|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() من أحكام الجهاد الشيخ صالح بن عبدالرحمن الأطرم الحمد لله القائل: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47]، وأشهد أن لا إله إلا الله القائل: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]، سبحانه نصر عبده، وأعزَّ جنده، وهزم الأحزابَ وحده ﴿ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 32]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين والمجاهدين، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهَد في الله حقَّ جهاده، فما داهَن وما استكان، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الذين وُصِفوا بأنهم رهبان بالليل، أسود على الأعداء بالنهار ﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22]. أما بعد، فأيها المسلمون، اتقوا الله تعالى بامتثال أمره واجتناب نهيه، وهذه جملة أحكام في الجهاد اخترتُها من الكتاب والسنة ومن كلام العلماء، وَفَّق الله الأمة الإسلامية لرفع علمِ الجهاد الذي به حياتها وعزتها ورِفْعتها، وبعدمه يكون ذلُّها وموتها، ففي الحديث: ((إذا تبايعتم بالعِينة، وأخذتم بأذناب البقر، ورضيتم بالزرع، سلَّط الله عليكم ذلاًّ لا يُرفَع عنكم حتى تراجعوا دينكم))، فدل هذا الحديث على أن الأمة الإسلامية متى ركنت إلى الدَّعة والسكون، وكان همها مأكلها ومشربها، من غير مبالاة بعزة الإسلام فيما بينها أفرادًا وجماعات، وغير مهتمة بإعلاء كلمة الله وانخفاض كلمة الكفر، حصل عليها ما حصل من الذِّلة والهوان، وتسلُّط الأعداء على النفس والمال والأعراض والأديان والأوطان. فمن أحكام الجهاد أيها المسلمون: أولاً: أن الله تعالى شرعه؛ لما يَشتمِل عليه من حفْظ الضروريات الخمس التي جاء الإسلام بوجوب المحافظة عليها باتفاق الأمة الإسلامية، وهذه الضروريات هي: حِفظ عقيدة المسلمين ونفوسهم وأعراضهم وعقولهم وأموالهم، فلِزامًا على المسلمين أن يحافظوا على هذه الضروريات في ضوء ما رسمتْه الشريعة الغراء والسُّنة المطهرة. ثانيًا: الجهاد في اللغة: بذْل الطاقة والوُسع، مصدر: جاهدت جهادًا، وفي الشرع: بذل الجهد في قتال الكفار. ثالثًا: يكون الجهاد بالمال والنفس، قال تعالى: ﴿ وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [التوبة: 41]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الصف: 10، 11]، قال ابن القيم وغيره - رحمهم الله -: والصواب الذي لا ريب فيه أن الأمر بالجهاد بالمال شقيق الأمر بالجهاد بالنفس وقرينُه، بل جاء مُقدَّمًا على النفس في كلِّ موضع إلا موضعًا واحدًا، وهو الذي يدل على أن الجهاد بالمال أهم وأشهر من الجهاد بالنفس، وفي هذا الخبر وجوبه باللسان بإقامة الحجة عليهم، وبدعائهم إلى الله تعالى والزجر ونحوه مما فيه نكاية للعدو، وقال: جنس الجهاد فرض عين إما بالقلب وإما باللسان وإما بالمال وإما بالبدن، فعلى المسلم أن يُجاهِد بنوع من هذه الأنواع. رابعًا: وجوب نيَّة الغزو والاستعداد له في سبيل الله تعالى؛ ففي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا - يعني إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((مَن مات ولم يَغْزُ ولم يُحدِّث نفسَه بالغزو في سبيل الله، مات على شُعبة - أي: خَصلة - من خِصال النفاق))، وهذا الوعيد دليل على وجوب الغزو في سبيل الله تعالى، ودليل أيضًا على وجوب العزم على الجهاد. خامسًا: حُكْم الجهاد فرضُ كفاية، ما لم يَحضُر العدو، فحينئذٍ يتعيَّن على كل واحد قادر أن يتحرَّك لجهاده، وأن يُحيي سيرة السلف الصالح، فتتوالى الانتصارات بإذن الله تعالى: ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140]، ﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 104]. سادسًا: وجوب إخلاص النية في قتال العدو لمزيد الأجر والثواب؛ لأن المجاهد بائع نفسه على ربه بثمن هو الجنة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 111]. وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَن قاتَل - يعني في سبيل الله - لتكون كلمة الله هي العليا - أي: لإظهار دين الله - فهو في سبيل الله))؛ مُتَّفق عليه، وهذا جواب سؤال: الرجل يُقاتِل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله)). قال ابن بطال - رحمه الله -: "إنما عدَل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن لفظِ جواب السائل؛ لأن الغضب والحمية قد يكونان لله تعالى، فعدل عن ذلك إلى لفظ جامع، وأفاد رفع الالتباس وزيادة الإفهام، وذهب المحقِّقون إلى أنه إذا كان الباعث إعلاء كلمة الله، لم يضره ما ينضاف إليه". سابعًا: كراهية النفوس لقتال الأعداء؛ قال تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]. قال الفخر الرازي - رحمه الله - في التفسير الكبير: "معنى الآية: أنه ربما كان الشيء شاقًّا عليكم في الحال، وهو سبب المنافع الجليلة في المستقبل، وبالضد، ولأجله حَسُنَ شرب الدواء المر في الحال؛ لتوقُّع حصول الصحة في المستقبل، وحسن تَحمُّل الأخطار في الأسفار؛ لتوقع حصول الربح في المستقبل، وحسن تَحمُّل المشاق في طلب العلم؛ للفوز بالسعادة العظيمة في الدنيا وفي العُقبى". فللجهاد حِكم وأسرار عظيمة ولو كرهته النفوس، وفي ترْكه الأخطار والأضرار وإن رغبته النفوس؛ وذلك لأن تركَ الجهاد وإن كان يفيد في الحال صونَ النفس عن خطر الموت، وصون المال عن الإنفاق، ولكنْ فيه أنواع من المضار، منها: أن العدو إذا علِم ميلَكم إلى الدَّعة والسكون قصد بلادَكم وحاول قتلَكم، فإما أن يأخذكم ويستبيح دماءكم وأموالكم، وإما أن تحتاجوا إلى قتالهم من غير إعداد آلة وسلاح، وهذا يكون كترك مداواة المرض في أول ظهوره بسبب نفرة النفس عن تحمُّل مرارة الدواء، ثم في آخر الأمر يصير المرء مضطرًّا إلى تحمل أضعاف تلك النفرة والمشقة. عباد الله، إن للجهاد آثارًا عظيمة، وحِكَمًا جليلة، فمن ذلك: أن القتال سبب من أسباب حصول الأمن، ومنها: السرور العظيم بالنصر على الأعداء. أما ما يتعلَّق بالدين، فكثيرة، منها: ما يحصل للمجاهد من الثواب العظيم إذا فعَل الجهاد تقرُّبًا وعبادة، وسلك طريق الاستقامة فلم يُفسِد ما فعله. ومنها: أن عدوكم إذا رأى جدَّكم في دينكم وبذلكم أنفسكم وأموالكم في طلبه، مال بسبب ذلك إلى دينكم ورغب فيه، فإذا أسلم على أيديكم صِرتم بسبب ذلك مستحقين للأجر العظيم عند الله تعالى. ومنها: أن مَن أقدم على القتال؛ طلبًا لمرضاة الله تعالى، كان قد تحمَّل ألم القتل؛ بسبب طلبه رِضوان الله ما دام متيقنًا بفضل الله ورحمته وأنه لا يضيع أجرَ المحسنين، وبأن لذَّات الدنيا أمور زائلة، ومن أعظم سعادة الإنسان أن يُفارِق الدنيا وهو مُقدِّم لمحبة الله ورضاه على شهواتها وملذاتها، فهذا المقياس الصحيح، لا ما تكرهه النفوس أو ما تشتهيه، والله يعلم وأنتم لا تعلمون. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الأنفال: 20 - 22]. وقال تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |