|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مراعاة أحوال المدعوين النفسية (جوانب نفسية في الدعوة) د. هند بنت مصطفى شريفي تتميز الدعوة الإسلامية بمراعاتها أحوال المدعوين بشكل شامل، فتراعى فيهم النواحي النفسية والعقلية والاجتماعية والوجدانية، إضافة إلى رعاية ما ميزهم الله به من مواهب وقدرات، وهذه الجوانب وغيرها تلقى العناية والرعاية المثمرة، والتي تستنبط تفصيلاتها من أحداث فتح مكة كالآتي: ما يتعلق بمراعاة الأحوال النفسية عند المدعوين: 1-الاعتراف لأهل الفضل بفضلهم، وخصهم بمزيد من الرعاية والإكرام، شكراً وتقديراً لما سلف منهم من البر والأعمال الصالحة، وإرضاء لنفوسهم التي قدمت وبذلت، فلم يجحد حقها من التقدير والتكريم، وقد قال صلى الله عليه وسلم ![]() وذلك كاعترافه بفضل أهل بدر السابقين للإسلام ولنصرة الدين، وقوله عن حاطب رضي الله عنه ![]() وكذلك موقف التقدير ورعاية حق الصحبة، لصديقه أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بتقديره لوالده، حين جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -وقد كف بصره ووهن عظمه- جاء به لينقذه من الكفر، وليدخل ببركة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام، فيكون أعظم بر يقوم به الصديق إزاء والده، فأكرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقام أبي قحافة، وقال كلمته المأثورة، التي ضرب بها المثل في التواضع وحلو الشمائل ورعاية الصحبة: (( هلا تركت الشيخ في بيته، حتى أكون أنا آتيه فيه))، ثم أجلسه بين يديه، ومسح صدره، وقال: أسلم. فأسلم[3]، فكان يوم يمن على آل أبي بكر، يوم أسلم والده، ويوم فخار للصديق حيث توج الرسول صلى الله عليه وسلم هامته بالتقدير والرعاية في شخص والده[4]. ومثله اعترافه بفضل الأنصار ودورهم العظيم في نصرة الدين، حين ضنوا به أن يفارقهم ويرجع إلى مكة، فقال: كلا، إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، والمحيا محياكم والممات مماتكم))[5]. وكذلك موقفه منهم حين قسم غنائم حنين واختص بها المؤلفة قلوبهم ومسلمة الفتح، ولم يعط الأنصار منها شيئا، فآلم ذلك نفوسهم، ولم تتضح لهم الحكمة من ذلك، فأرضاهم النبي صلى الله عليه وسلم وأزال كدرهم، حين وضح لهم حقيقة الأمر أنه يتألفهم بها، ثم قال لهم: (( لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار والناس دثار ))[6]. 2-العمل على إكساب المدعوين الهدوء النفسي قبل أمرهم بالإسلام، وتهيئة نفوسهم لقبول الدين عن طواعية وطمأنينة، فالإسلام دين أمن وأمان، والقرآن الكريم نزل مؤكداً على هذا في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ﴾[7]، في هذه الآية الكريمة يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم إذا جاءه أحد من المشركين، لا عهد بينه وبين المسلمين ولا ميثاق، ليسمع ما يدعو إليه من التوحيد والقرآن، ويتبين ما بُعث له، أن يؤمنه ﴿ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 6]، ويتدبره ويطلع على حقيقة الأمر، ثم يبلغه بعد ذلك داره التي يأمن فيها، وإن لم يسلم، ثم يقاتله إن شاء من غير غدر ولا خيانة، وهذا الحكم ثابت في كل وقت، وعن الحسن رضي الله عنه قال: هي محكمة إلى يوم القيامة.[8] وقد يطلق على ذلك (التفريغ النفسي)، وذلك بأن تفرغ نفوس المخاطبين مما يثقلها فيما يتعلق بالموقف، وذلك بموافقة المدعوين في أهم ما يثير نفوسهم، فالداعية إذا اعتمد على تخطئة المدعوين أو تسفيه تصرفاتهم، لما وجد طريقا واحدا إلى قلوبهم، وإنما الحكمة أن يكسب عواطفهم، ثم يقودهم إلى الفكرة والاتجاه الذي يريد[9]، وذلك بإكسابهم الهدوء والطمأنينة النفسية، لأن شعور المدعو بالأمن يكسبه الطمأنينة والأمان، ويدفعه إلى النظر بعين القبول للدعوة الإسلامية. ومن ذلك إعلان النبي صلى الله عليه وسلم الأمان لأهل مكة، رغم ما حصل منهم طوال سنوات الدعوة، إلى تلك الساعة، كما دعا المسلمين جميعا إلى نشر هذا الأمان، فيكفي أن ينادي به أحد أفراد المسلمين ليؤمن خائفا من أعداء الله، فيكف المسلمون عن قتله وإيذائه[10]، فقال صلى الله عليه وسلم: (( من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن))[11]، وقال في خطبته: (( ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم))[12]، ثم قبل جوار أم هانئ رضي الله عنها لاثنين من المشركين، وقال: (( قد أجرنا من أجرت، وآمنَّا من آمنت))[13]. ولم يرفض أمانا طلبه أحد من الخائفين، بل بذله دون استثناء، كأمانه لعكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن أبي السرح، وسهيل بن عمرو رضي الله عنهم، كما أعطى عمامته التي دخل بها مكة لعمير بن وهب رضي الله عنه علامة على أمانه لصفوان بن أمية حين هرب من مكة[14]. ولا شك أن محاولة إحداث التوازن النفسي لدى المدعو، بمحاولة جعل نفسيته هادئة مطمئنة، والابتعاد به عما يمكن أن يثير قلقه أو خوفه، هو من عوامل الجذب والاستمالة، التي تدعوه إلى تكييف أفكاره ومنهجه مع ما يعرض عليه[15]، والنظر والتأمل بعين الإنصاف لما يلقى عليه بعيدا عن الخوف والقلق، فتكون نفسه كالأرض المهيأة لما يلقى فيها من خير. 3- تغيير المسار النفسي: وذلك بتحويل المزاج الحالي للمدعو، إذا كان هذا المزاج يسير في اتجاه لا يخدم الدعوة، وينحرف بها عن الخط الذي رسمه الداعية، خاصة إذا كان هذا المزاج سيثير مشاكل معينة بين عدد من المدعوين، وخاف الداعي أن يحدث ذلك أثرا سيئا في نفسياتهم، فعليه حينها أن يعمل على تغيير هذا المسار الذي عليه المدعو إلى مسار آخر، سواء أكان ذلك التغيير باستحداث موضوع فكري يحتاج إلى تفكير وتأمل، أم إشغاله بعمل يصرفه عن التفكير بالموضوع المراد صرفهم عنه[16]، ومن أمثلة ذلك: ♦ احتواء مشاعر الغضب والرفض، التي قد تثير صاحبها وتمنعه من قبول الإسلام، وامتصاصها وإزالتها، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع صفوان بن أمية رضي الله عنه، حين قدم ( وناداه على رؤوس الناس، فقال: يا محمد، إن هذا عمير بن وهب، جاءني بردائك، وزعم أنك دعوتني إلى القدوم، فإن رضيت أمرا قبلته، وإلا سيرتني شهرين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ![]() ![]() ♦ إبدال شعور الغضب عند عمر رضي الله عنه، والرغبة في إيقاع العقوبة حمية لله ولرسوله، وتوجيهه إلى تقدير حاطب بقوله صلى الله عليه وسلم ![]() ♦ السماح لهم بالتنفيس عن مشاعر الغضب المكبوت في صدورهم، والتشفي مما آذاهم، كما سمح لخزاعة أن ينالوا من قريش وبني بكر إلى العصر من يوم الفتح. وقد قال تعالى: ﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ﴾ [18]، ففي هذه الآية الكريمة يأمر الله تعالى المؤمنين بقتال المشركين الذين نكثوا أيمانهم ونقضوا عهودهم، وأخرجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم، ليعذبهم الله ويقتلهم بأيدي المؤمنين، ويذلهم بالقهر والأسر، ويظفر المؤمنين عليهم ﴿ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 14]، فيبرئ صدورهم بقتل هؤلاء المشركين بأيديكم، وإذلالهم وقهرهم لهم، وذلك الداء الذي يبرئهم منه، هو ما كان في قلوبهم عليهم من الموجدة بما كانوا ينالونهم به من الأذى والمكروه. وقيل: عنى بذلك صدور بني خزاعة[19]، قال الإمام أبي القاسم السهيلي[20] رحمه الله ![]() وتعظيما لحرمة مكة، وتهذيبا للرغبة في الانتقام يأمر النبي صلى الله عليه وسلم خزاعة بالكف عن سفك الدماء، ويقول: ((يا معشر خزاعة، ارفعوا أيديكم عن القتل، فلقد كثر القتل أن يقع))[22] ♦ استلال الحقد والضغينة من نفوس المدعوين، بالتسامح والتعاطف معهم، فخصومة المدعوين وصدودهم عن الحق ينشأ أحيانا عن المبالغة في الاعتداد بالكرامة الشخصية، مع ضيق التصور والخطأ في الفهم. لهذا كان من أساليب الدعوة في القضاء على أسباب هذه الخصومة، اعتماد التسامح وسعة الصدر، والتغاضي عن الأمور المزعجة السيئة التي تنشأ في الطريق أثناء المسيرة، فالداعية لا يضحي بالهدف السامي لأن بعض المدعوين انحرف عن الجادة، بل يلزم الصفح عن زلاتهم العارضة، رجاء هدايتهم للحق، ولذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم يعفو عن فضالة وشيبة وغيرهم ممن حاول قتله أو الإساءة إليه في الفتح وبعده في غزوة حنين. 4-السمو بالروح المعنوية لدى المدعوين، ورفعهم من هوة الماضي، كي لا يقيدهم بأغلاله، بل يطلق نفوسهم من عقال الشرك والضلال، وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة: ♦ فهو ينهى عن التعيير بالماضي السيء لمن حارب الإسلام وضاده، فيقول للمسلمين: (( لا تسبوا عكرمة..))[23]، لأنه قدم تائبا راغبا في الإسلام. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وجمهور قريش لم يكن منهم أحد إلا وله أقارب كفار قتلوا أو ماتوا كفارا، فهل كان في إسلامهم فضيحة؟ وقد أسلم عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية رضي الله عنهما وكانا من خيار المسلمين، وأبواهما قتلا ببدر، وكذلك الحارث بن هشام قتل أخوه يوم بدر. وفي الجملة الطعن بهذا طعن في عامة أهل الإيمان، وهل يحل لأحد أن يطعن على علي رضي الله عنه أن عمه أبا لهب كان شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، أو يعيره بكفر أبي طالب، أو يعير بذلك العباس؟ وهل مثل ذلك إلا كلام من ليس من المسلمين؟[24] ♦ الدعاء لهم بالثبات على الدين كدعائه للنضير بن الحرث العبدري: (( اللهم زده ثباتا))[25]، ودعائه لشيبة في غزوة حنين. ♦ جبر كسرهم، وذلك بإعطائهم من غنائم حنين. ♦ التلطف بصغارهم والمسح على رؤوسهم تطييباً لخاطرهم، فقد روى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة، (جعل أهل مكة يأتون بصبيانهم فيمسح على رؤوسهم ويدعو لهم)[26]. 5-ملاحظة غرائز المدعوين ودوافعهم، فالجبلة البشرية تنطوي على مجموعة من الصفات، التي لا يمكن إزالتها بالكلية، وقد لاحظ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الجبلة في الناس فلم يحاول هدمها، وإنما ترقى بها[27]، ولم يقف عاجزا مكتوف اليدين أمامها، لكنه بدلها أو وجهها للخير. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |