|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() تعبير الرؤى والأحلام بين المشروع والممنوع الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي الرؤيا كما ذكر الإمام القرطبي - رحمه الله - وغيره: مصدر رأى في المنام، رؤيا على وزن فُعلى، كالسُّقيا والبشرى، وألِفه للتأنيث؛ ولذلك لم ينصرف، وقد اختلف العلماء في حقيقة الرؤيا، فقيل: هي إدراك في أجزاءٍ لم تحلَّها آفة؛ كالنوم المستغرق وغيره؛ ولهذا أكثر ما تكون الرؤيا في آخر الليل؛ لقلة غلبة النوم، فيخلق الله تعالى للرائي علمًا ناشئًا، ويخلق له الذي يراه على ما يراه ليصح الإدراك، قال ابن العربي: ولا يرى في المنام إلا ما يصح إدراكُه في اليقظة؛ ولذلك لا يرى في المنام شخصًا قائمًا قاعدًا بحال، وإنما يرى الجائزات المعتادات، وقيل: إن لله ملَكًا يعرض المرئيات على المحل المدرك من النائم، فيمثل له صورًا محسوسة، فتارة تكون تلك الصور أمثلةً موافقة لما يقع في الوجود، وتارة تكون لمعانٍ معقولة غير محسوسة، وفي الحالتين تكون مبشِّرة أو منذِرة[1]. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: الرؤيا إدراكات علَّقها الله تعالى في قلب العبد على يدَيْ ملَك أو شيطان، إما بأسمائها؛ أي: حقيقتها، وإما بكُناها؛ أي: بعبارتها، وإما تخليط، ونظيرها في اليقظة الخواطر، فإنها قد تأتي على نسق في قصة، وقد تأتي مسترسلة غير محصلة[2]؛ اهـ. بعد هذا التعريف المختصر نقول: إن تعبير أو تأويل الرؤى والأحلام من المسائل والأمور التي انتشرت على حدٍّ واسع في زماننا، حتى طُبع لأجلها الكتب، وسُخر لها بعض البرامج، بل والقنوات الفضائية، بالساعات الطوال! بل قد تفسر عن طريق الأبراج والنجوم، وهذا ضرب من السِّحر والرجم بالغيب بغير حق! حتى غدت تجارة رابحة لبعضهم، وإن كان من بينهم بعض الصادقين والطيبين، ومما يؤكد انتشار هذا الباب في الرؤى والأحلام: أنني كثيرًا ما سئلت في هذا الأمر، أكثر من السؤال عن فقه العبادات والمعاملات! أما الشاهد الثاني، فهو الواقع المشاهَد في حياة كثير من الناس، خاصة النساء! وعلى شاشات الإعلام المقروء والمرئي كما هو معلوم! وهناك على الجانب الآخر من يعتقد أن الرؤى والأحلام ما دامت واقعة فإنها تدخل في باب المكاشفات النفسية من الله تعالى! ثم يعتقدون أنها بذلك تكون مِن مصادر التشريع، ويجوز الأخذ بها، والعمل بما فيها! ولو أحلَّت حرامًا في الشريعة، أو حرمت حلالًا! وهذا يقع عند بعض المتصوفة! وهو مِن الجهل الشنيع والافتراء على الله ورسله وشرعه؛ لأن هؤلاء ليسوا من الأنبياء والرسل الذين يتنزل الوحي عليهم! وقد أدى هذا الخلل إلى انصراف بعض الناس عن العلم والتفقه في الدين ومعرفة ما ينفع ويهم من أمر العقيدة والأسماء الحسنى وصفات الله تعالى، والصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها، وتلاوة القرآن وتدبره ومعرفة تفسيره على الوجه الصحيح، ومعرفة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم والسنة النبوية وغيرها! والاعتماد على ما يقع لهم من الرؤى والمنامات والمكاشفات! ولربما ادعى بعضهم رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وأنه أمر بكذا ونهى عن فعل كذا! ومع أنه رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حق لا ريب، كما هو ثابت في السنة النبوية، فإنها لا تقعُ إلا بالصفة الموصوف بها النبي صلى الله عليه وسلم لتكون صحيحة، كما أنها لا تقع لكل زاعم لها، فتأمَّل، وقد رأيتُ عدة أوراق - وبعضها لا يزال عندي من سنوات طويلة - مكتوب فيها بعض الرؤى والأحلام التي رآها فلان أو فلانة.. وقد جاءه النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أن الذين ماتوا هذا الأسبوع عددهم كذا! والذين دخلوا النار عددهم كذا! والمعذبين في القبور عددهم كذا! ولماذا يعذبون؟! بل وأنواع العذاب الذي هم فيه.. إلى آخر هذه التخبُّطات والتخرُّصات.. ثم يقول في آخرها: إنه يجب على من يقرأ هذه الورقة أن يصورها خمسين مرة أو سبعين مرة، وإلا تعرض للسوء والضرر، وعاقبه الله في نفسه وماله.. وبعضهم قد يصاب بالفعل بشيء ما من قدر الله أراده وقدره! فيوسوس له الشيطان أنه بسبب إلقاء وإهمال تلك الورقة! وهذا والله مِن أعجب العجب! كذلك يدَّعي كثير من الصوفية وغيرهم أن الخضر حي، وأنه يَلقَى بعض الناس من مشايخهم، فيستفيدون منه فوائد شرعية، جلُّها - فيما يزعمون - من جنس ما يعزونه إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم لهم يقظة بعد موته أو منامًا، ومِن تلك الدعاوى: ما ذكَر عبدالخالق الغجدواني النقشبندي: "أن الخضر لقنه الوقوف العددي، وعلمه الذِّكر الخفي، وهو أنه أمره أن ينغمس في الماء ويذكر الله بقلبه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ففعل كما أمر، وداوم عليه، فحصل له من الفتح القويم والجذبة القيومية"، وذكر أبو العباس المرسي: بأنه اكتسب من الخضر معرفة أرواح المؤمنين بالغيب هل هي معذبة أو منعمة؟! ومنهم من يروي عن الخضر عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فمن ذلك ما روى الأيوبي المتوفى سنة 1364هـ بسنده عن الخضر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيت الرجل لجوجًا معجبًا برأيه، فقد تمت خسارته". وهذا كله مبنيٌّ على ثلاثة أشياء: أن الخضر حي، وأنه يتصل بالناس، وأن مَن اتصل بهم هو الخضر، أما أن الخضر حي فلم يدلَّ دليل صحيح على حياته عن النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا قال ابن حجر وابن كثير وغيرهم، كما أن ما يروى من الأخبار والآثار في لقائه لبعض الصحابة أو الأخيار، فهي آثار ضعيفة وواهية، ولا يسلَم واحدٌ منها من الطعن. قال ابن المنادي: "وجميع الأخبار في ذِكر الخضر واهية الصدور والأعجاز، ثم قال: وأكثر المغفَّلين مغرور بأن الخضر باقٍ، والتخليد لا يكون لبشر؛ قال عز وجل: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ ﴾ [الأنبياء: 34]، ثم إن الخضر اختلف في اسمه إلى ما يقرب من ثلاثة عشر قولًا، وفي اسم أبيه كذلك، واختلفوا هل هو ملك أم إنسان؟ وهل هو نبي أم ولي؟ وهل هو حي مخلد أم أنه مات؟ كما اختلف الصوفية فيه: هل هو شخص حقيقي أم مثال يتمثل لهم أم أنه مقام؟ بمعنى أن أحد الناس يرتقي في الولاية حتى يبلغ هذا المقام، فيصبح يظهر للناس على أنه الخضر. كذلك فإن رؤيةَ الخضر ليست متحققة لكل أحد، وإنما يظهر للبعض ولا يظهر للبعض، فلو كان إنسانًا فما الذي حجبه عن الناس، وجعل رؤيته خاصة بمن ادعى ذلك أو ادُّعِيَ له ذلك؟! فهذا يدلُّ على أن ما يتراءى للناس في هذا إنما هو شيطان كذَب عليهم في هذا، وادعى ما ادعى تلاعبًا واحتيالًا، وهذا كله يدل على أن الخضر ليس حيًّا، وادعاء ذلك ليس مبنيًّا على شيء ثابت في الشرع، بل في الشرع ما يردُّه ويُبطله، ثم إن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لم يأمرَا بالرجوع إلى الخضر أو غيره، سوى كلامه جل وعلا، وسنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم، وسنة خلفائه الراشدين، وإجماع المسلمين، ولا نجد في شيء من الشرع الرجوع إلى كلام الخضر والاستفادة منه بشيء مما يخالف الشرع، حتى المسيح عليه السلام حين منَع الجزية إنما ذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنه إنما حرمها بإباحة الشارع له ذلك. كذلك أنه لو كان حيًّا فإنه سيكون فردًا من أفراد أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يسَعُه الخروج عن شريعة النبي عليه السلام؛ لعموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم للجن والإنس؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴾ [سبأ: 28]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لو كان موسى حيًّا، ما وسِعه إلا اتباعي))، كما أن مَن ادعى حياته إنما الذي رُوِي عنهم أنه تراءَى لهم شخصٌ، فإما قال لهم: إنه الخضِر، أو وقع في خَلَدهم أنه الخضر[3]. فمتى كانت الأحلام والرؤى مصدرًا من مصادر التشريع؟! ولو جاء رجلٌ لأحد هؤلاء الصوفية وقال له: رأيتُ الرسول صلى الله عليه وسلم في الرؤيا يأمرك أن تعطيني بيتك بلا مقابل، فهل سيعطيه بيته بلا مقابل؟ بالطبع لن يفعل؛ لأنها مجرد رؤيا، فكيف يقبلون الدِّين من الرؤى وهو عند كل مسلم أعزُّ عليه من بيته وماله ووالده وولده والناس أجمعين؟![4]. إن الرُّؤى والمنامات ليست حجة شرعية يمكن أن يثبت بها أمر شرعي؛ فلم يرِدْ في الكتاب ولا في السنَّة اعتبارُها حجةً، وإنما هي تبشير وتنبيه؛ قال المعلمي في "التنكيل": "اتَّفَق أهلُ العلم على أن الرؤيا لا تصلُحُ للحجة، وإنما هي تبشير وتنبيه، وتصلح للاستئناس بها إذا وافقَتْ حجَّةً شرعية"، كما لا يمكن أن يأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بخلاف شرعه الذي شرَع، فمَن ادعى أنه رأى رؤيا فيها خلاف شرع النبي صلى الله عليه وسلم فإما أن يكون كاذبًا، أو مخطئًا في دعواه أن مَن رآه هو النبي صلى الله عليه وسلم. كذلك فإن النائمَ ليس في حالة مَن يمكِنُه التثبُّتُ مِن القول الذي يقال له؛ فبالتالي لا يمكن أن يعتبر قوله في مقابل الشرع الثابت، ومساويًا له؛ قال النووي - رحمه الله -: "حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لِما يسمعه الرائي، وقد اتفقوا على أن مِن شرط مَن تُقبَل روايته وشَهادته أن يكون مستيقظًا، لا مغفَّلًا، ولا سيئ الحفظ، ولا كثير الخطأ، ولا مختلَّ الضبط، والنائم ليس بهذه الصفة؛ فلم تُقبَلْ روايتُه؛ لاختلال ضبطه"[5]؛ اهـ. وقال الإمام الشاطبي - رحمه الله -: وأضعف هؤلاء احتجاجًا: قومٌ استندوا في أخذ الأعمال إلى المنامات، وأقبَلوا وأعرضوا بسببها، فيقولون: رأينا فلانًا الرجل الصالح في النوم، فقال لنا: اتركوا كذا، واعملوا كذا، ويتفق مثلُ هذا كثيرًا للمترسمين برسم التصوُّف، وربما قال بعضهم: رأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال لي كذا، وأمرني بكذا؛ فيعمل بها، ويترك بها، معرِضًا عن الحدود الموضوعة في الشريعة، وهو خطأ؛ لأن الرؤيا من غير الأنبياء لا يُحكَم بها شرعًا على حال، إلا أن نعرضَها على ما في أيدينا مِن الأحكام الشرعية، فإن سوَّغتها عمل بمقتضاها، وإلا وجب تركُها والإعراض عنها، وإنما فائدتها البِشارة والنِّذارة خاصةً، وأما استفادة الأحكام فلا، كما يحكى عن الكتاني - رحمه الله - قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: ادعُ الله ألا يميت قلبي، فقال: قل كل يوم أربعين مرة: "يا حي يا قيوم، لا إله إلا أنت"، فهذا كلام حسَنٌ لا إشكال في صحته، وكون الذِّكر يُحيي القلب صحيح شرعًا، وفائدة الرؤيا التنبيهُ على الخير، وهي من ناحية البشارة، وإنما يبقى الكلام في التحديد بالأربعين، وإذا لم يؤخَذْ على اللزوم استقام[6]؛ اهـ. ونحن إذا تأملنا القرآنَ والسنَّة الصحيحة والتاريخ والأحداث، علِمْنا أن تأويل الرؤى والأحلام وتعبيرها أمرٌ لا غبار عليه من ناحية إثباته وحقيقته؛ فلقد جاء في القرآنِ الحديثُ والإخبارُ عن بعض منها، وقص اللهُ علينا ما كان مِن خبر رؤيا نبي الله إبراهيم مع ابنه إسماعيل عليهما السلام؛ كما قال تعالى: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ [الصافات: 101 - 107]. وكذلك ما قصَّه علينا من قصة نبي الله يوسف بن يعقوب عليهما السلام، فقال تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [يوسف: 4 - 6]، وقال تعالى مخبرًا عن يوسف أنه قال للفتيَيْنِ اللذين دخَلا معه السجن: ﴿ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ﴾ [يوسف: 37]، وقال تعالى مخبِرًا عن يوسف أيضًا أنه قال: ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ﴾ [يوسف: 101]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |