وقفات دعوية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         (ورَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْرًا) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          التحذير من الغفلة عن ذكر الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللهُ بِهِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          المسارعة إلى الخيرات والطاعات قبل فوات الأوان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الغش بمعناه الواسع، وبمعناه الضيق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          استخدام أدوات المسجد في غير ما أوقفت له (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          عشرون حديثًا من صحيح أذكار الصباح والمساء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          ثروات العبودية المنسية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5033 - عددالزوار : 2183527 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 08-01-2020, 11:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,192
الدولة : Egypt
افتراضي وقفات دعوية

وقفات دعوية
ناصر بن محمد الأحمد





إن الحمد لله:

إن الدعوة إلى الله من خير أعمال المسلم، التي يقوم فيها محتسباً طالباً للأجر من الله فقد جاء في الحديث: ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) الدعوة إلى الله من عمل الأنبياء والمرسلين ومن اقتدى بهم من العلماء والمصلحين، والدعاة والمربين، فهي مهمة بالغة الشأن لا يعلم قدرها إلا من تعلق قلبه بها وجعلها محور حياته يفكر فيها ليل نهار، يبحث من خلالها عن نافذة للأمل أو مخرج من هذا الضيق.

وإذا كانت الدعوة مؤكدة في كل عصر فهي في هذا العصر آكد، لأن الخبث قد كثر، وابتعاد الناس عن الدين قد ازداد، وأعداء الملة وخصوم الشريعة صاروا يجاهرون بما لم يكونوا يجاهرون به من قبل، ولو نجح الدعاة والمصلحون على تماسك جبهتهم الداخلية رغم ما يوجه لها من ضربات فإنهم يعتبرون قد أنجزوا شيئاً ليس بالقليل.

فكرة هذا الدرس والتي أسأل الله تعالى أن ينفعني وإياكم بها، وهي عبارة عن نقاط تجمعت من خلال قراءات متفرقة في أوقات متباعدة، تدور كلها حول قضايا الدعوة والتربية تهم الشباب من أمثالكم ممن يهمه أمر هذا الدين، ويهمه أن يغير وأن يصلح الواقع الذي يعيش فيه، وممن له عناية بطلب العلم. فالدرس عبارة عن نقاط، قد لا توجد علاقة بين النقطة وما قبلها وما بعدها، كل نقطة عبارة عن فكرة دعوية أو قضية تربوية، أو لفتة في جانب ينبغي أن يكون منك على بال ولأن النقاط كثيرة فهي قرابة خمسين نقطة، والقضايا متنوعة وغير محصورة فلعلي أقدم ما يسمح به الوقت. فأبدأ مستعيناً بالله وحده:

أولاً: إن وجود ثلة ينذرون أنفسهم للدعوة إلى دين الله، أمرٌ مقدرٌ شرعاً وكوناً.

إنه موكب لن ينقطع أبداً مضى به القول على لسان النبي صلى الله عليه وسلم حين قال " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله ". لذلك كان وجود الدعوة الربانية في هذه الأرض حتماً مقضيا. أرأيت لو زالت الشمس من هذا الكون، أو زالت الجاذبية، كم يكون الاضطراب؟ فكذلك وجود دعوة الحق فإنها والشمس والقمر والجاذبية والماء والهواء من سنن الكون التي يتحتم وجودها، لكنها سنة لن يراها إلاّ صاحب قلب سليم، كما لا يرى الجاذبية إلاّ صاحب درس عليم. فكما أن للشمس ثباتاً وجاذبية وللأرض مداراً ودوراناً، كذلك فإن للبشر هذا الدين: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون) إن فَقَده البشر اختلّت أمورهم. إن إسلامنا نبأٌ عظيم، وهو من مكملات الناموس الكوني الذي يختل بدونه، فلا بد إذن أن يوجد في الأرض وأن يزول غيره قال الله تعالى: (قل هو نبأٌ عظيم أنتم عنه معرضون) لقد جاء هذا النبأ العظيم ليتجاوز قريشاً في مكة، ويتجاوز العرب في الجزيرة، بل ويجاوز الجيل الأول الذي عاصر الدعوة في الأرض ليؤثر في مستقبل البشرية كلها في جميع أعصارها وأقطارها منذ ذلك الوقت إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولم يمر بالبشرية في تاريخها كله حادث أو نبأ ترك فيها من الآثار ما تركه هذا النبأ العظيم. والمسلمون اليوم يقفون من هذا النبأ كما وقف منه العرب أول الأمر بل الأعجب أنهم اليوم هم سبب عرقلته وهم حجر عثرته، لكن هذا النبأ العظيم كما قلنا حكمه حكم الشمس، إن خفت ضوءه أو قلّت حرارته فإنما هو كسوف لا غروب، والكسوف ساعات ثم ينجلي، وكذلك وجود هذا الدين في الأرض، وعدم بروزه وظهوره في بعض الأوقات أو بعض الأماكن إنما هو كسوف مؤقت، لابد وأن ينجلي، وما استمرار وجود عصبة الحق إلاّ مصدر أمل لعودة الإسلام إلى الحياة كلها، وفي الأرض كلها. روى البخاري في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله "ألا كل شيء ما خلا الله باطل". رفعت الأقلام وجفت الصحف.

ثانياً: شبهة تثبط البعض عن القيام بأمر الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: عدم وجوب الدعوة على جميع المسلمين وأن هذا التكليف مختصٌ بالعلماء.

الجواب: لاشك أن الدعوة إلى الله مشروط لها العلم، ولكن هذا العلم ليس شيئاً واحداً لا يتجزأ ولا يتبعض، وإنما هو بطبيعته يتجزأ ويتبعض، فمن علم مسألة وجهل أخرى فهو عالم بالأولى جاهل بالثانية، ومعنى ذلك أنه يُعدّ من جملة العلماء بالمسألة الأولى وبالتالي يتوفر فيه شرط وجوب الدعوة إلى ما علم دون ما جهل، ولا خلاف بين الفقهاء أن من جهل شيئاً أو جهل حكمه أنه لا يدعو إليه، لأن العلم بصحة ما يدعو إليه الداعي شرط لصحة الدعوة، وعلى هذا فكل مسلم يدعو إلى الله بالقدر الذي يعلمه من هذا الدين ولا أظنك أخي المسلم تعدم خيراً.

ثالثاً: لا يخدعنّك الفساد الظاهر ولا الشر المستشري ولا يهولنّك ذكر فلان وفلان من المفسدين، ففي الأمة أخيار أكثر ممن تعدون من الأشرار ولكنها راية رفعت للشر فآوى إليها أشرارها، ونفر منها الأخيار فلم ينحازوا إليها ولم تسمع أصواتهم حولها، ولو رفعت للخير راية لانحاز إليها الأخيار، والتفوا حولها ولسكنت أمة الأشرار وقل جمعهم وخفت ذكرهم. إن في الأمم خيراً وشراً، وفساداً وصلاحاً، ومصلحين ومفسدين، فإن رفعت راية الخير انضوى إليها الأخيار في كل طائفة، وغلب بها الخير في الأنفس التي يغلب شرها خيرها ونبت خير في نفوس لا خير فيها، فإن الإنسان لا يخلو وإن عظم شره واستشرى داؤه من نزعةٍ للحق كامنة، وعاطفة للخير مستترة. فهل من راية للخير ترفعها، أو على أقل تقدير تبحث لك عن راية للخير تكون حولها. ولا أظنك تغفل أنه لما استحكم الشر وعلا أمر الجهمية والمعتزلة أيام المأمون والمعتصم والواثق، رفع راية السنة الإمام أحمد بن حنبل، فكان الثبات والتثبيت وتفرقت جموع المبتدعة فشرد بهم من خلفهم. ولعلي أهمس في أذنك بكلام ابن القيم رحمه الله يشرح لك أمرك حين يقول: ليس الدين بمجرد ترك المحرمات الظاهرة، بل بالقيام مع ذلك بالأوامر المحبوبة إلى الله، وأكثر الديّانين لا يعبأون منها إلاّ بما شاركهم فيه عموم الناس، وأما الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة لله ورسوله وعباده ونصرة الله ورسوله ودينه وكتابه، فهذه الواجبات لا تخطر ببالهم فضلاً عن أن يريدوا فعلها، وفضلاً عن أن يفعلوها وأقل الناس ديناً وأمقتهم إلى الله من ترك هذه الواجبات وإن زهد في الدنيا جميعها، وقَلّ أن ترى منهم من يحمّر وجهه ويمعره لله ويغضب لحرماته ويبذل عرضه في نصرة دينه. انتهى. [1]

رابعاً: لماذا نردد دائماً أنه لابد من الهمّة العالية لدى الشباب الملتزم؟

الجواب: لأن من بدأ أيّ عمل أو أمر بحزم وعزم وجد، ضُمن له الاستمرار ومن بدأ التزامه ودعوته بلين وتراخ لزمه هذا اللين، وظل متأرجحاً وربما لم ينفعه الاستدراك إذا أراد النهوض مهما حاول. إذن هي الأيام الأولى واللحظات الأولى التي تحدد سمت الرجل وقوته وجدّه من لينه وضعفه. وبهذه المناسبة أحذرك من الالتفات، فإذا بدأت طريقك بعزم وجد إيّاك ثم إياك والالتفات، فما تأخّر من تأخر إلا من الالتفات أثناء السير. ذكروا من أخبار الظبي أنه أشد عدواً من الذئب والأسد، لكن الذئب يدركه وذلك لعادةٍ سيئةٍ فيه وهو أنه يلتفت أثناء العدو، فيخف عدوه فيدركه الذئب أو الأسد. قال ابن القيم رحمه الله: لا وقوف في السير، بل إما تقدم وإما تأخر، كما قال تعالى: (لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر) فلا وقوف في الطريق إنما هو ذهاب وتقدم أو رجوع وتأخر[2]. انتهى. وهذا تاريخ الإسلام يرينا دوماً أن القانع قابع والتوّاق سبّاق. والذي يريد السبق ودخول الجنة فيجب عليه أن يأبى القناعة بالدرجة التي وصل إليها من الخير، ويكون ديدنه أن يتابع السير ويرتقي في درجات الفضل. قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: "إن لي نفساً توّاقة، لم تتق إلى منـزلة فنالتها إلا تاقت إلى ما هي أرفع منها، حتى بلغت اليوم المنـزلة التي ليس بعدها منـزلة، وإنها اليوم قد تاقت إلى الجنة".

خامساً: قالوا: إن الداعية:

شهّاد أنديةٍ، شدّاد ألويةٍ قتّال طاغيةٍ، فكّاك أقيادِ

قوّال محكمةٍ، نقّاض مبرمةٍ رفّاع أبنيةٍ، فتّاح أسدادِ

شهاد أندية: يتجول بين الناس يغشاهم في مجالسهم ودواوينهم، لا يرضى لنفسه الانزواء، بل هو الظاهر في المجالس يشهدها وينصح أهلها ويصدع بكلمة الحق فيها.

شداد ألوية: لما كان همّة الرجل الدنيوي كسب ريالات الناس، كان همّة الداعية كسب قلوب الناس، يرفع راية الخير، ثم يتفرس في وجوه القوم فما رأى من وجه فيه عزيمة وشجاعة وذكاء إنتقاه، وبقية الوجوه تستظل تحت رايته.

قتال طاغية: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وسيوف المسلمين تنصر هذا الشرع وهو الكتاب والسنة كما قال جابر بن عبدالله: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضرب بهذا – يعني السيف – من خرج عن هذا – يعني المصحف – قال الله تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز) فبين سبحانه – والكلام لا يزال لشيخ الإسلام – فبين سبحانه وتعالى أنه أنزل الكتاب وأنزل العدل وما به يُعرف العدل ليقوم الناس بالقسط وأنزل الحديد فمن خرج عن الكتاب والميزان قوتل بالحديد[3].

فكاك أقياد: لأن الناس أسارى الأوهام وتقيدهم المطامع الدنيوية والشهوات الرخيصة، وليس بعد الله غير الداعية المسلم الذي يحرر الناس من رق عبوديتها وفك قيودها وأغلالها.

قوال محكمة: ينطق بالحكمة وبالنافع وبالذي يصلح أمر الناس، لا لغو ولا كلام بغير فائدة، وهذه هي البلاغة الحقيقية وإن كانت العبارات سهلة. فكم تغيرت وجهات أنظار، وكم تبدل ميول أناس، وكم حدث انقلاب عقلي وفكري عند كثيرين بسبب كلمات محكمة خرجت من قلب صادق في وقت مناسب فنفعت بإذن الله وآتت أكلها ضعفين.

نقاض مبرمة: فأعداء الإسلام يبرمون أمرهم، ويضعون خططهم، ويخفون كيدهم، فيأتي الداعية بعد توفيق الله، فيكشف ما وضعوا، ويفضح ما خططوا، وينقض ما أبرموا.

رفاع أبنية: فهو يرفع ويبني أبنية الإسلام المعنوية، ويؤسس مؤسسات الإيمان القلبية، يرفع بناء قال الله وقال رسول الله وبناء قول السلف الصالح ويعمرها ويُعليها لتكون منارت يهتدي بها التائه في ظلام الجاهلية مثلما يساعد في رفع أبنية المساجد والمدارس الشرعية.

فتاح أسداد: له مفتاح من الوعي والبصيرة ومفتاح من الاطلاع على الواقع الذي يعيش فيه، يفتح به مغاليق الأمور، وأبواب أسوار الحصار الفكري الذي أحاط بعقول وقلوب كثير من أبناء الأمة من فكر الغرب أو الشرق. فنسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعاً مفاتيح للخير مغاليق للشر.

سادساً: لا توجد قاعدة عامة في الهداية: فقد يخرج الحي من الميت وقد يخرج الميت من الحي، فلا يخطرنّ ببالك أيها المصلح أن تدعو أبناء الفقراء وتدع أبناء المترفين وتقول بأن هؤلاء أكثر نفعاً للدين، أو تهتم بإصلاح أبناء المصلين وتدع أبناء الملاحدة والعلمانيين وتقول إنه لا فائدة منهم، أو لا تفكر أصلاً بدعوة أهل البدع من الباطنية وغيرهم وتقول بأنه لا حيلة والأمر أكثر من المستحيل، فإنه لا قاعدة عامة في الهداية، والله جل وتعالى هو الذي يخرج الحي من الميت وهو الذي يخرج الميت من الحي، فرُبّ أبٍ مصلٍ وبعض أولاده زنادقة، ورُبّ أبٍ فاجرٍ فاسق وبعض أولاده من خير عباد الله.

اسمع لهذين الخبرين: الأول خبر جُوان بن عمر بن أبي ربيعة، كان عمر بن أبي ربيعة رجلاً فاسقاً يتغزل بالنساء في شعره بل وصل به الأمر أنه كان يتعرض للنساء في المسجد الحرام، لكن ولده جُوان نشأ على النقيض من أبيه تماماً، فكان فتىً صالحاً عفيفاً متديناً زاهداً من أصحاب العبادة والأمانة، حتى كان أهل مكة يأتونه ليحكم بينهم ويَدَعُون قضاة الدولة.

الخبر الثاني في مقابل هذا: الشاعر السفيه المعروف بالأحوص واسمه عبدالله، وهو ابن محمد بن عبدالله بن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري، جدّه عاصم بن ثابت من الصحابة الذي قتل يوم الرجيع مع خُبيب بن عَديّ، وهو الذي أقسمت امرأة من قريش أن تشرب الخمر بقحف رأسه لأنه قتل جميع أهلها في أحد الغزوات فأقسم هو أن لا يمسه المشركون حياً أو ميتاً، فلما قُتل حماه الله بالزنابير تلدغ من يمد يده إلى جثته حتى أمر الله السماء أن تمطر وجاء السيل وأخذ جثته الزكية فدفنها ولم يعثروا عليها، وكانت زوجة عاصم بن ثابت هي أخت حنظلة غسّيل الملائكة الذي استشهد يوم أحد وهو جنب فرأى النبي صلى الله عليه وسلم الملائكة تغسله. هؤلاء الكرام يخرج من أحفادهم مثل الأحوص الذي كان يوصف بالسفاهة ويُتهم بأمور قبيحة منكرة، وله شعر فخر بأجداده، وتعالى بهم على النبي صلى الله عليه وسلم مما يوجب الكفر والعياذ بالله. فكم من الأمثلة من مثل جوان والأحوص. إنه لا قاعدة عامة في الهداية وإنما توفيق الله عز وجل لعبده.

وحّد قس بن ساعدة وما رأى النبي صلى الله عليه وسلم، ونافق ابن سلول وقد صلى معه.

دخل الرسول صلى الله عليه وسلم بيت يهودي يعود ابنه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أسلم، فنظر الولد إلى أبيه فقال له الأب أطع أبا القاسم، فأسلم الولد وهو ينازع الموت فنجا في آخر لحظة، ومات الناصح له على اليهودية.

انقلب عمر بن الخطاب ليفتك بأخته لمّا بلغه الخبر أنها أسلمت هي وزوجها، فلمّا دنا من الصفا صفا. وما خرج من عندها إلا وهو يقول أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

لمّا عمّ نور النبوة الآفاق، رآه سلمان الفارسي رضي الله عنه من خلف الصحاري، وحجب هذا النور عن عمّه وبعض عشيرته وهم في مكة.

فسبحان من أعطى ومنع، فإنّ سُلّم التوفيق قريب المراقي، وبئر الخذلان بلا قعر. إنه لا قاعدة عامة في الهداية.

سابعاً: العملية التربوية في أوساط المسلمين يمكن أن تأخذ جانبين:

الجانب الأول: إصلاح الفسّاق.

الجانب الثاني: التربية التكميلية التي تتولى تفقيه العناصر الصافية وتوعيتها وتكميل ما ينقصها من فنون العمل أو صفات الإيمان العالية. وبناءً على هذا التقسيم فيمكن أن نقسّم الترغيب والترهيب الذي هو أحد أدوات العملية الإصلاحية إلى قسمين كل قسم يصلح لنوعية من المسلمين:

الأول: أسلوب الترهيب من التقصير بذكر النموذج الإيماني واستمداد الترغيب بذكر نماذج الانحرافات البالغة السوء التي لابد أن يكون المخاطب أحسن حالاً منها. وكيفية ذلك أن يعرض صوراً نموذجية عالية من أفعال الخير الإيمانية كي يقيس الشخص نفسه بها دائماً فيتضح له ما هو فيه من التقصير فترهبه المنـزلة الواطئة المتأخرة فيشمّر للارتقاء، ويعرض المربي صوراً من الإفراط في السوء والشر والغفلة وتحكيم الهوى وتفضيل حظوظ النفس ليشعر الشخص ويربأ بنفسه عن مثلها وأنه على بقية من خير فتأخذه عزة إيمانية ترغبه برحمة الله وبهذا التردد بين الرغبة والرهبة تدوم استقامته بإذن الله تعالى.

الطريقة الثانية: يكون الترهيب بذكر آيات النار وأخلاق الكافرين والمنافقين والترغيب بذكر آيات الجنة وأخلاق المؤمنين وتتضمن هذه الطريقة استمداد نوع رهبة من التقصير وحياء عند ذكر أوصاف المؤمنين ونوع رجاء وشعور بالعزة عند ذكر أوصاف الكفر والنفاق.

وواضح أن هذا الأسلوب إنما يتبع مع من قوي أصل الايمان في قلبه وأحاطته مجرد الغفلة، وأن الأسلوب الأول إنما يتبع مع من أسرف على نفسه وضمرت معاني الايمان في قلبه. والله هو الهادي إلى سواء السبيل.

ثامناً: من أهم المواضيع في قضية الدعوة موضوع القدوة.

والشاب الصالح ينظر إليه غيره سواءً ممن هم في أول الطريق أو حتى من عامة الناس على أنه قدوة ولهذا صار مركزه حساساً ودقيقاً جداً، لأنه إمام لمن حوله شاء أم أبى. ولذا لمّا همّ إمام مصر الليث بن سعد بفعل عمل مفضول ينافي العزيمة قال له إمام المدينة يحي بن سعيد الأنصاري: لا تفعل فإنك إمام منظور إليك [4]. ويقول أبو عمرو السلمي: من لم تهذبك رؤيته فاعلم أنه غير مهذب [5]. وقال الشافعي رحمه الله: من وعظ أخاه بفعله كان هادياً [6]. ولهذا فالذي يعض الناس وينصحهم لكن هو لا يسبقهم إلى ذلك العمل فهذا ربما يضر أكثر مما ينفع، ولهذا كان يقول عبدالواحد بن زياد: ما بلغ الحسن البصري إلى ما بلغ إلاّ لكونه إذا أمر الناس بشئ يكون أسبقهم إليه، وإذا نهاهم عن شيئ يكون أبعدهم منه. وقال مالك بن دينار: إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب كما تزل القطرة عن الصفا [7]. أي عن الصخرة الملساء. فلا نتساهل أيها الشباب في الأمر، ولا نخدع أنفسنا بأن يقول الواحد لست بقدوة مما يجعله يبرر لنفسه فعل أشياء وأشياء تحت هذه المظلة. إن الموعظة التي تقدمها لا روح فيها ما لم تترجمها حياتك اليومية، وإلاّ فلا تعدو أن تكون منفراً. إن النفوس لا تغيرها إلاّ نفوس حية يتطابق أقوالها وأفعالها.

تاسعاً: إن وجود المعصية شأنها خطير في كل وسط، خصوصاً في الأوساط التربوية.

إسمع لهذا التحذير من مجرب يقول لك:

إن مشاهدة الفسق تهون أمر المعصية على القلب، وتبطل نفرة القلب عنها [8]. كيف نستفيد من هذه النصيحة؟ نستفيد منها بأن نعلم بأن بقاء بعض الفسق بمعناه الشرعي عالقاً ببعض الأشخاص الذين نربيهم، فإن هذا سيؤدي إلى احتمال سريان عدواه إلى العناصر النظيفة، لما في التعايش من المشاهدة ما يؤدي إلى تهوين الأمر شيئاً فشيئاً والذي قد يؤدي إلى التقليد وهذا مكمن الخطر. ولهذا لا غرابة عندما ينصح الناصحون أولئك الذين يتعاملون مع الجماهير العامة والأوساط الضعيفة أنه يجب عليهم وجوباً التردد المستمر على مجتمعهم الصافي ليروا من مناظر الايمان ما يضاد مناظر الفسق الذي يكثر عند العوام مشاهدته، وبمثله ينصح كل من له عناية بتغيير المنكر والذي يكثر تعاملهم مع المنكرات والفسوق العصيان، أن لا يطيلوا البقاء في تلك الأجواء، ولا بد لهم من جرعات مستمرة متقاربة يأخذونها من أوساطهم النقية الصافية. والله جل وتعالى هو الذي يحفظ عباده.

عاشراً: الذي يفهم الدعوة أنها نزهة ورحلة ونشاط رياضي وأنس وسمر مع الأحبة فهذا مسكين من جهة ومستريح من جهة أخرى.

قال أبوسعيد الواسطي: دخلت على أحمد بن حنبل في الحبس قبل الضرب، فقلت له في بعض كلامي: يا أبا عبدالله: عليك عيال، ولك صبيان، وأنت معذور قال: فقال لي أحمد بن حنبل: إن كان هذا عقلك يا أبا سعيد فقد استرحت.[9] هذا نموذج ممن كان حول أحمد بن حنبل، ممن استفاد منه وحضر بعض دروسه وسمع من فتاويه. خذ النموذج الآخر وهو بشر بن الحارث الحافي يوم جاءه خبر تعذيب الإمام وكان قد ضرب إلى تلك الساعة سبعة عشر سوطاً، فمد بشر رجله وجعل ينظر إلى ساقيه ويقول: ما أقبح هذا الساق أن لا يكون القيد فيه نصرة لهذا الرجل.[10]

الحادي عشر: هناك قانون في تعامل الداعية مع الله يختلف كلياً عن قوانين تعاملات الناس اليوم من عقد وبيع وشراء وغيره، فتجارة الدعاة مع الله ليست كتجارة غيرهم. ليس فيها قلق تخفيض سعر الدولار أو نزول مستوى الريال، وليس فيها مخاطر مضاربات البورصة، ولا تعقيدات التحويل الخارجي. سعر أسهم الداعية ثابت، بل يزيد ولا ينقص. والوضوح في معادلات تجارته هو أعظم ضماناً من نظام التأمين الربوي الموجود في معاملات الناس اليوم. لأن معادلة تجارة الداعية تقول: تعب أكبر = رضوان من الله أكبر. بفائدة أدناها 900 % كما في قوله تعالى: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها). ولقد فهم ببعض المتقدمين أموراً في تعاملهم مع الله قد نعجب منها نحن اليوم، إليك هذا المثال: المنصور أبو عامر محمد بن أبي عامر، ملك الأندلس في وقته العادل البطل طوال أيام مملكته كان مواصلاً لغزو الروم مفرطاً في ذلك، لا يشغله عنه شيء، بلغ من إفراط حبه للغزو أنه ربما خرج للمصلى يوم العيد فحَدَثَت له نية في ذلك، فلا يرجع إلى قصره، بل يخرج بعد انصرافه من المصلى من فوره إلى الجهاد، فتتبعه عساكره وتلحق به أولاً فأول، فلا يصل إلى أوائل بلاد الروم إلاّ وقد لحقه كل من أراده من العساكر. غزا في أيام مملكته نيفاً وخمسين غزوة ذكرها أبو مروان بن حيان كلها في كتابه الذي سماه بمآثر العامرية، واستقصاها كلها بأوقاتها، ووصل إلى معاقل قد كانت امتنعت على من كان قبله، وملأ الأندلس من الغنائم. وكان في أكثر زمانه لا يخل بأن يغزو غزوتين في السنة.

وتسألني أين الفهم الذي فهمه المنصور في تعامله مع الله والذي نعجب منه نحن اليوم؟ كان كلما انصرف من قتال العدو إلى سرادقه يأمر بأن ينفض غبار ثيابه التي حضر فيها معمعة القتال وأن يُجمع ويُحتفظ به، فلما حضرته المنية أمر بما اجتمع من ذلك الغبار أن ينثر على كفنه إذا وضع في قبره. أمر المنصور بهذا لأنه سمع الحديث الذي راوه البخاري في صحيحه "من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار".

كانت وفاة المنصور بأقصى ثغور المسلمين بموضع يعرف بمدينة سالم، توفي مبطوناً، فصحت له الشهادة، وكان تاريخ وفاته سنة 393هـ.

الثاني عشر: هناك أدب عظيم وفقه عزيز ينبغي على المشتغلين بالدعوة أن يفقهوه وهو: أن من قواعد الشرع والحكمة أيضاً أن من كثرت حسناته وعظمت وكان له في الاسلام تأثير ظاهر، فإنه يحتمل منه ما لا يحتمل من غيره ويعفى عنه ما لا يعفى عن غيره، إن بدر منه شيء، فإن المعصية خبث والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث، بخلاف الماء القليل فإنه لا يحتمل أدنى خبث. وإليك بعض الشواهد على هذا:

من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم وهذا هو المانع له صلى الله عليه وسلم من قتل من أباح بسره للمشركين وارتكب مثل ذلك الذنب العظيم فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه شهد بدراً، فدل على أن مقتضى عقوبته قائم، لكن منع من ترتب أثره عليه ما له من المشهد العظيم، فوقعت تلك السقطة العظيمة مغتفرة في جنب ما له من الحسنات.

ولما حض النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة، فأخرج عثمان رضي الله عنه تلك الصدقة العظيمة قال عليه الصلاة والسلام: ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم.

وكذلك حال حسان بن ثابت رضي الله عنه في قصة الإفك، وكان قد قذف عائشة رضي الله عنها، لكن بقي حبه في نفس النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأجيال المسلمين من بعدهم، لما كان له من المنافحة بشعره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الإسلام، حتى أن عائشة رضي الله عنها ردت على ابن أختها عروة بن الزبير بن العوام لما سبه وقالت: يا ابن أختي: دعه، فإنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. [11]
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 124.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 123.17 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.37%)]