لطائف من القرآن الكريم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5038 - عددالزوار : 2191876 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4619 - عددالزوار : 1472087 )           »          بعض حقوق المرأة في الاسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          قلبٌ وقلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 55 - عددالزوار : 12058 )           »          فتح الجيش العثماني بقيادة سنان باشا الحصن الإسباني الأخير في حلق الوادي بتونس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          خواطرفي سبيل الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 51 - عددالزوار : 12759 )           »          الدعاء والذكر عند قراءة القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12 - عددالزوار : 1872 )           »          محبة الإخوان في الله تورث حبَّ الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          العلامة المؤرخ الأديب الشاعر محمد أمين المحبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          مقولات معبرة للعلماء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 04-10-2019, 12:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,585
الدولة : Egypt
افتراضي لطائف من القرآن الكريم

لطائف من القرآن الكريم [1/3]
د. صالح بن أحمد الغزالي





الحلقة الأولى:
الحمد لله الذي نوّر بكتابه القلوب، وأنزله في أحسن لفظ وأعجز أسلوب، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، خيرة الله من خلقه وخليله، وعلى صحابته الأبرار وآله الأطهار، والتابعين لهم بإحسان.
أحبتي في الله: إن أولى ما عنيت به القرائح والأفهام هو التدبر في كلام المولى العزيز العلام، والفحص عن حقائق التنزيل وأسرار التأويل.
إن أفضل ما عنيت له، وتعنيت أن تهتم بكتاب مولاك سبحانه، وأن تنظر في خطاباته الموجهة لك، فتقرأها كما تقرأ الرسالة توجَّه لك، فهذا هو منهج السلف مع كتاب الله.
ألا وإن من السعادة –والله- أن تعيش مع كتاب الله الكريم، فتتلوه وترتله، وتفهمه وتتدبره، وتتأمل في بلاغته وفصاحته، وترقب بديع إشاراته وعجيب انتقالاته.
هذا وكم فيه من مزايا *** وفي زواياه من خبايا
وكما أن الله تعالى لا يوصف بحد يُنتهى إليه في الكمال والجلال، فكذا لا نهاية لفهم كلامه سبحانه، يضيق به الوصف والعلم، وإنما يفهم كلٌ بمقدار ما يفتح الله عليه، وكلام الله غير مخلوق، لا تبلغ نهاية فهمه فهومٌ مُحدثةٌ مخلوقة.
أحبتي في الله: سيدور حديثنا حول تدبر كلام الله تعالى، وفهم معانيه، وبالتحديد يتركز الحديث عن دقائق التفسير ولطائف المعاني وحِكم الألفاظ..
يقول الله سبحانه: "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" وفي آية أخرى "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا " وقال سبحانه: "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر".
كما ذم الله تعالى المعرضين عن تدبره وعقله وفهمه، قال تعالى:"ولقد صرّفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل. فأبى أكثر الناس إلا كفورا"، وقال:"وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه..." الحديث.
وقال الحسن البصري –رحمه الله-:"والله ما أنزل الله آية إلا أحب أن يعلم فيما أُنزلت وما يعني بها ".
وقال الحسن بن علي رضي الله عنه: "إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدارسونها بالليل وينفذونها بالنهار".
أحبتي في الله: إن فهم كتاب الله وتدبر آياته في المنزلة العالية، ولكن هنالك أقفال تمنع منه، ولهذا قال: "أم على قلوب أقفالها" بعد قوله سبحانه: "أفلا يتدبرون القرآن".
وأعظم هذه الأقفال هو التكذيب بالدين، أي التكذيب بيوم القيامة، وبما جاء به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – من عند الله، فهذا القفل يستحيل معه عقل وفهم، كما قال الله سبحانه:"وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً. وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً" فكيف يفقه من أُغلق عليه بالحجاب وبالأكنة وبالوقر؟!
ومن الأقفال:البدعة، وهي تغيير حقيقة الدين، فإنها من أعظم الصوارف عن تدبر القرآن بل من أعظم البواعث لتحريف آياته ومعانيه، ولهذا لا تجد صاحب بدعة في الدين إلا يحرف كتاب الله تعالى ويبدله على حسب معتقده، فهو يمشي على قاعدة ومنهج (اعتقد ثم استدل) أي يجعل الدليل من الكتاب والسنة بحسب الهوى والمذهب.
ومن الأقفال: (الهوى) والولوغ في المعاصي، فهذا ينسلخ من آيات الله، ويحرف معانيه، ويُمنع من الفهم الصحيح والاستقبال الحسن لآيات الله، فإن القرآن كلام الله وهو نور، والمعصية ظلمة، والنور والمعصية لا يجتمعان أبداً.
ومن الأقفال: أن ينكب الشخص على الدنيا، ويجعلها أكبر همه، فهذا يُصرف عن التدبر ولا ريب، قال الإمام سفيان الثوري – رحمه الله -: "لا يجتمع فهم القرآن والاشتغال بالحطام في قلب مؤمن أبداً" انتهى.
والله تعالى من صفاته أنه يغار على دينه، ومن غيرته عل دينه وكتابه أنه لا يعطي مكنون حكمته المعرض عنه وعن كلامه ودينه.
ولهذا نرى أن العالم التقي يفهم ما لا يفهمه غيره، من معاني التنزيل ومن دقائق التفسير، يُفهم ما لا يفهمه الجاهل وما لا يفهمه الفاسق وغير الصالح، قال أهل السنة: إن للتزكية والتقوى أثراً ظاهراً في فهم العلم وفي بركته لاسيما في علم الدين والقرآن.
وهذه البركة في العلم ليست مطلقة يدعيها من شاء ويقول بها ما شاء، بل إن الإنسان كلما كان للشرع أطوع، وللنبي صلى الله عليه وسلم أتبع كان فهمه وعلمه أقرب وأعمق.
فإن سألت: ما هو أفضل الطرق للكشف عن معاني التنزيل ومعرفة أسرار التأويل والوقوف على حقائق الألفاظ؟
فالجواب: أن أحسن ما يُعرف به كلام الله هو كلام الله، وأقرب ما يُفسر به القرآن هو القرآن، فما أجمله الله في آية أوضحه في أخرى، وقد يكون هذا إيضاحاً متصلاً به وقد يكون منفصلاً عنه.
فمن الأول يقول سبحانه: "ويل للمطففين" ثم قال تفسيرا لها: "الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون " وكقوله تعالى: "الله الصمد" قال محمد بن كعب القُرضي: "تفسيره" لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد".
ومن البيان المنفصل أنه قال في سورة الفاتحة:"مالك يوم الدين" وبينه في سورة الانفطار بقوله:"وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين. يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذٍ لله".
فإن لم يهتد للتفسير في القرآن، فعليك بكلام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – فهو أعرف الناس بكلام الله عز وجل، وهو القائم على بيانه كما قال سبحانه:"وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نُزّل إليهم" قال الإمام الشافعي – رحمه الله: "كل ما حكم به رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فهو مما فهمه من القرآن.
فإن لم تجد في كلام الله ولا كلام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – تفسيراً، فنقدم كلام أصحاب النبي- صلى الله عليه وآله وسلم -، فهم أفقه هذه الأمة وأعلمها، وأولى من جهة التنزيل، ومن جهة اللسان، ومن جهة الخشية والتقوى، ومن جهة السماع، ومن بعد الصحابة التابعون.
فإن سألت: فإن لم يوجد تفسيرٌ بالمأثور، لا من الكتاب والسنة ولا من أقوال الصحابة والتابعين، فهل يجوز أن نذكر قولاً في معنى آية أو بيان حكمه أو استخراج لطيفة أو بيان دقائق ذلك بما لم يكن منقولاً بنصه عن السابقين؟
فالجواب عن ذلك: أن الكلام على معاني الآيات على نوعين:
نوع لا يُستغنى فيه عن النقل مثل: أسباب النزول، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، أو تخصيص عموم آية بآية أخرى أو الجزم بمعنى مُعيّن دون غيره مما يحتمله اللفظ.
وأما النوع الثاني: وهو مما يقبل الاجتهاد الصحيح من غير الأمور المذكورة فلا يُشترط فيه أن يكون منصوصاً عليه في الشرع، فهو باب واسع، ورزق سائغ للمتأهلين من ذوي العلم إلى يوم الدين، قال بعض السلف: " للقرآن نزول وتنزل، فالنزول قد انقضى، وأما التنزل فهو باقٍ إلى يوم القيامة.
وفي الحديث الذي رُوي مرفوعاً وموقوفاً والصحيح وقفه: أنه الذكر الحكيم الذي لا يشبع منه العلماء، ولا تنقضي عجائبه.
الحلقة الثانية:
في هذه الحلقة نواصل الحديث عن التدبر لكلام الله تعالى، ونُبيّن أقسام الناس منه، وكيف نتعرف على الأقوال الصحيحة في معاني الآيات وحِكَم التفسير ودقائقه.
قال الله تعالى في سورة الفرقان: "وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً" قال أهل التفسير: "والهجر للقرآن على مراتب أربع: هجر للإيمان به، وهجر للفهم والتدبر، وهجرٌ للقراءة والترتيل، وهجر للعمل انتهى.
والناس على أقسام أربعة من كتاب الله تعالى:
فمن الناس من يتلو كلام الله حق تلاوته ويتدبره ويعمل به، فهؤلاء هم السعداء حقاً - جعلنا الله منهم – وهؤلاء هم المؤمنون حقا، الذين يتلونه حق تلاوته.
ومن الناس من لا يؤمن به أصلا ولا يلتفت إليه، فلم يقرأه وينظر إليه، وإن قرأه وتفهمه فمن غير إيمان وتصديق ولو أُعجب به كما قال المشرك الجاهلي الأول: سجدت لفصاحته، وكما قال أحد أرباب الشعر الحديث: إنما أُؤمن من القرآن ببلاغته وفصاحته.
فهؤلاء قد توعدهم الله بأشد الوعيد، وبشّرهم بالذلة والعذاب يوم الدين، و قبل ذلك بشرهم الله بالخزي والضنك في الدنيا، قال الله سبحانه: "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا" أي في الدنيا
"ونحشره يوم القيامة أعمى".

ومن الناس:من يؤمن بالقرآن، ولكنه لا يتلوه ولا يقرأه إلا نذرا يسيرا، وهذا –والله- هجر عظيم للقرآن، وخذلان عظيم.
ومن الناس من يؤمن بالقرآن ويتلوه، ولكن من غير تدبر وفقه في معانيه، ومن غير اعتبار وخشية، ومن كان هذا ديدنه، وهو لم يتلُ كتاب الله حق تلاوته، وفعله أشبه بفعل اليهود، الذين ذمهم الله بقوله: "لا يعلمون الكتاب إلا أماني، وإن هم إلا يظنون" قال أهل التفسير: "أي يتلونه تلاوة مُجرّدة، عن الفهم والعمل.
أحبتي في الله: لقد تعددت صور تقصيرنا في تلاوة كتاب الله، فمنا مَن يقرأ القرآن وكأنه يقرأ كلام بشرٍ مثله، ومنا من يقرأ وكأن المخاطب أحداً غيره، وبعضنا يقرأ القرآن وهو ساهٍ لاهٍ غافل القلب، وأصبح كثير منا يقرأ القرآن وهمه الوصول إلى آخر السورة أو الجزء.
كان سلفنا – رضوان الله عليهم أجمعين – آية واحدة تُمرضهم، وآية واحدة تقض مضاجعهم، أما نحن فيُقرأ علينا كتاب ربنا من أوله إلى آخره، من فاتحته لخاتمته، فلا يُحرك في القلوب ساكناً.
التفكر في كتاب الله، باب مفتوح بين العبد وبين ربه، ما لم يقفله العبد بفعله، قال الحسن البصري – رحمه الله -: "تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة، وفي الزكاة، وفي قراءة القرآن، فإن وجدتم وإلاّ فاعلموا أن الباب مُغلق".
التفكر براءة من النفاق، وفكاك من أسر الهوى، وجسر يصل به العبد مولاه، وما أعده الله من النعيم المقيم.
التفكر لكلام الله أشرف ما يخطر بالبال، وأطهر ما يصل إلى القلب، وأسمى ما يتعلق به العقل الواعي.
يُحيي نفوس الناس ويكشف عنها العناء.
هنالك من الناس من يذكرون الله، ولكنهم لا يفهمون معنى الذِكر، فتصبح قلوبهم بعيدة من استشعار جلال الله، وقدره حق قدره.
فإن سألتْ: كيف نصل إلى فهم بلاغة القرآن، ومعرفة حِكَمه؟ وكيف نصل إلى معرفة الدقائق في التفسير، واللطائف في التأويل؟
فالجواب: قال العلماء: إن مآخذ التفسير خمسة: القرآن ثم السنة ثم أقوال الصحابة والسلف المأخذ الخامس التفسير بالمقتضى من معنى الكلام، والمقتضى من قوة الشرع، أي ما يُفهم من اللغة ومن الشرع بلطيف الدلالة، ودقيق المعنى، وما ينقدح في النفس عند سماع الآية مُستنداً على الدليل.
قالوا: وهذا النوع هو الذي دعا به النبي – صلى الله عليه وآله وسلم –لابن عباس–رضي الله عنه – بقوله: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)، وهو الذي عناه علي بن أبي طالب –رضي الله عنه– بقوله: (إلا فهما يؤتيه الله تعالى رجلا في كتابه) عندما سُئل: هل خصكم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم – بشيء؟
فإن قلتَ: ما علامة صحة التفسير بالرأي والاجتهاد، وصواب الحِكَم والدقائق واللطائف المُستنبطة من الآيات، وكيف نُميّز ما يصح منها وما لا يصح؟
فالجواب: لابد لهذا من شروط خمسة:
أولها: الموافقة للسان العربي، فإن كان التفسير لم يشهد له اللسان العربي، فهو تفسير باطل؛ لأن القرآن نزل بلسان العرب، وعلى أساليب بلاغتهم ووصفه الله بذلك، في قوله تعالى: "لسانُ الذي يُلحدون إليه أعجمي، وهذا لسانٌ عربي مُبين".
ومن هنا نعرف بطلان القول: بأنه يوجد في القرآن أسرار لا يعرفها إلا أشخاص بأعيانهم، يُزعم أنهم من الخواص، أو أنهم من الأولياء، يقولون في القرآن بهواهم وأذواقهم.
ويُعرف كذلك بطلان الاعتماد على التفسير المبني على كل ما يُخالف لسان العرب ولم يكن معهودا عندهم، مثل حساب الجُمل، ومثل الرمز الذي لا يرتبط بلغة صحيحة،كقول بعضهم: "المر" معناها: أنا الله الرحمن الرحيم.
الشرط الثاني: أن يكون للتفسير شاهد من الشرع يدل عليه، فإن كان مخالفاً للشرع يُعد مردودا على صاحبه، وإن من قواعد التفسير المعلومة: أن من شرط صحة التفسير بالرأي والاجتهاد، ألا يُخالف التفسير بالمأثور.
فإذا قلنا في الآية: الحكمة كذا وكذا، أو المقصد منها كذا، ولم يشهد لهذا نص أو قاعدة عامة أو خاصة فلا يُقبل هذا القول.
الشرط الثالث: ألا يُخالف التفسير تفسير جمع علماء السلف، ولا يُضاد منهجهم في فهم الذين، فهم أعلم هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن مُلزمون باتباع منهجهم، ونحن نقول في كل صلاة: "اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم" والمنعم عليهم من هذه الأمة هم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم – والصحابة بشهادة الله تعالى لهم.
ولو فُسر لفظٌ أو آيةٌ من القرآن بما يُخالف تفسير الصحابة وهديهم، لرددنا هذا التفسير، فلو قال قائل في قوله تعالى: "واذكر اسم ربك" أي قل: الله، الله، الله تعبداً وتقرباً إلى الله، لحكمنا أن هذا التفسير باطل؛ لمخالفته الصريحة لفهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – والصحابة، فلم يؤثر عنهم ذكراً مُفرداً.
الشرط الرابع: إذا كان التفسير لم يُنقل عن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-، ولم تدل عليه اللغة صراحة، فإننا نذكر هذا التفسير غير جازمين بأنه مراد الله، فلا نقول: مراد الله كذا إلا باليقين، لكن نقول: من الفوائد كذا؛ لأن هذا مقتضى التدبر والتفكر والاجتهاد، أما مقام الجزم فهو مقام النقل والنص.
الشرط الخامس: أن يكون المتكلم في معنى الآية عالماً أو ينقل عن العلماء. صحيحٌ أن كل شخص له أن يتدبر ويتفكر في كلام الله، بل هو مأمور بذلك ؛ لأن الله تعالى قد أمر بذلك أمراً عاماً، لم يستثنِ منه أحداً، وهذا بلا شك من خصائص كلام الله المعجز، أن يفهمه كل شخص بقدر ما آتاه الله، فهذا مقام التدبر.
وأما مقام البيان للغير، والتفسير لكلام الله للناس، فهذا لابد فيه من أن يعلمه الشخص علماً صحيحاً ثابتاً باتفاق العلماء.
وقد ذكر العلماء أنه يجب على المتكلم في الآيات، أن يكون عالماً بأسباب النزول، وعارفاً بالناسخ والمنسوخ، وإلا وقع في الغلط. ذكر ابن تيمية – رحمه الله – في المنهاج وغيره: "أن عليًّا –رضي الله عنه– رأى رجلاً يقص في المسجد، وكأنه يتطرق لمعاني القرآن فقال له: أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا. قال: إذاً أنت أبو اعرفوني، أي تريد الشهرة.
الحلقة الثالثة:
في هذه الحلقة نتناول الحديث عن الاستعاذة، أي الاستعاذة من الشيطان، وهي قولك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو قولك: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، فأنت إذا قلت بأحد القولين فقد أصبت ؛ لصحة وروده في السنة، وإن قلت هذا مرة وهذا مرة، فهذا أحسن ؛ لأن التنويع في صيغ الذكر المشروع من كمال اقتدائك بفعل رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -.
لنسأل: هل الاستعاذة آية أم ليست آية من القرآن؟
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ليست آية بالاتفاق، لكن الله تعالى أمرنا إذا أردنا أن نقرأ القرآن أن نستعيذ، قال تعالى: "فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم" أي إذا أردت أن تقرأ القرآن، كما قال تعالى: "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم" أي: إذا أردتم القيام للصلاة.
وبما أن لفظ الاستعاذة ليست آية، فلا يصح لك أن تقول: قال الله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بل تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم تقرأ. أو تقول: قال الله تعالى، وتقرأ الآية مُباشرة، أما إذا قلت: قال الله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فأنت نسبت إلى الله كلاماً لم يقله.
ومُلحظٌ آخر: إن هذا المعنى لا يصح، أي لا يصح أن تنسب الاستعاذة لله عز وجل، يعني أن الله لا يستعيذ من الشيطان الرجيم، ولا من غيره من المخلوقات، فالله هو ذو القوة المتين، والذي يستعيذ هو العبد الفقير، أما القوي القادر فلا يستعيذ، فلا يصح نسب الاستعاذة إلى الله تعالى بحال.
قال أهل اللغة:عاذ به يعوذ، أي لاذ به ولجأ إليه واعتصم، وعُذتُ بفلان واستعذتُ به أي: لجأت إليه.
وأعوذ بالله: أي أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم، أن يضرني في ديني أو دنياي، أو أن يصدني عن فِعل ما أُمرتُ به، ويحضني على ما نُهيت عنه.
والشيطان هو إبليس؛ لأن (أل) هنا للعهد، أي ذلك المعهود لديكم، والشيطان مأخوذ من شَطَن أي بَعُد عن رحمة الله، والرجيم هو المرجوم، وهو المُبعد المهان الذليل، وهذا هو أصدق وصف يستحق أن يوصف به الشيطان، الذي عصى الله تعالى وخالف أمره عناداً واستكباراً.
بعد أن تبيّن لنا معنى الاستعاذة نقف عند بعض المعاني وبعض الحِكم المستنبطة من الاستعاذة، وهذا ليس من باب التفسير، ولكنه من باب الاعتبار ومن باب التدبير ومن باب تلمس الحِكم.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 480.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 478.77 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (0.36%)]