|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الذريعة إلى وجوب تطبيق الشريعة أحمد سعد عبدالله قال ابن القيم رحمه الله: (والشريعة مبناها وأساسها يقوم على الحُكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجَور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل)؛ "إعلام الموقعين (3/3)" • • • • المقدمة: إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي لـه، وأشهـد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. قال رب العالمين: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50]. وقال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]. فما ابتُليت الأمة في عصرنا بعد الشرك الذي دب في بلادنا خاصة، وبلاد المسلمين عامة؛ من القباب والأوثان، وصرف العبادة التي لا تجب إلا لله - من الدعاء والتوسل، والخوف والرجاء، والاستعانة والاستغاثة، والاستعاذة والذبح والنذر - إلى موتى لا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، وأستثني بلاد التوحيد والسنة، حرسها الله، وجعلها شوكة في حلوق أهل الجهالة والبدعة - أقول: ما ابتُليت ببلاء بعده أشدَّ من بلاء تحكيم الدساتير الوضعية والقوانين الوثنية، التي بدلت شرع الله، وحسنتها وزينتها في أعين الدهماء، وصورت لهم الكفر بالطاغوت تخلفًا ورجعية، وما خطَّته أنامل المشركين تقدمًا وحضارة ومدنية، ولا حول ولا قوة إلا بالله! ولست هنا لدكِّ حصونهم؛ فهي أوهى من بيت العنكبوت إذا قوبلت بجند أولياء الرحمن، رافعي راية القرآن والسنة، ولكني أخاف على عوام المسلمين أن يقعوا في الإيمان بالطواغيت من تلك القوانين الوثنية من حيث يشعرون أو لا يشعرون، فيرفضوا شريعة رب العالمين، بدعوى أنها لا تصلح لحال المسلمين اليوم؛ لما دخل عليهم من أمور ومستحدثات، أو أن بعض أحكام الشرعة المطهرة غيرُها من أفكار الملحدين أفضلُ منها، أو يقول قائلهم: إن شريعة الرحمن الرحيم التي نزلت على النبي الأمين سواء بسواء وقوانين الأمم الكافرة؛ فلا حرج في الحكم بأيهما، ومتهوِّك يستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: ((أنتم أعلم بأمور دنياكم))، ويبرر الباطل ويزخرفه. وليس تطبيق الشريعة مختصًّا فقط بالحدود؛ من قطع ورجم وجلد وقصاص، كما يريد العلمانيون إيهام العوام به، بل الشريعة في كل مناحي الحياة للمسلمين، فأردت أن أزيل شبهات، وأبين أمورًا مبهمات، تعرف العامي أن دين رب العالمين أولى وأسلم وأحكم من شريعة إخوان الشياطين: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50]. وبدأت في تبيان الحدود، مبتدئًا بالسرقة؛ لأنها أكبر شُبه القوم، ينفرون العوام عن دينهم، ويسخطونهم على كلام ربهم، يستغلون الجهل الذي عم وطم، وانشغال القلوب بالدنيا، والسعي في جمعها من حلها وحرامها، مبينًا ذلك من كتاب رب العالمين، وسنة الرسول الأمين، مختصرًا اختصارًا لا يخل، وغير مطيلٍ تطويلًا يمل، مبينًا مدى الرحمة في شرعتنا بحال المسلمين، ومن تحت أيديهم، وما وَلُوا من الذميين أو المعاهَدين والمستأمنين، ولا تجد أكثرهم شاكرين، والحمد لله رب العالمين، ﴿ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ﴾! وجوب التحاكم إلى الكتاب والسنة: فرض الله تعالى الحكم بشريعته، وأوجب ذلك على عباده، وجعله الغاية من تنزيل الكتاب؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّه ﴾ [النساء: 105]. 2- اختصاصه سبحانه وتفرده بالحكم؛ قال تعالى: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾ [يوسف: 40]، وقال عز وجل: ﴿ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 70]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [الشورى: 10]. 3- التأكيد على أن الحكم بما أنزل الله من صفات المؤمنين، وأن التحاكم إلى غير ما أنزل الله - وهو حكم الطاغوت والجاهلية - من صفات المنافقين؛ قال سبحانه: ﴿ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 47 - 51]. وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا ﴾ [النساء: 59 - 62]. يقول ابن تيمية عن هذه الآيات: "ذم الله عز وجل المدَّعين الإيمان بالكتب كلها وهم يتركون التحاكم إلى الكتاب والسنة، ويتحاكمون إلى بعض الطواغيت المعظمة من دون الله، كما يصيب ذلك كثيرًا ممن يدعي الإسلام وينتحله في تحاكمهم إلى مقالات الصابئة الفلاسفة أو غيرهم، أو إلى سياسة بعض الملوك الخارجين عن شريعة الإسلام من ملوك الترك - يقصد رحمه الله التتر - وغيرهم، وإذا قيل لهم: تعالوا إلى كتاب الله وسنة رسوله أعرضوا عن ذلك إعراضًا، وإذا أصابتهم مصيبة في عقولهم ودِينهم ودنياهم بالشبهات والشهوات، أو في نفوسهم وأموالهم عقوبة على نفاقهم، قالوا: إنما أردنا أن نحسن بتحقيق العلم بالذوق، ونوفق بين الدلائل الشرعية والقواطع العقلية التي هي في الحقيقة ظنون وشبهات"؛ [الفتاوى 12/339 - 340، بتصرف يسير]. ويقول أيضًا: "ومعلوم باتفاق المسلمين أنه يجب تحكيم الرسول في كل ما شجر بين الناس في أمر دِينهم ودنياهم في أصول دِينهم وفروعه، وعليهم كلهم إذا حكم بشيء ألا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما حكم، ويسلموا تسليمًا"؛ [الفتاوى 7/37 - 38]. قال ابن كثير رحمه الله: "وقوله: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50]: ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكَم، المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان، الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بَنِيه شرعًا متبعًا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير". وقال الشيخ أحمد شاكر تعليقًا على هذا الكلام: "وقد نقل الحافظ المؤلف في تاريخه [يعني: البداية والنهاية] أشياء من سخافات هذا "الياسق"، (13/118، 119)، ثم قال: "فمن ترك الشرع المحكَم المنزل على محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة، كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمه عليه؟! من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين"؛ انتهى. ثم قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: "أقول: أفيجوز - مع هذا - في شرع الله أن يحكم المسلمون في بلادهم بتشريع مقتبس عن تشريعات أوروبا الوثنية الملحدة؟ بل بتشريع تدخله الأهواء والآراء الباطلة، يغيرونه ويبدلونه كما يشاؤون، لا يبالي واضعه أوافق شرعة الإسلام أم خالفها؟! إن المسلمين لم يُبلَوْا بهذا قط - فيما نعلم من تاريخهم - إلا في ذلك العهد، عهد التتار، وكان من أسوأ عهود الظلم والظلام، ومع هذا فإنهم لم يخضعوا له، بل غلب الإسلام التتار، ثم مزجهم فأدخلهم في شرعته، وزال أثر ما صنعوا، بثبات المسلمين على دينهم وشرعتهم، وبأن الحكم السيئ الجائر كان مصدره الفريق الحاكم إذ ذاك، لم يندمج فيه أحد من أفراد الأمم الإسلامية المحكومة، ولم يتعلموه ولم يعلموه أبناءهم، فما أسرع ما زال أثره! أفرأيتم هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير - في القرن الثامن الهجري - لذاك القانون الوضعي، الذي صنعه عدو الإسلام جنكيز خان؟ ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر في القرن الرابع عشر؟ إلا في فرق واحد، أشرنا إليه آنفًا: أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام، أتى عليها الزمن سريعًا، فاندمجت في الأمة الإسلامية، وزال أثر ما صنعت. قال الله جل جلاله: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30]، قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: (فإن جميع أحكام الشرع الظاهرة والباطنة قد وضع الله في قلوب الخلق كلهم الميل إليها، فوضع في قلوبهم محبة الحق، وإيثار الحق، وهذا حقيقة الفطرة، ومن خرج عن هذا الأصل، فلعارض عرض لفطرته أفسدها...). قلت: وقد كثرت العوارض الداعية إلى نبذ الشريعة في المسلمين ليلحقوا بركب الجهنَّميين من الأمة الغضبية والضالة، وزينها أصحاب عمامات تزيوا بزي الفقهاء، وليسوا من القوم في عير ولا نفير، وصدق القول فيهم: وسمتُك سمتُ ذي ورع ودين وفعلُك فعلُ متَّبعٍ هواهُ أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما بسندهما إلى أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كل مولود يولد على الفطرة..))، راجع شرح ابن القيم لهذا الحديث في كتابه: شفاء العليل (2/775 تحقيق عمر الحفيان، ط/ العبيكان). وعن عياض بن حمار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن ربي علمني أن أعلِّمكم ما جهِلتم مما علمني في هذا اليوم، كل مال نحَلْته عبادي حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فأضلتهم عن دينهم))؛ رواه أحمد ومسلم في صحيحه. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (16/338): (فالعلم بالحق يدعو صاحبه إلى إتباعه؛ فإن الحق محبوبٌ في الفطرة، وهو أحب إليها، وأجلُّ فيها، وألذُّ عندها من الباطل الذي لا حقيقة له، فإن الفطرة لا تحب ذلك). وإن الفطرة السليمة، ولذة الانقياد للحق يزيدها الشرع تأييدًا وقوة؛ كما قال الله تعالى في سورة هود: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ﴾ [هود: 17]. قال الإمام ابن كثير في تفسير آية سورة هود: (وذلك أن المؤمن عنده من الفطرة ما يشهد للشريعة من حيث الجملة، والتفاصيل تؤخذ من الشريعة، والفطرة تصدِّقها وتؤمن بها). وقال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾ بالوحي الذي أنزل الله فيه المسائل المهمة، ودلائلها الظاهرة، فيتيقن تلك البينة، ﴿ وَيَتْلُوهُ ﴾؛ أي: يتلو هذه البينةَ والبرهان برهانٌ آخر، ﴿ شَاهِدٌ مِنْهُ ﴾: وهو شاهدُ الفطرة المستقيمة والعقل الصحيح...). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (10/146): (ولا بد لهذه الفطرة والخِلقة - وهي صحة الخلقة - من قُوتٍ وغذاء، يمدها بنظير ما فيها مما فُطرت عليه علمًا وعملاً؛ ولهذا كان تمام الدين بالفطرة المكملة بالشريعة المنزلة). وقال ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة (ص423): (...فأولياؤه وخاصته وحزبه لَمَّا شهدت عقولهم وفطرهم أنه أهل أن يعبد وإن لم يرسل إليهم رسولاً، ولم ينزل عليهم كتابًا، ولو لم يخلق جنة أو نارًا، علموا أنه لا شيء في العقول والفطر أحسنُ من عبادته، ولا أقبح من الإعراض عنه، وجاءت الرسل وأنزلت الكتب لتقرير ما استَودع سبحانه في الفطر والعقول من ذلك، وتكميله وتفضيله وزيادته حسنًا إلى حسنه، فاتفقت شريعته وفطرته وتطابقا، وتوافقا، وظهر أنهما من مشكاة واحدة، فعبدوه وأحبوه ومجَّدوه وحمَدوه بداعي الفطرة، وداعي الشرع، وداعي العقل). وتلوثت هذه الفطر بالبعد عن مشكاة النبوة، وترك ما كان عليه السلف؛ قال أبو محمد ابن حزم رحمه الله في جزئه: مداواة النفوس (ص31): (أفضل نِعَم الله على العبد أن يطبعه على العدل وحبه، وعلى الحق وإيثاره). وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله في الجواب الكافي (ص139): (فإن الكمال الإنساني مدارُه على أصلين: معرفة الحق من الباطل، وإيثاره عليه، وما تفاوتُ منازل الخَلق عند الله تعالى في الدنيا والآخرة إلا بقدر تفاوت منازلهم في هذين الأمرين، وهما اللذان أثنى الله سبحانه على أنبيائه بهما في قوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ﴾ [ص: 45]؛ فالأيدي: القوة في تنفيذ الحق، والأبصار: البصائر في الدِّين، فوصفهم بكمال إدراك الحق، وكمال تنفيذه. فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ فأنى تؤفكون؟! يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |