|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أدب الكلمة وقوة البرهان مع الخليل: إبراهيم عليه السلام د. غنية عبدالرحمن النحلاوي لمحات وامضة مع خيرة الخلق (2) (للنفوس التي أرهقتها الحدثان) مقدمة: الأنبياء: عزيمة وتواضع، نتعلم من الأنبياء القانتين في جهاد الكلمة التواضع، والتحلي بالعزم، والصبر في الدنيا، وأن الكلمة أمانة؛ فلنضعها فيما يحب الله تعالى. فهم مع كل ما بذلوه عندما سألهم المولى وهو أعلم بهم: ﴿ مَاذَا أُجِبْتُمْ ﴾؟، قالوا: ﴿ لَا عِلْمَ لَنَا ﴾ [المائدة: 109]! سبحان الله! أما نحن، ففي المعلوم والمجهول قد نستعمل الكلمة في غير موقعها، فنتنبأ ونتوقع ونبالغ وننتفش، ليؤدبنا "علام الغيوب" من خلال رسله؛ قال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾ [المائدة: 109]. إذا أجاب الرسل عن أمور يعلمونها يقينًا يوم الجمع هذا الجواب، تأدبًا مع خالقهم، فما بالك فيما لا علم لنا به؟! إنما هو الرأي والتحليل والتوقع. بل هو تعالى يرحمنا، ويقيم لنا وزنًا بهذا التنزيل المبارك؛ لنتذكر يوم الجمع، ولنفهم أنه ليس غيبًا واحدًا ما زوي عنا، بل هي غيوب، ومع ذلك، على قصورنا وببشريتنا التافهة - إذ تُدلُّ بنفسها على تشريعات خالقها - نغفل عن "الآزفة"، فتجد بعضنا يتدخل في الغيوب، وأكثرنا يناقش في الأمور المعلومة من أصغرها لأكبرها، وقد نتنابز بالألقاب، وقد نسخَر، وقد نتشاحن! (إلى آخر قائمة عيوب اللسان)! فيرينا سبحانه العبرة بأعيننا! ما لم نقدم لأنفسنا.. ونحاول استجلاء الدروس من هذا التنزيل الكريم، من ذلك أن نتعلم من الأنبياء - كما أشرنا - أخلاقَ البيان، وجهاد الكلمة، عسانا نحسن البيان يوم الجمع، مقتدين بهم عليهم صلوات ربي وسلامه. قال تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الأحقاف: 35]، صدق الله العظيم، لا يهلِك إلا القوم الفاسقون، وهذا هو الهلاك المخزي، أبعدهم الله عنا! وهذه حلقتنا الثانية مع أولي العزم من الرسل، وقفات ولمحات من سيرة نبينا إبراهيم الخليل الأواه الحليم[1]. درس في الإيمان مع الفتى إبراهيم: متى تصبح جاهزًا لتلقي كلمة الحق؟! الإيمان بالله تعالى سهل، بشرط سلامة الفطرة، ولكن لا بد من الصبر في تهيئة ساحة التلقي بنبذ الأفكار البائسة والضلالات، فرغم المؤثرات المحيطة؛ كضغط القوم والأهل في تاريخ الرسل وحاضرنا، ورغم المغريات؛ كجذب الأقران والمشاهير، والتقزم أمام الأقوى الفاسق اليوم - فإن القلب السليم عندما يرفض الباطل ينجح في الاستجابة لداعي الإيمان بسهولة، والدليل: سيدنا إبراهيم عليه السلام، الذي تبدو قصة إيمانه أنشودة هادئة مريحة، كل مشهد فيها يصدح بالدور العظيم لسلامة الفطرة والقلب في اتباع نور الحق؛ من خلال تأمل الكون والأفلاك؛ قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾ [الأنعام: 75].. يقينًا ارتبط باليقين بأنه - سبحانه وتعالى - سيهديه: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴾ [الزخرف: 26، 27]؛ فأكرَمه الله تعالى بالإيمان والنبوة والصِّديقية: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ﴾ [مريم: 41]. وإن تلقي الخليل عليه السلام عبء الاصطفاء والنبوة بهذا القلب السليم أعانه - بأمر الله تعالى - وقد "آتاه رشده" على الصَّدْع بكلمة الحق في ظروف شديدة الصعوبة، وهو وحده، وهو مجرد فتى أخذ على عاتقه أن يكون شاهدَ الإثبات الوحيد على قضية فطرة الكون والتوحيد حين قال لقومه: ﴿ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 56]، شهادة حق في قضية قد تبدو خاسرة؛ لأنها تعِجُّ بشهادات الباطل من المتنفذين. وهو بعد أن تبرأ من آلهتهم، واجه جهلهم بعلم الله تعالى: ﴿ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 80]، وقابل سلاحَهم بالتخويف بنعمة الأمن من الله تعالى لمن آمن ولم يلبِسْ إيمانه بظلم، بينما الخوف الحقيقي هو لمن أشرك بالله: ﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنعام: 81 - 83]. اللهم اجعلنا من الراشدين؛ لنكون من الفريق الأحق بالأمن، سبحانك! ♦ دروس في الأدب والحِلم مع إبراهيم عليه السلام: نحن نلمِس أدب الخليل الجم وأنَاتَه، ونتعلمهما من عدة مواقف، نكتفي ببعضها من خلال آيات قرآنية: ♦ ونبدأ بتأدبه عليه السلام مع الله سبحانه وتعالى: فأنت عندما تتأدب مع ربك، تلقائيًّا أنت مؤدب مع الكون والكائنات، وحتى مع مخالفيك منهم: 1) أدبه في الدعاء: وجهاد الأنبياء بالكلمة أحدُ أوجهه الهامة: الدعاء، انظر إلى دعائه في سورة حملت اسمه، في قوله تعالى: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40]. وعندما قرأتُ هذه الآية الكريمة، جعلني الخليل أسأل نفسي: هل الدعاء يتقبل أو يستجاب؟ وتعلمتُ منه - وهو الأواه الحليم، ونحن المتعجلون - أن من الأدب وأنت تدعو: أن تسأل ربك قبول الدعاء، ثم تسأله الإجابة، فبما أنه عمل صالح وعبادة فهو يتقبل (أو لا يتقبل)، ولأنه طلب ورجاء فهو يستجاب (أو لا يستجاب). ومن يعرف ذلك ويضعه موضعه مثل سيدنا إبراهيم الحيي من ربه الأواه المنيب؟! اللهم ألهِمْنا حُسن وأدب الدعاء، واجعله متقبلاً مستجابًا. 2) أدبه في القول والعمل في مرضاة الله تعالى: إبراهيم عليه السلام كان شديد الأدب مع ربنا سبحانه، فلا عجب أنه تعالى اتخذه خليلًا: ﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [النساء: 125]، لدرجة أنه أقبل ليذبح ولده دون سؤال، ولا مجرد تعليق، وهو بشر فوق أنه نبي، (ولا أقصد الطاعة؛ فهو أقبل طائعًا لربه، ولكنه حتى لم يستفهم ولو بكلمة)، وكأنه احتفظ بالكلمة للدعوة والدعاء، وقبْلها فعل الشيء نفسه عندما ألقيَ في النار، ﴿ قَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الصافات: 99]، ثم عندما ترك أهله في الصحراء! أن تحرق وأنت حي هذا بلاء وابتلاء، ولكن أن تذبَح ولدك بيدك ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ﴾ [الصافات: 106]. وعندما صدَّق إبراهيم عليه السلام رؤيا الذبح بالعمل دون تردُّد، وبما أنه: ﴿ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الصافات: 84] - فإن الله جل شأنه لم يضيِّعه، وفدى ولده فورًا ﴿ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ [الصافات: 107]. وبداهة إنها أمور تفُوق طاقتنا كبشر، والله تعالى لا يكلفنا ما يفُوق طاقتنا، بل هي أمثلة للاقتراب والارتقاء في إخلاص الطاعة، وأدب الدعاء، وتطويع هوى النفس ومسار الكلمة؛ قال تعالى: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ﴾ [الممتحنة: 4]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |