أحسن وظيفة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         هل دعوت الله بالبركة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          أهم كتب الإسلام والموسوعات المعاصرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          تفسير قوله تعالى: أمم أمثالكم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          أَوْقِفُوا الشَّمْسَ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4518 - عددالزوار : 1311652 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4943 - عددالزوار : 2042174 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1174 - عددالزوار : 132957 )           »          3 مراحل لانفصام الشخصية وأهم أعراضها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          متلازمة الشاشات الإلكترونية: كل ما تود معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          ما هي أسباب التعرق الزائد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 15-03-2020, 04:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,861
الدولة : Egypt
افتراضي أحسن وظيفة

أحسن وظيفة
محمود الفقي

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، وأشهد أن محمداً عبده رسوله، تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، من سلكها ما ضل وما غل، وما زل وما ذل، وما كل وما مل وما خاب، فصلوات الله تترا والسلام، ما أشرقت شمس وما غنت على الأيك الحمام، ما طاف بالبيت الحجيج وما دعا فيه الأنام، ما رتلوا من آية ما أمنوا خلف الإمام، ما ردد التكبير فوق مآذن قد عانقت كبد الغمام، على النبي المصطفى الهمام، ما نزل القطر من الغمام، واختلف الضيا مع الظلام، والآل والأزواج والأصحاب، والتابعين من أولي الألباب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) أما بعدُ:
فإن أصدق الحديث كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الأخوة الكرام! أحسن وظيفة.
قال الله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) تلا الحسن البصري هذه الآية فقال: "هذا حبيب الله، هذا وليُّ الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب اللهَ في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب اللهَ فيه من دعوته، وعمل صالحًا في إجابته، وقال إنني من المسلمين، هذا خليفة الله".
فيا عبدالله!
ألا تحب أن تكون خليفة الله؟!
ألا تحب أن تكون وليًّا لله؟
ألا تحب أن تكون حبيبًا لله؟!
إن كنت كذلك فكن داعيًا إلى الله -عز وجل-.. ادع عباد الله إلى الله.. واعمل صالحًا.. ودلهم على طريق الله.. وبيِّن لهم طريق الله -سبحانه وتعالى- لتكون كذلك.
والحذر الحذر من أن يكون الآمر بالمعروف بلسانه تاركًا له بأفعاله.. والحذر الحذر من أن يكون الناهي عن المنكر بلسانه آتيًا له بأفعاله.
فالدعوة إلى الله -عز وجل- واجبة على كل مسلم ومسلمة.. ليست مقصورة على منبر.. ليست مقصورة على كرسي.. ليست مقصورة في مسجد.. وليست مقصورة على شاشة من الشاشات.. وإنما هي واجب الجميع.
فالمعلم هو أول داعية إلى الله -عز وجل-.. لأن فئات المجتمع كلهم يمرون عليه.. ويخرجون من تحت يديه.. فهو أول داعية إلى الله -عز وجل-
إن المعلم في عيني وفي نظري *** نورٌ به يهتدي من كان حيراناَ
لولا المعلم ما كانت حضارتنا *** تزداد شأواً وتسمو في الدُنا شانا
فالمعلم هو مرب الأجيال.... وهو صانع الرجال
يا صانع الأجيال ما كانت لنا *** من غير صُنعك راية بيضاءُ
لولاك ما كان الخطيب مفوهاً *** ولما تغنى في الهوى الشعراءُ
لذلك كان المعلم أول داعية.
وكذلك الطبيب قد يكون داعية في عيادته... والمهندس قد يكون داعية في موقع عمله... والعامل قد يكون داعية في عمله... والموظف قد يكون داعيا إلى الله -عز وجل- في وظيفته... كلٌّ على حسب قدرته... وكلٌّ على حسب استطاعته... وكلٌّ على حسب ما يوفقه ربه -جل وعلا-... ليدل الناس على طريق الخير والرشاد.
هكذا الدعوة إلى الله -عز وجل-... فالدعوة إلى الله شرف ما بعده شرف... وعزٌّ ما بعده عز... وعلوُّ منزلة... ورفعة مكانة.
فالباب مفتوح للجميع؛ لكن بشرط أن يكون الداعية إلى الله -عز وجل- على علم ودراية بالمسألة التي يبينها... ويدل الناس عليها... ويدعو الناس إليها.
الدعوة لها مكانة عظيمة، لما علم الجن مكانتها؛ كان منهم من هو أفقه من بعض الإنس... فسارعوا... وهرولوا دعاةً إلى الله تعالى... قال تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تعالى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا)، وقال سبحانه: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَن لّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ).
هذا حال الجن لما عرفوا مكانة الدعوة إلى الله -عز وجل-.
أفلا يكون الإنس أولى منهم بالمسارعة وبالهرولة إلى الدعوة إلى الله -جل وعلا-؟!
أعلم أن طريق الدعوة صعب... نعم، إنه طريق صعب... ليس محفوفًا بالأشجار... ولا بالأزهار... وليس مفروشًا بالموكيت... ولا بالسجاد... وإنما فيه شوك وعقبات... لكنَّ الجنة في آخره.
فمن أراد الجنة؛ فليتحمل أذى الشوك... من أراد الجنة؛ فليتجاوز العقبات... والأجر على قدر المشقة.
أجر الدعوة كبير عظيم... بيَّنه نبيُّنا محمد -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي جاء في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لأن يهدي بك الله رجلا واحدّا خيرٌ لك من حمر النعم)).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من دعا إلى هدىً كان له مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا)).
والمجتمع الدعويُّ الذي يتناصح فيما بينه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فالدعوة إلى الله ما هي إلا أمر بمعروف متروك، ونهيٌ عن منكر واقع فإذا كان مجتمعُنا مجتمعًا دعويًا كان مجتمعًا مرحومًا، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيرحمهم الله إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
وما كنا خيرَ أمةٍ إلا بالدعوة إلى -عز وجل- وبالإيمان به سبحانه: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).
وقال تعالى حاثاً وآمراً: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون).
ولا يظنُّ ظانٌّ أنه محرومٌ من الدعوة أو أنه ممنوعٌ منها... كلّا... فالدعوة إلى الله -عز وجل- لا تحدها حدود... ولا تردها قيود... فهذا نبيُّ الله يوسف -عليه السلام- لما كان في السجن... الأبواب موصدة... والجدران سميكة... والحُرَّاس لا ينامون... ومع ذلك كان داعيًا إلى ربِّه عز وجل قائلاً: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ).
فأين من يدعو إلى الله -عز وجل- مرةً وثانيةً ثم يتوقف من نبي الله نوح الذي دعا قومه ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا؟ وفي النهاية ما آمن معه إلا قليل فأخذهم الطوفان وهم ظالمون.
وأين من تأتيهم العقبات وتصدهم الصدود فيكسلون عن الدعوة من نبيِّنا محمد الذي ما ترك الدعوة إلى الله -عز وجل- وهو في نزعه الأخير؟!
وأين هؤلاء من عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الذي كان يدعو إلى الله وجرحه ينزف دمًا؟!
وأين البخلاء عن الدعوة إلى الله -عز وجل- من أبي بكر الصديق الذي أنفق كلَّ مالِه في سبيل الله؟!
وأين من يختار الرديء من مالِه لينفقه من أبي طلحه الذي أنفق أحبَّ مالِه إليه لما سمع قول الله: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ)؟
لا بُدَّ من النظر... ولا بُدَّ من الوقوف وقفة مع أنفسنا وحالنا مع الدعوة إلى الله - عز وجل -... فالدعوة إلى الله مفتوحة للجميع... لا تُغلَق ولا تُرَدُّ في وجهِ أحد.
فإذا رأيت إنسانًا لا يُصلّي وأمرته ونصحت له أن يصلي.. ؛ فهذه دعوةٌ منك إلى الله - عز وجل -.
وإذا رأيت إنسانًا يقع في ذنب أو معصية ونصحت له أن يقلع عمَّا يفعل.. ؛ فهذه دعوةٌ منك إلى الله - عز وجل -.
عباد الله! إذا أراد الإنسان أن يسير في طريق الدعوة إلى الله -عز وجل-... ويرى ثمرة ونتيجة طيبة لدعوته.. ؛ فعليه أن يبحث عن منهاج النبوة في الدعوة إلى الله... ليسير عليه... فيرى أثر دعوته الطيب... وثمرتها المباركة بعد ذلك إن شاء الله تعالى.
هذا المنهاج بيّنه ربُّنا تعالى في آياتٍ من كتابه، وهو مُبَيَّنٌ في مواقف من حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

هذا المنهاج نتعرف عليه في الخطبة الثانية، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله ربُّه رحمةً للعالمين، وهدايةً للناس أجمعين، ففتح الله به قلوبًا غلفًا وأعينًا عُميًا وآذانًا صُمّا، فاللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وعلى أزواجه وذريته وآل بيته، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن بقية الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعدُ أيها الأخوةُ الكرام!
إذا أراد الإنسانُ أن يرى ثمرةً لدعوتِه.. ؛ فعليه أن يسلكَ منهاجَ النبوةِ في الدعوةِ إلى اللهِ -عز وجل-.
هذا المنهاجُ واضحٌ في آياتٍ من القرآنِ، قالَ اللهُ تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).
قال الله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
قال سبحانه: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).
هذه الآيات مبين فيها منهاج للدعوة إلى الله -عز وجل-، فإذا أراد الواحد منا أن يدعوَ قومًا.. ؛ فلينظر إلى أول سبيل ذكره الله (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ)... بالحكمة... أن يخاطبهم على حسب أحوالهم وأفهامهم... وأن يتكلم معهم بما ينبغي في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي... فإن انقادوا؛ وإلا فينتقل معهم إلى الوسيلة الثانية... وهي الموعظة الحسنة... بأن يبين لهم الأوامر والنواهي بأسلوب الترغيب والترهيب.. ؛ ببيان ما في الأوامر من منافع... وما في النواهي من مضار... فإن انقادوا؛ وإلا فينتقل معهم إلى الوسيلة الثالثة... وهي المجادلة بالتي هي أحسن... فينظر إلى الأدلة التي تنفعهم... وتناسب أذهانَهم وعقولَهم... وأن يتعامل معهم بهذا الأسلوب.
أيضًا من وسائل الدعوة إلى الله -عز وجل-: العفوُ والصفحُ عن المسيء... إن أساء إليك أحد فأحسن إليه... إن سبَّك فسامحْه وادع له... فاعف عمن ظلمك... وأمر بالمعروف... وأعرض عن من جَهِل عليك... ولا تعاملْه بمثل معاملته (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا).
ومن أهمِّ وأعظمِ وسائل الدعوة إلى الله -عز وجل-: الدعوة بالقدوة... كما في مواقف من حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-... فلقد كان -عليه الصلاة والسلام- داعيًا إلى الله -عز وجل- بالقدوة والفعل قبل الكلمة والقول.
وأذكر بعض المواقف وأختم بها، لما دخل أعرابيٌّ وبال في ناحية المسجد... كيف يُدعى إلى الله -عز وجل-... ويُنهى عن المنكر الذي فعله؟
قام الصحابة إليه... وعندهم غيره على بيت الله أن تصيبه نجاسة... ولكن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- تعامل معه معاملة أخرى، ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: بينما نحن في المسجد مع رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- إذ جاء أعرابيّ فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: مه مه قال: قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تزرموه، دعوه)). فتركوه حتّى بال، ثمّ إنّ رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- دعاه فقال له: ((إنّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنّما هي لذكر اللّه - عز وجل - والصّلاة وقراءة القرآن)). أو كما قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-.
ومن مواقفه - عليه الصلاة والسلام - أيضًا: هذا الموقف الذي يذكره لنا أنس - رضي الله عنه - لما كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر... وعلى النبي -صلى الله عليه وسلم- رداء نجرانيّ غليظ الحاشية... فأدركه أعرابيّ... فجبذه بردائه جبذة شديدة... رآها أنس وقد أثرت في صفحة عنق رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- من شدّة جبذته... ثمّ قال الأعرابي: يا محمّد! مر لي من مال اللّه الّذي عندك... -أقوال وتصرفات لا تليق بمقام النبوة... أن يأتيه من خلفه... وأن يفعل ما فعل... وأن يقول يا محمد... وأن يأمره بأن يعطيه- ومع ذلك كله... التفت إليه رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-... فضحك ثمّ أمر له بعطاء.
ومن مواقفه ما رواه الإمام مسلم عن معاوية بن الحكم السّلميّ، قال: بينا أنا أصلّي مع رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- إذ عطس رجلٌ من القوم، فقلت: يرحمك اللّه، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمّياه، ما شأنكم تنظرون إليّ؟، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلمّا رأيتهم يصمّتونني، لكنّى سكتّ، فلمّا صلّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبأبي هو وأمّي، ما رأيت معلّما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فو الله! ما كهرني، ولا ضربني ولا شتمني، قال: ((إنّ هذه الصّلاة لا يصلح فيها شيء من كلام النّاس، إنّما هو التّسبيح والتّكبير وقراءة القرآن)).
هذه مواقف من حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدعوة إلى الله -عز وجل-... والمواقف كثيرة... والحديث في مقام الدعوة إلى الله -عز وجل- يطول... بل فيه أمثال نبوية... في أحاديث محمدية... لكن المقام لا يتسع لسردها... ولا لذكرها... ولكني أردت بهذا الموضوع... أن نكون جميعًا دعاةً إلى الله -عز وجل-... بأقوالنا... بأفعالنا... بأخلاقنا... وبأن نأخذ الإسلام... وأن نطبقه عمليًّا على هيئاتنا... وأشكالنا... وأخلاقنا... ومعاملاتنا... وتصرفاتنا... "فلا تكن مسلمًا فحسب.. ؛ بل كن إسلامًا يتحرك بين الناس".
أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من أهل الدعوة إليه، ومن المخلصين الصادقين، ومن الذين يعملون أكثر مما يقولون.
الدعاء والختام.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 84.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 82.92 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]