|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() سلسلة من محاسن الدين الإسلامي (9) الحث على اتقاء المحارم د. محمد ويلالي الخطبة الأولى: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:"مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ، أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟". فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه-: فَقُلْتُ: "أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ". فَأَخَذَ بِيَدِي، فَعَدَّ خَمْسًا وَقَالَ:"اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ" الترمذي وحسنه في صحيح الجامع. يعتبر هذا الحديث مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد تضمن خمس وصايا هي من أعظم ما يوصي به مسلم أخاه، مما يتميز به ديننا، ويسجَّل من محاسنه الجليلة. أولى هذه الوصايا، الأمر باتقاء المحارم. والمحارم هي: المحرمات والكبائر التي نهى عنها الإسلام، وجاء ذكرها في كتاب الله تعالى وفي سنة نبيه المصطفى-صلى الله عليه وسلم-، من مثل قول الله تعالى من سورة الأعراف:"قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ"، وقوله تعالى من سورة المائدة:"حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ"، ومثل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:"اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ:"الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ" متفق عليه. ومثل قوله -صلى الله عليه وسلم-:"إِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، حَرَامٌ عَلَيْكُمْ" متفق عليه. وقد لخص أبو طالب المكي هذه المحارم فقال:"قد جمعتُ جميع الأحاديث الواردة في هذا الباب فوجدت سبعة عشر، وهي: أربعة في القلب: الشرك، والإصرار على المعصية، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله تعالى. وأربعة في اللسان: شهادة الزور، وقذف المحصنات، واليمين الغموس، والسحر. وثلاثة في البطن: شرب الخمر، وأكل مال اليتيم ظلماً، وأكل الربا. واثنتان في الفرج: الزنا واللواطة (ويدخل فيه كل ما عرف اليوم من أشكال الإباحة الجنسية، كالشذوذ، والمثلية، والخيانة الزوجية..). واثنتان في اليد: القتل بغير الحق، والسرقة (ويدخل فيها: أكل الأموال بالباطل، من رشوة، واعتداء على المال العام، وابتزاز المواطنين لقضاء حقوقهم..). وواحدة في الرجلين: الفرار من الزحف. وواحدة في جميع البدن، وهي عقوق الوالدين". ومعنى: "اتق المحارم تكن أعبد الناس" أي: من أعبدهم، لأن المسلم مطالب باتقاء المحارم، ومطالب - كذلك - بفعل الفرائض. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ" متفق عليه. ولأن الله تعالى يغار إذا انتهكت حرماته، فقد عَظَّم من شأن هذه الحرمات، وجعل اتقاءها واجتنابها خيرا عظيما. قال تعالى:"ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه". قال ابن كثير - رحمه الله -:"أي: ومن يجتنب معاصيه ومحارمه، ويَكُون ارتكابها عظيما في نفسه، "فهو خير له عند ربه"، أي: فله على ذلك خير كثير، وثواب جزيل، فكما يجزيه على فعل الطاعات ثوابا كثير وأجرا جزيلا، كذلك على ترك المحرمات واجتناب المحظورات". وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن التفاني في العبادة وفعل الطاعات لا ينفع صاحبه إذا كان يعتدي على حرمات الله، فيستسهل المعاصي، ويركَب المنكرات. فعن ثوبان -رضى الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله - عز و جل - هباء منثورا". قال ثوبان:"يا رسول الله، صفهم لنا، جَلِّهِمْ لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم". قال:"أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها" صحيح سنن ابن ماجة. وقد تكون المعصية الواحدة سببا في تدمير كل الحسنات التي اجتهد فيها المرء طول حياته، وتستوجب له النار. وقد يكون تعظيم محرم واحد من محارم الله سببا في دخول الجنة، ولو قلت الطاعات، واقتُصر على الضروري من العبادات. فعن عن أبي هريرة -رضى الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله، إن فلانةَ يُذكر من كثرة صلاتها، وصدقتها، وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها. قال:"هي في النار". قال: يا رسول الله، فإن فلانةَ يُذكر من قلة صيامها، وصلاتها، وأنها تتصدق بالأثوار من الأَقِط (القطع من اللبن المجفف)، ولا تؤذي جيرانها. قال:"هي في الجنة" صحيحِ الترغيب. فالذي صام رمضان، واعتنى فيه بالعبادة، وتفانى فيه في الطاعة، ثم اغتاب الناس، وسعى بينهم بالنميمة، يُخشى أن تهدم عبادته، وترد طاعته. والذي تصدق بالمال الكثير، وأطعم المساكين، وفَطَّر الصائمين، واعتمر مع المعتمرين، ثم آذى أهله، وأبناءه، وجيرانه، أو غش في تجارته، أو ظلم في وظيفته.. يُخشى أن يُنسف عمله، ويَحبَط سعيه. كان عمر بن عبد العزيز -رضى الله عنه- يقول: "ليست التقوى قيامَ الليل، وصِيام النهار، والتخليطَ فيما بَيْنَ ذلك، ولكن التقوى: أداءُ ما افترض الله، وترك ما حرَّم الله". والله تعالى يقول:"إنما يتقبل الله من المتقين". وقال بعضهم:"أعمال البِرِّ يعملُها البَرُّ والفاجرُ، وأمَّا المعاصي، فلا يتركها إلاَّ صِدِّيق". لَيْسَ التَّقِيُّ بِمُتَّقٍ لِإِلَهِهِ ![]() حَتَّى يَطِيبَ شَرَابُهُ وَطَعَامُهُ ![]() وَيَطِيبَ مَا يَجْنِي وَتَكْسِبُ كفُّه ![]() وَيَطِيبَ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ كَلَامُهُ ![]() الخطبة الثانية: إن من أعظم الأسباب إعانة على اتقاء المحارم، وتحقيقا للعبودية المرجوة: مراقبةَ الله تعالى في السر والعلن، والعلمَ أنه يحصي كل صغيرة وكبيرة، وأن الخلائق معروضة عليه يوم الحساب، "يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا"، فإن مراقبة الله تورث تعظيم المحارم، وتكسب الترقي في مدارج التقوى. قال عبد الله بن مسعود -رضى الله عنه-:"إنَّ المؤمن يرى ذنوبه كأنَّه في أصل جبل يخاف أنْ يقع عليه، وإنَّ الفاجر يرى ذنوبَه كذُبابٍ طار على أنفه، فقال به هكذا" البخاري. وقال رجل لوهب بن الورد: "عظني". فقال له:"اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك". وكتب ابن السَّمَّاك الواعظ إلى أخ له قائلا: "أما بعد: أوصيك بتقوى الله الذي هو نَجيُّك في سريرتك ورقيبُك، فاجعل الله من بالك على كل حال في ليلك ونهارك، وخف الله بقدر قربه منك وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه ليس تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره، ولا من ملكه إلى ملك غيره، فَلْيَعْظُمْ منه حَذَرُكَ، وَلُيَكْثُرْ منه وَجَلُك". وابتلي سيدنا يوسف - عليه السلام - بامرأة اجتمعت فيها جميع المغريات، حتى إنها غلقت الأبواب وقالت: ﴿ هَيْتَ لَكَ﴾، أو "هِئْتُ لك"، أي: تَهيأتُ لك، ومع ذلك قال: ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾ [يوسف: 23]، ثم تحمل سبع سنين من السجن على أن لا يقع في المعصية. قال ابن الجوزي - رحمه الله - بعدما ذكر القصة: "هنا تكون العبودية لله". ومن جميل قول عبد الله عمر -رضى الله عنه-: "لَردُّ دانِقٍ (سدس الدرهم) من حرام، أفضلُ مِنْ مائة ألف تُنْفَقُ في سبيل الله". وقال بعض السَّلفِ: "تركُ دانق مما يكره الله، أحبُّ إليَّ من خمسمائة حجة". قال في الإحياء: "فكيف بك يا مسكين في يوم ترى فيه صحيفتك خالية من حسنات طال فيها تعبك؟ فتقول: أين حسناتي؟ فيقال: نقلت إلى صحيفة خصمائك. و ترى صحيفتك مشحونة بسيئات غيرك فتقول: يا رب، هذه سيئات ما قارفتُها قط. فيقال: هذه سيئات الذين اغتبتهم، وشتمتهم، وقصدتهم بالسوء، وظلمتهم في المعاملة، والمبايعة، والمجاورة، والمخاطبة، والمناظرة، والمذاكرة، والمدارسة، وسائرِ أصناف المعاملة. فاتق الله في مظالم العباد بأخذ أموالهم، والتعرض لأعراضهم وأبشارهم". تُصَرَّمُ لذّاتُ المعاصي وتنقضي ![]() وتبقى تِباعاتُ المعاصي كما هيا ![]() فيا سوءتا واللهُ راءٍ وسامعٌ ![]() لعبدٍ بعين الله يغشى المعاصيا
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |