|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() استمطار أم استسقاء؟! الشيخ عبدالله بن محمد البصري أما بعد: فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله؛ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3]. أيها المسلمون: إن من رحمة الله بعباده أن بيَّن لهم الأسباب الشرعية، التي متى فعلوها حصلت لهم نتائجُها المرضية، ومتى أهملوها أو قصروا فيها، كانت النتائج عليهم عكسيةً، من ذلك المطر، حيث جعل - سبحانه - أسبابًا يستنزل بها، وأخرى تَمنعه، وإذا كانت المعاصي - ولا سيما ما خصه الدليل من نقص الموازين، وبخس المكاييل، ومنع الزكاة - إذا كانت من أهم أسباب القحط، فإن الإيمان والتقوى والاستقامة على طاعة الله، والرجوع إليه والتوبة والاستغفار، كلُّ أولئك من أسباب نزول المطر، وحلول البركات في الأرض؛ قال - سبحانه -: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم: 41]، وفي الحديث الحسن عند ابن ماجه، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ولم يَنقصوا المكيالَ والميزان، إلا أُخذوا بالسنين، وشدة المؤونة، وجَوْر السلطان عليهم، ولم يَمنعوا زكاةَ أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء))، وقال - سبحانه -: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود: 52]، وقال - تعالى -: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10 - 12]، وقال - تعالى -: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96]، وقال - تعالى -: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: 16]. ولكَمْ يُخطئ مَن يتعامَوْن عن هذه الأسباب الشرعية الصريحة، ثم ينصرفون إلى أسبابٍ ماديةٍ واهيةٍ، فيتعلَّقون بها، أو يتَّكلون على جهودٍ بشريةٍ ضعيفةٍ ويأنسون بها، من ذلك ما يسمى بالاستمطار الصناعي، حيث تقوم طائراتٌ برش بعض المواد على السحب في أماكن تجمُّعها، ظانِّين أنهم سيُنزلون بذلك غيثًا لم يأمرْه الله، أو يُغدِقون خيرًا لم يوسعه الله، أو يطلقون رزقًا أمسكه الله، فيا سبحان الله! كأن الناس لا تقرأ قول الحق - سبحانه -: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} [الرعد: 12]، وقوله - عز شأنه -: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} [النور: 43]، وقوله - عز وجل -: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا} [الروم: 48]، وقوله - تعالى -: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} [الواقعة: 68، 69]، وقوله - جل وعلا -: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} [الملك: 21]، وقوله - تعالى -: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30]، إلى غير ذلك من الآيات التي نصَّت على أن إنزال المطر بيد الله وحده، لكنها الغفلة والابتعاد عن السنن الشرعية، والإعجاب ببعض المخترعات، ولو كانت ضربًا من الترف العلمي، والتكلف العملي، إلا أن مِن إرادة الله الخيرَ بعباده أن يريَهم أن الأسباب المادية لا تغني عنهم شيئًا؛ لعلهم بذلك يفزعون إليه، فيكشف ما بهم من ضر، ويفرج كربتَهم، ويغيثهم وينشر رحمته وهو الولي الحميد. وقد نشرت إحدى الصحف في الأيام الماضية خبرًا، مفادُه فشلُ عمليات الاستمطار الصناعي التي أجريت في بعض الجهات في بلادنا، حيث حدث مرارًا أن تفرَّق السحابُ وتبدَّد بعد هذه العمليات الفاشلة، فالحمد لله الذي أظهر للناس عجزَهم، وضعفَ قوتهم، وقلة حيلتهم، وأنْ لا مفر لهم منه إلا إليه، ولا استنزال لرحمته بغير اللجوء إليه وفعل الأسباب الشرعية. أيها المسلمون: ليس نزول الغيث مرتبطًا بهبوب رياحٍ، ولا قرب بحارٍ فحسب، ولا يمكن أن تجلبه أسبابٌ ماديةٌ بحتةٌ، ما لم يأذن بنزوله الخالقُ الرازق، ومَن ظنَّ غيرَ ذلك، فقد جانَبَ الصواب؛ ففي "الصحيحين" وغيرهما، عن زيد بن خالدٍ الجهني - رضي الله عنه - أنه قال: صلَّى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاةَ الصبح بالحديبية على إثر سماءٍ كانت من الليلة، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: ((هل تدرون ماذا قال ربكم؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((أصبح مِن عبادي مؤمنٌ وكافرٌ، فأما مَن قال: مُطرْنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمنٌ بي، وكافرٌ بالكوكب، وأما مَن قال: بنَوْء كذا وكذا، فذلك كافرٌ بي، ومؤمنٌ بالكوكب))، فحقيقٌ بنا - ونحن المسلمون المصدِّقون - أن نبذل الأسبابَ الشرعية ونحقِّقها، وأن نتمسك بها ونقطع كل رجاءٍ بغير الله، وأن نجزم بأن نزول الغيث غيبٌ لا يعلمه إلا الله، فقد روى البخاري وغيره، عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مفاتيح الغيب خمسٌ لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما في غدٍ إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحدٌ إلا الله، ولا تدري نفسٌ بأي أرضٍ تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله)). تلكم هي العقيدة التي يجب أن يكون عليها أهلُ التوحيد والإيمان، وأن تصدِّق بها قلوبُهم ويوقنوا بها، وأن تنشرح لها صدورُهم ولا يشكوا فيها لحظةً واحدةً، ومن ثَم فلا يفزعون إلا إلى الله، ولا يَدْعون غير الله، ولا يلجؤون لكشف ما يصيبهم من قحطٍ وجدبٍ إلا إليه، وكيف لا يفعلون، {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى: 28]؟! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} [الأعراف: 54 - 58]. الخطبة الثانية أما بعد، فاتقوا الله - تعالى - وأطيعوه. أيها المسلمون: إنه لنوعٌ من الميل الواضح عن الطريقِ القويم، ومجانبة الصراط المستقيم، أن يبتعد المسلم عن الأسباب الشرعية التي وردت في الكتاب والسنة، ويستبدل الأدنى بالذي هو خيرٌ، فيأخذ بأسبابٍ دنيويةٍ ماديةٍ، ثبت بالتجربة فشلها وعدم نفعها، أين الثقة بالله؟! أين اطمئنان القلوب بوعد الله؟! {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك: 22]؟ أفمن يتوكل على الله، ويلجأ إليه، كمَن يعتمد على الاستمطار الصناعي، أو ينسب نزول الأمطار إلى طلوع النجوم، أو هبوب الرياح، أو غير ذلك؟! لا والله لا يستوون. ألا فاتقوا الله - عباد الله - واستمسكوا بالحق المبين، ولا تكونوا من الجاهلين، وما دمتم قد صليتم الاستسقاء، ودعوتم الله كما أُمرتم، فغيِّروا ما بأنفسكم، وأملوا خيرًا وأبشروا؛ {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]. إن ثمة تقصيرًا في الطاعات، وتركًا للصلوات، وهجرًا للجماعات، وتهاونًا بفعل المنكرات، وكم في البيوت من وسائل الإفساد! تلذذنا بالحرام، ولم نتَّقِ الشبهات، تهاجرنا وتقاطعنا، قصَّرنا في التربية وأهملنا، غيَّرنا وبدلنا، فالتوبةَ التوبة، فإن الله قريبٌ مجيبٌ؛ {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |