عقود الجوهر للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حِيلة الجَاكِيت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          أدب المعلم مع طلبته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          حكم السمر بعد العشاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          هجر المسلم لأخيه المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          في أيُّ مراتبِ الخُلق أنت؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          بناء المساجد وترميمها: أجرٌ عظيم وأثرٌ باق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          قضايا تُنسي قضايا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          (رجل) صفة مدح أم ذم ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          (ورَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْرًا) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          التحذير من الغفلة عن ذكر الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 03-02-2020, 10:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,200
الدولة : Egypt
افتراضي عقود الجوهر للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر

عقود الجوهر للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر




د. نايف بن أحمد الحمد


الحمدُ لله رب العالمين، والصلاةُ والسلام على سيِّد الأنبياء والمرسَلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد كثُر في هذا الزمن لمزُ الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من قِبل جمعٍ من الإعلاميين وغيرهم عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، والاستهزاء بما يقومون به من واجب هذه الشعيرة، وتضخيم بعض الأخطاءِ التي قد تقع من بعض المحتسبِين، وكثير من هذه الأخطاء يتبيَّنُ بعد التحقيق كذِبُها، وعدم صحتها، ثم لا نجد اعتذاراً منهم حيال ما جنوه على هذه الشعيرة العظيمة، وتكرَّر ذلك منهم كثيراً، بل إنَّ بعض الناس يُلمِّح وآخر يُصرح مطالبا بإلغاء هذه الشعيرة أو تحجيمها، والتضييق على المحتسبين قدرَ المستطاع ليُمكَّنوا من ارتكاب ما يريدون من شهوات، ونشر ما يريدون من شبهات دون حسيب أو رقيب؛ مُتناسين قوله تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ (النساء1) وقوله تعالى ﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ ( المائدة 117) "ومقام المراقبة جامع للمعرفة مع الخشية، فبحسبهما يصح مقام المراقبة"[1] ولكن هيهات هيهات أن يدرك أحد هذا المقام ما لم يُنِب إلى ربه ويستغفره؛ قال تعالى: ﴿ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ ( التوبة 94) وقد غاب عن هؤلاء أنَّ المنافقين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يأمرون بالمنكر، وينهون عن المعروف فلم يُغن ذلك عنهم شيئا قال تعالى ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ (التوبة 67) والمتأمل لهذه الآية يرى أن الله تعالى لم يذكرِ المنافقين فقط كما في كثير من الآيات بل نص على المنافقات كذلك، فالأمر ليس محصورا بالرجال بل النساء كذلك، وقد سمعنا كثيرا من النساء وقرأنا لهن عبر وسائل الإعلام ممن يستهزئن بشعائر الإسلام قال السعدي -رحمه الله تعالى -: " يقول تعالى: ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ﴾ لأنهم اشتركوا في النفاق، فاشتركوا في تولي بعضهم بعضا، وفي هذا قطع للمؤمنين من ولايتهم. ثم ذكر وصف المنافقين العام، الذي لا يخرج منه صغير منهم ولا كبير، فقال: ﴿ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ ﴾ وهو الكفر والفسوق والعصيان ﴿ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ﴾ وهو الإيمان، والأخلاق الفاضلة، والأعمال الصالحة، والآداب الحسنة.ا.هـ[2] وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ﴿ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ﴾[3] قال المناوي الشافعي -رحمه الله تعالى- في بيان معناه: " أَي حكمه حكمهم ؛ لِأَن كل مَعْصِيّة مِيرَاثٌ من أمةٍ من الْأُمَم الَّتِي أهلكها الله – تَعَالَى- فَكل مَن لابس مِنْهَا شَيْئا فَهُوَ مِنْهُم "ا.هـ[4] ولا شك " أن التشبه الظاهر يدعو إلى التشبه الباطن، والوسائل والذرائع إلى الشرور قصد الشارع حَسْمها من كل وجه "[5] وأولئك المنافقون في زمنه -صلى الله عليه وسلم - كانوا يدَّعون الإصلاح ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ (البقرة 12) ويكفي بشرى للمنافقين والمنافقات قوله تعالى ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴾ (النساء145) وفي ظل هذه الهجمات المتوالية على هذه الشعيرة المباركة، والتي لعظمها عدَّها بعض العلماء الركن السادس من أركان الإسلام[6]، بل إن دعوة الأنبياء والرسل - صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين - قائمة على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ؛ إذ الأمر بالتوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج وبر الوالدين والصدق والعدل وتلاوة القرآن وصلة الأرحام والحجاب وحسن الخلق والجهاد والإحسان للخلق والدواب وغيرها كله أمر بمعروف، والنهي عن الشرك والبغي والظلم، والوعيد لمن ترك الصلاة والزكاة والصيام والحج، والتحذير من الكذب والغيبة والنميمة وأكل أموال الناس بالباطل وأذية الجار وغيرها كلها من النهي عن المنكر، بل إن إقامة الحدود من قتل للمرتد، ورجم للزاني المحصن، وجلد وتغريب للزاني البكر، وقطع ليد السارق، وجلد لشارب الخمر والقاذف كلها من الأمر بالمعروف والنهي عن النكر، وهذا كله من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم: قال تعالى ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ (الأعراف 157) والله تعالى أمر عباده المؤمنين بما قام به سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - فقال عز وجل ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ (آل عمران104) والأمر هنا لعموم الناس كل حسب قدرته كما سيأتي في حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- قال ابن الجوزي الحنبلي -رحمه الله تعالى-: " قوله تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ ﴾ قال الزجاج: معنى الكلام: ولتكونوا كلكم أمة تدعون إلى الخير، وتأمرون بالمعروف، ولكن ((مِن)) هاهنا تدخل لتحض المخاطبين من سائر الأجناس، وهي مؤكدة أن الأمر للمخاطبين، ومثله: ﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ ﴾ معناه: اجتنبوا الأوثان، فإنها رِجس "ا.هـ[7] وقال ابن كثير الشافعي -رحمه الله تعالى-: " والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة بحسبه "ا.هـ[8] وقال النسفي -رحمه الله تعالى- : " لمعروف ما وافق الكتاب والسنة، والمنكر ما خالفهما، أو المعروف الطاعة، والمنكر المعاصي، والدعاء إلى الخير عام في التكاليف من الأفعال والتروك " ا.هـ[9] وقال شيخنا العلامة ابن باز - رحمه الله تعالى -: " والمعروف هو: كل ما أمر الله به ورسوله، والمنكر هو: كل ما نهى الله عنه ورسوله فيدخل في المعروف جميع الطاعات القولية والفعلية، ويدخل في المنكر جميع المعاصي القولية والفعلية " ا.هـ[10] وقيل: " الْمُنْكَر اسم جامِع لكل مَا يكرهه الله وينهى عَنْهُ، والمعروف اسم جامع لكل مَا يحبه الله من الإِيمَان والْعَمَل الصالح " ا.هـ[11] ومَن الذي يُبيِّن أن هذا الأمر موافق للكتاب والسنة أو مخالف لهما ؟ إنهم العلماء الربانيون لا أرباب الشهوات، أو الشبهات المدلسون على الناس دينهم، والمتبعون لأهوائهم ممن لم يُعرف بعلم ولا عمل قبل تلك الفتوى أو المقالة ممن يتبع الأقوال المهجورة الضعيفة، والتي تستند على المتشابه مع وضوح مخالفته للمحكم وقد بيَّن ربنا – جل في علاه – وقوع ذلك في هذه الأمة فقال ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ (آل عمران 7) قال أبو بكر الجصاص الحنفي -رحمه الله تعالى-: " إن المراد بالمتشابه المذكور في هذه الآية هو اللفظ المحتمل للمعاني الذي يجب رده إلى المحكم وحمله على معناه " ا.هـ[12] والمقصود هنا بيان أن مرجعَ كون هذا الأمر منكرا ليُغيَّر أو غير منكر ليبقى الكتابُ والسنة وِفق فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين لا وِفق فهم مَن دونهم مما يُعارض ما قرروه -رضي الله عنهم- قال الألوسي الحنفي -رحمه الله تعالى-: " كلما كان المسلم أصدق اتباعا لرسول الله فيما جاء به من الله كان أصح إيمانا وأصدق إسلاما، ومقياس الاتباع عندهم اتباع كتاب الله على ما فهمه الصحابة من رسول الله، واتباع سنته الصحيحة "ا.هـ[13] وقال تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: " وأصل وقوع أهل الضلال في مثل هذا التحريف، الإعراضُ عن فهم كتاب الله تعالى، كما فهمه الصحابة والتابعون، ومعارضة ما دل عليه بما يناقضه، وهذا هو من أعظم المحادة لله ولرسوله، لكن على وجه النفاق والخداع "ا.هـ[14] وقال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: " ولهذا كان ما فهمه الصحابة من القرآن أولى أن يصار إليه مما فهمه مَن بعدهم فانضاف حسن قصدهم إلى حسن فهمهم "ا.هـ[15].
ومما يُستغرب في هذا الأمر هو تهافت جملة من الإعلاميين والناشرين والمدونين في الكتابة حول نقد أي معلومة تصدر من الهيئة مما لا توافق أهواءهم، أو نشر أي خبر دون التحقق من صحته، بل إنَّ حال بعضهم كما قيل:
إن يسمعوا الخير يخفوه وإن سمعوا
شرا أذاعوا وإن لم يسمعوا كذبوا[16]



ولكن سبحان الله كلَّما ازدادت الحملة على شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلما ازدادت علوًّا؛ فله تعالى الحمد والشكر.
ولعلي هاهنا أشير إلى بعض فضائل هذه الشعيرة، وأهميتها، وكذا خطورة التهاون بها، فمن ذلك أنْ نعلم أنَّ من أعظم أسباب النصر والتمكين: هو نصرة دين الله تعالى، ولا يكون ذلك إلا بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر قال تعالى ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ (الحج41) قال الرازي -رحمه الله تعالى- : " وعد بالنصر لمن هذه حاله، ونصْر الله تعالى للعبد أن يقويه على أعدائه حتى يكون هو الظافر، ويكون قائما بإيضاح الأدلة والبينات، ويكون بالإعانة على المعارف والطاعات " ا.هـ[17] وقال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: " وصف نفسه بالقوة والعزة، فبقوته خلق كل شيء فقدره تقديرا، وبعزته لا يقهره قاهر، ولا يغلبه غالب، بل كل شيء ذليل لديه، فقير إليه، ومن كان القوي العزيز ناصره فهو المنصور، وعدوه هو المقهور " ا.هـ[18] لذا فنجد أصدق الناس في الأمر والنهي بعد الرسل - عليهم الصلاة والسلام - هم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين كانوا قبل مبعثه في جاهلية جهلاء، وعصبية عمياء، وفقر وجوع حتى أخرجهم الله من الظلمات إلى النور، فحملوا شرعه، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، ولصدقهم معه –تعالى- فتح لهم بلاد فارس والروم، ورزقهم من الطيبات مما لم يخطر ببال أحدهم قبل مبعثه - صلى الله عليه وسلم - قال أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه -: " يَا أَبَا عُبَيْدَةَ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ أَذَلَّ النَّاسِ، وَأَقَلَّ النَّاسِ، وَأَحْقَرَ النَّاسِ، فَأَعَزَّكُمُ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، فَمَهْمَا تَطْلُبُوا الْعِزَّ بِغَيْرِهِ يُذِلَّكُمُ اللَّهُ "[19] فلا عزة لنا إلا بالإسلام، والإسلام مبناه على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ؛ لذا قال نبينا -صلى الله عليه وسلم- (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ )[20] فالحياء أضاعه كثير منا بسبب كثرة ما يشاهده من منكرات دون إنكار حتى تشربها قلبه ؛ لذا فلا تعجب أن ترى حال غياب رجال الحسبة في بعض الأماكن رقص النساء أمام الرجال الأجانب بدعوى الحرية، أو الترفيه فإن حضروا غاب ذلك، وهربت الشياطين فسبحان مَن أكرم بعضَ عباده أنه متى رؤي ذُكر الله –تعالى- فعن ابن عباس -رضي الله عنهما - قال: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ أَوْلِيَاءُ اللهِ؟ قَالَ: ( الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللهُ )[21].
ومن ذلك أن وعدنا ربنا -سبحانه وبحمده - بالرحمة التي هي أحوج ما نكون إليها، وكذا بالجنة، والفوز العظيم متى أقمنا شعائره، ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال تعالى ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ (التوبة 72) قال البيهقي – رحمه الله تعالى -: " فثبت بذلك أن أخص أوصاف المؤمنين وأقواها دلالة على صحة عقدِهم وسلامة سريرتهم هو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر "ا.هـ[22] وقال القشيري -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾: " يعين بعضهم بعضا على الطاعات، ويتواصون بينهم بترك المحظورات فتحابّهم في الله، وقيامهم بحقّ الله، وصحبتهم لله، وعداوتهم لأجل الله تركوا حظوظهم لحقّ الله، وآثروا على هواهم رضاء الله أولئك الذين عصمهم الله في الحال، وسيرحمهم في المال "ا.هـ[23].
قال تعالى ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾(آل عمران 110) قال العلامة ابن باز رحمه الله تعالى: " وتأمل أيها المسلم الذي يهمه دينه، وصلاح مجتمعه كيف بدأ الله –سبحانه- في هذه الآية بذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل الإيمان، مع كون الإيمان شرطا لصحة جميع العبادات يتبين لك عظم شأن هذا الواجب، وأنه سبحانه إنما قدم ذكره لما يترتب عليه من الصلاح العام "ا.هـ[24] وهذه الخيرية التي امتن الله تعالى بها علينا لم تأتنا كابرا عن كابر بل أكرم الله –تعالى- بها هذه الأمة لإيمانها بالله تعالى، وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر فمتى تخلفت عن ذلك ذهبت هذه الخيرية إلى من يقوم بذلك ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ (محمد 38) قال قتادة -رحمه الله تعالى-: ذُكر لنا أن عمر بن الخطاب قال في حجة حجها ورأى من الناس رعة سيئة، فقرأ هذه: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ الآية، ثم قال ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تِلْكِ الْأُمَّةِ، فَلْيُؤَدِّ شَرْطَ اللَّهِ مِنْهَا )[25] وسار على ذلك المفسرون قال الزمخشري الحنفي -رحمه الله تعالى-: " وقوله ﴿ تَأْمُرُونَ ﴾ كلام مستأنف بيَّن به كونهم خير أمّة، كما تقول زيد كريم يطعم الناس ويكسوهم ويقوم بما يصلحهم " ا.هـ[26] وقال القرطبي المالكي -رحمه الله تعالى-: " قوله تعالى: ﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ مدح لهذه الأمة ما أقاموا ذلك واتصفوا به، فإذا تركوا التغيير وتواطئوا على المنكر زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم، وكان ذلك سببا لهلاكهم " ا.هـ[27] وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: " فبين سبحانه أن هذه الأمة خير الأمم للناس: فهم أنفعهم لهم، وأعظمهم إحسانا إليهم؛ لأنهم كملوا أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر من جهة الصفة والقدر، حيث أمروا بكل معروف ونهوا عن كل منكر لكل أحد، وأقاموا ذلك بالجهاد في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم، وهذا كمال النفع للخلق، وسائر الأمم لم يأمروا كل أحد بكل معروف ولا نهوا كل أحد عن كل منكر، ولا جاهدوا على ذلك "ا.هـ[28] وقال القاسمي -رحمه الله تعالى -: " ونظير هذه الآية قوله تعالى: ﴿ وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً - أي خيارا - لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ (البقرة: 143)، أي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ا.هـ[29].
وقد بين الله تعالى لنا عاقبة مَن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مِن الأمم السابقة في قوله تعالى ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ (المائدة 79) قال الشيخ عبد الله بن حميد – رحمه الله تعالى -: " وهذا غاية التشديد ونهاية التهديد ؛ فبين -سبحانه وتعالى- أن السبب للعنهم هو ترك التناهي عن المنكر، وبين أن ذلك بئس الفعل، ولا شك أن من رأى أخاه على منكر ولم ينهه عنه فقد أعانه عليه بالتخلية بينه وبين ذلك المنكر وهو عدم الجد في إبعاد أخيه عن ارتكابه " ا.هـ[30] وللشوكاني - رحمه الله تعالى - كلام نفيس مفسرا به هذه الآية فقال: " قوله: ﴿ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا ﴾ جملة مستأنفة جواب عن سؤال مقدر، والإشارة بذلك إلى اللعن: أي ذلك اللعن بسبب المعصية والاعتداء لا بسبب آخر، ثم بين سبحانه المعصية والاعتداء بقوله: ﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾ فأسند الفعل إليهم لكون فاعله من جملتهم وإن لم يفعلوه جميعا، والمعنى: أنهم كانوا لا ينهون العاصي عن معاودة معصية قد فعلها، أو تهيأ لفعلها، ويحتمل أن يكون وصفهم بأنهم قد فعلوا المنكر باعتبار حالة النزول لا حالة ترك الإنكار، وبيان العصيان والاعتداء بترك التناهي عن المنكر لأن من أخل بواجب النهي عن المنكر فقد عصى الله سبحانه وتعدى حدوده. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم القواعد الإسلامية وأجل الفرائض الشرعية، ولهذا كان تاركه شريكا لفاعل المعصية ومستحقا لغضب الله وانتقامه كما وقع لأهل السبت، فإن الله –سبحانه- مسخ مَن لم يشاركهم في الفعل ولكن ترك الإنكار عليهم، كما مسخ المعتدين فصاروا جميعا قردة وخنازير ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ (ق 37) ثم إن الله –سبحانه- قال مقبحا لعدم التناهي عن المنكر: ﴿ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ أي من تركهم لإنكار ما يجب عليهم إنكاره "ا.هـ[31].
ويؤكد ذلك ما رواه حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ )[32] قال ملا علي القاري الحنفي رحمه الله تعالى: " والمعنى: واللهِ إنَّ أحد الأمرين واقع إما الأمر والنهي منكم، وإما إنزال العذاب من ربكم، ثم عدم استجابة الدعاء له في دفعه عنكم "ا.هـ[33].
ونحن جميعا في سفينة واحدة وهناك مَن يسعى لخرقها وإغراق الجميع روى النُّعْمَان بن بَشِيرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ[34] وَالوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا )[35] وهذا الحديث رد صريح على مَن يقول للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر: إن الأمر لا يعنيكم، ومالكم ومال الناس أو إن هذه وصاية، وغير ذلك من العبارات المتداولة بل الأمر يعني الجميع نفعا أو ضرا نجاة أو هلاكا قال القسطلاني - رحمه الله تعالى - شارحا هذا الحديث: " (مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ) الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر (وَالوَاقِعِ فِيهَا) أي في الحدود التارك للمعروف والمرتكب للمنكر (كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا) اقترعوا (عَلَى سَفِينَةٍ) مشتركة بينهم بالإجارة أو الملك تنازعوا في المقام بها علوًّا أو سفلاً (فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ) بالقرعة (أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ) وللحموي والمستملي: فكان الذي (فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ) قال في المصابيح: يظهر لي أن قوله (الذي) صفة لموصوف مفرد اللفظ كالجمع فاعتبر لفظه فوصف بالذي واعتبر معناه فأعيد عليه ضمير الجماعة في قوله (إذا استقوا) وهو أولى من أن يجعل (الذي) مخففًا من (الذين) بحذف النون انتهى. وفي الشهادات: فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به (فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ) بضم النون وسكون الهمزة وبالذال المعجمة أي لم نضر (مَنْ فَوْقَنَا) وفي الشهادات فأخذ فأسًا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا ما لك قال تأذيتم بي ولا بدّ لي من الماء (فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا) من الخرق في نصيبهم (هَلَكُوا جَمِيعًا) أهل العلو والسفل ؛ لأن من لازم خرق السفينة غرقها وأهلها (وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ) منعوهم من الخرق (نَجَوْا) أي الآخذون (وَنَجَوْا جَمِيعًا) أي جميع من في السفينة وهكذا إقامة الحدود يحصل بها النجاة لمن أقامها وأقيمت عليه وإلا هلك العاصي بالمعصية والساكت بالرضا بها "ا.هـ[36] لذا فإن لم يؤمر بالمعروف ويُنهى عن المنكر فستكثر المنكرات وسيهلك الجميع فعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا - أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: ( لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ ) وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ: ( نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ )[37] والخبث الفسق والفجور[38] فصلاح بعضنا وحده غير كاف في النجاة بل لا نجاة إلا بالأمر بالمعرف والنهي عن المنكر قال تعالى ﴿ فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ ﴾ (هود 117) قال ابن عطية المالكي -رحمه الله تعالى-: " وهذه الآية فيها تنبيه لأمة محمد وحض على تغيير المنكر والنهي عن الفساد ثم استثنى الله تعالى القوم الذين نجاهم مع أنبيائهم وهم قليل بالإضافة إلى جماعاتهم "ا.هـ[39] قال تعالى ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ (الأعراف 165) وقام أبو بكر -رضي الله عنه- فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "يا أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ (المائدة: 105) وإنا سمعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغيِّرُوهُ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ )[40] قال ابن رجب -رحمه الله تعالى-: " واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تارة يحمل عليه رجاء ثوابه، وتارة خوف العقاب في تركه، وتارة الغضب لله على انتهاك محارمه، وتارة النصيحة للمؤمنين، والرحمة لهم ورجاء إنقاذهم مما أوقعوا أنفسهم فيه من التعرض لغضب الله وعقوبته في الدنيا والآخرة، وتارة يحمل عليه إجلال الله وإعظامه ومحبته، وأنه أهل أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر، وأنه يفتدى من انتهاك محارمه بالنفوس والأموال " ا.هـ[41].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 123.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 121.59 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.39%)]