فضل عشر ذي الحجة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         دعاء الشفاء ودعاء الضائع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          تخريج حديث: رقيت يوما على بيت حفصة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته، مستقبل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          أسماء العقل ومشتقاته في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          كيف نكتسب الأخلاق الفاضلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: المؤمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          وقفات تربوية مع سورة التكاثر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          {وما كان لنبي أن يغل} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          بين الاجتهاد الشخصي والتقليد المشروع: رد على شبهة «التعبد بما استقر في القلب» (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الإسلام والحث على النظافة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          فتنة تطاول الزمن.. قوم نوح عليه السلام نموذج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-10-2019, 03:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,587
الدولة : Egypt
افتراضي فضل عشر ذي الحجة

فضل عشر ذي الحجة



أحمد محمد مخترش






الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد:-
عباد الله: أوصيكم ونفسي بوصية الله للأولين والآخرين، وللمؤمنين والناس أجمعين، تقوى الله، الحبل المتين، وسر النجاة والسعادة للعالمين. ثم لكم -عباد الله- أن تفتخروا بدينكم، وتعتزوا بأحكامه وشرائعه، وأيامه وشعائره، وأموره كلها، فنحن المسلمين نتقلب دائمًا بين النفحات الربانية، والمواسم الروحانية.

عباد الله: ها هي تحل بساحتنا أيام هي أفضل أيام الدنيا على الإطلاق، كما عند البزار وصححه الألباني، عن جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أفضلُ أيامِ الدُّنيا أيامُ العشرِ"؛ وذلك لما اجتمعت في هذه العشر المباركة من أيام غر، لو تفرد أحدها كان عظيمًا، فما بالك وهذه العشر كلها أيام فضائل مباركة، وفيها أعمال عظيمة، وشعائر كبيرة؟. فتقع فيها أعمال الحج، الذي هو ركن من أركان الإسلام، وفيها أحبُ الأيامِ وأعظمُها وهو يوم العيد، يوم النحر، يوم الحج الأكبر، وفيها يوم عرفة اليوم التاسع، وصيامه بسنتين، كما أخبر الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، وفيها عبادة لا تأتي فيما عداها من الأيام، وهي الأضحية، سنة مؤكدة، بل عند بعض العلماء أنها واجبة، وهي مَعْلمٌ من معالم الملة الإبراهيمية، والشريعة المحمدية -عليهما السلام.

ولذا كان العمل في هذه الأيام أفضل من الجهاد في سبيل الله الذي هو سنام الإسلام، كما في البخاري والترمذي واللفظ له، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ".

ومن هنا أقسم الله بها في قوله جلَّ شأنه: ﴿ وَالْفَجْرِ ۞ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 1، 2]، على قول جمهور أهل العلم، والله لا يقسم إلا بعظيم، وسماها بالأيام المعلومات، فكأنه علمها وميّزها عن غيرها من الأيام، قال ابن كثير: وبالجملة فهذا العشر قد قيل: إنه أفضل أيام السنة، كما نطق به الحديث، ففضَّله كثير على عشر رمضان الأخير؛ لأن هذا يشرع فيه ما يشرع في ذلك، من صيام وصلاة وصدقة وغيره، ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه...

أيها المسلمون: وها قد بدأ هذا الموسم العظيم من مواسم الخيرات، وقد فُتح لكم أوسع أبواب لجمع الحسنات، فهل من مشمر؟ وهل من متعظ؟ إنها ميدان التافس في الخيرات، والتقرب إلى الله بأنواع الطاعات والعبادات، ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26].

أين مَن يبحثون عن الفرص الاستثمارية المضمونة الربح؟ بل وبنسبة عالية جدًّا، فالصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى يخبر فيقول، وتأملوا الألفاظ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ - وفي رواية: " أعظم"، وفي رواية:" أفضل"- إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ".

إنها أيام لإقالة العثرات، ومغفرة الزلات، وتطهير القلوب والنفوس من الذنوب والسيئات، إنها أيام تقرب إلى الله سبحانه وتعالى، أيام تبعث العزائم والنيات، وتثير الحنين والأشواق إلى أعظم وأطهر وأشرف بقعة على وجه الأرض، أيام فيها سلوة بل تعويض لمن يفوته الحج وزيارة المشاعر المقدسة، والوقوف على صعيد عرفة والمبيت بالمزدلفة:

ففي ربْعِهمْ للهِ بيتٌ مباركٌ
إليهِ قلشوبُ الخَلْقِ تهوَى وتهواهُ

يطوف به الجاني فيغفر ذنبُهُ
ويسقطُ عنهُ جرْمُه وخطاياهُ

فكمْ لَذَّةٍ كم فرحةٍ لطَوافِهِ
فلله ما أحلى الطوافَ وأهناهُ!

نطوفُ كأنَّا في الجنانِ نطوفُها
ولا همَّ لا غمٌّ فذاك نفَيْنَاهُ

فوا شوقنا نحوَ الطوافِ وطِيبِهِ
فذلك شوقٌ لا يُعبّرُ معناهُ

فمَنْ لم يذُقْهُ لم يذق قطُّ لَذَّةً
فذقْهُ تذُقْ يا صاحِ ما قَد أذقْناه

فو الله ما ننسى الحمى فقلوبنا
هناك تركناها فيا كيف ننساه

ولوْ قيلَ إنَّ النارَ دونَ مَزَارِكُمْ
دفعنا إليها والعذولَ دفعناهُ

فمولى الموالِي للزيارةِ قَدْ دَعَا
أنقْعُدُ عنها والْمَزُورُ هو اللهُ؟

ترادَفَتِ الأشواقُ واضْطَرَمَ الحَشَا
فمن ذا له صبرٌ وتضرمُ أحشاهُ


إنه الشوق والحنين لبيت رب العالمين، ومن لم يحج واستثمر هذه العشر فقد شارك الحجاج في كثير من الأجر، قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-: "لما كان الله -سبحانه وتعالى- قد وضع في نفوس المؤمنين حنيناً إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحد قادرا على مشاهدته في كل عام، فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركاً بين السائرين والقاعدين، فمن عجز عن الحج في عام قدر في العشر على عمل يعمله في بيته يكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج. اهـ. فأين المستثمرون إذًا؟ وأين المتنافسون؟ هيا سابقوا إلى ربكم، وابتغوا إليه الوسيلة، ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197].

هذه الأيام عند الله فضيلة، فهي من شعائر الله، ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]، والعاقل لا ينبغي له أن تكون أيامه سواءً، فإن كان كذلك فهو غبن وندامة، ومخالفة لصريح الكتاب والسنة التي جاءت بتفضيل هذه الأيام، فأيامكم هذه أيام عظيمة وعجيبة، ويكفيكم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- شهد لها بأنها أفضل الأيام، فأين المسارعون في الخيرات والطاعات؟.

فإذا كانت الأعمال الصالحة في هذه الأيام أفضل من الجهاد في سبيل الله رغم عظيم شرف الجهاد ومكانته إلا أن يُقتَل المجاهد ويذهب ماله كما في الحديث، فأي غبن وخسارة تلحق الغافل عن هذه الأيام؟ فهل من مُعْتَبِرٍ؟ وهل من متَّعِظ؟ فمهما طال زمان الغفلة والفتور فلا يجب أن يَطال هذه الأيام، فهو غبن وأي غبن؟!.

ولو سألتم يا عباد الله أي العمل الصالح أفضل وأحبه عند الله لأجبت بأنها: الفرائض، فالفرائض أولاً، فلم يتقرب المتقربون إلى الله بمثلها، ثم بعدها النوافل، فمَن كان مفرطاً في الصلوات المكتوبات سواء في وقتها أو جماعاتها في المساجد أو خشوعها -وكلنا يشكو ذلك- فليحذر أن يفرط في هذه الأيام.

ومن فضل الله الواسع أنه نوَّع الأعمال الصالحات، فلينظر كل امرئ حسب ما ينشط له من نوافل العبادات، فمن كان غافلاً عن ذكر الله تعالى وتسبيحه آناء الله وأطراف النهار وقراءة القرآن فلينتبه من غفلته، وليجتهد هذه الأيام، ولْيضاعف: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴾ [ق: 39].

ومن كان مقصراً مع والديه فليحسن إليهما، ومن كان ظالماً فليرد المظالم إلى أهلها، ومن كان عاصياً فليتب إلى الله التواب الرحيم، أكثروا هذه الأيام من الصيام والصدقات وكل عمل صالح يخطر ببالكم، فلا تفوت عليك الساعات فهي فرصة قد لا تعوض.

فإن من حكمة الشارع أن شرع في هذه الأيام العشر التكبير ورفع الصوت فيه؛ تذكيرًا للناس، وطردًا للغفلة عنها، وتشجيعًا للناس، ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾ [الحج: 28]، هي أيام عشر ذي الحجة، ﴿ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185]. عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عنِ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما من أَيام أَعْظَمُ عِنْدَ الله، وَلاَ أَحَبُّ إليه الْعَمَلُ فِيهِنَّ من هذه الأَيَّامِ العَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، والتحميد))؛ وقد كان صحابة رسول الله-رضوان الله عليهم- أعظم الأمة فقهاً في الدين، وفهماً لكتاب الله المبين، وحرصاً على مرضاته سبحانه، يحيون هذه الشعيرة العظيمة بكثرة ذكر الله والتكبير في البيوت والأسواق والطرقات، وهو عمل يسير عظيم الأجر، وأكثر الخلق عنه محرومون، وبغيره مشتغلون؛ فقد كَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ: يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا.

ومن أفضل الأعمال وأخصها في هذه العشر الحج، فقد تضافرت النّصوص الشّرعيّة الكثيرة على فضل الحجّ، وعظم ثوابه وجزيل أجره عند اللّه تعالى.

ومما يشرع في هذه العشر المباركات صيامهن حتى اليوم التاسع فإن لم يتيسر فصيام اليوم التاسع وهو يوم عرفة لما ثبت أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده.

ومما يشرع في هذه العشر الأضاحي، ولا ينبغي للمسلم أن يدعها مع سعته وقدرته. وهنا أنبه على أمور هامة منها:

أولا: من أراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا ظفره ولا بشرته شيئا من حين دخول العشر حتى ذبح أضحيته.

ثانيا: من أخذ من شعره وظفره وهو ناوٍ أن يضحي فلا يمنعه ذلك من الأضحية ولا يؤثر عليها خلافاً لما يفهمه بعض العامة لكن هذا الشخص يأثم بما حصل منه.

ثالثا: لو احتاج المسلم لأخذ شعرة أو ظفر انكسر أو غير ذلك فلا حرج عليه.

رابعاً: إذا كان شخصا لا يريد أن يضحي ولم ينوي بأضحية لأي سببٍ من الأسباب ودخلت العشر ومضى منها يومان أو ثلاثة وقد أخذ فيها من شعره وظفره ثم طرأ له أن يضحي فليمسك بعد نيته بالأضحية فلا يأخذ من شعره وظفره ولا حرج فيما سبق إن شاء لله.

أقول ما تسمعون، واسأل الله أن يفقهنا بالدين، وأن ينفعنا بالقرآن العظيم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين. أما بعد:-
فاتَّقوا الله - عباد الله – وأطيعوه؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ۞ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 18، 19].

أيُّها المسلمون، هذه الدُّنيا التي نعيشها لن نخلَّدَ فيها، وهي لن تبقى إلى الأبد، فلها نهاية كما كان لها بداية، ونحن نعلم أنه في كل يوم يموت خلق كثير ويدفنون، ولا بدَّ أن نكونَ يومًا من الأيام منهم، طال ذلك أم قصر. والدُّنيا بأفراحها وأتراحها، ومسراتها وأحزانها، ويسرها وعسرها ينساها الناس بمفارقتها؛ بل إن الواحد يصيبه عسر شديد، ومصيبة كبيرة، ثم مع مرور الأيام يزول عسرُه، وينسى مصيبتَه، ويذهب همُّه وغمه، وكذلك الإنسان تصيبه سراءُ فيفرح بها فرحًا شديدًا، ومع الأيام ينساها ويزول فرحه.

وهكذا ما يلحق أهل الإيمان والتقوى من مشقَّة حبس النَّفس على الطاعات، وكفها عن الشهوات؛ فإنَّهم ينسون ذلك بمجَرَّد انتهاء وقته، وذهاب مشقَّته؛ فالصَّائم الذي جاع وعطش ينسى معاناته مع الجوع والعطش بمُجَرَّد فطره، والحاج الذي لحقه منَ المشقة والزحام وطول الانتظار ما لحقه، ينسى ذلك بِمُجَرَّد إتمام حجه، وانقضاء نسكه. وأهل الشَّهَوات المُحَرَّمَة ينسون لذَّة شهواتهم ومتعتها، بمجرَّد مفارقتها، وتبقى السيئات في صحائفهم، والأوزار تثقلهم، والهموم والأحزان تملأ قلوبهم، وهذا مِن عذاب الدُّنيا قبل عذاب الآخرة.

فحريٌّ بالمسلم أن يعتبرَ بذلك، وأن يعمر وقته بطاعة الله - عزَّ وجَلَّ - لعلمه أنَّ ما يلحقه من مشقَّة العبادة يزول ويبقى له أجرها، يتنعم به خالدًا مخلدًا في دار النعيم، وأن يجانبَ المحرَّمات؛ ليقينه أنَّ لذَّتها تزول بزوالها، ويبقى وِزرها عليه، وأن يستفيدَ منَ الأزمان الفاضلة، والأوقات المبارَكة التي اختَصَّها الله -تعالى- بشعائره العظيمة، فيعظمها كما عظمها الرَّبُّ - تبارك وتعالى - ويخصها بكثرة النوافل والقُرُبات، وإنَّ الخسران كلَّ الخسران أن يصرفها العبد في اللهْوِ والغفلة، والتمتُّع بما حرم الله -تعالى- عليه، ولربَّما كانتْ هذه العشر آخر موسم مبارك يدركه العبد في حياته، فلعلَّ الموت يبغته في أي لحظة؛ ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30]

ومن الأعمال المشروعة في أيام العشر الذكر، قال تعالى:﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴾ [الحج: 28]، وروى الإمام أحمد عن ابن عمر أن النبي قال: ((ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد)). ويُكثر في هذه الأيام من قراءة القرآن، فإنه أفضل الذكر.

أيها المسلمون: إن وراءنا يوما ثقيلا عسيرا، فتزودوا لذلك اليوم وخذوا له أهبته، فليس هناك إلا فريقان: فريق السعادة وفريق الشقاء، يسعد أناس ويشقى آخرون، وأكثِروا في هذه الأيام من نوافل الصلوات، وحافظوا على الرواتب منها، وأكثروا من الصدقة في العشر، إذ الصدقة فيها أفضل من الصدقة في رمضان، وأكثر من الصيام في أيام العشر، سابق أخواني في هذه العشر بكل عمل صالح، وأكثروا من الدعاء والاستغفار، وتقربوا إلى الله بكل قربة، عسى أن تفوز فوزًا عظيمًا. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].

ألا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه، فقال سبحانه قولاً كريماً ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56] اللهم صل وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين...اللهم ارض عن خلفاه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أفضل إتباع المرسلين اللهم أرضي عن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم أرضى عنا معهم يا رب العالمين. اللهم احفظ ووفق إمامنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم أعنه على أمور الدين والدنيا، اللهم انصر به دينك واجمع به كلمة المسلمين يا رب العالمين، اللهم وفق بطانته لما فيه الخير للإسلام والمسلمين إنك على كل شيء قدير. اللهم تقبل من الحجاج حجهم، اللهم تقبل من الحجاج حجهم وسعيهم، اللهم اجعل حجهم مبرورًا، وسعيهم مشكورًا، وذنبهم مغفورًا، اللهم تقبل مساعيهم وزكها، وارفع درجاتهم وأعلها، وبلّغهم من الآمال منتهاها، ومن الخيرات أقصاها، اللهم اجعل سفرهم سعيدًا، وعودهم إلى بلادهم حميدًا، اللهم هون عليهم الأسفار، وأمنهم من جميع الأخطار، اللهم احفظهم من كل ما يؤذيهم، وأبعد عنهم كل ما يضنيهم، اللهم واجعل دربهم درب السلامة والأمان، والراحة والاطمئنان، اللهم وأعدهم إلى أوطانهم وأهليهم وذويهم ومحبيهم سالمين غانمين برحمتك يا أرحم الراحمين ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].

عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۞ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النحل: 90، 91]. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 63.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 62.21 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.62%)]