المضاف المعرف بأل في شعر المتنبي

[ابوالوليد المسلم]

المضاف المعرف بأل في شعر المتنبي


د. إبراهيم عوض





مما شد بصري وانتباهي في تراكيب المتنبي إكثارُه من استعمال المضاف المعرف بـ(أل)، ومعروف أن المعرف بـ(أل) تحذف منه هذه (الألف واللام) عند إضافته، اللهم إلا إذا كان هذا المعرف بـ(أل) هو صفة والمضاف إليه معمول لتلك الصفة، مثل (الضاربا زيد)، و(الضاربو زيد)، و(الضارب الرجل)، و(الضارب رأس الرجل)، و(الضارب غلامه)[1].

معروف كذلك أن المضاف إليه في هذا التركيب يمكن أيضًا رفعه أو نصبه حسب العلاقة التي تربطه بالمضاف (فاعلًا له، أو نائب فاعل، أو مفعولًا مثلًا)[2].

وقد استطعت أن أعد للمتنبي من هذا النوع من الإضافة، الذي لا نقابله كثيرًا في كتابات الأدباء ونظم الشعراء، نحو الأربعين استعمالًا.

وأظن أننا يمكن أن نضمَّ هذه الملاحظة مع الملاحظات الأخرى التي تشير أيضًا إلى أن المتنبي يميل إلى تنكُّب الطريق المألوف والخطوط الواضحة، لفتًا للأنظار، أو بغية الإدهاش، أو إهمالًا في الصياغة، أو لهذا كله معًا.

وعلى أية حال فهاك عددًا كافيًا من الأمثلة على ما أقول، جريًا مع عادتي من أول الكتاب، وهي الإكثار من الشواهد لتكون كل كلمة من كلامي موثَّقة، وبخاصة أن كثيرًا من هذه الملاحظات لم يسبق، فيما أذكر، أنه نبه عليها أحدٌ من قبل، ومن ثم فلا يكفي فيها المثال أو المثالان، وإنما لا بد من سوق عدد كبير من الأمثلة عليها؛ حتى يقتنع القارئ بما أقول، وترسخ هذه الملاحظات الجديدة في ذهنه:
فيقلقُ منه البعيدُ الأناةِ *** ويغضب منه البطيءُ الغضبْ
كل من (الأناة) و(الغضب) يمكن إعرابهما مضافًا إليه أو فاعلًا.
♦ ♦ ♦

وما عدم اللاقوك بأسًا وشدةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولكنَّ مَن لاقوا أشدُّ وأنجَبُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

• • •https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



أنا من شدةِ الحياءِ عليلٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مكرمات المعلهِ عوَّادُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


(المعله: المعل إياه؛ أي الذي سبب له العلة، ومعنى البيت أن مكارم من أعلني تصل إلي، وسبب العلة شدة حيائه، كما يقول).
♦ ♦ ♦

الخائضَ الغمراتِ غيرَ مدافعٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والشِّمِّريَّ المِطعنَ الدعيسا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



• • • https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



أسائلُها عن المتديِّريها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فلا تدري ولا تذري دموعا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


(أي أسائل الديار عن الذين اتخذوها دارًا: أين ارتحلو؟).
♦ ♦ ♦

وما لكلامِ الناسِ فيما يريبني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أصولٌ ولا للقائليهِ أصولُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



• • •https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



قفي تغرم الأولى من اللحظ مهجتي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بثانية، والمتلف الشيء غارمُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



ويضحى غبارُ الخيلِ أدنى ستورِه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وآخرها نشرُ الكِباءِ الملازمُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


♦ ♦ ♦



يتبع

[ابوالوليد المسلم]

الراجعُ الخيل مُحفاةً مقوَّدةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مِن كلِّ مثلِ وبارٍ أهلُها إرمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



• • •https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



بنفسي الخيالُ الزائري بعد هجعةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وقولته لي: (بعدَنا الغمضُ تطعمُ؟) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



• • •https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



ليت الحبيبَ الهاجري هجرَ الكرى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مِن غير جرمٍ واصلي صلةَ الضنى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



• • •https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



لو كان ذا الآكلُ أزوادنا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ضيفًا لأوسعناه إحسانا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



• • •https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



الواسعُ العذرِ أن يتيهَ على الدْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
دُنْيا وأبنائها وما تاها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وأحياناً يستخدم مثل هذا التركيب (الأمير الرحب منزله) (2 /16 /3)، وهو كما ترى قريب من تركيب الإضافة الذي بصدده.

وهذه أمثلة أخرى له: (الذهب المعروف مخبره) (2/140/2)، و(الحبيب لقاؤه إلينا) (4 /166 /6)، و(الطويل نجاده) (4 /247 /25)، و(المثنى عليه الوغى وخيلاها) (4 /278 /39).

وكما أن المتنبي مثلما رأينا يُكثِر من الإبقاء على (الألف واللام) في المضاف، فهو في أحيان أخرى قد يبقي أيضًا على نونه (إذا كان مثنى أو جمع مذكر سالِمًا)، فيخرج التركيب بذلك عن حالة الإضافة، ويأخذ اللفظ الذي كان حقه أن يكون مضافًا إليه (لو كانت هذه النون قد حذفت)، إعرابًا آخر حسب علاقته بالكلمة التي كانت ستضاف إليه؛ مثل:
من القاسمينَ الشكرَ بيني وبينهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لأنهمُ يُسدَى إليهم بأن يسدوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



• • • https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



هم المحسنون الكرَّ في حومةِ الوغى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأحسنُ مِنه كرُّهم في المكارمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


♦ ♦ ♦


ومثل إبقائه على (النون) في المثنى والمذكر السالم قد يبقي على التنوين في المفرد، فتنفك الإضافة هنا أيضًا وتنشأ عَلاقة جديدة بين الكلمتين؛ مثل:

فلا يُبَلْ قاتلٌ أعادِيَهُ *** أقائمًا نال ذاك أم قاعدْ
(فلا يبل: فلا يبال).


[1] انظر هذه المسألة باختصار في: (قطر الندى) لابن هشام، بحاشية السجاعي / 102.

[2] وفي الحقيقة لقد ضُبِطت أواخر بعض هذه الأسماء التي احتلت مواقع المضاف إليه (في شرح العكبري، تحقيق السقا والإبياري وشلبي) بالضمِّ، وبعضها الأخرى بالفتح.