دروس من الحج في زمن التغيير - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ثمار الطاعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          حقيقة زهد العلماء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الذنب.. وعقوبته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          حُسن الخُلُق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          منزلة "الصِّدق" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          كيف تتحمَّل أذى الآخرين ؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          المصارحة... تقوّم النفوس وتقوّي العلاقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          إدارة الوقت: أبعاد ثقافية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          سلاحُ "الثِّقةِ" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 23-10-2019, 04:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,875
الدولة : Egypt
افتراضي دروس من الحج في زمن التغيير

دروس من الحج في زمن التغيير
محمد بن عبد اللّه الخطابي


حين تشتد الهاجرة وتلفح الوجوهَ سمومُ التبديل والتخذيل والبدعة، ويسطعُ غبارها ابتغاء الفتنة عن الحق وابتغاء التأويل بما يرضي المشرق والمغرب؛ فإن الملجأ يكون إلى المحاضن الآمنة والمعاهد الحصينة. وحين يُوري المبطلون زند العوائق ويتطاير شررها فإن الرِّي والرَّواء والمرتعَ والمغتبق هناك في حمى «النص» وفسطاط التسليم للكتاب والسُّنة وفهم السلف.

ولا زال المصلحون وأصحاب الدعوات وأرباب التغيير، من العلماء العاملين والحكام المقسطين والمجاهدين الصادقين، يثوبون إلى ذلك المأزر الرشيد، ويركبون له الصَّعب والذلول موئلاً وثمالاً، وقد وثقوا؛ أنه لا يُصلح آخر هذه الأمة إلاّ بما صلح به وعليه أولها.
ويصوَّنون ويحذَرون أن يواقعوا خُطَّة التبديل، أو أن يجذبهم شَرَك البدعة عن سيرهم إلى الله. قال ابن وضَّاح ـ عليه رحمة الله ـ فيما رُوي عن بعض السلف: «يأتي على الناس زمان يسمّن الرجل راحلته حتى تعقد شحماً، ثم يسير عليها في الأمصار حتى تعود نقصاً، يلتمس مـن يفتـيه بسنَّـةٍ قد عُمل بها فلا يجد من يُفتيه إلاّ بالظن»، قال ابن وضاح ـ سنة 281 ـ: سمعت سحنوناً ـ أحد علماء المالكية المشهورين ـ يقول منذ خمسين سنة: «إني أظن أنّا في ذلك الزمان، فطلبت أهل السُّنة في ذلك فكانوا كالكواكب المضيء في ليلة مظلمة»(1).

وقال ابن عبد البر في التمهيد في حديث لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه ـ: «وذلك لـمَا يحـدث فيه من المحن والبلاء والفتن، وقد أدركنا ذلك الزمان كما شـاء الواحد المنان لا شريك له، عصمنا الله ووفقنا وغفر لنا. آمين»(2).

ولئن كان السالفون الصالحون الأولون يخافون أشد الخوف ويحذرون من ذلك أشد الحذر وهم في زمن الراية والرواية وصَوْلة السنة فلئن يحذر أهل زماننا أوْلى وأجدى وأجدر...لذا فهذه وقفات خيِّرات، تبضُّ بمروفها تلك المواسمُ المباركة الفاضلة وتستجلبها المشاعرُ من المشاعر، مهَّد لقطب رحاها النظرُ في حال الأمة والتفكر الحثيث في مشروع نهضتها وسبيل ارتقائها، وإذ اعتاد علماء أمتي وطلابُهم في هذه المواسم المباركة عقد حِلَق الفقه والعلم؛ لتدارس مسائل الحج ومناسكه وأحكامه، فنِعمَ إذاً رديف ذلك أن يُتحدث عن تلك الفوائد واللطائف والدروس، في الدعوة والمنهج والتغيير والأسباب والسنن الثابتة، التي يغذوها الحج بمناسكه ومواطنه ونصوصه.. إذ لا يرعى الهشيم من وَجَدَ الجميم، ولا ينتجع الغيث في أقطاره من سقاه ريّق الوبل في دياره.

فمن أعظم تلك الدروس المستفادة من مواطن الحج ونصوصه ومناسكه ما قد جــاء في الصحيحــين من حــديث ابن عباس ـ - رضي الله عنهما - ـ قال: «قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه مكة وقد وهنتم حُمَّى يثرب، قال المشركون: إنه يقدم عليكم غداً قومٌ قد وهنتهم الحُمَّى ولقوا منها شدة، فجلسوا مما يلي الحجر وأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا ما بين الركنين ليرى المشركون جَلَدهم، فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى وهنتهم؟ هؤلاء أجلد من كذا وكذا»(3).

وفي هذا الحديث الجليل تقرير لما قد تمهَّد في الأصول الشرعية من مشروعية مراغمة الكافر ومماتنته، حتى قال ابن القيم - رحمه الله - في مدارج السالكين: (لا شيء أحبّ إلى الله من مراغمة وليّه لعوده، وإغاظته له، وقد أشار - سبحانه - إلى هذه العبودية في مواضع من كتابه... ) بل جعلها هذا الإمام السلفي الجليل ذريعةً من ذرائع الصدِّيقية، ووليجة يلج بها العبد المنيب المخبت لبحبوحتها فقال: (فمن تعبَّد الله بمراغمة عدوه، فقد أخذ من الصدِّيقية بسهم وافر، وعلى قدر محبة العبد لربه وموالاته ومعاداته لعدوه يكون نصيبه من هذه المراغمة)(1).

وإذا قـرأت هذا علمت عُظْم الشطط والدّرَك المنحط الذي هوى إليه دعاة التسامح الديني والطائفي ـ كما زعموا ـ وعلمت أيَّ ركن من الديانة يسعى أولئك المنهزمون المبدلون إلى أن يهدموه، وعلمت أيضاً أن قرناً للبدعة قد ذرَّ طالعه وبدا أوله وفسق بصياصيه، ولئن كانت الأمة قد فتنت في قرون مضت بما أخذت من أمم الكفر السالفة من علم المنطق والكلام والفلسفة حتى تشذرت بدداً وطرائق قدداً، ونُصب قدر البدعة على أثافي الهوى قروناً متطاولة، فإن بدعة أعظم وأطَمَّ وأحبُولة للتبديل والخروج من الديانة أكبر وأدهى قد رُكزت أعلامها في أسواق الأهواء فراجت بأسماء الإخاء الديني والتسامح الحضاري والحوار مع الآخر، وولجت في الأمة بدعاية نبذ التطرف والعنصرية والكراهية، كأن الكلب لم يأكل لهم عجيناً، وكأن القوم لم يقرؤوا قول الله - تعالى -: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة: 22].

قال محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -: (إنه لا يستقيم للإنسان إسلام ولو وحَّد الله وترك الشرك إلا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغض)(2).

فسبحان الله! ماذا أُنزل من الفتن(3)، حتى فُوِّقت سهام اللوم والتخطئة لمن نادى ودعا إلى هذه الشعيرة الجليلة؛ ولكنا كما قال ابن القيم في عبودية المراغمة: «وهذا باب من العبودية لا يعرفه إلا القليل من الناس، ومن ذاق طعمه ولذّته بكى على أيامه الأُوّل»(4).

ومن عجائب الأمر أن هذه الشعيرة مما تكاثرت عليه النصوص حتى لا يكاد يعشو عن منازلها إلا من أعمى الله بصيرته، بل قال الشيخ الصالح محمد بن عتيق - رحمه الله - عن هذا الحكم الجلـيل «الـولاء والبـراء»: (ليـس في كتاب الله - تعالى - حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده)(5).

والناظر في نصوص متفرقة في الحج ومناسكه يرى رعي الشريعة لمثل هذا الأمر الكُبّار، حتى كانت خطبته - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع تأكيداً لهذا الشأن فقال - صلى الله عليه وسلم -: «كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع»(6)، هكذا بهذه الصفة المنفّرة التي تشي بكل معاني الاحتقار للجاهلية والاستعلاء عليها والترفّع عنها وعن أصحابها(7).

والحج كلّه تأكيد لهذا الأمر وتأكيد لمعناه وتربية للقلوب عليه، فقد خالف النبي - صلى الله عليه وسلم - المشركين في أفعالهم في الحج كما ثبت في البخاري من حديث عمرو بن ميمون قال: «شهدت عمر - رضي الله عنه - صَلَّى بجُمْع ثم وقف فقال: إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، ويقولون: أشرقْ ثبير، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خالفهم ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس»(8).

ومما يبين أيضاً هذا الأمر من نصوص الحج، ويزيد هذه القضية إيضاحاً ـ وهي والله الواضحة الجليّة ـ ما ثبت عند الترمذي وصححه النسائي(9) عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة في عمرة القضاء وعبد الله بن رواحة بين يديه يمشي وهو يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله
اليوم نضربكم على تنزيله
ضرباً يُزيل الهام عن مقيله
ويُذهل الخليل عن خليله

فقال له عمر - رضي الله عنه -: يا ابن رواحة! بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي حرم الله تقول الشعر! فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خلِّ عنه يا عمر! فلهي أسرع فيهم من نضح النبل»، فانظر إلى حَوْط الشريعة وتقريرها لقاعدة البراء من المشرك ومراغمته بالإعلام المسموع في مواسم الحج والعمرة، وإكبار هذا وإشهاره ومدح فاعله، فأين من يدعون إلى التسامح مع الآخر والانفتاح على ثقافته وعدم الكراهية للمختلف الثقافي (الديانة ـ الكافر)؟ أين هم من هذه الواضحات وهم يُجادلون في الله وهو شديد المحال، ويأخذون بشدق المنهج، ويضعون ويخبُّون في نصر باطلهم؟ بل إن الحديث يدل على جواز مراغمتهم بالقوم في حال العهد فضلاً عن حال المقاتلة والحرب، ولهذا الشأن موطن غير هذا الموطن، لكن الغرض بيان عُظْم هذا الأمر وتقرره لدى الصحابة ـ رضوان الله - تعالى -عليهم ـ بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - في عام الحديبية أهدى جملاً كان لأبي جهل في رأسه بُرة فضة، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: «يغيظ بذلك المشركين»(10). ومما يتصل بهذا ما ذكره بعض العلماء في سبب تسمية عمرة القضيّة بهذا الاسم؛ حيث اختلف الفقهاء: هل هو مأخوذٌ من القضاء للعبادة (العمرة الأولى)؟ أم من المقاضاة للكافر؟ على قولين، اختار ابن القيم الثاني(11).

ـ ومن ذلك ومما يحسن إيراده هُنا، والقلوب إن لم تسافر أبدانها إلى تلك البقاع المباركة سافرت بفكرها وشوقها وتأملاتها وكأنها تنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول يوم النحر وهو بمنى: «نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة؛ حيث تقاسموا على الكفر»(1)، وذلك أن قريشاً وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب ألا يُناكحوهم ولا يُبايعوهم حتى يُسلِموا إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم -. هكذا يُظْهر المؤمن صولة الحق والإيمان والسنة في مواطن حُورب فيها الحق والسنة، وتُربط الفهوم في عباداتها بالصرِّاع مع الكافر وديمومته حتى يجيء المؤمنون وهم يؤمّون تلك المشاعر المباركة، فيتذكرون صراع الحق مع الباطل وظهور الحق بعد جولة الباطل... وبقاء الحق ظاهراً عالياً، ولتتذكَّر الملايين من المسلمين وهي تطأ أرض تلك المشاعر والمناسك فضلَ إظهار شعار الإسلام وصولته، وأن الصراع مع الكفر والبدعة والفجور باقٍ ما بقيت تحادّ الله وشرعه وسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولذا استحب العلماء ضيافة الأرض التي وقعت فيها المعاصي بإيقاع الطاعة فيها بذكر الله وإظهار شعار المسلمين(2).

ـ ومن لطيف ما يظهر للناظر في دروس الحج ما يؤخذ من حديث جابر - رضي الله عنه - في السنن: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في ركعتي الطواف بسورتي الإخلاص: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون: 1] و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1]»(3). وهي سور البراءة من الكافرين والتسليم لرب العالمين، وليكون العابد الحاج مرتبطاً بمثل هاتيك المعاني العظيمة، وليعقد أنامله عليها ويستمسك بمقتضياتها.

ـ ومن هذه الدروس المستفادة من طُيوب تلك العبادة ما يؤخذ من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رقى الصفا فاستقبل القبلة فوحّد الله وكبّره، وقال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده»(4).

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 88.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 86.56 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.95%)]