|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() دور العلماء في تجديد الدين عدنان محمد أمامة الحمد لله ربِّ العالمين, وأفضل الصَّلاة وأتَمُّ التسليم على سيِّدنا محمدٍ، المبعوثِ رحمة للعالَمين, وعلى آله وصحبهِ أجمعين. أمَّا بعد: فإنَّ الهيئة العليا في رابطة علماء المسلمين قد عهدَتْ إلَيَّ أن أتحدَّث في مؤتَمرِها الأوَّل: "العلماء ونَهضة الأمة" عن "دور العلماء في تَجديد الدِّين". وحيث إنَّ الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوُّره؛ فلا بدَّ إذًا من بيان المراد بتجديد الدِّين قبل الحديث عن دور العلماء في هذا التَّجديد, خاصَّة بعد أن امتَطى شِعارَ تَجديد الدِّين مَن غرَضُه هدْمُ الدِّين، وتبديل أحكامه، حتَّى غدا مصطلَحُ "تجديد الدِّين" في كثيرٍ من الأحيان كلمةَ حقٍّ يُراد بها الباطل! تعريف التجديد: التجديد لغةً: تصيير الشيء جديدًا, وجدَّ الشيءُ؛ أيْ: صار جديدًا، خِلاف القديم[1]. فالتَّجديد على ذلك: جَعْل القديم جديدًا؛ أيْ: إعادة القديم، ورَدُّه إلى ما كان عليه أوَّلَ أمرِه, وليس تعديلَه، أو تبديله، أو تغييره. أمَّا التجديد شرعًا فهو: التجديد اللُّغوي عينه, مضافًا إليه ما تقتضيه طبيعةُ الإضافة إلى الشَّرع من مدلولٍ خاص، ومعنًى جديد. وقد تنوَّعَت عباراتُ العلماء في تعريف التجديد، ويُمكننا أن نَخلص إلى تعريفٍ إجمالي للتَّجديد وتعريفٍ تفصيلي: أمَّا الإجمالي فالتجديد يعني: إعادةَ الدِّين إلى النَّحو الذي كان عليه زمن النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وما استقرَّ عليه في القرون الفاضلة الثَّلاثة الأولى. أمَّا تفصيلاً فالتجديد يعني: إحياء وبعْث ما اندرَس من الدِّين, وتخليصه من البِدَع والمُحْدَثات, وتَنْزيله على واقع ومستجدَّات الحياة[2]. ومن خلال التعريف يتبيَّن أن التجديد يَعمل على ثلاثة مَحاور: 1- المِحور الأول: إحياءُ ما انطمس واندرس من معالِم السُّنن، ونشرُها بين الناس، ودعوتهم إلى العمل بها. 2- المحور الثاني: قَمع البدع والمُحدَثات, وتوعية أهلها، وإعلان الحربِ عليهم, وتنقية الإسلام مِمَّا علق عليه من أوضار الجاهليَّة, والعودة به إلى ما كان عليه زمن النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وصحابته الكرام. 3- المحور الثالث: تَنْزيل الأحكام الشَّرعية على ما جدَّ ويجدُّ من وقائع وأحداث, ومعالَجتُه معالجةً نابعة من هَدْي الوحي. لماذا التجديد؟ سؤال يتبادر إلى الأذهان, هل ديننا بحاجة إلى تجديد؟ وما دام الله قد تكفل بحفظ الدين, فلماذا التجديد؟ والجواب: أنَّ التجديد بِمَعناه الشرعيِّ المتقدِّم حاجةٌ تحتِّمها طبيعةُ هذا الدِّين, وتفرضها الخصائصُ التي خصَّ الله بها هذه الشريعةَ الغرَّاء، وأهَمُّها خاصَّتا: الخلود, والشُّمول. أما الخُلود للشريعة المتمثِّل في كون النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - خاتَمَ النبيِّين كما نصَّ على ذلك القرآنُ في قوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ﴾ [الأحزاب: 40]، والسُّنة في قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وأنا خاتم النبيِّين))، ((لا نبيَّ بعدي))[3]، والمتمثل أيضًا في كون رسالته هي الرسالة الخاتمة للبشر، كما نصَّ على ذلك قولُه تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]. فإنه لا يتحقَّق إلا من خلال العلماء المُجدِّدين الذين يُحْيون الدِّين في الأُمَّة, ويصونونه من تأويل الجاهلين, وانتحال المبطلين, وتحريف الغالين، وهذا ما بشَّر به الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في قوله: ((إن الله يَبعث إلى هذه الأمَّة على رأس كلِّ مائة سنة من يجدِّد لها دينَها))[4]. وأما خاصيَّة الشُّمول التي دلَّ عليها قولُه تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158], وقولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وكان كلُّ نبيٍّ يُبعَث إلى قومه خاصَّة، وبُعثتُ إلى الناس كافَّة))[5], والتي تَعني استيعاب الشريعة لكلِّ شأنٍ من شؤون حياة الإنسان الخاصَّة والعامَّة في دنياه وأخراه, بحيث لا تقع حادثةٌ في جميع الأقطار والأعصار والأحوال إلاَّ ولله فيها حكم, قال تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89]. فإنَّ هذه الخصية لا تتحقَّق إلا بوجود المجدِّدين المجتهدين الذين بإمكانهم إسقاطُ الأحكام الموجودة في كتاب الله وسُنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على كلِّ ما جدَّ ويجدُّ من أحوال الناس. كما أنَّ الحاجَة داعيةٌ إلى تجديد الدِّين: 1- لأنَّ العِلم يُختلَس كما وقع لليهود والنَّصارى، روى زيادُ بن لبيد - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذكر شيئًا، فقال: ((ذاك آوانُ ذهابِ العلم))، قلتُ: يا رسول الله، وكيف يذهب العلم ونحن نَقرأ، ونُقْرِئ القرآن أبناءنا، ويُقْرِئه أبناؤنا أبناءَهم؟ قال: ((ثكلتك أمُّك زياد! إنْ كنتُ لأراك مِن أفقه رجلٍ بالمدينة, أوليس هذه اليهود والنَّصارى يَقرؤون التوراة والإنجيل, لا يعملون بشيءٍ مِمَّا فيهما؟!))[6]. 2- ولأنَّ العلماء يُقبَضون؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله لا ينتزع العلمَ من الناس انتزاعًا، ولكن يَقبِضُ العلماءَ، فيرفع العِلم معهم، ويُبقِي في الناس رؤوسًا جهَّالاً يُفْتونهم بغير عِلم، فيَضِلُّون ويُضِلُّون))[7]. 3- ولأن الغربة عن الدِّين قدرٌ مَحتوم؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بدأ الدِّين غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء))[8]. ضوابط التجديد: حتَّى لا يتسلَّق سنامَ التجديدِ أدعياءُ التجديد، وكلُّ من هبَّ ودبَّ، وحتَّى يبقى التَّجديد في إطاره الشرعيِّ، ولا يتحوَّل إلى أداةٍ لِهدم الدِّين، وتبديل أحكامه؛ فقد اتَّفقَت كلمة العلماء على جملةٍ من القواعد والضوابط اللازمة؛ ليكون التجديدُ صحيحًا، وأهَمُّها: 1- الحفاظ على الثوابت: ففي الإسلام ثوابِتُ وقطعيَّات لا تتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان, ولا يسوغ أن تكون محلاًّ للاجتهاد، وهي العقائد والحقائق الإيمانيَّة، وما عُلِم من الدِّين بالضرورة وما استقرَّ عليه المسلمون عبر قرونِهم المتطاولة، وخاصةً عصر الصحابة والتابعين؛ مِن فَهْمٍ للدين، وتطبيقٍ عملي له، دون أي خلاف، فهذه يجب أن تبقى كما هي إلى قيام الساعة، وتَجديدها يكون ببيانِها وتعليمها للناس، والدعوة إلى تطبيقها، والدِّفاع عنها في وجه العابثين. 2- مراعاة موارد الإجماع: فقد اتَّفقَت الأمَّة على حجِّية الإجماع، وأنه مصدرٌ من مصادر الشريعة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115]. قال ابن تيمية رحمه الله: "من خرَج عن إجماعهم فقد اتَّبع غيرَ سبيلِهم قطعًا"[9]. ولقوله - عليه الصَّلاة والسَّلام -: ((إن أمَّتي لا تجتمع على ضلالة))[10], فإذا كان الله عصمَ الأمَّة أن تجتمع على خطأ وضلالة, فما اجتمعَتْ عليه حقٌّ وصواب لا يجوز لأحدٍ خلافُه أبدًا. والمسائل التي أجمع عليها المسلمون كثيرةٌ، وخاصَّة في أصول الدِّين ومناهجِ الاستنباط، وحتَّى في الفقه والفروع هناك كمٌّ كبيرٌ من المسائل التي انعقد عليها الإجماع. وعليه؛ فكلُّ خرقٍ للإجماع سواءٌ كان إجماعًا صريحًا أو إجماعًا سكوتيًّا بحيث تُستقرَأ الأقوال في المسألة، فلا يُعلَم فيها مُخالف, أو إجماعًا عمَلِيًّا، جرى عليه عمَلُ المسلمين على أمرٍ لقرون متطاوِلة، دون خلافٍ أو نكير يعدُّ ضلالاً وزيغًا وخروجًا عن سبيل المؤمنين, وإن أُخرِج بصورة التَّجديد والاجتهاد. 3- مراعاة فَهْمِ السَّلَف للدِّين، واعتماد منطلقاتِهم، ومَواقفهم من مُختلِف القضايا: وقد شهد الله لصحابة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالخيريَّة والعدالة, ووصفهم بأنَّهم دُعاة إلى شرعه وسبيله, وأنَّهم على نورٍ وهدًى وبصيرة، فقال: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ [يوسف: 108]، وقال: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143]، والوسط: الخيار والعدل. وحذَّر من اتِّباع غير سبيلهم، وتوعَّد على ذلك، فقال: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115]. وجعل الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - سُنَّةَ الخلفاء الراشدين من بعده قرينةَ سنَّتِه، وحجَّةً كحجيَّةِ سنته، فقال: ((عليكم بِسُنتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين من بعدي، عَضُّوا عليها بالنَّواجذ))[11]. وأخبَر أنَّ الفرقة والانحراف والاختلافَ سيقع في أمَّتِه، كما وقع في الأمم السابقة, وأنَّ كل المختلفين في زيغٍ وضلال، إلاَّ من اعتصم بِمَنهج الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وصحبه الكرام، فقال: ((وتفترق أمَّتِي على ثلاثٍ وسبعين ملَّة، كلُّها في النار إلا ملة واحدة؛ ما أنا عليه وأصحابي))[12]. وتكاثرَتْ أقوال الأئمة في تقرير حجيَّة عمل الصحابة، وفهمِهم للدين؛ يقول الإمام الأوزاعيُّ - رحمه الله -: "واصْبِر نفسَك على السُّنة, وقِفْ حيث وقف القومُ, وقُل بما قالوا, وكُفَّ عمَّا كفُّوا عنه, واسلُك سبيلَ سلَفِك الصَّالِح؛ فإنَّه يسَعُك ما وسِعَهم"[13]. ويقول قوام السُّنة الأصبهانيُّ: "مَن خالف الصَّحابة والتابعين فهو ضالٌّ، وإن كان كثيرَ العلم"[14]. وما دلَّت عليه النُّصوص والآثار المتقدِّمة مِن لزوم فَهم السَّلف، وقولِهم وعملهم - دلَّ عليه العقلُ أيضًا؛ لأنَّ من كان بالمتبوع ألصقَ كان بأقواله وأحوالِه ومُراده أحذقَ وأعرفَ مِن غيره، مِمَّن لَم يشاركه في هذه الخصلة, ومعلوم أنَّ أسعد الناس بِهذه المعرفة هم أصحابُ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذين صحبوه، وشاهدوا التَّنْزيل، وعاينوا الوقائع، وعرفوا التَّأويل, وهم أصحاب اللِّسان العربي الذي نزل به القرآنُ والسُّنة, فهُم الأعرف بألفاظ ما نزل عليهم، وبِمعاني تلك الألفاظ, وهم الترجمان العمَلِيُّ لشرع الله، والصُّورة الحيَّة الناطقة بأحكام الإسلام. فما أجمعوا عليه فلا يصحُّ نَصْب الدَّليل إلا من خلاله, وما اختلفوا فيه فالحقُّ مَحصور في تلك الأقوال، والقول المخالِفُ لكلِّ أقوالهم مُحْدَث مبتدَع. ومن أهمِّ ما يَجب متابعتهم فيه، وعدَمُ الخروج عليه منهجُهم في الاستدلال، وأصولُهم في معرفة الأحكام، وأبرزها: 1- مرجعيَّة الكتاب والسُّنة. وتقديمهما على قول كلِّ أحدٍ؛ كائنًا مَن كان, وهذا ما صرَّحَت به عشرات النُّصوص، وانعقد عليه إجماعُ الأمةِ القولِيُّ والعمَلي. 2- تقديم النقل على العقل: فمع تكريم الإسلام للعقل، وجعْلِه مناطًا للتكليف، وتقريرِه دلائل التوحيدِ والمَعاد، وسائر قضايا الإيمان الكبرى بالبراهين العقليَّة, وذمِّ المشركين؛ لعدم استخدام عقولِهم، وتعطيلها عن التبصُّر، وتمييز الحقِّ من الباطل، والخير من الشر - إلاَّ أن العقل له حدٌّ ينتهي إليه, ومجالٌ لا يتجاوزه، وقَدْر لا يتخطَّاه؛ لأنه يَستند في أحكامه إلى معطيات الحسِّ فقط من السَّمع والبصر وغيرِهما, ونطاق هذه الحواسِّ عالَمُ الشَّهادة، ولا دَوْرَ لَها في عالَم الغيب، أمَّا الوحي والنَّقل فله المَجال الأرحب والأوسع، وميدانه: عالَما الغيب والشهادة؛ لأنه مُنَزَّل ممن لا يَعْزُب عنه مثقالُ ذرَّة في السَّماوات، ولا في الأرض. وعليه؛ فالواجِبُ على العقل الخضوعُ التامُّ، والتسليم المُطلق لحكم النَّقل، ثُمَّ إنَّ العقل الإنسانيَّ غيرُ معصوم، والخطأ يرد عليه كثيرًا، أمَّا نصوص الشَّرع فمعصومة, ومع أنَّه من المُحال أن يتعارَض العقل الصحيح مع النَّقل الصريح، إلاَّ أن العقل أحيانًا لا يتمكَّن من الإحاطة والإدراك الكامل ببعض النُّقول الشرعيَّة، ويَحار في فهمِها، فالواجِبُ - والحالةُ هذه - القَبولُ والتسليم، وعدمُ الردِّ والاعتراض. يقول الشاطبِيُّ: "إذا تعاضَد النَّقل والعقل على المسائل الشرعيَّة، فعلى شرط أن يتقدَّم النقلُ؛ فيكون متَّبَعًا، ويتأخر العقل؛ فيكون تابعًا، فلا يَسْرَح العقلُ في مجال النَّظر إلا بِقَدْر ما يُسرِّحه النَّقل"[15]. 3- حجية خبر الواحد: فقد دلَّت الأدلة على وجوب العمل بكلِّ ما صحَّ عن رسول الله من غير تفريقٍ بين خبَرٍ متواتر وخبر آحاد، وثبت عن الصَّحابة والتابعين ومَن بعدهم الأخذُ بأحاديثِ الآحاد الصحيحة، دون شرط، أو تفريق بين مسألةٍ وأخرى، وانعقد على ذلك إجماعهم جميعًا. قال الشافعيُّ - رحمه الله -: "ولو جاز لأحدٍ من النَّاس أن يقول في علم الخاصَّة: أجمع المسلمون قديمًا وحديثًا على تثبيت خبَرِ الواحد، والانتهاء إليه؛ بأنَّه لَم يُعلَم من فقهاء المسلمين أحدٌ إلاَّ وقد ثبَّتَه - جازَ لي"[16]. وقال الخطيب البغداديُّ: "وعلى العمل بخبر الواحد كان كافَّة التابعين، ومَن بعدهم مِن الفقهاء الخالفين في سائر أمصار المسلمين إلى وقتنا هذا, ولَم يَبلُغنا عن أحدٍ منهم إنكارٌ لذلك، ولا اعتراض عليه"[17]. وعليه؛ نَعلم أن التفريق بين المتواتِر والآحاد في إفادة العلم والحُجِّية اصطلاحٌ حادث بعد القرون الثلاثة الفاضلة، لَم يَدُلَّ عليه كتابٌ ولا سُنَّة، ولم يعرفه الصحابة ولا التَّابعون، والرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد صدَّقَه المؤمنون فيما أخبَر به دون حاجةٍ إلى تواتُرِ المُخْبِرين، وكذلك كان الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - يصدِّق أصحابَه فيما يُخْبِرونه به, وكان الرسول يَبعث الآحادَ من الصَّحابة إلى المُلوك والوُلاة؛ ليبلِّغوا عنه رسالةَ ربِّه, فلو كان خبَرُ الآحاد لا يُعمل به في باب العقائد لَما قامت الحُجَّة على أولئك الأقوام. 4- فهم الشريعة بِمُقتضى لغة العرب ومعهودها: وذلك لأنَّ الله - سبحانه وتعالى - أنزل القرآن بلغة العرب؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 2]، والرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان من أمَّة العرب، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴾ [التوبة: 128]، فكلُّ تفسير للنُّصوص لا يعرفه العرب بلسانِهم، وكلُّ إخراج للكلام عن ظاهره الذي تدلُّ عليه اللغة العربية، دون قرينةٍ أو دليل بِما يسمَّى بالتأويل - باطلٌ، ومردود، وعَوْدٌ على كلام الله وكلام رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالتحريف. 5- رد المتشابهات إلى المحكمات: فنصوص الشَّرع منها المُحْكَم الذي لا يَحتمل إلا معنًى واحدًا، ومنها المتشابه, وفي حال توهُّم التعارض بين المُحكم والمتشابه فالواجب تثبيت المُحكَم وردُّ المتشابه إليه، وفهم دلالته في ضوء المُحكمات والثَّوابت كما هو شأن الرَّاسخين في العلم, وليس ردّ المُحكَمات والتمسُّك بالمتشابهات كما هو شأن أهل الزَّيغ والانحراف. مجالات التجديد: كما أنَّ الغربة تطرأ على كلِّ نواحي الدِّين، فالتجديد يجب أن يتَّجِه إلى كل جوانب الدِّين أيضًا، ويُمكِنُنا أن نرصد ستَّة مَجالاتٍ تَحتاج إلى تجديدٍ دائم. 1- المجال الأول: الحفاظ على نصوص الدين الأصلية صحيحة نقية: لأنَّ الإسلام بنصوصه الأصليَّة، وإن كان محفوظًا بِحِفظ الله، إلاَّ أن ذلك إنَّما يتمُّ، ويتحقَّق بِهمَم العلماء الربَّانيين، وجهودهم وتضحياتهم، وهذا ما حدث بالفعل؛ فقد حظِيَ القرآن الكريم بعناية بالغةٍ من المسلمين؛ كتابةً في السُّطور، وحِفظًا في الصدور، بوتيرة متصاعدةٍ منذ نزوله، وإلى أيَّامنا هذه، والحمد لله. وحظيت سُنَّة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعنايةٍ لَم تعرفها أمَّة من الأمم، حتَّى عُدَّ الإسناد وتَمييزُ الأحاديث المقبولة من غيرها ميزةً وخاصيَّة من خصائص أمَّة محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومَفْخَرة من أعظم مفاخرها، قال المستشرق "مرجيليوث": "لِيَفخَرِ المسلمون ما شاؤوا بعِلم حديثهم"[18]. 2- المجال الثانِي: نقل المعاني الصحيحة للنصوص، وإحياء الفهم السليم لها: وذلك لأنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسَّر لأمَّتِه معانِيَ القرآن الكريم، وتلقَّى صحابةُ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - تلك المعاني، وسمعوا كلام النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وفهموا مرادَه، وعايشوا التَّنْزيل، وطبَّقوا أحكامه بين يدَيِ النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فغدا فهمُهم للنُّصوص جزءًا لا يتجزَّأ من الدِّين, وحجَّةً يجب الرُّجوع إليها، وعليه يكون إحياءُ منهج الصَّحابة, والعناية بتوثيق المنقولِ عنهم من أهمِّ مَجالات تجديد الدِّين. 3- المجال الثالث: بذل الجهد في التعرُّف على أحكام المستجدات والنوازل: فممَّا لا شكَّ فيه أن تقلُّبات الزمان والمكان، وتغيُّر أنماط العيش وتداخل البشر فيما بينهم ينشأ عنه قضايا لَم يكن للسَّالفين بها عهد, فالواجب على المجدِّدين الإحاطةُ بها، وتكييفُها التكييفَ الشرعيَّ، ثُمَّ إعطاؤُها الحُكْمَ المناسب لها، المستمَدَّ من الكتاب والسُّنة, وما أكثرَ النَّوازل المعاصِرة في مختلف ميادين الحياة الاقتصاديَّة، والاجتماعية، والسياسية، والدينية! 4- المجال الرابع: تجديد العلوم الشرعية، وتنقيتُه من علوم المنطق والفلسفة، والأحاديث الدَّخيلة. 5- المجال الخامس: تحديث لغة الخطاب، والاستفادة من التقنيات المعاصرة ووسائلِ الإعلام. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |