يوم القيامة وما به من أهوال - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 602 - عددالزوار : 339306 )           »          أبناؤنا وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          7خطوات تعلمكِ العفو والسماح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          تربية الزوجات على إسعاد الأزواج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          الغزو الفكري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          حدث في العاشر من صفر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          الإنسان القرآني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          الخطابة فنّ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الرحمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          متاعب الحياة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-11-2019, 03:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي يوم القيامة وما به من أهوال

يوم القيامة وما به من أهوال


أحمد محمد مخترش




الخطبة الأولى

الحمد لله الملك الغفار، أحمده سبحانه وأشكره على فضله وكرمه المدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الخلق والاختيار، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه البررة الأخيار وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أيها المسلمون:
الناس في هذه الحياة في غفلة، وأملهم فيها عريض، ولا بد من إلجام النفس بتذكيرها بمصيرها لِتَعْمُرَ الآخرة بالدنيا، ويُغْتَنَمَ الحاضر للمستقبل، وقد جعل الله عز وجل اليقين باليوم الآخر من أركان الإيمان، وسيأتي اليوم الذي يفنى فيه الخلق مصداقاً لقوله: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾ [الرحمن: 26]، ثم يأتي يوم يعيد الله سبحانه وتعالى فيه العباد، ويبعثهم من قبورهم، وأول من يُبعث وتَنشقُّ عنه الأرض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويحشر العباد حفاة عراة غرلاً غير مختونين: ﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ﴾ [الأنبياء: 104].ويُكسى العباد، وأول من يُكسى إبراهيم، ويكسى الصالحون ثياباً كريمة، والطالحون يُسَرْبَلون القَطِران نحاساً مذاباً، ودروعاً من جرب. ويحشر الخلق على أرضِ محشرٍ غير هذه، قالت عائشة: "فأين يكون الناس يا رسول الله؟ قال: "على الصراط". وفي لفظ: "هم في الظلمة دون الجسر".

وأرض المحشر أرض بيضاء عفراء ليس فيها معلم لأحد، لم يُسفك عليها دم حرام، ولم يُعمل عليها خطيئة، يَنفُذُهم البصر، ويُسمِعُهُم الداعي، يومٌ عبوسٌ قمطرير، قال عنه الكافرون: ﴿ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ ﴾ [القمر: 8] لا يُلاقي العباد يوماً مثله، وصفه الله عز وجل بالثِّقل والعُسر، يشيب منه شعر الوليد، فذلك يومئذ يوم عسير، تَذهَلُ المرضعة عن رضيعها، والحاملُ تُسْقِطُ حملها، يوم تَدْهَشُ فيه العقول، وتَغيب فيه الأذهان، يَفِرُّ الإنسان من أحب الناس إليه، من أمه وأبيه، وأخيه وزوجته وأولاده، ويود العاصي أن يدفع بأغلى الناس إليه في النار لينجو: ﴿ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ * وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ ﴾ [المعارج: 11-14].والأرض تزلزل وتدك دكة واحدة، وَتُمَدُّ مدَّ الأديم، وتبقى صعيداً واحداً لا اعوجاج فيها ولا روابي، يقبضها الله ويُمسكها بِإصبع، والجبال تُسَيَّرُ وتُنْسَف وتَتَفَتَّتُ، وتتحول إلى كثيب من الرمل مهيل، وكعهن من الصوف منفوش، يُخَيَّلُ للناظر أنها شيء وهي سرابٌ ليست بشيء: ﴿ وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ﴾ [النبأ: 20].

وتُزال الجبال عن موضعها، وتُسوى الأرض فلا ارتفاع فيها ولا انخفاض: ﴿ لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ﴾ [طـه: 107]. والبحار تُفَجَّر وتُسَجَّرُ، وتَشْتَعِلُ ناراً، والسماء تَنْشَقُّ، وتَمورُ وتضطرب، فتصبح ضعيفة واهية، وتأخذُ السماءُ في التلون: ﴿ فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ﴾ [الرحمن: 37].

وتُكْشَطُ السماء فلا سِتر حينئذ ولا خفاء، ويطويها ربنا بيمينه كطي السجل للكتاب، ويمسكها على إصبع، والشمس تكور وتجمع ويذهب ضوؤها، والقمر يخسف: ﴿ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾ [القيامة: 7-9].

والنجوم الزواهر تنكدر، وينفرط عقدها فتتناثر، وتُظْلِمُ الأرض بخمود سراجها، وزوال أنوارها، والعشار تعطَّل، والوحوش تحشر، ويموج الخلق بعضهم إلى بعض، من رأى الناس فيه ظن أنهم سكارى وماهم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد، الأبصار شاخصة، والقلوب لدى الحناجر واجفة، والملائكة آخذة مصافَّها بالخلائق محدقة، أمر عظيم، وطارق مُفْظِعْ، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم إني أعوذ بك من ضيق المقام يوم القيامة".

وفي هذا اليوم تعلم كل نفس ما أحضرت، يقف الإنسان نادماً بعد فوات الأوان، وتؤخذ خوافي الصدور أخذاً شديداً، ويُبَعثر ما فيها، فما من شيء أُخْفي فيها إلا ظهر، ولا أُسرَّ إلا أُعلن، صمت مهيب، لا يتخلَّله حديث، ولا يقطعه اعتذار: ﴿ هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ * وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ [المرسلات: 35- 36].

وجوه هناك مُبْيضة، مسفرة مستبشرة، ضاحكةٌ ناظرة، ووجوه أخرى مسودة باسرة، عليها غبرة، مرهقة بالقترة، المتقون يحشرون إلى ربهم وفداً، والمجرمون يساقون يومئذ زرقاً. والشمس تدنو من رؤوس الخلائق، حتى لا يكون بينها وبينهم إلا قَدْرُ ميل، ولا ظل لأحد إلا ظل عرش الرحمن، فمن بين مستظل بظل العرش، وبين مَضْحو بحر الشمس، والأمم تزدحم وتتدافع، فتختلف الأقدام، وتنقطع الأعناق، فيفيض العرق إلى سبعين ذراعاً في الأرض، ويَسْتَنْقِعُ على وجه الأرض، ثم على الأبدان على مراتبهم، منهم من يصل إلى الكعبين، ومنهم من يلجمه إلجاماً، ويطبق الغم، وتضيق النفس، وتجثو الأمم من الهول على الرُّكب، وترى كل أمة جاثية، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يبلغ الناسُ من الغمِّ والكربِ ما لا يطيقون" [متفق عليه]. ويندم العصاة ويتحسرون على تفريطهم في الطاعة، ولشدة حسرتهم يَعضّون على أيديهم، يقول عز وجل: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 27].

وَيَمْقُت العاصي نفسه وأحبابه وخلانه، وتَنْقَلِبُ كلُّ محبة لم تقم على أساس من الدين إلى عِداء، ويخاصم المرءُ أعضاءَه، والمتكبرون يحشرون أمثال الذر يطؤهم الناس بأقدامهم احتقاراً لهم، والمسبلُ إزاره لا يكلمه الله في ذلك اليوم، ولا ينظر إليه ولا يزكيه، وله عذاب أليم، وتوضع لكل غادر يوم القيامة راية عند مؤخرته ويقال: "هذه غدرة فلان بن فلان". ومن أخذ من الأرض شيئاً بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين، ويتضاعف يوم القيامة ظلم الدنيا: "الظلم ظلمات يوم القيامة". والحقوق لا تضيع، بل يُقْتَصُّ حق المظلوم من الظالم، حتى يقاد فيما بين البهائم، وشرُّ الناس يومئذ ذو الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه. ومن نَفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا َنَّفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والعادلون على منابرَ من نور عن يمين الرحمن، ويُبعث كل عبد على ما مات عليه، فمن بات محرماً بعث ملبياً، ومن كُلِمَ في سبيل الله جاء لونه لون الدَّمِ، والريح ريح المسك، والمؤذنون أطول الناس أعناقاً، ولا يَسمع مدى صوته شيء إلا شهد له يوم القيامة، ومن شاب شيبةً في الإسلام كانت له نوراً، وكل امرئ في ظل صدقته حتى يُفصل بين الناس، والصراط دَحْضٌ مَزَلَّةٌ، فناجٍ عليه ومخدوش، ومكدوس في النار، والميزان بالقسط لا اختلال فيه، الحساب فيه بمثاقيل الذر: ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7-8].الحمد لله تملؤه، وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ثقيلتان فيه. ويقول عليه الصلاة السلام: "أثقل شيء في الميزان تقوى الله وحسن الخلق". والصحف المطوية تُنْشر، كم من بليةٍ نسيتها، وكم من سيئة ٍأخفيتها، والكتاب يُقرأ، والجوارح تنطق، والملائكة حاضرة، والله شهيد على جميع الأعمال، يقول عز وجل: ﴿ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ﴾ [يونس: 61].

وبعد أن يفرغ الله من الفصل بين البهائم يَشرعُ في الفصل بين العباد، وأول الأمم يقضى بينها هذه الأمة، وهم أول من يجوز على الصراط، وأول من يدخل الجنة، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة". وفي رواية: "المقضيِّ لهم قبل الخلائق" [رواه مسلم].ويكرم الله عبده محمداً - صلى الله عليه وسلم - في الموقف العظيم بإعطائه حوضاً واسعَ الأرجاء، مسيرتُه شهر، وماؤه أبيضُ من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيبُ من المسك، تُرى فيه أباريق الذهب والفضة كعددِ نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، ويَرِدُ عليه أقوام من أمته، ثم يُحال بينهم، فيقول - صلى الله عليه وسلم -: "إنهم مني"، فيقال: "إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك"، فيقول: "سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي".

إن النجاة من تلك الأهوال إنما تُنال برحمة الله، ثم بعملٍ صالح، والمقصِّرُ نادم لامحالة. يوم لا تنفع فيه المعذرة، ولا يرتجى فيه إلا المغفرة، والحياة طالت بك أو قصرت، فمصيرك إما جنة وإما نار.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [فاطر: 5].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه.

أما بعد:
أيها المسلمون: المفلس يوم القيامة من يأتي بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شَتَمَ هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من سيئاته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقْضى ما عليه، أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم يقذف في النار.

يقول صالح المري:
"دخلت المقابر نصف النهار، فنظرت إلى القبور كأنهم قوم صُمُوت، فقلت سبحان من يحييكم وينشركم من بعد طول البلى، فهتف بي هاتف من بعض تلك الحفر: يا صالح: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ ﴾ [الروم: 25]، قال: "فخرَّيت مغشياً علي". يقول الحسن البصري: "يومان وليلتان لم يسمع الخلائق بمثلهن قط، ليلة تبيت مع أهل القبور ولم تبت قبلها مثلها، وليلة صبيحتها تسفر عن يوم القيامة، ويوم يأتيك البشير من الله، إما بالجنة وإما بالنار، ويوم تعطى كتابك إما بيمينك وإما بشمالك".

فيا من ظلمت الناس؛ يا من أكلت أموال الناس بالباطل؛ يا من اقتطعت أرض مسلم بظلم؛ يامن اغتبت أخاك، يامن آذيت واعتديت وظلمت أخاك المسلم في ماله في جسده في عرضه؛ تحلل اليوم أخي من مظلمة أخيك المسلم ورد إليه حقه وتسامح ممن اغتبته اليوم، واعلم أن الله لا يغفر غيبتك وأذيتك وظلمك لأخيك حتى يعفو عنك، فتحلل منه اليوم قبل يوم الندامة فاليوم دنيا زائلة وغداً آخرة حسنات وسيئات.

أيها المسلمون يا أيّها المذنب وكلنا كذلك، ويا أيها الغافل، ويا أيها الظالم، ويا أيها الناس جميعاً استعدوا ليوم الحساب فإنه يوم لا مفر لأحد منى يوم إذ، والله لنقف ونشاهد ذلك اليوم، فلا إله إلا الله من وقوفنا غداً بين يديه سبحانه حفاة عراة غرلا، فيسألنا عن الدقيق والجليل والقليل والكثير والنقير والقطمير في محكمة قاضيك فيها الله وجنوده الزبانية وساحتها القيامة وحسابها بالخردلة والذرة وشهودها الجوارح والأعضاء، وبعدها إلى جنةٍ عالية أو إلى نارٍ حامية أعاذني الله وإياكم منها.

فيا أيها المسلمون:
اتّقوا الله في أوامره ونواهيه وأداءِ فرائضه واجتناب معاصيه، لا تكونوا أشباهًا لمن نسِي المصير، لا تكونوا أتباعًا لأهل التفريطِ والتقصير، تمسَّكوا بخلالِ الإيمان وشرائع الإسلام، وإيّاكم وكلَّ أمرٍ فيه تذرُّعٌ إلى نقضِ عُراه أو هدمِ قاعدته ومَبناه، ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]. ومَن كان عليه فريضةٌ فليقضِها، ومن كان عليه كفّارة فليؤدِّها، و((من كان له مظلمةٌ لأخيه من عِرضه أو شيء فلْيتحلَّله منه اليومَ قبلَ أن لا يكونَ دينار ولا درهم، إن كان له عملٌ صالح أُخِذ منه بقدر مظلَمَته، وإن لم يكن له حسناتٌ أُخِذ من سيّئات صاحبه فحُمِل عليه)).

أخي عبدالله:
عد إلى ربّك وجدد التوبة قبل فوات الأوان ولات ساعة مندم، فالحذر الحذر يا عبدالله والبدار البدار والتوبة التوبة وعلينا جميعاً الاستعداد لذلك اليوم وتلك النهاية كما كان هو دأب السلف الصالح. فلموت قادم إلينا لا محاله منه ولا مفر، فلنصلح البقية الباقية من أعمارنا في عبادة الله عز وجل، فوالله ما خلقنا إلا لعبادة سبحانه. فوالله ثم والله إن من اهل القبور من يتمنى أن يعود إلى الدنيا ليعبد الله، يتمنى أن يعود ولو ساعة ولو دقيقه بل ولو ثانيه يقول فيها استغفر الله، فها أنت أخي ما زلت في المهلة فاغتنمها قبل فوات الأوان، فوالله إن بعد الموت قبر مظلم ولحد ضيق، ويوم مقداره خمسين ألف سنه فيه من الأهوال ما يشيب منه رأس الطفل الرضيع، بعد الموت أهوال وصراط ونار، ومصير وحيات ودار أبدية إما نار أعاذني الله وإياكم منها، وإما جنة وذلك والله هو الفوز المبين جعلني الله وإياكم من الفائزين بالجنة. فيا أخي اغتنم وتزود واعمل صالحا ما دمت تستطيع اليوم قبل أن يفاجئك الموت فلا تستطيع العمل.

أيّها المسلمون، إنّ ثمرةَ الاستماع الاتّباع، فكونوا من الذينَ يستمعون القولَ فيتّبعون أحسنَه.

واعلموا أنّ الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته المسبّحة بقدسه، وأيَّه بكم أيّها المؤمنون من جنِّه وإنسه، فقال قولاً كريمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ، وارض اللهم عن البررة الأتقياء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم اللهم وفقه وإخوانه لما فيه خير للدين والبلاد والعباد،، وارزقهم اللهم البطانة الصالحة يا أرحم الراحمين إنك مجيب سميع الدعاء.

اللهم اجعل خير أعمارنا آخرها وخير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم أطل أعمارنا وأصلح أعمالنا، اللهم امنن علينا بتوبة نصوح قبل الموت وشهادة عند الموت ورحمة بعد الموت يا رب العالمين. اللهم اختم لنا بخاتمة السعادة، واجعلنا ممن كتبت لهم الحسنى وزيادة، يا كريم يا رحيم.

عباد الله:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.05 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]