فبقيَ ذِكرُه يُثنَى عليه في كتاب الله. وبحسب فضل الإنسان وظهور نعم الله عليه يكثُر حسدُ الناس له، وأعظم نعمةٍ يُحسَد المرء عليها هي نعمة الإسلام، قال – عز وجل -: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء} [النساء: 89]. والنبي - صلى الله عليه وسلم – حُسِد على القرآن: {وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم} [الزخرف: 31]. والمحسود مظلومٌ مأمورٌ بالصبر والتقوى، والعفو والصفح: قال – عز وجل -: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ} [البقرة: 109]، ويوسف – عليه السلام – قال لإخوته: {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يوسف: 92]. ونار الحاسد تُطفَأ بالإحسان إليه، وكلما ازداد شرُّ الحاسد فزِده إحسانًا ونُصحًا وشفقةً عليه، والحسدُ يمنع كمال الإيمان: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه))؛ متفق عليه. الحسدُ معصية يجب على المسلم أن يتوب منها، وأن يرضى بالقضاء، ويستسلم للمقدور، ولا يُعارِض الله في أمره، ويفرحَ بكرم الله على عباده، ويدفع عن قلبه تلك المعصية طاعةً لله وخوفًا من عقابه، وبُعدًا من أن يكره نعم الله على عباده، وأن ينظر إلى من هو دونه، ويتذكَّر نِعَم الله عليه، ويقنع بعطاء الله له، فكل حاسدٍ محسود، وأن يتعوَّذ بالله من الحسد، ويُبادر بالدعاء للمحسود، ويتمنَّى زيادة الخير لأخيه المسلم، ومن أعطى غيرَك نعمةً فهو قادرٌ – سبحانه أن يُعطِيَك مثلها وأكثر منها: {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم} [الحديد: 21]. والغِبطة حقًّا إنما هو في عطاء درجات الآخرة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 32]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أيها المسلمون: أبُّ القلوب إلى الله أرقُّها وأصفاها، ولا أهنأ حياةً من مؤمنٍ سليم الصدر، إن رأى نعمةً ساقها الله إلى أخيبه فرح بها، ورأى فضل الله فيها، وفقر عباده إليها، وما عادى أحدٌ مسلمًا فأفلح، وفي الرضا بما قسمه الله سلامةٌ للقلب، وكلما كان العبدُ أشدَّ رضًا كان قلبه أسلم. وعلى المرء أن يقهر نفسه عن مذموم خُلُقها، ويحجِزها عن لئيم طبعها، وجِماع الطرق التي يُصان منها القلب: الحِرصُ، والشهوة، والغضب، والحسد. ومن أحب أن يُنعِم الله عليه فلا يلتفت إلى أحوال الناس، وليجعل صدره سليمًا، ومن نظر إلى ذنوبه استكثر ما هو فيه من النعم، وما حفظ عبدٌ نعمة الله عليه بمثل شُكرها، ولا عرَّضها للزوال بمثل عِصيان الله بها، فسارعوا إلى كر نعمه عليكم يزِدكم من فضله، ويَهَب لكم من الخير ما تسعدون به في الدنيا والآخرة. ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في مُحكم التنزيل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]. اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون: أبي وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة جمعين، وعنا معهم بجُودك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنًا مطمئنًا رخاءً، وسائر بلاد المسلمين. اللهم اصرف عنا شر الحاقدين والشامتين والحاسدين يا رب العالمين. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار} [البقرة: 201]. اللهم إنا نسألك التوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة، اللهم ألهمنا الصواب، ووفِّقنا للحق، وجنِّبنا الفتن. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا. {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين} [الأعراف: 23]. اللهم وفِّق إمامنا لهُداك، واجعل عمله في رضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام. عباد الله: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون} [النحل: 90]. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونِعَمه يزِدكم، {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون} [العنكبوت: 25].
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |