|
ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الطواف أنواعه وأحكامه (2) أ.د. سليمان العيسى في حكم من خرج قبل الوداع: جماهير أهل العلم ممن قال بوجوب طواف الوداع ومنهم: الحنفية والشافعية والحنابلة(124) قالوا إذا خرج من لم يكن أهله من حاضري المسجد الحرام قبل أن يودع البيت فعليه أن يرجع إن لم يتباعد فيأتي فإن تباعد فلا يلزمه الرجوع وعليه دم إلا ما استثناه الشرع وهو الحائض ومن في حكمها كالنفساء فلا يجب على أي منهما طواف وداع كما تقدم. وقد اختلف هؤلاء في المسافة التي يلزم من خرج ولم يطف بالرجوع منها على قولين: القول الأول: للحنفية ومفاده أنه يلزمه الرجوع ما لم يجاوز الميقات ولا شيء عليه إن رجع فإن جاوز الميقات فلا يجب الرجوع فإن رجع فلا شيء عليه وإن لم يرجع فعليه دم. قال الكاساني في (بدائع الصنائع): فإذا نفر ولم يطف يجب عليه أن يرجع ويطوف ما لم يجاوز الميقات لأنه ترك طوافاً وأمكنه أن يأتي به من غير الحاجة إلى تجديد الإحرام فيجب عليه أن يرجع ويأتي به، وإن جاوز الميقات لا يجب عليه الرجوع لأنه لا يمكنه الرجوع إلا بالتزام عمرة بالتزام إحرامها ثم إذا أراد أن يمضي مضى وعليه دم، وإن أراد أن يرجع أحرم بعمرة ثم رجع وإذا رجع يبتدأ بطواف العمرة ثم بطواف الصدر ولا شيء عليه لتأخيره عن مكانه، وقالوا الأولى أن لا يرجع، ويريق دماً مكان الطواف لأن هذا أنفع للفقراء وأيسر عليه لما فيه من دفع مشقة السفر وضرر التزام الإحرام(125). القول الثاني: للشافعية والحنابلة ومفاده أنه إذا ترك طواف الوداع يلزمه الرجوع ما لم يبلغ مسافة قصر فإن بلغها لم يلزمه وعليه دم إن لم يرجع فإن رجع فهل يسقط الدم على قولين في كل من المذهبين: قال النووي: إذا خرج بلا وداع وقلنا يجب طواف الوداع عصى ولزمه العودة للطواف ما لم يبلغ مسافة القصر فإن بلغها لم يجب العود بعد ذلك، ومتى لم يعد لزمه الدم فإن عاد قبل بلوغه مسافة القصر سقط عنه الدم وإن عاد بعد بلوغها فطريقان [أصحهما] وبه قطع الجمهور لا يسقط (والثاني) حكاه الخراسانيون وجهان [أصحهما] لا يسقط (والثاني) يسقط(126). وقال المرداوي في الإنصاف: قوله (فإن خرج قبل الوداع رجع إليه فإن لم يمكنه فعليه دم) إذا خرج قبل الوداع وكان قريباً فعليه الرجوع إذا لم يخف على نفس أو مال أو فوات رفقة أو غير ذلك، فإن رجع فلا دم عليه، وإن كان بعيداً وهو مسافة القصر – لزمه الدم – سواء رجع أولاً على الصحيح من المذهب نص عليه. قال في الفروع: لزمه دم في المنصوص قاله القاضي وغيره وجزم به في المستوعب والتلخيص والكافي والرعايتين والحاويين وغيرهم. وقال: المصنف، وغيره: ويحتمل سقوط الدم عن البعيد برجوعه كالقريب... وأما إذا لم يمكن الرجوع للقريب، فإن عليه دماً، وكذا لو أمكنه ولم يرجع بطريق أولى. فمتى رجع القريب لم يلزمه إحرام بلا نزاع، قال المصنف والشارح، كرجوع لطواف الزيارة، وإن رجع البعيد أحرم بعمرة لزوماً ويأتي بها والطواف الوداع(127). وقال ابن قدامة في المغني: ولو لم يرجع القريب الذي يمكنه الرجوع لم يكن عليه أكثر من دم، ولا فرق بين تركه عمداً أو خطأ لعذر أو غيره لأنه من واجبات الحج فاستوى عمده وخطؤه والمعذور وغيره كسائر واجباته(128). قلت: وقد وجه الحنفية قولهم بلزوم رجوع من ترك طواف الوداع فيما إذا كان دون الميقات بما تقدم في قول الكاساني(129) ومفاده أن مَن دون الميقات يأت بالطواف من غير حاجة إلى الإحرام وهذا بخلاف من جاوز الميقات فقالوا بعدم لزوم الرجوع لأنه لا يمكنه أداء ذلك إلا بالتزام فعل عمرة بأركانها وواجباتها ثم بعد أدائها يطوف للوداع، وهذا فيه مشقة بالتزام الإحرام من ناحية ومشقة السفر من ناحية أخرى ولهذا اختاروا عدم الرجوع، وقد قالوا بذلك أيضاً لأن ما دون المواقيت عندهم يعتبر من حاضري المسجد الحرام فلا يجب عليه هدي التمتع بخلاف من كان خارجها، ولهذا قال الكاساني وهو يتكلم عن شروط وجوب هدي التمتع، ولنا قوله تعالى: "ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ" (البقرة: من الآية196) جعل التمتع لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام على الخصوص لأن اللام للاختصاص ثم حاضروا المسجد الحرام هم أهل مكة وأهل الحل الذين منازلهم داخل المواقيت الخمسة، وقال مالك هم أهل مكة خاصة لأن معنى الحضور لهم، وقال الشافعي هم أهل مكة ومن بينه وبين مكة مسافة لا تقصر فيها الصلاة لأنه إذا كان كذلك كان من توابع مكة وإلا فلا(130). هذا وقد وجه الشافعية والحنابلة قولهم بلزوم رجوع من ترك طواف الوداع فيما إذا كان بينه وبين مكة دون مسافة قصر(131) بأن من كان دون تلك المسافة فهو في حكم الحاضر في أنه لا يقصر ولا يفطر ولذلك عدوه من حاضري المسجد الحرام(132). الترجيح: قلت وما ذكره الحنفية من تحديد القريب الذي يلزم فيه الرجوع: بالمواقيت غير وجيه في نظري لاختلاف المواقيت في القرب والبعد عن مكة، حيث إن بعضها يبعد عن مكة عشر مراحل أي ما يقرب من أربعمئة كيلو متر وهو [ذو الحليفة] ميقات أهل المدينة وبعضها على مرحلتين، وتقدر بثمانية وثمانين كيلو متر، وذلك كميقات أهل نجد: قرن المنازل والمعروف الآن [بالسيل الكبير] وكميقات أهل اليمن [يلملم](133) فما بين أدنى المواقيت وأقصاها من مكة ثمان مراحل أي ما يزيد عن ثلاثمائة كيلو متر، وبناءً على هذا فتحديد القريب بمن دون المواقيت بينها هذا الفرق الشاسع قول مرجوح، والذي أراه أن الأولى تحديد القريب بمن بينه وبين مكة من المسافة مالا تقصر إليه الصلاة، لأنه يعتبر من حاضري المسجد الحرام لأن حاضر الشيء في كلام الحرب هو الشاهد له بنفسه وإذا كان ذلك كذلك وكان لا يستحق أن يسمى غائباً إلا من كان مسافراً شاخصاً عن وطنه وكان المسافر لا يكون مسافراً إلا بشخوصه عن وطنه إلى ما تقصر الصلاة في مثله وكان من لم يكن كذلك لا يستحق اسم غائب عن وطنه ومنزله، غير أنه يُعكر هذا الترجيح أن يقال: ما المسافة التي تقصر فيها الصلاة والتي من كان دونها يعتبر في حكم القريب قد لا نجد جواباً فاصلاً في هذا لأن هذه المسألة مما اختلف فيها العلماء اختلافاً كبيراً حتى قال ابن حجر: قد حكى ابن المنذر وغيره فيها نحواً من عشرين قولاً(134) غير أننا نقول إن أولى الأقوال بالترجيح والاختيار أن أقل مسافة القصر هي ما يسمى بها السائر مسافراً، ولهذا ترجم البخاري رحمه الله في صحيحه بقوله: "باب في كم تقصر الصلاة؟ وسمى النبي _صلى الله عليه وسلم_ يوماً وليلة سفراً، قال ابن حجر: وقد أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام، وأورد ما يدل على أن اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة، قوله (وسمى النبي _صلى الله عليه وسلم_ يوماً وليلة سفراً في رواية أبي ذر (السفر يوماً وليلة) وفي كل منهما تجوز والمعنى سمى مدة اليوم واليلة سفراً وكأنه يشير إلى حديث أبي هريرة المذكور عنده في الباب، وقد تعقب بأن في بعض طرقه (ثلاثة أيام) كما أورده هو من حديث ابن عمر، وفي بعضها (يوم وليلة) وفي بعضها (ثلاثة أيام) كما أورده هو من حديث ابن عمر، وفي بعضها (يوم وليلة) وفي بعضها (يوم) وفي بعضها (ليلة) وفي بعضها (بريد) فإن حمل اليوم المطلق أو الليلة المطلقة على الكامل أي يوم بليلته أو ليلة بيومها قل الاختلاف واندرج في الثلاث فيكون أقل المسافة يوماً وليلة لكن يعكر عليه رواية بريد ويجاب عنه بما سيأتي قريباً قوله (وكان ابن عمر وابن عباس(135) إلخ) وصله ابن المنذر من رواية يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح (أن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك... وفي الموطأ، عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه كان يقصر في مسيرة اليوم التام، ومن طريق عطاء أن ابن عباس سئل: أتقصر الصلاة إلى عرفة قال: لا، ولكن إلى عسفان أو إلى جدة أو الطائف(136). حكم من خرج قبل الوداع بنية الرجوع: نجد بعض الحجاج عندما ينتهون من أعمال الحج وهم من غير حاضري المسجد الحرام كأهل المدينة والطائف وجدة ونحوهم ممن لا يشق عليهم الرجوع إلى مكة إذا رأوا أو أخبروا بكثرة الزحام حول المطاف كما هو الحال في النفر الأول والثاني نجدهم يخرجون إلى بلدانهم قبل طواف الوداع على نية الرجوع له بعد أيام وبعد أن يخف الزحام حول بيت الله الحرام فما حكم هذا؟ نقول: لا شك أن الأولى عدم الخروج ولو بنية الرجوع(137) لما رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_: "لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت"(138). ولأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ لم يخرج قبل وداعه للبيت. فقد روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم رقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به(139). هذا وقد اتفق القائلون بوجوب طواف الوداع من فقهاء المذاهب، أعني بهم الحنفية والشافعية والحنابلة على أنه إن خرج الحاج قريباً قبل الوداع ورجع أنه لا شيء عليه(140). وتقدم في المطلب قبله أن القريب عند الحنفية ما كان دون المواقيت، وعند الشافعية والحنابلة ما كان دون مسافة قصر الصلاة(141). واختلفوا في وجوب الدم على البعيد إذا رجع، هذا ونص الحنفية والحنابلة على لزوم إحرامه في حال رجوعه. أما المالكية فالوداع عندهم سنة وتقدم إيضاحه في حكمه، وبناءً عليه فلا يترتب على تركه شيء(142). هذا وإليك بعض نصوص من ذكرت(143). 1 – الحنفية: قال الكاساني في بدائع الصنائع: وإن جاوز الميقات لا يجب عليه الرجوع... ثم إذا أراد أن يمضي مضى وعليه دم، وإن أراد أن يرجع أحرم بعمرة ثم رجع وإذا رجع يبتدأ بطواف العمرة ثم بطواف الصدر ولا شيء عليه لتأخيره عن مكانه(144). 2 – الشافعية: قال النووي (ومتى لم يعد) يعني من خرج بلا وداع وقد بلغ مسافة القصر لزمه الدم فإن عاد قبل بلوغه مسافة القصر سقط عنه الدم، وإن عاد بعد بلوغها فطريقان، أصحهما وبه قطع الجمهور لا يسقط، والثاني حكاه الخراسانيون وجهان أصحهما لا يسقط، والثاني يسقط(145). 3 – الحنابلة: قال ابن قدامة فإن رجع البعيد فطاف للوداع فقال القاضي لا يسقط عنه الدم لأنه استقر عليه الدم ببلوغه مسافة القصر فلم يسقط برجوعه كمن تجاوز الميقات غير محرم فأحرم دونه ثم رجع إليه... ويحتمل سقوط الدم عن البعيد برجوعه لأنه واجب أتى به فلم يجب عليه بدله كالقريب [فصل] إذا رجع البعيد فينبغي أن لا يجوز له تجاوز الميقات إن كان جاوزه إلا محرماً لأنه ليس من أهل الأعذار فيلزمه طواف لإحرامه بالعمرة والسعي وطواف لوداعه وفي سقوط الدم عنه ما ذكرنا من الخلاف وإن كان دون الميقات أحرم من موضعه فأما إن رجع القريب فظاهر قول من ذكرنا قوله: أنه لا يلزمه إحرام لأنه رجع لإتمام نسك مأمور به فأشبه من رجع لطواف الزيارة(146). هذه نصوص الفقهاء رحمهم الله وهي تدل على أن من ترك طواف الوداع فخرج ثم رجع فأداه وكان خروجه قريباً وهو ما دون المواقيت عند الحنفية وما دون مسافة القصر عند الشافعية والحنابلة أنه لا شيء عليه، وإن كان بعيداً من مسافة قصر فأكثر فرجع وطاف فلا شيء عليه عند الحنفية وهو وجه عند كل من الشافعية والحنابلة لأنه أتى بما عليه فهو كما لو رجع لطواف الإفاضة فأداه لا شيء عليه(147). وهذا القول قوي متجه لا سيما وأن الذي خرج إنما خرج بنية الرجوع وهو إنما خرج لِمَا رآه من الزحام حول المطاف وقد يشق عليه البقاء في مكة ولا يشق عليه الخروج ثم الرجوع(148)، خاصة من يخرجون إلى جدة ثم هي أيضاً دون المواقيت، وما بينها وبين مكة الآن لا يصل إلى مسافة القصر التي قال بها الشافعية والحنابلة حيث مسافة القصر عندهم كما تقدم ثمانية وأربعون ميلاً وهي تقرب من ثمانية وثمانين كيلو متر، وما بين مكة وجدة الآن وفي هذا الزمن لا يكاد يبلغ خمسين كيلو متراً مع تقارب العمران، حيث تقارب العمران من جهة مكة إلى جدة وعكسه كما هو مشاهد ومعلوم، وبناءً على هذا فيكون من خرج إلى جدة في حكم القريب والذي اتفق فقهاء المذاهب على عدم وجوب الدم في حقه متى ما رجع وأدى الطواف، هذا مع أنني أرى أن الأولى والأحوط هو عدم الخروج قبل الوداع لما تقدم من الأدلة، والله أعلم. من وادع ثم أقام خارج مكة: إذا وادع من يجب عليه الوداع ثم خرج فأقام خارج مكة قريباً منها فهل عليه إعادة طواف الوداع في حال إرادته السفر إلى أهله؟ أقول قد نص فقهاء المالكية والحنابلة على أنه لا يعيد الطواف. قال الباجي في المنتقى: حكم طواف الوداع اتصاله بالخروج لأن حكم الوداع أن يكون متصلاً بفراق من يودع... ويجزئ من الخروج في ذلك الخروج إلى طوى والأبطح فمن ودع وخرج إليها وأقام بها يوماً وليلة لم يلزمه الرجوع لأنه قد انفصل من مكان سكناه(149). وقال ابن مفلح في الفروع: وإن ودع ثم أقام بمنى ولم يدخل مكة فيتوجه جوازه(150). وقال ابن جاسر في مفيد الأنام: أما إذا نفر من منى النفر الأول أو الآخر ثم ودع البيت وسافر ونزل خارجاً عن بنيان مكة للبيتوتة أو المقيل أو غيرهما سواء كان ذلك النزول بمنى أو غيره من بقاع الحرم المنفصلة من مسمى بنيان مكة فلا يلزمه إعادة طواف الوداع لأنه قد سافر عن مكة وليس مقيماً بعد الوداع(151). أما الحنفية فيرون أن من طاف للوداع لا تجب عليه إعادته وإن أقام سنة بمكة ما لم ينوِ الإقامة ويتخذها داراً، وقد تقدم بعض كلامهم(152). حكم طواف الوداع للعمرة: فإن طواف الوداع للعمرة محل خلاف بين أهل العلم على قولين: القول الأول: أنه واجب وبه قال بعض الحنفية ومنهم الحسن بن زياد. القول الثاني: إنه سنة وهو قول الجمهور فهو المشهور من مذهب الحنفية وقول المالكية والذي يدل عليه مذهب الشافعية والحنابلة. هذا ولكل من القولين أدلة نذكر أهمها: أولاً: أدلة من قال بالوجوب منها: الدليل الأول:ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس قال: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض)(153). وجه الدلالة: أن الحديث عام يتضمن أمر النبي __صلى الله عليه وسلم__ للناس بأن يكون آخر عهدهم بالبيت وكما أن طواف الوداع واجب للحج فهو أيضاً واجب للعمرة للعموم الحديث. الدليل الثاني: ما رواه مسلم في صحيحه في الرجل الذي أحرم في جبة وقد تضمخ بالطيب وجاء يسأل النبي __صلى الله عليه وسلم__ عن ذلك. فقال له النبي __صلى الله عليه وسلم__: أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات, وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك. وفي رواية وما كنت صانعاً في حجك فاصنعه في عمرتك(154). وجه الدلالة: أن ما يعمل في الحجة يعمل في العمرة كذلك لأنه عام قالوا ولا يرد على ذلك قول من قال: إذاً نلزمه بالوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ومنى ورمي الجمار لأن ذلك مستثنى بالنصوص والإجماع. الدليل الثالث: ما رواه مسلم وأبو داود وغيرهما عن ابن عباس قال: كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال النبي __صلى الله عليه وسلم__: (لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت)(155). وجه الدلالة: النهي عن الانصراف من مكة قبل الوداع وهو عام يشمل الحج والعمرة. مناقشة هذا الدليل: نوقش هذا الدليل بأن الرسول __صلى الله عليه وسلم__ قال هذا في الحج في حجة الوداع فيكون مخصوصاً بطواف وداع الحج. هذا ولهم أدلة أخرى لكن تركتها لضعفها. أدلة القول الثاني: وهم القائلون بسنية طواف الوداع للعمرة. الدليل الأول: ما رواه الترمذي في سننه عن نافع عن ابن عمر قال: من حج البيت فليكن آخر عهده بالبيت إلا الحيض ورخص لهن رسول الله __صلى الله عليه وسلم__ قال الترمذي حديث حسن صحيح(156). الدليل الثاني: ما رواه الدار قطني في سننه عن ابن عباس قال: كان الناس ينفرون من منى إلى وجوههم فأمرهم رسول الله __صلى الله عليه وسلم__ أن يكون آخر عهدهم بالبيت ورخص للحائض(157). الدليل الثالث: ما رواه مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر بن الخطاب _رضي الله عنهما_ أن عمر بن الخطاب قال: لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت(158). وجه الدلالة من الأحاديث الثلاثة المتقدمة: أن الأمر بالوداع فيها إنما هو للحاج فيختص به فلا يتعداه إلى العمرة. مناقشة هذا الاستدلال: قلت يمكن مناقشة ما ذكروه بالحديث المتقدم في أدلة القول الأول والذي فيه قول النبي __صلى الله عليه وسلم__ للرجل المتضمخ بالطيب: اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك. ففيه أمره __صلى الله عليه وسلم__ أن يصنع في عمرته ما يصنعه في حجه فيما يجتمعان فيه ومن ذلك طواف الوداع فكما أن الحاج مأمور بأن لا يخرج حتى يودع البيت فكذلك المعتمر إذا اعتمر يحتاج إلى الوداع كالحاج. الدليل الرابع: قالوا بأن الرسول __صلى الله عليه وسلم__ اعتمر أربع عمر ولم ينقل عنه أنه طاف للوداع ولو طاف لنقل فلما لم ينقل دل على عدم وجوب طواف وداع العمرة. مناقشة هذا الدليل: نوقش هذا الدليل بالتسليم بصحة ما ذكر بأن النبي __صلى الله عليه وسلم__ اعتمر أربع عمر كلها في ذي القعدة إلا التي مع حجته, لكنها على النحو التالي: الأولى: عمرة الحديبية وكانت سنة ست من الهجرة إلا أن النبي __صلى الله عليه وسلم__ قد صّد عن البيت هو وأصحابه فتحللوا منها ولم يدخلوا مكة وقد حسبت لهم عمرة. وبناء على هذا فليس في هذه العمرة دلالة مطلقاً لا على الوجوب ولا عدمه. العمرة الثانية: عمرة القضاء وكانت في ذي القعدة من العام القادم أي في سنة سبع وفيها بقي النبي __صلى الله عليه وسلم__، بمكة بعد أدائها ثلاثة أيام(159) ولم ينقل عنه أنه طاف للوداع. العمرة الثالثة:عمرة الجعرانة وكانت في ذي القعدة سنة ثمان عام الفتح وهذه العمرة لم يبق فيها رسول الله __صلى الله عليه وسلم__ بمكة إنما اعتمر وخرج في ليلته إلى الجعرانة وهي خارج حدود الحرم وذلك لقسم غنائم حنين، ومعلوم أن المعتمر إذا طاف وسعى وحلق أو قصر ثم خرج مباشرة من مكة ولم يمكث فليس عليه طواف وداع لأن هذا الفعل يستلزم أن يكون آخر عهده بالبيت،وإذا ليس فيها دلالة لعدم وجوب طواف العمرة. الرابعة: عمرته مع حجته، وهذه طاف فيها طواف الوداع بلا شك لأنه كان قارناً(160). هذا وبناء على التفصيل السابق فليس فيما ذكروه دلالة على عدم وجوب طواف الوداع للعمرة من عمره __صلى الله عليه وسلم__ إلا عمرة القضاء فإنه __صلى الله عليه وسلم__ اعتمر وأقام بمكة ثلاثة أيام ولم سنقل عنه أنه طاف للوداع ولو طاف لنقل إذ عدم النقل دليل على العدم. والجواب عن هذا بالتسليم بصحة ما ذكروه من أن عدم النقل دليل على عدم الوجوب لكن نقول بأن طواف الوداع لم يؤمر به إلا في حجة الوداع فلم يكن واجبا قبلها وحديث ابن عباس رضي الله عنه صريح في ذلك إذ فيه أنه قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض متفق عليه(161). وروى مسلم أيضا عنه قال: كان الناس ينصرفون من كل وجه فقال النبي __صلى الله عليه وسلم__: (لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت)(162). هذا ويترجح لي و العلم عند الله _تعالى_ القول بالوجوب(163) لما تقدم من أدلة هذا القول وللإجابة عن أدلة القائلين بعدم الوجوب ومناقشة هذا والقول بعدم الوجوب قول له مكانته وهو قول جمهور العلماء كما تقدم، وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز _رحمه الله_ عدة مرات فأجاب بعدم الوجوب، وكذلك اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية أجابت بعدم الوجوب، وهناك من علماء العصر من يقول بالوجوب، وعلى كل فالذي أراه وجوب طواف الوداع للعمرة وأرى أن هذا القول قوي متجه. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |