وسائل الإعلام الحديثة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4955 - عددالزوار : 2058275 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4531 - عددالزوار : 1326786 )           »          How can we prepare for the arrival of Ramadaan? (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الأسباب المعينـــــــة على قيام الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          حكم بيع جوزة الطيب واستعمالها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          تريد لبس الحجاب وأهلها يرفضون فهل تطيعهم ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          ما هي سنن الصوم ؟ . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          هل دعا الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين الذين لم يروه ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          حكم قول بحق جاه النبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          ليلة النصف من شعبان ..... الواجب والممنوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-04-2020, 02:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,610
الدولة : Egypt
افتراضي وسائل الإعلام الحديثة

وسائل الإعلام الحديثة (1)


الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل




السينما: نشأتها، وحكمها، وأثرها




الحمد لله الخلاَّق العليم؛ خلق الإنسان ففضَّله على كثير ممَّن خلق تفضيلاً، وجعله عاقلاً سميعًا بصيرًا؛ {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} [المؤمنون: 78].

نحمده على إحسانه ونِعمِه، ونشكره على آلائه ومِننه، وأشهد أن لا إلهَ الله وحدَه لا شريكَ له؛ فَرَض فرائضَ فلا تضيِّعوها، ونهى عن أشياءَ فلا تنتهكوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، لا خيرَ إلا دلَّنا عليه، ولا شرَّ إلاَّ حذَّرنا منه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ آمَنُوا بالله ورسوله؛ {وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157]، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

أمَّا بعد:
فاتَّقوا الله - تعالى - وأطيعوه؛ {وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: 123].

أيها النَّاس:
لَمَّا خلق الله - تعالى - البشر، وابتلاهم بالإيمان والكفر، وبالطَّاعة والمعصية؛ فإنَّه - سبحانه - دلَّهم على ما يُرضيه، وحذَّرهم ممَّا يُسخطه، ورزقهم أدوات العلم والإدراك، ومعرفة الخير من الشرِّ، وتمييز النَّفع من الضُّر، وهي الأسماع والأبصار والعقول؛ {وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].

ومِن حكمته - تعالى -: أنَّه جعل الشيطان وجُندَه فتنةً لهم، يصدُّونهم عن الهِداية، ويُزيِّنون لهم الغَواية: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ} [ص: 82 - 83]، والغواية تكون بالقول، ومحلُّ ذلك اللِّسان والسَّمع، وتكون بالفعل، ومحلُّ ذلك البصر والجوارح، والقلْب يَفْسُد بغواية البصر والسَّمع؛ ولذا أُمِر المؤمنُ بحفظ سمعه وبصره عمَّا حرَّم الله - تعالى - لِيسلمَ له قلبه؛ {إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} [الإسراء: 36]، ويوم القِيامة تشهد الأسماعُ والأبصار على أهل المعاصي بما كانوا يَسمعون ويُبصرون؛ {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [فصِّلت: 20].

وأَمر الله - تعالى - بغضِّ الأبصار؛ لأنَّها طريق إلى الفروج، وتحريكها للرِّجال وللنِّساء، فجمع بينهما؛ {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30]، وفي الآية الأخرى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31]، وفي حديث أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((كُتِبَ على ابنِ آدَمَ نَصيبُه مِن الزِّنا مُدْرِكٌ ذلك لاَ مَحالةَ؛ فالعَينانِ زِناهُما النَّظرُ، وَالأُذُنانِ زِناهُما الاستِماعُ، واللِّسانُ زِناهُ الكلامُ، واليدُ زِناها البَطْشُ، والرِّجْلُ زِناها الخُطَى، والقَلْبُ يَهْوَى ويَتمنَّى، ويُصدِّقُ ذلك الفَرْجُ ويُكذِّبُه))؛ رواه الشيخان، واللَّفظ لمسلم.

وخطورة السَّمع والبصر على العِباد كبيرة، وعلاقتهما بالزِّنا وثيقة؛ لأنَّ الزِّنا له مقدِّماتٌ يقوم بها السَّمع والبصر واللِّسان، ويُهيِّئ النَّاس له، ولأجْل ذلك كان مِن الدُّعاء المأثور التعوُّذ بالله - تعالى - من شرِّ هذه الجوارح؛ جاء رجل إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: عَلِّمني تَعوُّذًا أَتعوَّذُ به، قال: فَأَخذَ بكَتِفي، فقال: ((قُل: اللهمَّ إنِّي أَعوذُ بكَ مِن شَرِّ سَمْعي، وَمِن شَرِّ بَصَري، وَمِن شَرِّ لِساني، وَمِن شَرِّ قَلْبي، وَمِن شَرِّ مَنيِّي - يعني: فَرْجَهُ))؛ رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حسن غريب.

وقيل للإمام أحمد - رحمه الله تعالى -: رجلٌ تاب، وقال: لو ضُرِب ظهري بالسِّياط ما دخلتُ في معصيةٍ، غيرَ أنَّه لا يدع النَّظر، قال: "أيُّ توبة هذه؟!".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "فالنظر داعيةٌ إلى فساد القلْب، قال بعضُ السَّلف: النَّظر سَهْمُ سُمٍّ إلى القلْب".

كلُّ هذه النُّصوص والآثار تدلُّ على عظيم فِتنة النَّظر والاستماع، وأنَّ العِباد قد يقعون في الكبائر بسببهما، وكان الرَّجل يرى المرأة، أو يستمع إليها في طريقٍ أو سوق أو بستان أو نحوه، وقد يمرُّ عليه أيَّامٌ لا يَرى امرأة أبدًا، هذا كان قديمًا، لكنْ مع اختراع وسائل تحريكِ الصُّور، ونقلها وحفظها، ازدادتْ نِسبةُ النَّظر إلى النِّساء فيما عُرِف بدُور السينما، ثم مع اختراع شبكات التَّلفزة ازدادَ النَّظر إليهنَّ أكثرَ من ذي قبل؛ لأنهنَّ اقتحمنَ على النَّاس بيوتهم، ثم لمَّا حدثتْ ثورة الاتصالات في البثِّ الفضائيِّ والشبكة العنكبوتيَّة، صار النَّظر إلى النِّساء وهنَّ بأبهى حُلَّة أمرًا مألوفًا عند أكثر النَّاس.

إنَّ القدرة على تخزين الصُّور المتحرِّكة وبثها - المعروف بالسينما - كان أكبرَ حدثٍ في التاريخ البشريِّ أثَّر في حفظ الأسماع والأبصار عن الحرام، وسَبَى القلوبَ والعقول، وفَتَن النَّاسَ فتنةً عظيمة.

كانت بداية ذلك قبلَ ما يَزيد على مائة سنةٍ من الآن في فَرنسا وأمريكا، وما هي إلاَّ أشهرٌ عدَّة، حتَّى انتشرت هذه الصناعة الجديدة في بلاد الغرب، ونقلها اليهود والنَّصارى إلى مصر في نفس العام الذي بَثَّت فيه فَرنسا أوَّل فيلم لها، وأُقحمت النِّساء فيها أوَّل بدئها في مصر، وكان أكثر المُخرجين والمُنتجين والممثلِّين من أبناء اليهود والنَّصارى وبناتهم، الذين تربَّعوا فيما بعدُ على عرش ما يسمى "الفن"، وقُدِّموا للأمَّة رُوَّادًا لها، وجُعلوا قدوةً للشَّباب والفتيات يقتدون بهم، ومِن هؤلاء السينمائيِّين مَن اضطروا لتغيير أسمائهم اليهوديَّة والنصرانيَّة؛ لئلا تُعرفَ دياناتُهم، فلا يَقْبَلُهم الجمهور، ولا يُقْبِلون على إنتاجهم وإفسادِهم للنَّاس.

وما مضت ثلاثة، عقودٍ على نشأة السينما في مصر إلاَّ وكان بها أكثرُ من مائة شركة إنتاج سينمائي، تصوغ العقول، وتفرِض الأفكار، وتسطو على القِيَم والأخلاق؛ تُدار بأيدي أجانب ووكلائهم، ويُموِّلها اليهودُ والنصارى، ويرسمون سياستَها؛ ولذا فإنَّها كُرِّست لإفساد الشباب والشابَّات، ودارت أفلامُها في فلك الحبِّ الغرام، ونشر ثقافة التَّمرُّد والتَّحرُّر واللذَّات المحرَّمة، وغَزتْ عقولَ مشاهديها بالأفكار الغربيَّة الماديَّة المتحلِّلة من الدِّين والأخلاق.

حتَّى إنَّ مجلة "صباح" اليسارية المصريَّة تذمَّرت من السيطرة الأجنبيَّة على السينما المصريَّة، وغرسها لأفكار وأخلاق معيَّنة، فكتبت في افتتاحيتها: "لقد كنَّا إلى آخر لحظة نحسن الظنَّ، أو نحاول أن نحسن الظنَّ بجماعة الأجانب الذين يحترفون السينما في مصر، وطالما أغمضنا أعيننا عن كثيرٍ من الجرائم التي يرتكبونها، ويعتدون فيها على كرامة المصري، أهملوا اللُّغة العربية؛ وهي لغةُ السَّواد الأعظم من أبناء البلاد...".

وفي حقبة الأربعينات الميلاديَّة شنَّ أحدُ النُّقاد اليساريِّين حملة قويَّة على وضْع السينما ومضامينها، وكتب المقالات المنتقدة لها، وسمَّاها (سينما المخدرات)؛ لِمَا فيها من مضامين الفساد، وهاجم نظرية (الفن للفن)، التي يُردِّدها الآن بعضُ بني قومنا المتحمِّسين للإفساد في بلادنا باسم الانفتاح والإصلاح.

وكلُّ ما نقلتُه، وما سأنقله على مسامعكم من أقوال حولَ السينما، فإنَّها ليست لعلماء، ولا لدُعاة، ولا لأحد ينتسب للتيَّارات الإسلاميَّة، وإنَّما هي لأناس تحمَّسوا للسينما في أوطانهم؛ لكنَّهم لَمَّا رأوْا أفكارَها ورسالتها التي تؤدِّيها، علموا أنَّها ليست أداةً محايدة للترفيه، وإنَّما هي مزرعة لاستنباتِ الأفكار الغربيَّة المنحرفة في البيئة الشرقيَّة المسلمة، فأبتْ عليهم وطنيتُهم إلاَّ أن يُبيِّنوا ذلك للنَّاس، ويحذِّروهم منه.

لقد دَرَس ناقدٌ فرنسي إنتاجَ السينما العربيَّة، وحلَّل واقعَها خلالَ خمسة عشر عامًّا؛ ليثبتَ بعد ذلك السَّطوَ الإمبريالي الرأسمالي عليها، ويؤكِّد في دراسته استئثارَ شركات الإنتاج والتوزيع الأمريكيَّة بها.

ويلخِّص هذا المعنى أحدُ أشهر النُّقَّاد السنيمائيِّين العرب فيقول: "كانت الأفلام الواردة مِن خارج الوطن العربيِّ والعالَم الإسلامي، والأفلام المصنوعة داخلَ الوطن العربيِّ والعالَم الإسلامي تتقاسمُ قتْلَ المشاهد فكريًّا وأخلاقيًّا بصورةٍ تبعث على الدَّهشة، وكأنَّما كان هناك نوعٌ من التلذُّذ بعملية هذا القتل البطيء والمستمر دونما هوادة.."، ثم يذكر أنَّ أيَّ دراسة سيسيولوجية لتأثير ما أنتجتْه السينما تُظْهِر بجلاء أنَّها لعبتْ دورًا كبيرًا في تخريب الكثير من القيم الإنسانيَّة، وفي تشويه العقل العربيِّ الخام، ودفعه في اتجاه البحث عن قِيم غربيَّة بعيدة عن تقاليده وقِيَمه.

ولن يكونَ حالنا إن أُقرِّت السينما عندنا إلاَّ كحال مَن سبقونا، فلنأخذِ العبرة منهم، ولنستمعْ لأقاويل عقلائهم حين كشفوا اللِّثام عنها، وأثبتوا أنَّ كِبار المفسدين من اليهود والرأسماليِّين هم مَن يديرونها؛ لتحقيق مآربهم في الفساد والإفساد، وأنَّ منافستَهم عليها أو مزاحمتهم فيها ضرْبٌ من الخيال، والسَّلامة لا يَعدِلها شيء، ورحم الله مَن اتَّعظ بغيره، والمخذولُ مَن لا يتَّعظ بالمواعظ، ولا يعتبر بمن كانوا قبلَه؛ {وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا} [النساء: 27].

بارك الله لي ولكم في القرآن.


الخطبة الثانية


الحمد لله حمدا طيبا كثيرًا مباركًا فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه إلى يوم الدِّين.

أمَّا بعد:
فاتَّقوا الله - تعالى - وأطيعوه؛ {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281].

أيُّها المسلمون:
فتْكُ السينما بالأخلاق عظيم، وصياغتها للعقول والأفكار لا ينكره إلاَّ مكابر، وقد كان الزَّعيم الشيوعي "لينين" يخاف من تأثير السينما الليبراليَّة على الشُّعوب الشيوعيَّة، ويخشى أن تتحوَّل عن الاشتراكيَّة بسببها، وكان يقول: "تسيطر على الفنِّ السينمائي حتَّى هذه الساعة أيدٍ تجاريَّة قذرة، وتقدِّم للمشاهدين أفلامًا سيِّئة أكثر مما هي مفيدة، ففي الكثير من الأحيان يُفْسِد الفنُّ السينمائي المشاهدين بأفلام سيِّئة المضمون"، وهذا ما دعا كاتبًا روسيًّا مرموقًا عند قومه أن يُؤلِّف كتابه: "الفن السنيمائي وصراع الأفكار".

أيخاف الشيوعيُّون على فكرِهم الإلحاديِّ البائد، من الغزو الليبرالي الفاسد، فينتقدوا السينما، ويُحذِّروا منها، ولا يخاف أهل الإسلام على عقول أبنائهم وبناتهم، وهم يَرَوْن ما فعلت السينما بأكثر بلاد المسلمين؟! إنَّ هذا لشيء عُجاب!

إنَّ تأثير السينما على المعتقَدات والأخلاق، وصياغتها للعقول والسُّلوك والأفكار - لا ينفيه صانعوها والمروِّجون لها، والمالِكون لأكبر إنتاجِها؛ بل يُثبتون ذلك، وكَذَب مَن زعم مِن بني قومنا أنَّها لمجرَّد الترفيه والتسلية، وأنَّ مَن يحاربونها يَتهمون غيرَهم على غير هدى، فهذا المخترع المشهور توماس أديسون؛ وهو ممَّن طوَّروا آليات السينما يقول: "مَن يسيطر على السينما يسيطر على أقوى وسيلة للتَّأثير في الشَّعْب..".

ويقول أحد المؤرخِّين للفنون الأمريكيَّة: "إنَّ السينما - سواء أحببنا أم لم نحبَّ - هي القوَّةُ التي تصوغ - أكثرَ من أيِّ قوَّة أخرى - الآراء والأذواق واللُّغة والزِّي والسُّلوك؛ بل حتَّى المظهر البدني..."، حتَّى قيل: السينما أفيون الشُّعوب، ويقول مفكِّر أمريكي آخر: "ليست وظيفة السينما أن تزودنا بمعرفةٍ للعالَم فحسبُ، وإنما تخلق أيضًا القِيم التي نعيش بها".

إنَّ زعْمَ بعض النَّاس أنَّ السينما قد ولجت البيوتَ عن طريق البثِّ الفضائي، ولا فرق بينها وبين صالات السينما ينمُّ عن ضعْف في تصوُّر السينما وصناعتها، ويدلُّ على جهلٍ بخطط مَن يروِّجون لها، ولو كانَا سويًّا لقُضيَ بالفضائيات على صالات السينما، ولمَّا بقيتْ بعد اختراع شبكات التلفزة، ومَن يدعون أنَّهما سواء، لماذا إذن يطالبون بها؟ ويستميتون في فرضها؟ ولماذا لا يكتفون بالفضائيات عنها؟

إنَّ من طبيعة المفسدين التي ألِفْناها منهم أنَّهم يَعرِضون فسادَهم خطوةً خطوة، ولن يتوقَّفوا عندَ حدِّ إنشاء صالات العرْض السنيمائي، وعرْض الأفلام فيها، وإنَّما سيُطالبون بتوطين السينما كما حصل في مصر في بدايات القرن الماضي، وتوطينُها يستلزم تخريجَ جيش من أبناء البلد وبناته؛ ليكونوا ممثلِّين، ومخرجِين، ومنتجين ومصوِّرين، وغير ذلك، وهذا الجيش العرمرم لا يمكن تخريجُه إلاَّ بإنشاء أكاديميات ومعاهدَ متخصِّصة في السينما، وبعثات طلابيَّة للجنسين تدرس السينما في الخارج، ثم ستكون الحاجة ملحَّة لإنشاء مدن سينمائيَّة، واستوديوهات للتصوير، وغير ذلك ممَّا يكلف أموالاً طائلة في سبيل الشَّيطان، والسلسلة لن تنتهي.

وأمَّا دعوة البعض بإنشاء سينما نظيفة، فهي أحلام مخادعة، لا رَصيدَ لها من الواقع؛ لأنَّ عماد السينما على الإثارة، والإثارة لا تتأتَّى إلاَّ بتحطيم القيود الدِّينيَّة والأخلاقيَّة، يقول أحد كبار المخرجين الألمان: "يحرِّك الجمهور دافعان: الجنس والعنف، أصبحنا جميعًا بهذا المعنى كمتعاطي المخدرات نتحرَّك عندما يحرِّكوننا، عندما يجذبوننا أو يبعدوننا، ولا يوجد لدينا انسجام مع ذواتنا".

وأمَّا ادِّعاء البعض بوضع شروطٍ وضوابطَ لها، فهي أضحوكةٌ يُلهي بها المفسِدون أهلَ الغفلة من النَّاس، فمَن خرقوا دساتير الدُّول وأنظمتها الإعلاميَّة هل يتقيَّدون بشروط وضوابطَ لن تكون إلاَّ حبرًا على ورق، وقبل ستِّين سنة من الآن صَدَر في مصر قانونٌ للسينما ينصُّ على: مراعاة احترام الأديان وعدم التعرض للعقائد... ولا يسمح بمناظر الحركات المخلَّة بالآداب بما فيها الرَّقص الخليع المغري.

وحال الأفلام المصريَّة التي صدرت بعد هذا القانون خلالَ ستِّين سَنةً ليس يخفى على مَن شاهدوها في قذارتها، وانحرافها، وسخريتها بالدِّين وأهله.

إنَّ السينما، إنْ كان المقصود بها نشر الفساد والانحلال في هذه البلاد المباركة، التي عُوفيت منها فيما مَضى، فهي خطوةٌ من خطوات المفسدين، كيف يرضاها العقلاء والمصلِحون؟! والله - تعالى - قد حذَّرنا منهم بقوله - سبحانه - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ} [النور: 21].

وإن كان المقصود بها مجرَّد التسلية والترفيه -كما يزعم الزَّاعمون - فهلاَّ أنفَقُوا أموالها الطائلة على مشروعات التنمية التي توفِّر ما يحتاجه النَّاسُ من ضرورات وحاجات، بدلَ إغراقهم في الترفيه المحرَّم، الذي يكون سببًا في رفْع النِّعم، وجلبِ النِّقم؛ {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ القُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [هود: 116].

وصلُّوا وسلِّموا على نبيِّكم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12-04-2020, 02:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,610
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وسائل الإعلام الحديثة

وسائل الإعلام الحديثة (2)


الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل



السينما مرتع الفساد ووسيلة الإفساد



الحمد لله العليم الخبير؛ {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ * وَاللهُ يَقْضِي بِالحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [غافر: 19 - 20]، نحمده فهو أهلُ الحمد، ونشكره فلا أحدَ أحقُّ بالشكر منه؛ خلقَنا ورزقَنا وهدانا واجتبانا وعلَّمَنا، ومن الخير أعطانا، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له؛ دِينُه خيرُ دِين، وكتابه أحسنُ كتاب، وشريعتُه أكملُ شريعة، ولا رَشاد في الدنيا، ولا فوزَ في الآخرة إلاَّ بالتمسُّك بها؛ {صِبْغَةَ الله وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة:138].

وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله؛ حذَّرَنا من أقوام هُم من جلدتنا، ويتكلَّمون بألسنتنا، ونهانا عن طاعتهم، واتِّباع سبيلهم، وأمَرَنا بتحذير الناس منهم ومِن ضلالهم، وأخبرَنا أنَّهم دعاة على أبواب جهنَّم؛ مَن أجابهم قذفوه فيها، صلَّى الله وسلَّم، وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه إلى يوم الدِّين.

أمَّا بعد:
فاتقوا الله - تعالى - وأطيعوه، واحذروا الفِتنَ والمهلكاتِ، التي أعظمُها وأكبرها الفِتنةُ في الدِّين، والمجاهرة بالمنكرات، والرِّضا بها، والدَّعوة إليها، وفرْضُها على الناس بالقوَّة؛ وذلك مُؤذِن بالعقوبات والمَثُلات على الأفراد والجماعات؛ {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ} [الأنفال:25].

أيُّها الناس:
أَمَر الله - سبحانه وتعالى - بالإصلاح في الأرْض، وأثْنى على المصلحِين، ونهى - عزَّ وجلَّ - عن الفساد وذَمَّ المفسدين، وكان رسل الله - تعالى - هم المصلِحين، ودعوتهم ودعوة أتباعهم هي الصلاح والإصلاح، وكان المعارِضون للرُّسل المحارِبون لأتباعهم هم أهلَ الفساد والإفساد.

وقد يتظاهر المفسدون بأنَّهم مصلِحون، وأنَّ مشاريعهم التخريبيَّة للعقائد والأخلاق هي من الإصلاح، كما يفعله المنافقون في القَديم والحديث، ولكن الله - تعالى - حذَّرَنا من الغرور بدعواهم، وفَضَحَهم في قرآن يُتْلى إلى يوم القيامة؛ لنكونَ على حذر من كذبهم ودجلهم، وعدم تصديقهم في دعاواهم أنَّهم مصلِحون، وهم في واقع الأمر مُفسِدون؛ قال الله - تعالى - في وصفهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ} [البقرة:11 - 12].

وكان فرعونُ الطاغيةُ أشهرَ رمْز من رموز الفساد في الأرض، وكان يدَّعي الإصلاح، ويزعم أنَّه مصلِح، وقد سعى لتعبيد الناس له من دون الله - تعالى - وأراد فرْضَ فساده على الناس باسم الإصلاح؛ ولذلك فإنَّ وصف الفساد والإفساد والمفسدين في القرآن جاء ذِكْره في قصة فرعون أكثرَ من غيرها، وابتدأت به؛ {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ المُفْسِدِينَ} [القصص: 4].

ولَمَّا أَغرق الله - تعالى - فرعونَ، وغَرغَر بالموت ادَّعى أنَّه يؤمن بدِين موسى - عليه السلام - فخوطب بأنَّه من المفسدين في قول الله - تعالى -: {آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ المُفْسِدِينَ} [يونس: 91]، وجعل الله - تعالى - قصَّة فرعون مع قصص مَن قبله مِن المفسدين عبرةً لنا، وخوطب بذلك نبينا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - في قول الله - تعالى -: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِينَ} [الأعراف:103]، فكان فرعون أنْمُوذجًا للمفسدين في الأرْض الذين يَكذِبون على الناس فيدَّعون أنَّهم مصلِحون.

والمفسِد فرعونُ كان يعلم أهميَّة الإعلام في نشْر فساده، وكان يحرص على تأليب النَّاس على موسى ومَن معه، ويتظاهر بالبراءة والصلاح والإصلاح، والحِرْص على رعيته من الفساد الذي يدَّعيه في موسى - عليه السلام - فكان يخاطب الناس خطابًا إعلاميًّا علنيًّا يُظهر فيه نصحَه لهم، وحرصَه عليهم، وخوفَه من إفساد موسى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الفَسَادَ} [غافر:26]، وكان يشتدُّ في خطابه الإعلامي التضليلي فيقول: {يَا أَيُّهَا المَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38].

وكثيرٌ من الناس كان ينخدع بهذا الخِطاب الإعلامي من فِرعون، ويُصدِّقون أكاذيبَه؛ لأنَّ صوته كان أعلى، وكان هو الذي يملك وسائلَ الإعلام المتاحة في زمنه، فاغترَّ به كثيرٌ من الناس؛ لقوَّة إعلامه ودعايته، وبراعته في التزوير والإضلال؛ {فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97].

وكان موسى - عليه السلام - يُحذِّره وزمرتَه الإعلاميَّة الفاسدة من تزوير الحقائق، واختلاق الأكاذيب عليه، وعلى مَن معه من المصلِحين؛ {قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُوا عَلَى الله كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} [طه: 61].

يا لِعظمةِ هذا القرآن حين تبقى هذه القصَّة بفصولها وأحداثها، وأقوال أبطالها منذ تنزُّل القرآن إلى يومنا هذا! لنرى في أمَّتنا زمرةً من الفراعنة الإعلاميِّين الجُدد يَلبَسون ثياب الناصحين المصلِحين؛ لينشروا ثقافةَ الفساد والإفساد، ويرموا أهل الصلاح والإصلاح بموبقاتهم، كما فَعَل فرعونُ من قبل مع موسى - عليه السلام - إنَّها نفْس الطريقة، ونفْس الأكاذيب، ونفْس الوسائل القَذِرة التي استخدمها فرعونُ من قبلُ؛ لحشد الرأي العام ضدَّ موسى ومَن معه.

لقد زَعَم فراعنةُ هذا الزَّمن أنَّ السينما وسيلةُ إصلاح، ورموا المعارضين لها بأنَّهم لا يريدون وسائلَ الإصلاح، مع أنَّ السينما بإجماع السينمائيِّين لا تقوم إلاَّ على ركنين: هما الجنس والعُنف، وهما مِن أعظمِ الفساد الذي تُعاني منه الحضارة المعاصرة بشهادة الغربيِّين قبل الشرقيِّين، وبإقرار الكفَّار قبل المسلمين؛ فإنَّ مئات الدِّراسات الأكاديميَّة والتحليليَّة والإحصائية تذكُر أنَّ أعظمَ ما يهدِّد الحضارة المعاصرة هما العُنفُ والجِنس، الذي يسوقه تجَّار السينما والفضائيات.

يا للعجبِ مِن أُناسٍ يتباكون في إعلامهم على ما يُمارس من عنفٍ ضدَّ الأطفال والفتيات والنِّساء، ويعقدون الندواتِ ليُحذِّروا من الضرْب - ولو كان للتأديب - بحُجَّة أنَّ العنف لا يولِّد إلاَّ العنف، ثم يستجلبون وسيلةَ نشْر ثقافة العنف على أوسع نطاق باسم الإصلاح، فما أعظمَ التزويرَ والإضلال!!

يا للعجب منهم حين يصيحون محذِّرين من التحرُّش الجنسي بالمرأة وابتزازِها، في الوقت الذي يفرضون فيه أداةَ الإغراء الجنسي الأولى التي تهيِّج الغرائز، وتُسعر الشهوات، وتدعو إلى الفواحش، فإذا انضمَّ لها مشاهدُ عنف، كان ذلك تربية على الاغتصاب والابتزاز، فأيُّ تناقض هذا؟!

إنَّهم حين يَكذبون على الناس، ويُزوِّرون الحقائق، فيُعلنون أنَّهم يُنتجون سينما تتوافق مع خصوصيات المجتمع، وأنَّهم يُريدون بها الإصلاحَ والترفيه البريء، فإنَّ هذه الحُجَّة لا تنطلي إلاَّ على الجَهلة والمُغفَّلين؛ ذلك أنَّه لا نجاح للسينما عالميًّا وعربيًّا إلاَّ بمشاهد الإغراء والعنف، وكلَّما كانت هذه المشاهدُ أكثرَ كان ذلك أدعى لنجاح ما يُعرض.

ولذا لا يخلو فيلم من امرأة جميلة تُبدي مفاتنَها، وتمارس مقدِّمات الزِّنا مع بطل الفيلم، واللائي اعتزلنَ السينما في مصر وغيرها لم يعترضْ أكثرهنَّ على ذات السينما، ولا على التمثيل والتصوير والاختلاط والخلوة، وغير ذلك من الموبقات، ولكن أراد المخرِجون منهنَّ خلع ملابسهنَّ، وإظهار مفاتنهنَّ لجلب الزَّبائن إلى قاعة السينما، وتحقيقِ أكبرِ عائد ماديٍّ بأجسادهن، فأبتْ عليهنَّ كرامتُهنَّ ذلك، ونظرنَ إلى أنَّ ذلك عارٌ يلحقهن وأُسرَهن، ويُعَيَّرُ به أزواجُهنَّ وأولادهنَّ، لا يمحوه الزمن.

ثم إنَّ الشركة التي تبنَّت صناعة السينما - التي زعموا أنَّها ستكون نظيفةً وهادفة - هي ذاتها التي تبثُّ أفلامَ القذارة والعنف في باقي قنواتها الفضائيَّة، وهي التي خصَّصت قنوات لاستعراض أجساد المغنيَّات والراقصات على الملأ، فيما يُعرف بالأغاني التمثيليَّة، ويُريدون نقْل ذلك عبر التدرُّج إلى صالات السينما - إن أُقرَّت لهم - فهل يعي عقلاءُ الناس حقيقةَ ما يريده المفسدون من فراعنة هذا العصر، الذين أحيوا بأفعالهم وأقوالهم ذِكرى فرعونَ الأكبر؟!

وهل يُنكرون موبقاتِهم التي يريدون إغراقَ البلاد والعِباد بها؟! في زمن تتخطَّف المنطقةَ بأسرها أَيادي الصهاينة والصَّليبيِّين والفرس الباطنيِّين، فأمَّة يهود تنفِّذ خططَها، وأمَّة فارس الباطنيَّة تترقَّب الفرصةَ للانقضاض على الخليج وضمِّه إليها، وتبني ترسانةً عسكريَّة هائلة لأجل ذلك، وأمَّة العرب لا تنتج إلاَّ لهوًا ورقصًا ولعبًا، ولا فرْق عندهم بين وقت الجِدِّ والهزل، ولا بين الأمْن والخوف، والخطرُ وعدمُه عندهم سواء، ولا تقع الكوارثُ بالأمم إلاَّ حين تَغِيب عن الوعي، وتَعمَى عن الحقائق، وتُسكرها الشهوات، نسأل الله - تعالى - أن يعفوَ عنَّا وعن المسلمين، وألاَّ يُعذبَنا بذنوبنا، ولا بما فعل السُّفهاء منَّا، وأن يهبَ لنا من أمرنا رشدًا، إنَّه سميع مجيب.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ القَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ} [الأنعام: 44 - 45].

بارك الله لي ولكم في القرآن...

الخطبة الثانية


الحمد لله حمدًا طيِّبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم، وبارك عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومَن اهتدى بهداهم إلى يوم الدِّين.

أمَّا بعد:
فاتقوا الله عبادَ الله، واستسلموا لدِينه، واخضعوا لأمره، واجتنبوا نهيَه، ولا يغلبنَّكم على ذلك أهلُ الشبهات وأهلُ الشهوات؛ {وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا} [النساء: 27].

أيُّها المسلمون:
الحملة الإعلاميَّة الضَّخمة المصاحبة لمنكرِ فرْض السينما تُشبه الحملةَ الإعلاميَّة التي كان يقوم بها فرعون؛ فإنَّ فراعنة الإعلام سَخِروا بالحِسبة والمحتسِبين، وبأهل النُّصح والإرشاد والتوجيه في مقالات ورسوم ساخرة، استهزؤوا فيها بسُنن المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكان فرعونُ يَسخر بموسى ودِينه، حتى قال لوزيره: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: 36 - 37]، وقد اختلق فراعنةُ الإعلام سيْلاً من الأكاذيب بثُّوها في صُحفهم وفضائياتهم ومواقعهم؛ كما فعل فرعونُ من قبل في إعلامِه؛ ولذا فإنَّنا نعظهم، ونَعِظ مَن يستمعون لهم، ويُصدِّقون أكاذيبهم، بموعظة موسى - عليه السلام - لفرعون وجنده: {وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُوا عَلَى الله كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} [طه: 61].

وسخريتهم بدِين الله – تعالى - وبسُنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبعباده الصالحين المحتسِبين لن تعودَ بالضرر إلاَّ عليهم، وعلى مَن أقرُّوهم على منكرهم هذا؛ فإنَّ جمعًا من المنافقين سَخِروا بقرَّاء الصحابة في غزوة تبوك، ثم جاؤوا إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - معتذرين من سخريتهم، فأنزل الله - تعالى - فيهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِالله وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66]، فما كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو أرحمُ الناس وأقبلُهم للعذر - يَزيد على مقابلة اعتذارهم إلاَّ أن يقول: {أَبِالله وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66]، فما أعظمَ الأمرَ وما أخطرَه، لو كان أهلُ الجهل والهوى يعقلون!!

إنَّ الدعوة إلى منكر جديد، أو المشاركة فيه، أو الرِّضا به، أو السُّكوت عنه - أعظمُ إثمًا في الشريعة من المشاركة في منكر قائم، كما أنَّ الإفساد في أرض صالحة أشدُّ إثمًا من الإفساد في أرض فاسدة، والله - تعالى - نهانا عن ذلك في القرآن، فقال - سبحانه -: {وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 85].

ومَن شَرَع لمنكرٍ جديد، أو شارك فيه، أو أعان عليه، أو رَضِيَه - فإنَّه يبوء بإثمه، وآثامِ مَن تبعوه في هذا المنكر، ولو امتدَّ مئاتِ السِّنين إلى أن ينتهيَ المنكر ويضمحل، وهذا الحُكم قاعدة مُحكمة مقرَّرة في القرآن وفي السُّنَّة؛ قال الله - تعالى -: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: 25]، وقال - تعالى -: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ القِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [العنكبوت: 13]، قال مجاهد - رحمه الله تعالى -: "يحملون ذنوبَهم وذنوبَ مَن أطاعهم، ولا يُخفِّف عمَّن أطاعهم من العذاب شيئًا"، وجاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((...وَمَنْ دَعَا إلى ضَلالَةٍ، كان عليه من الإِثْم مِثلُ آثام مَن تَبِعَه لا يَنْقُص ذلك مِن آثامِهم شيئًا))؛ رواه مسلم.

وفي حديث جَرِيرِ بن عبدالله - رضي الله عنه -: ((...ومَن سَنَّ سُنَّةَ شَرٍّ فَاتُّبِع عليها، كان عليه وِزْرُه ومِثْلُ أوزارِ مَن اتَّبَعه غير مَنقوصٍ مِن أَوْزَارِهِمْ شيئًا))؛ رواه الترمذي وصحَّحه.

ولذا؛ فإنَّ الذين أَحْدثوا منكرَ السينما في البلاد الإسلاميَّة قبلَ مائة عام يبوءون بإثمِ ملايين الناس الذين فُتنوا بها عبرَ العقود الماضية، وإلى ما شاء الله - تعالى - إلى أن ينتهي هذا المنكر.

فليحذرِ المصلِحون أن يكونوا عونًا للمفسدين على إفسادِهم بالفِعْل أو القول أو الإقرار بالمنكر، فيَحملوا أوزارَ مَن انغمسوا في هذا المنكر عبرَ السِّنين، والعاقل تكفيه ذنوبُه عن حمْل ذنوب غيرِه من الناس، نسأل الله - تعالى - الهدايةَ لنا وللمسلمين، ولا بدَّ من أداء النصيحة لِمَن انغمسوا في هذا الإثم المبين؛ إقامةً للحُجَّة، وبراءةً للذمَّة، ونصحًا للأمة، ودفعًا للعقوبة؛ {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 164].

وصلُّوا وسلِّموا على نبيكم.....







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 78.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 76.66 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (2.71%)]