|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() في نصيحة المجتمع الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل الحمدُ لله نحمَدُه، ونستعينُه ونستهدِيه، ونستغفِرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريك له، حذَّر من المعاصي والآثام، وبيَّن عواقب أصحابها، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، أُعطِيَ جوامعَ الكلم ونصَح الأمَّة، صلَّى الله عليه وعلى آله وصَحابته الممتَثِلين لأوامره والمنتهين عن نواهيه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أمَّا بعدُ: فيا عباد الله، اتَّقوا الله -تعالى- وتأمَّلوا في هذا المثل الذي ضرَبَه لنا نبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه - بقوله: ((مثَل القائم في حُدود الله والواقع فيها كمثَل قومٍ استهَمُوا على سفينة، فصار بعضُهم أعلاها وبعضهم أسفلَها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرُّوا على مَن فوقَهم فقالوا: لو أنَّا خرَقْنا في نصيبنا خرقًا ولم نُؤذِ مَن فوقنا، فإنْ تركوهم وما أرادوا هلَكوا جميعًا، وإنْ أخَذوا على أيديهم نَجوا ونَجوا جميعَا))[1]. صورة حيَّة وتمثيلٌ عجيب، كلامٌ قليل جمَع معاني كثيرة، فلا عجب فقد أُعطِي - صلوات الله وسلامه عليه - جوامعَ الكَلِم. فهذا المثال لهذه الحياة، وهذا المجتمع الذي تتلاطَمه الأمواج وتُهدِّده الأخطار، إنْ لم يكن بعضنا متعاونًا على الخير ومتناهيًا عن الشرِّ وآخِذًا على يد السفيه والظالم، فإنَّ مصيره إلى الهلاك والدَّمار. فانظُروا يا عباد الله إلى حالة هؤلاء القوم الذين استهَمُوا على هذه السفينة؛ أي: اقترَعُوا عليها، فكان نصيب البعض أسفلها ونصيب البعض أعلاها، وهي في لُجَّة هذا البحر تتلاطَمها الأمواج، وتَعصِف بها الرياح، ورُبَّانها يُحاوِل أنْ يسير على الطريق السليم المؤدِّي إلى ساحل النجاة وبرِّ الأمان، وهي ورُكَّابها في خطر ممَّا يتعرَّضها من رياحٍ وأمواج وخراب، ورُكَّابها من فئات، فيهم العاقل والمدرك للأمور وعَواقبها، وفيهم ضعيف العقل عديم المبالاة. وبينما هم على تلك الحال هَمَّ البعض وهم الذين لا إدراك لديهم ولا تفكير ولا مبالاة بالنتائج، وهم الذين في أسفل السفينة هَمُّوا بخرقها حتى يَأخُذوا الماء من عِندهم ولا يحتاجوا إلى الصعود إلى أعلاها، وأخذ الماء من فوقها، وحتى لا يؤذوا الذين في أعلاها بالماء إذا استقوه، فإنْ غفل العاقلون والمدركون لعَواقِب الأمور ومصير السفينة بعد خَرقِها من قِبَلِ أولئك الجاهلين بالأمور وعَواقبها، والذين لا هَمَّ لهم إلا تلبيتهم لرَغباتهم وإشباع نُفوسهم، فإنَّ مصير السفينة الغرق بعد أنْ تمتَلِئ بالمياه الداخلة عليها من المكان الذي خرَقَه الجاهلون في غفلةٍ من العاقلين، أو عدم اكتراث بما يعمَلون، وعند ذلك يهلك الجميع، فمصير السفينة واحدٌ وإنْ كان الجاني فردًا من أفرادها. فالمجتمع الكبير مجتمعٌ واحد يضرُّه الفرد الواحد إذا لم يُؤخَذ على يده في بداية الأمر فإنَّ شرَّه ينتشر ويتأسَّى به غيرُه في ذلك، وتتعدَّد الفرق ويسرع الهلاك إلى المجتمع؛ بسبب كثْرة الفساد فيه وعدم اليقظة والانتباه والقضاء على الشر وأسبابه في مبدأ أمره من قِبَلِ المدرِكين لعَواقِب الفساد، فكم من شخصٍ لا يُفكِّر إلاَّ في إشباع رغبته وإنفاذ مطلبه، ولو كان على حساب ضرر الآخَرين، وكم من شخصٍ يرى أنَّه حُرٌّ وطليق في تصرُّفاته ولو كانت مخالفةً لأوامر الله ومتعدِّية على حدود الله، وعندما يترك هذا ويهمل أمر هذا ويكثر الشر وينتشر الفساد قد يقول البعض عندما يُنهي عن شره وفساده: ما الذي يُفِيدُه امتناعي وغيري متروكٌ يعبَثُ ويفرَح ويمرَح، وقد يقول البعض ممَّن يُلامُ على ترك الأمر والنهي: كثُر الفساد، وماذا نعمَل وقد انتشر الشر وعمَّ، والمسؤول غيرنا ممَّن له السُّلطة، ووظف لذلك؟ وإذا وصل الأمر إلى هذه الحال فما الذي ينتظر إلا الهلاك والدمار؟! فاتَّقوا الله يا عباد الله، فالكل مسؤول ومحاسب، ونبينا - صلوات الله وسلامه عليه - يقول في حديثٍ متَّفق عليه: ((كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته)). ويقول -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن رأى منكم مُنكرًا فليُغيِّره بيده، فإنْ لم يستطع فبلسانه، فإنْ لم يستطع فبقَلبِه، وذلك أضعَفُ الإيمان))[2]. وعن أبي بكرٍ الصدِّيق - رضي الله عنه - قال: ((أيها الناس، إنَّكم تقرؤون هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105]، وإنِّي سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنَّ الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخُذوا على يدَيْه أوشك أنْ يعمَّهم الله بعقابٍ من عنده))[3]؛ رواه أبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح، وروى الحاكم وصحَّحه: ((إذا رأيت أمَّتي تهابُ أنْ تقول للظالم: يا ظالم، فقد تُوُدِّعَ منهم))[4]. فيا عباد الله: إنَّنا اليوم على خطرٍ عظيم ممَّا وقَع الكثير فيه من مَعاصٍ وذنوب؛ قلَّة اهتمام بالصلوات وأدائها في أوقاتها، والحضور إليها جماعةً في المساجد، وانتشار المسكِرات والمخدِّرات، وفَساد للأخلاق، وانشغال باللهو واللَّعِب، وعُكوف على الملاهي والنظَرات المحرَّمات من صور عارية ونساء عاهِرات، حتى أثَّرت تلك الشُّرور على الكثير من الأُسَر، وتخلَّقوا بأخلاقٍ سيِّئة. فاتَّقوا الله يا عباد الله في أنفُسكم وفي أُسَرِكم ومن تحت أيديكم وفي أمَّتكم، احذَرُوا أنْ تُؤخَذوا على غرَّةٍ؛ فإنَّ الله - سبحانه وتعالى - يُمهِل ولا يُهمِل، والسعيد مَن وُعِظَ بغيره. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قال الله العظيم: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 25]. بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعَني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم. واعلَموا أنَّ المجتمع من أُسَرٍ، والأُسَرُ من أفراد، وأنَّ المجتمع يتضرَّر بفَساد الفرد، ويسعد بسعادته، وأنَّ المسلم للمسلم كالبُنيان يشدُّ بعضه بعضًا، وأنَّ المؤمنين في تَوادِّهم وتراحُمهم كالجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تَداعَى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى. ومن المأسوف له أنَّ الكثير لا يشعُر بهذا الشعور، أو يشعُر بشعورٍ أقل ممَّا ينبغي؛ ولهذا حصَل التفكُّك بين الكثير من المجتمع والأُسَر والأفراد، وأخَذ هذا الشعور يَضعُف ويقلُّ حتى ظهرت آثارُه السيِّئة، نجدُ الكثير من الآباء والأولياء لا يهتمُّون بأبنائهم وأهليهم، والله - جلَّ وعلا - يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6]. نجدُ الأكثر من المجتمع لا يهتمُّ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والله - سبحانه وتعالى - يقول: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [آل عمران: 110]. فلا بُدَّ يا عباد الله من التعاوُن على البرِّ والتقوى والتناهي عن المنكر؛ حتى نكون كما وصفنا الله، ولا بُدَّ من الصبر والاحتِساب والدعوة بالحكمة، فالله يقول: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ [النحل: 125]. والكلُّ في سفينةٍ واحدة كما مثَّل نبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه - فلا بُدَّ من الشُّعور بالمسؤوليَّة، وإنَّ ضرر العُصاة والمفسدين يعمُّ ولا يقتصر عليهم وحدَهم؛ ولهذا يُمكِن إقناعه عند نهيه حتى لا يركب رأسه ويقول: إنَّه حرٌّ مع إشعاره بالترابُط. [1] أخرجه البخاري رقم ( 2496 ) ـ الفتح: 5/132. [2] أخرجه مسلم (49). [3] أخرجه الترمذي (3057)، وأبو داود (4338)، وابن ماجه (4005)، قال الأرناؤوط: إسناده قوي، انظر: جامع الأصول (1/330). [4] أخرجه أحمد في مسنده (2/190)، والحاكم في مستدركه (4/96)، انظر: الترغيب والترهيب؛ للمنذري (3/231)، كنز العمال (5540).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |