|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() المكرمون والمهانون يوم الدين (1) حسام بن عبدالعزيز الجبرين إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70، 71]. أما بعد: إخوة الإيمان: كرر ربنا كثيراً ذكر يوم القيامة في كتابه، و وصفه بأوصاف متنوعة منها اليوم الآخر، يوم البعث، يوم الخروج، يوم الفصل، يوم الدين، يوم الحسرة، يوم الخلود، يوم الحساب، يوم الآزفة، يوم الجمع، يوم التلاق، يوم الوعيد، يوم التناد، يوم التغابن، وسماه بالساعة والقارعة والصاخة والواقعة والغاشية. قال القرطبي: " وكل ما عظم شأنه تعددت صفاته وكثرت أسماؤه... ثم قال: فالقيامة لما عظم أمرها وكثرت أهوالها سماها الله تعالى في كتابه بأسماء عديدة ووصفها بأوصاف كثيرة " ا.هـ. إخوة الإسلام: سنورد ما يحرك القلوب ترغيباً وترهيباً من حال مكرمين من المؤمنين في ذلك اليوم العظيم وحال معذبين من عصاة المسلمين. إن صنفا من عباد الله - جعلنا الله وأحبابنا منهم - لا يفزعون عندما يفزع الناس ولا يحزنون عندما يحزن الناس، أولئك هم أولياء الرحمن الذين آمنوا بالله وعملوا بطاعته استعدادا لذلك اليوم، يؤمنهم الله في ذلك اليوم، وعندما يبعثون من القبور تستقبلهم ملائكة الرحمن تطمئن قلوبهم ﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [الأنبياء:101، 103] في ذلك اليوم يُنادى أولياء الرحمن طمأنة لهم ﴿ يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ﴾ [الزخرف:68، 69]. والسر - والله أعلم - في هذا الأمن الذي يشمل الله به عباده الأتقياء أن قلوبهم كانت في الدنيا عامرة بمخافة الله فقد حكى الله قولهم ﴿ إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً ﴾ [الإنسان:10، 11] و في حديث قدسي " قال اللهُ عزَّ وجلَّ، و عزَّتي لا أَجْمَعُ لعبدي أَمْنَيْنِ و لا خَوْفَيْنِ، إنْ هو أَمِنَنِي في الدنيا أَخَفْتُهُ يومَ أَجْمَعُ فيهِ عبادِي، و إنْ هو خَافَنِي في الدنيا أَمَّنْتُهُ يومَ أَجْمَعُ فيهِ عِبادِي " صححه الألباني. وكلما كان العبد أكثر إخلاصاً وتوحيداً كان أكثر أمنا يوم القيامة، أخرج الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " لمَّا نَزلَت: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ شقَّ ذلِكَ على أَصحابِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وقالوا: أيُّنا لا يَظلمُ نفسَهُ؟ فقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: ليسَ هوَ كَما تظنُّونَ، إنَّما هوَ كما قالَ لُقمانُ لابنِهِ: يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ". ومن مشاهد الكرامة يوم القيامة الذين يظلهم الله في ظله، فعندما يكون الناس في الموقف العظيم تحت وهج الشمس القاسي يذوقون من البلاء شيئا عظيما بينما يكون فريق من المؤمنين في ظل عرش الرحمن لا يعانون الكربات التي يقاسي منها الآخرون، كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " سبعةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تعالى في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: إمامٌ عدلٌ، وشابٌّ نشأَ في عبادةِ اللهِ، ورجلٌ قلبُهُ مُعَلَّقٌ في المساجدِ، ورجلانِ تحابَّا في اللهِ، اجتمعا عليهِ وتفرَّقا عليهِ، ورجلٌ دعَتْهُ امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ، فقال: إني أخافُ اللهَ، ورجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ، فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُهُ ما تُنْفِقْ يمينُهُ، ورجلٌ ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضتْ عيناهُ " أخرجه الشيخان. والإظلال ليس مقصورا على السبعة المذكورين، ولابن حجر كتاب اسمه: " معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال ". ومن هذه الخصال إنظار المعسر أو الوضع عنه، قال عليه الصلاة والسلام " من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله " رواه مسلم اللهم اجعلنا يوم القيامة من الآمنين، اللهم أظلنا في ظل عرشك يوم الدين، واستغفروا الله إنه كان غفارا. الحمد لله وحده وصلى الله على نبيه وعبده وعلى آله وصحبه أما بعد: فليس حال العباد يوم القيامة على حال واحدة، فبعض المسلمين يكون قد قارف ذنوبا توقعه في أهوال ومشقات وعقاب فممن أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يعذب في الموقف العظيم الذين لا يؤدون الزكاة، وجاء في الأحاديث أن عذابهم متنوع قال عليه الصلاة والسلام: " من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له ماله شجاعا أقرع، (وهو الحية الذكر المتمعط شعر رأسه لكثرة سمه) له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، يأخذ بلهزمتيه - يعني بشدقيه - يقول: أنا مالك أنا كنزك. ثم تلا هذه الآية ﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [آل عمران: 180] ". أخرجه الشيخان. وعند مسلم " ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم. فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره. كلما بردت أعيدت له. في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. حتى يقضى بين العباد. فيرى سبيله. إما إلى الجنة وإما إلى النار ". عباد الله: وممن يعذب في الموقف العظيم: المتكبرون، فالكبر جريمة كبرى في شرع الله، والله يبغض أصحابها أشد البغض وعندما يبعث الله العباد يحشر المتكبرون في صورة مهينة ذليلة ففي الحديث الذي أخرجه أحمد والترمذي " يُحْشَرُ المُتَكَبِّرُونَ يومَ القيامةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ في صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ من كلِّ مَكَانٍ يُساقُونَ إلى سِجْنٍ في جهنمَ يُسَمَّى: بُولَسَ تَعْلوهُمْ نارُ الأنْيارِ، يُسْقَوْنَ من عُصارَةِ أهلِ النارِ طِينَةَ الخَبالِ" حسنه الألباني. والذر صغار النمل وصغار النمل لا يعبأ به الناس فيطؤونه بأرجلهم وهم لا يشعرون، وفي صحيح مسلم مرفوعا " ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهمْ اللهُ يومَ القِيامةِ ولا يُزَكِّيهِمْ وذكر منهم: وعائِلٌ مُستَكْبِرٌ " كما يبغض الله أسماء المتكبرين التي يطلقونها على أنفسهم استكبارا واستعلاء ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أخنَعُ الأسماءِ عِندَ اللهِ رجلٌ تَسمَّى بملِكِ الأملاكِ " زاد مسلم في رواية: " لا مالك إلا الله عز وجل ". قال القاضي عياض: أخنع معناه أشد الأسماء صغارا، وقال ابن بطال: وإذا كان الاسم أذل الأسماء كان من تسمى به أشد ذلا. معشر الكرام: سمعنا شيئًا من حال الأتقياء في الموقف العظيم وشيئا من حال العصاة، نسأل الله موجبات رحمته وعزائم مغفرته والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والجناة من النار. ثم صلوا...
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() المكرمون والمهانون يوم الدين (2) حسام بن عبدالعزيز الجبرين الحمد لله المتفرد بالجلال والبقاء، والعظمة والكبرياء، نَحمَده على نِعمه الجِسام، وأعظمها علينا نعمة الإسلام، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك، له ملك فعدل وأحكم، وأرسل الرُّسل وعلَّم، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا. أمَّا بعدُ: فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله، والنظر إلى أعمالنا، فما كان طيبًا ازددنا منه، وسألنا الله قَبوله، وما كان سيئًا تُبنا منه، وسألنا الله غفرانه، فإني وإياك الآن في دار العمل للآخرة؛ قال الحق جل شأنه: ï´؟ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ï´¾ [الإسراء: 18 - 21]. إخوة الإيمان، حال الناس في الدنيا في استقامتهم على شرع ربهم متفاوتة، وكذلك حالهم في الآخرة متفاوتة أيضًا؛ ï´؟ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّار ï´¾ [ص: 28]. معشر الكرام، سنحرِّك قلوبنا بذكر شيء من حال الفريقين في الموقف العظيم: إن مما ينجي العبد يوم الدين، سعْيَه في حاجات المسلمين، ومساعدة المحتاجين، وتيسيره على المُعسرين؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((مَن نفَّسَ عن مؤمنٍ كُربةً من كُرَبِ الدنيا، نفَّسَ اللهُ عنه كُربةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومن يسَّرَ على معسرٍ، يسَّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخرةِ، ومن سترَ مسلمًا، ستره اللهُ في الدنيا والآخرةِ، واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه))؛ رواه مسلم. وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كان تاجرٌ يُداينُ الناسَ، فإذا رأى مُعسرًا قال لفتيانِه: تجاوزوا عنه، لعلَّ اللهَ يتجاوزُ عنَّا، فتجاوزَ اللهُ عنه)). وممن يُكرَم إخوة الإيمان يوم العرض، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلُّوا، فهم يوم القيامة في مقام رفيع، يجلسون على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، ففي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المقسطين عند الله على منابرَ من نورٍ، عن يمينِ الرحمنِ عز وجل، وكلتَا يديهِ يمينٌ، الذين يعدلونَ في حُكمهِم وأهليهِم وما وُلُّوا)). وممن يُكرَم يوم العرض الشهداء؛ فإن الشهيد لا يَفزَع إذا فزِع الناس؛ ففي سنن الترمذي وابن ماجه عن المقدام بن معدي كرب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((للشَّهيدِ عِندَ اللَّهِ ستُّ خصالٍ: يُغفَرُ لَه في أوَّلِ دَفعةٍ، ويَرى مقعدَه منَ الجنَّةِ، ويُجارُ مِن عذابِ القبرِ، ويأمَنُ منَ الفَزعِ الأكبرِ، ويُوضعُ علَى رأسِه تاجُ الوقارِ، الياقوتةُ مِنها خيرٌ منَ الدُّنيا وما فِيها، ويزوَّجُ اثنتَينِ وسبعينَ زَوجةً منَ الحورِ العينِ، ويُشفَّعُ في سبعينَ مِن أقاربِه))؛ صححه الألباني. ومن إكرام الله للشهيد يوم القيامة أن الله يُبعثه وجُرحه يتفجَّر دمًا، لونه لون الدم، وأما رائحته فرائحة المِسك. أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يُكْلَمُ أحدٌ في سبيلِ اللهِ - واللهُ أعلمُ بمنْ يُكْلَمُ في سبيلِهِ - إلا جاء يومَ القيامةِ وجُرحُهُ يَثْعَبُ، اللونُ لونُ دمٍ والريحُ ريحُ مسكٍ))؛ قال ابن حجر: "قال العلماء: الحكمة في بعْثه كذلك، أن يكون معه شاهد بفضيلته ببذله نفسه في طاعة الله تعالى"؛ ا .هـ. نفعني الله وإياكم بالكتاب والسنة، وبما فيهما من الآي والحكمة، واستغفروا الله إنه كان غفارًا. الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على صاحب الحوض المورود والمقام المحمود، وعلى آله وصحبه. أمَّا بعدُ: فأوصي نفسي وإياكم بفعل الطاعات، وترْك المحرَّمات، وتجديد التوبة؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((يا أيها الناس، توبوا إلى الله؛ فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة))؛ رواه مسلم. إخوة الإيمان، العباد في الدنيا مختلفة أعمالهم ومتفاوتة، وكذلك هم في الآخرة؛ قال الحق سبحانه: ï´؟ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ï´¾ [الجاثية: 21]. سمِعنا في الخطبة الأولى شيئًا من حال المكرمين في الموقف العظيم، والآن ننتقل إلى شيء من حال المهانين يوم الحساب والعرض على رب العالمين. إن ممن يهان في ذلك اليوم، من جاء فيهم وعيد بألا يكلمهم الله، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، فمن هؤلاء الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب وهم الأحبار والرُّهبان، والعلماء الذين يكتمون ما عندهم من العلم؛ إرضاءً لحاكم، أو طلبًا لعرض دنيوي؛ ككتمان أحبار اليهود، ورُهبان النصارى ما يعرفون من صفات رسولنا عليه والصلاة والسلام، وإنكارهم لنبوَّته، مع أنهم كما أخبر الله عنه ï´؟ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ï´¾ [البقرة: 146]؛ قال الحق سبحانه: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ï´¾ [البقرة: 174]. وهذا الوعيد يشمل أصحاب معاصٍ أخرى، ففي الحديث الذي أخرجه البخاري: ((ثلاثة لا يُكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم: رجل حلَّف على سلعة، لقد أعطى بها أكثر مما أعطى وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر؛ ليقتطع بها مال رجل مسلم، ورجل منع فضل ماء، فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي، كما منعت فضل ما لم تعمل يداك)). معشر الكرام، معصية الله مستقبحة في كل حال، ولكنها تزداد قبحًا إذا فعلت مع ضَعف الدواعي والأسباب؛ ولذا جاء الوعيد زائدًا على الزاني كبير السن، وعلى المتكبر الفقير، والملك الذي يكذب، ففي الحديث الذي أخرجه مسلم: ((ثلاثة لا يُكلمهم الله يوم القيامة، ولا يُزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذابٌ أليم: شيخ زانٍ، وملِك كذَّاب، وعائلٌ مستكبر)). وجاء الوعيد السابق في أصحاب كبائر أخرى؛ فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا يُكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يُزكيهم، ولهم عذاب أليم، قال أبو ذر: مَن هم يا رسول الله؟ خابوا وخسِروا، قال: وأعاده رسول الله ثلاث مرات، قال: ((المُسبل، والمنَّان، والمُنفِّق سِلعته بالحَلِف الكاذب))؛ رواه مسلم. وقيَّد العلماء وعيد المسبل هنا بمن أسبَل لباسه خُيلاءَ؛ كما جاء في حديث آخر: ((ومن جر ثوبه خيلاءَ، لم ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة))؛ أخرجه الشيخان؛ قال النووي: أي: لا يُكلمهم تكليم أهل الخيرات بإظهار الرضا، بل بكلام أهل السخط والغضب، ولا ينظر إليهم، فيُعرِض عنهم؛ لأن نظره لعباده رحمة ولُطف، ولا يُزكيهم؛ أي: لا يُطهرهم من دنَس ذنوبهم، وقيل: لا يُثني عليهم. اللهم اجعلنا وأحبابنا يوم العرض عليك من الفائزين المُكرمين!
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() المكرمون والمهانون يوم الدين (3) حسام بن عبدالعزيز الجبرين الحمد لله الذي أنشأ وبرا، وأبدع كل شيء وذرا، لا يغيب عن بصره صغير النمل في الليل إذا سرى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ï´؟ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ï´¾ [طه: 6] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد: فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله فهي وصية الرحمن لنا وللناس من قبلنا ï´؟ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ ï´¾ [النساء: 131] فلنتفقد أنفسنا مع أوامر الله ورسوله ولننظر في حالنا مع ما نهى عنه الله ورسوله، ولنجدد التوبة بعد كل ذنب، إن الثوب الذي يغسل فور اتساخه ليس كالثوب الذي تتراكم عليه الأوساخ أزماناً ثم يغسل، إنه سيحتاج إلى جهد أكبر كي ينصع بياضه.. وكذلك القلوب مع الذنوب. إخوة الإيمان: تقسو قلوبنا فتحتاج إلى ما يلينها، عسى أن تزداد من الله قرباً وتزوداً من خصال التقوى، وإن مما يلينها تذكُّر اليوم الآخر الذي أكثر الله ذكره في كتابه، والقلوب تحتاج إلى الترغيب والترهيب. معشر الكرام: سنقف مع بعض النصوص التي تذكر شيئاً من أحوال الناس يوم العرض، فنورد شيئاً من كرامة الله لفريق من عباده و إهانة وعقاب آخرين من عباده ï´؟ يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ï´¾ [غافر: 16-17] إن من عدل الله ألا يكون العباد على حال واحدة في الآخرة: ï´؟ أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ï´¾ [الجاثية: 21]. إن ممن يظهر فضلهم يوم القيامة المؤذنون، فهم أطول الناس أعناقاً في ذلك اليوم قال عليه الصلاة والسلام "المؤذنون أطوال الناس أعناقا يوم القيامة" رواه مسلم. والمؤذن يشهد له في ذلك اليوم كل شيء سمع صوته عندما كان يرفع صوته بالأذان في الدنيا، ففي صحيح البخاري أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال لعبد الرحمن بن صعصعة : "إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جنٌ ولا إنسٌ ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة قال أبو سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم". قال بعض شراح الحديث "المراد من هذه الشهادة اشتهار المشهود له يوم القيامة بالفضل وعلو الدرجة، وكما أن الله يفضح بالشهادة قوما فكذلك يكرم بالشهادة آخرين". أيها الكرام: والشيب يكون نوراً لصاحبه إذا كان مسلماً يوم القيامة، ففي سنن الترمذي والنسائي عن كعب بن مرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة". صححه الألباني. كما أن الوضوء يظهر فضله يوم العرض، فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أتى المقبرةَ فقال: السلامُ عليكُمْ دارَ قومٍ مُؤمنينَ. وإنا، إنْ شاء اللهُ، بكمْ لاحقونَ. وددتُ أنا قدْ رأينا إخوانَنا. قالوا: أولسنَا إخوانَك يا رسولَ اللهِ؟ قال أنتمْ أصحابي. وإخوانُنا الذين لمْ يأتوا بعدُ. فقالوا: كيفَ تعرفُ منْ لم يأتِ بعدُ من أمتكِ يا رسولِ اللهِ؟ فقال أرأيتَ لو أنَّ رجلًا لهُ خيلٌ غرٌّ محجَّلةٌ. بين ظهرِي خيلٍ دهمٍ بهمْ. ألا يعرف خيلَهُ؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ! قال فإنهمْ يأتونَ غرًّا مُحجَّلينَ منَ الوضوءِ. وأنا فرَطُهمْ على الحوضِ. ألا ليذادنَّ رجالٌ عنْ حوضِي كما يذادُ البعيرُ الضالُّ. أُناديهم: ألا هلُمُّ! فيقال: إنهمْ قد بدَّلوا بعدَكَ. فأقولُ: سُحقًا سُحقًا. وفي روايةٍ: وفيهِ فلُيذادنَّ رجالٌ عن حوضِي. رواه مسلم وأخرج الشيخان من حديث أبي هريرة مرفوعاً: "إن أمتي يأتون يومَ القيامةِ غرًا محجَّلين من أثرِ الوضوءِ". والمراد بالغرة: النور الكائن في وجوه أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأما التحجيل: فنور في الأطراف. بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة وبما فيهما من الآي والحكمة، واستغفروا الله إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله وحده وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وعبده وعلى آله وصحبه. أما بعد: فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله وتجديد التوبة، فإن المعاصي شؤم في الحياة وبعد الممات، والطاعات بركة في الحياة وبعد الممات. ï´؟ أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ï´¾ [الجاثية: 21]. إخوة الإيمان: يكرم عباد يوم العرض ويهان آخرون، وممن يهان: الغادر، الذي يواعد على أمر ولا يفي به قال عليه الصلاة والسلام: "إذا جمعَ اللهُ الأولينَ والآخرينِ يومَ القيامةِ، يُرفعُ لكل غادرٍ لواءٌ، فقيل: هذه غدرةُ فلانِ بن فلانٍ" رواه مسلم. واللواء الراية أو ما تعارف الناس على تسميته بالعَلَم، وتكون عادة مع قادة الجيش في الحرب، وقد كانت العرب ترفع للغادر لواء في المحافل وموسم الحج، فالغادر يوم القيامة ترفع له راية تفضحه، وكلما عظمت الغدرة ارتفعت الراية التي يفضح بها، ففي الحديث الذي أخرجه مسلم: "لكل غادرٍ لواءٌ يومُ القيامةِ يُرفعُ له بقدرِ غدرِهِ. ألا ولا غادرَ أعظمَ غَدْرا من أميرُ عامةٍ" وأمير العامة الحاكم أو الخليفة وكانت غدرته كذلك لأن ضرره يتعدى إلى خلق كثير، ولأنه يملك القوة والسلطان فلا حاجة للغدر. عباد الله، إن الله عز وجل حرم الظلم على نفسه، وجعله محرماً بين العباد، وقد جاء الوعيد على غاصب الأرض. قال عليه الصلاة والسلام: "من أخذ شيئًا من الأرضِ بغيرِ حقِّه، خُسِفَ به يومَ القيامةِ إلى سبعِ أرَضينَ" أخرجه البخاري. كما يعاقب يوم القيامة الذي يكذب في حلمه ، بأن يكلف أن يعقد بين شعيرتين، كما أن الذي يستمع لحديث الناس وهم يكرهون ذلك يعاقب بأن يصب في أذنيه الآنك وهو الرصاص المذاب. ففي الحديث الذي أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تحلَّمَ بحلمٍ لم يرَهُ كُلِّفَ أن يعقدَ بين شعيرتيْنِ، ولن يفعل، ومن استمع إلى حديثِ قومٍ، وهم له كارهون، أو يفرُّون منه، صُبَّ في أذنِه الآنكُ يومَ القيامةِ، ومن صوَّرَ صورةً عُذِّبَ، وكُلِّفَ أن ينفخَ فيها، وليس بنافخٍ". والمقصود صور ذوات الأرواح، وقد اختلف العلماء اختلافاً كثيراً في تحديد الصورة المحرمة هل هي بالنحت والتجسيم، أم يدخل فيها الرسم باليد ، وهل تدخل فيها الصور الفوتوغرافية، وليس هذا موضع بيانه إنما أحببت الإشارة والتنبيه. وبعدُ - عباد الله - صلوا وسلموا....
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |