أحكام عشر ذي الحجة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الدعاء والذكر عند قراءة القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 1105 )           »          خمس عشرة فائدة في الاستماع إلى تلاوة القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          وقفات قرآنية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          قلبٌ وقلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 50 - عددالزوار : 10975 )           »          خواطرفي سبيل الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 48 - عددالزوار : 11864 )           »          حفر قناة السويس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 11 )           »          وِرْدُ الخَيْر أدعيةٌ وأذكار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          مع نبيين : هارون وموسى عليهما السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          ضوابط العمل .. الاخلاص ، والموافقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          فلسفة حجاب المرأة المسلمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 26-10-2019, 04:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,223
الدولة : Egypt
افتراضي أحكام عشر ذي الحجة

أحكام عشر ذي الحجة
عبد الله بن عبد الرحمن السعد

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الله - عز وجل - شرع لعباده مواسم الخيرات، ويسر لهم طرق الطاعات، فعلى العباد أن يغتنموا هذه المواسم ليحققوا أعلى الدرجات.
وإن من المواسم العظيمة التي حث الله عباده على اغتنامها أيام عشر ذي الحجة، وقد دلت الأدلة - كما سيأتي إن شاء الله - على أن هذه الأيام أفضل أيام العام، وقد اجتمع فيها عبادات عظيمة، وطاعات جليلة.
فضائل عشر ذي الحجة:
الأدلة الدالة على فضل عشر ذي الحجة تنقسم إلى قسمين:
الأول: ما ورد في فضلها جميعاً.
والثاني: ما ورد في فضل بعض أيامها.
فأما القسم الأول، وهو ما ورد في فضلها جميعا، فمنه:
1- قوله - تعالى -: (والفجر وليال عشر) الفجر: 1-2.
والمقصود بالليالي العشر: العشر الأول من ذي الحجة، كما ثبت ذلك عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وعكرمة، وجاء هذا عن عبد الله بن الزبير ومسروق بن الأجدع ومجاهد والضحاك وغيرهم، وهو قول أكثر أهل العلم.
قال الإمام ابن جرير الطبري في تفسير (30/168): "اختلف أهل التأويل في هذه الليالي العشر، أي ليال هي؟ فقال بعضهم: هي ليالي عشر ذي الحجة، ثنا ابن بشار ثنا ابن أبي عدي وعبد الوهاب ومحمد بن جعفر عن عوف عن زرارة عن ابن عباس قال: هي ليالي العشر الأول من ذي الحجة" ا.هـ.
ورواه أيضا بإسناد آخر فقال: حدثني يعقوب ثنا ابن علية أنا عوف به(1).
ثم قال: "حدثني يونس أنا ابن وهب أخبرني عمر بن قيس عن محمد بن المرتفع عن عبد الله بن الزبير (وليال عشر) أول ذي الحجة إلى يوم النحر(2)" ا. هـ.
ورواه أيضا عن مسروق (3) وعكرمة ومجاهد (4) وقتادة والضحاك.
ثم قال: "حدثني يونس أنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله - تعالى -: (وليال عشر)، قال: أول ذي الحجة، وقال: هي عشر المحرم من أوله".
ثم قال: "والصواب من القول في ذلك عندنا أنها عشر الأضحى لإجماع الحجة من أهل التأويل عليه، وأن عبد الله بن أبي زياد القطواني حدثني قال: حدثني زيد بن حباب قال: أخبرني عياش بن عقبة قال: حدثني خير بن نعيم عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((والفجر وليال عشر، قال: عشر الأضحى)) ا. هـ.
قلت: حديث جابر رواه الإمام أحمد (3/327) عن زيد بن الحباب به.
ورواه النسائي في السنن الكبرى (4086، 11907) عن محمد بن رافع و(11608) عبدة بن عبد الله كلاهما عن زيد بن الحباب به.
ورواه ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير (4/505) من طريقه.
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (4/505): "وهذا إسناد رجاله لا بأس بهم، وعندي أن المتن في رفعه نكارة، والله أعلم" ا. هـ.
وقال - رحمه الله - في تفسير الآية الكريمة: "والليالي العشر المراد بها عشر ذي الحجة، كما قاله ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وغير واحد من السلف والخلف...".
ثم ذكر حديث ابن عباس، ثم قال: "وقيل: المراد بذلك العشر الأول من المحرم، حكاه أبو جعفر ابن جرير ولم يعزه إلى أحد (5)، وقد روى أبو كدينة عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس: (وليال عشر) قال: هو العشر الأول من رمضان، والصحيح القول الأول" ا. هـ.
وإقسام الله - عز وجل - بهذه الأيام يدل على عظمتها، قال أبو عبد الله ابن القيم: "وهو - سبحانه - يقسم بأمور على أمور، وإنما يقسم بنفسه الموصوفة بصفاته، وآياته المستلزمة لذاته وصفاته، وإقسامه ببعض المخلوقات دليل على أنه من عظيم آياته"(6) ا. هـ.
2- روى البخاري (969) من طريق شعبة عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما العمل في أيام أفضل منها في هذه)) (7)، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ((ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء)).
ورواه أبو داود (2438) قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا وكيع ثنا الأعمش عن أبي صالح ومجاهد ومسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله - عز وجل - من هذه الأيام)) يعني: أيام العشر، قال: قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلاً خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)).
ورواه الترمذي (757) قال: حدثنا هناد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش به ولفظه: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر)) الحديث.
ورواه ابن ماجه (1727) قال: حدثنا علي بن محمد ثنا أبو معاوية عن الأعمش به، ولفظه: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام)) يعني: العشر.
ورواه عبد الرزاق (8121) عن الثوري عن الأعمش به بلفظ: ((ما من أيام أحب فيهن العمل، أو أفضل فيهن العمل من أيام العشر)).
وهذا الاختلاف في ألفاظ الحديث عند التحقيق ليس فيه اختلاف من حيث المعنى، فهذه الروايات كلها متفقة على أن العمل في عشر ذي الحجة أفضل من العمل فيما سواها، لكن بعض هذه الرواية أصرح في الدلالة على ذلك(8).
وظاهر هذا الحديث يدل على أن هذه الأيام هي أفضل أيام السنة، حتى من العشر الأخيرة من رمضان؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يستثن شيئا من الأيام سواها.
ويؤيد هذا ما جاء عند الدارمي (1774) قال: أخبرنا يزيد بن هارون أنا أصبغ حدثنا القاسم بن أبي أيوب عن سعيد عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ما من عمل أزكى عند الله - عز وجل - ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى))، وذكر الحديث ثم قال: وكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يقدر عليه.
وأخرجه الطحاوي في المشكل (2970) قال: حدثنا علي بن شيبة قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا أصبغ بن زيد الوراق قال: حدثنا القاسم بن أبي أيوب عن سعيد بن جبير أنه كان يحدث عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -... وذكر الحديث.
وقد جاء النص على ذلك صراحة فيما جاء من حديث أبي الزبير عن جابر رفعه: ((أفضل أيام الدنيا أيام العشر)) يعني: عشر ذي الحجة... الحديث(9).
حديث آخر (حديث ابن عمر):
روى يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر؛ فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد)) (10).
حديث آخر (حديث عبد الله بن عمرو):
قال الإمام أحمد (6559): حدثنا أبو كامل ثنا زهير حدثنا إبراهيم بن المهاجر عن عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت الأعمال، فقال: ((ما من أيام العمل فيهن أفضل من هذه العشر))، قالوا: يا رسول الله، الجهاد وعند غيره: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: فأكبره، فقال: ((ولا الجهاد إلا أن يخرج رجل بنفسه وماله في سبيل الله، ثم تكون مهجة نفسه فيه)).
ثم قال (6560): حدثنا أبو النضر ويحيى بن آدم قالا: ثنا زهير عن إبراهيم بن مهاجر به (11).
حديث آخر (حديث النهاس بن قَهْم):
قال أبو عيس الترمذي في الجامع (758): حدثنا أبو بكر بن نافع البصري ثنا محمود بن واصل عن النَّهَّاس بن قَهْم عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر)).
هذا حديث باطل (12).
قال ابن رجب في اللطائف (468): "وهذا كله يدل على أن عشر ذي الحجة أفضل من غيره من الأيام من غير استثناء، هذا في أيامه فأما لياليه فمن المتأخرين من زعم أن ليالي عشر رمضان أفضل من لياليه لاشتمالها على ليلة القدر، وهذا بعيد جدا" ا. هـ.
وقال أبو عثمان النهدي: "كانوا يفضلون ثلاث عشرات: العشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من المحرم، والعشر الأواخر من رمضان".
وقال ابن ناصر الدين الدمشقي: "والأخبار مشعرة بتفضيل عشر ذي الحجة على العشرين المذكورين؛ لأن فيه يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر" ا. هـ.
ثم ذكر حديث جابر بطرقه وألفاظه وقال بعده: "وفي الحديث وما قبله دلالة على أن العشر أفضل أيام الدنيا... إلى أن قال: وقال بعض الأئمة: يقال: مجموع هذا العشر أفضل من مجموع عشر رمضان؛ لأن هذا العشر أقسم الله - عز وجل - بفجر أول يوم منه، على قول (13) الضحاك وغيره.
وأيضاً أقسم الله - عز وجل - بلياليه العشر على قول الجمهور، وصح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وهو العشر التي أتمها الله - عز وجل - لموسى - عليه الصلاة والسلام - في قوله - تعالى -: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة) الأعراف: 142 قاله مجاهد، وهو خاتمة الأشهر المعلومات المذكورة في قوله - تعالى -: (الحج أشهر معلومات) البقرة: 197، وهي: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، قاله عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وابن الزبير، وأكثر التابعين، وبعضهم أخرج منه يوم النحر.
وهو الأيام المعلومات، قاله ابن عمر وابن عباس وطائفة من التابعين منهم الحسن وعطاء ومجاهد وعكرمة وقتادة وسعيد بن جبير... - إلى أن ذكر بعض ألفاظ وطرق حديث ابن عباس- ثم قال: "وفي هذا دلالة على أن العمل في هذا (14) العشر وإن كان مفضولاً أفضل من العمل في غيره، وإن كان فاضلاً، وربما يزيد عليه بمضاعفة الثواب) ا. هـ من "فضل يوم عرفة له" (ص: 139-144).
هذا ما جاء في فضلها عموماً.
وأما القسم الثاني وهو ما جاء في فضل بعض أيامها، فمن ذلك:
1- ما رواه الإمام أحمد (4/350)، وأبو داود (1765)، والنسائي في الكبرى (4098)، والبخاري في التاريخ الكبير (5/34)، وصححه ابن خزيمة (2866)، وابن حبان (2811)، والحاكم (4/246) كلهم رووه عن ثور - وهو ابن يزيد قال: حدثني راشد بن سعد عن عبد الله بن لحي عن عبد الله بن قرط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر...)) (15).
وهذا إسناد جيد، ورجاله كلهم ثقات، وعبد الله بن قرط هو الأزدي الثمالي، نص البخاري على صحبته (5/34) فقال: "له صحبة"، ثم ساق له هذا الحديث.
ويظهر من تنصيص البخاري على صحبته ثم روايته لحديثه هذا وعدم تعقبه بشيء، قوة هذا الخبر عند البخاري، والله تعالى أعلم.
وله قصة مع الرسول صلى الله عليه وسلم أخرجها أحمد في مسند عبد الله بن قرط (2/75).
ويوم النحر هو يوم العيد، وهو اليوم العاشر، وأما يوم القَرّ فهو اليوم الحادي عشر.
2- ومما جاء في فضل بعض أيامها أيضاً على وجه الخصوص ما جاء عند أبي داود (2419) والنسائي (3004)، وصححه الترمذي (773) وابن خزيمة (2100)، وابن حبان (3603) والحاكم (1/600) من حديث موسى بن علي عن أبيه عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام)).
ولا يخفى أن أيام الأعياد أيام معظمة، ومن أعظم هذه الأيام يوم عرفة، وفضله ومكانته معلومة.
وغير ذلك من الأدلة التي تدل على فضل هذه الأيام إما بعمومها أو خصوص بعضها.
فصل: في العبادات والسنن والآداب المتعلقة بالعشر:
اعلم وفقك الله أن العبادات التي تشرع في هذه الأيام تنقسم إلى قسمين:
الأول: عبادات خاصة لا تشرع إلا في هذه الأيام، كالحج والأضحية والتكبير(16).
الثاني: عبادات مشروعة في هذه الأيام وفي غيرها.
فأما القسم الأول، وهو العبادات الخاصة التي لا تشرع إلا في هذه الأيام، فمنها:
1- الحج، والأمر فيه معلوم، ولا تخفى النصوص الكثيرة التي تبين فضل هذه العبادة ومكانتها، ومن ذلك:
ما رواه البخاري (1449) ومسلم (1350) من حديث أبي حازم عن أبي هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه)).
- وما رواه البخاري (1683) ومسلم (1349) أيضا من حديث أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)).
وفي الحج من العبادات الجليلة والمواقف العظيمة الشيء الكثير من الوقوف بعرفة - ويوم عرفة من أعظم الأيام عند الله - عز وجل - وموقفه من أعظم المواقف -، والمشعر الحرام، والطواف، والسعي، ورمي الجمار، والمبيت بمنى، والتلبية، وغير ذلك من العبادات العظيمة (17).
2- الأضحية، وهي من سنة أبينا إبراهيم عليه السلام ، كما قال - عز وجل -: (وفديناه بذبح عظيم)، وقد أمر نبينا صلى الله عليه وسلم باتباع ملته عليه السلام.
وقال - تعالى -: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجلا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق * ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير * ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق * ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم النعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور * حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق * ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب * لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق * ولكل أمة جعلنا منسكاً ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين * الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيم الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون * لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذالك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين) الحج: 27: 37
قال ابن كثير في تفسير هذه الآيات: "يقول - تعالى -: هذا (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ) أي: أوامره (فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)، ومن ذلك تعظيم الهدايا والبدن، كما قال الحكم عن مقْسَم عن ابن عباس: تعظيمها: استسمانها واستحسانها.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشجّ، حدثنا حفص بن غياث، عن ابن أبي ليلى، عن ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد، عن ابن عباس: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ) قال: الاستسمان، والاستحسان، والاستعظام.
وقال أبو أمامة بن سهل: "كنا نسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يُسمّنون" رواه البخاري ا. هـ.
وروى البخاري (5553) من حديث شعبة عن عبد العزيز بن صهيب قال: سمعت أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين، قال أنس: وأنا أضحي بكبشين.
وفي رواية له (5229) من حديث أيوب عن أبي قلابة عن أنس أن الرسول صلى الله عليه وسلم انكفأ إلى كبشين أقرنين أملحين فذبحهما بيده.
وفي رواية أخرى له (5238) ولمسلم (1966) من حديث شعبة عن قتادة عن أنس قال: ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين، فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما، يسمي ويكبر، فذبحهما بيده.
ورواه مسلم (1966) أيضا من طريق أبي عوانة عن قتادة عن أنس بنحوه.
حكم الأضحية:
الأضحية عبادة من أفضل العبادات، وأعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه - عز وجل -، وقد اختلف أهل العلم في حكمها على قولين:
القول الأول: وجوبها، وهو مذهب أبي حنيفة، وقول في مذهب الإمام أحمد، وقول في مذهب الإمام مالك، وهو اختيار أبي العباس ابن تيمية.
والقول الثاني: استحبابها وعدم وجوبها، وهو مذهب الإمام الشافعي، والمشهور في مذهب الإمام أحمد، والإمام مالك، وهذا هو الصحيح، ولكنها من السنن المؤكدة، ويدل على هذا عدة أدلة:
الدليل الأول: أن الأصل براءة الذمة، ولا نعلم دليلا صحيحا صريحا يدل على وجوب الأضحية، والأحاديث التي فيها الأمر بها لا يصح منها شيء (18).
والدليل الثاني: روى أبو داود (2789) من حديث عياش بن عباس القتباني عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرت بيوم الأضحى عيدا جعله الله - عز وجل - لهذه الأمة))، قال الرجل: أرأيت إن لم أجد إلا أضحية أنثى، أفأضحي بها؟ قال: ((لا، ولكن تأخذ من شعرك وأظفارك، وتقص شاربك، وتحلق عانتك، فتلك تمام أضحيتك عند الله - عز وجل -)).
وهذا في يوم العيد، فلو كانت الأضحية واجبة لأمره أن يضحي بهذه المنيحة الأنثى.
والدليل الثالث: ما رواه مسلم في صحيحه (1977) عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي...)) الحديث، فعلق الأضحية بإرادة الشخص (19).
والدليل الرابع: أنه لم يثبت عن أحد من الصحابة أنه أوجب الأضحية، قال أبو محمد ابن حزم في المحلى (7/358): "لا يصح عن أحد من الصحابة أن الأضحية واجبة" ا. هـ.
وروى البيهقي (9/265) بإسناد صحيح عن الشعبي عن أبي سريحة الغفاري وهو حذيفة بن أسيد قال: أدركت أبا بكر - أو رأيت أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - كانا لا يضحيان كراهية أن يقتدى بهما.
وروى البيهقي أيضا (9/265) بإسناد صحيح عن أبي مسعود الأنصاري قال: "إني لأدع الأضحى وإني لموسر، مخافة أن يرى جيراني أنه حتم علي".
وقد جاء معنى هذا عن ابن عباس وبلال وغيرهما من الصحابة - رضي الله عنهم -.
وعلق البخاري في صحيحه (20) عن ابن عمر أنه قال عن الأضحية: سنة ومعروف.
ولا يعلم لهؤلاء الصحابة مخالف، بل الذي ثبت عنهم أنها سنة.
وقد روي عن أبي هريرة مرفوعاً وموقوفاً ما يفيد الوجوب.
أخرج الإمام أحمد (2/321) وابن ماجه (3123) وغيرهما من حديث عبد الله بن عياش عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا)).
هذا الإسناد فيه عبد الله بن عياش وفيه ضعف، وقد اختلف في رفعه ووقفه.
قال ابن الجوزي في التحقيق - كما في التنقيح (3/566) -: "قال أحمد: هو حديثٌ منكرٌ، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: قد روي موقوفًا، والموقوف أصحُّ" ا. هـ.
وقال ابن عبد الهادي في التنقيح (3/563): "وقد رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن زيد بن الحبُاب عن عبد الله بن عيَّاش، وكذلك رواه حَيْوة بن شُريح وغيره عن عبد الله بن عيَّاش.
ورواه ابن وهبٍ عن عبد الله بن عيَّاش عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفًا، وكذلك رواه جعفر بن ربيعة وعبيد الله بن أبي جعفر عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفًا، وهو أشبه بالصَّواب" ا. هـ.
قلت: رواية عبد الله بن أبي جعفر لا يصح إسنادها إليها، ورواية جعفر بن ربيعة لم أقف على إسنادها.
والخلاصة أن كبار الصحابة - رضي الله عنهم - لم يثبت عن أحد منهم إيجاب الأضحية، فدل هذا على أنها سنة وليست بواجبة.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 158.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 156.28 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.09%)]